عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2020, 11:15 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



[باب فيما يجب على المبتدي في هذه الطريقة]

أولاً وما يجب عليه من الأدب مع الشيخ ثانيًا وما يجب على الشيخ في تأديب المريد


فالذي يجب على المريد المبتدي في هذه الطريقة:

الاعتقاد الصحيح الذي هو الأساس، فيكون على عقيدة السلف الصالح أهل السنة القديمة سنة الأنبياء والمرسلين، الصحابة والتابعين، والأولياء والصديقين على ما تقدم ذكره وشرحه في أثناء الكتاب.

فعليه بالتمسك بالكتاب والسنة والعمل بها أمرًا ونهيًا، أصلاً وفرعًا، فيجعلهما جناحيه يطير بهما في الطريق الواصل إلى الله عز وجل، ثم الصدق في الاجتهاد، حتى يجد الهداية، والإرشاد إليه والدليل، وقائدًا يقوده، ثم مؤنسًا يؤنسه، ومستراحًا يستريح إليه في حالة إعيائه ونصبه وظلمته عند ثوران شهواته ولذاته وهنات نفسه وهواه المضل، وطبعه المجبول على التثبط والتوقف عن السير في الطريق قال الله عز وجل: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69] وقال الحكيم: من طلب وجدَّ وَجَدَ.

فبالاعتقاد يحصل له علم الحقيقة، وبالاجتهاد يتفق له سلوك الطريقة.

ثم يجب عليه أن يخلص مع الله عز وجل عهدًا بأن لا يرفع قدمًا في طريقه إليه، ولا يضعها إلا بالله ما لم يصل إلى الله، فلا ينصرف عن قصده بملامة مليم لأن الصادق لا يرجع، ولا يوجد كرامة فلا يقف معها ويرضى بها عن الله عز وجل عوضًا، إذ هي حجابه عن ربه ما لم يصل إليه عز وجل، فإذا حصل الوصول لا تضره الكرامات، إذ هي من باب القدرة وثمراتها وعلاماتها، ووصوله إلى الحق عز وجل من القدرة، فلا ينقض الشيء نفسه، وكيف وقد يصير هو حينئذ قدوة في الأرض وخرق عادة، وكلامه حكمة بالغة من بعد جهل وعجمة وبلادة وقصور، وحركاته وسكناته وتصاريفه عبرة لمن اعتبرها، وأفعال الله تجري فيه وعليه مما يبهر العقول، ثم قد يؤمر حسنئذ بطلب الكرامة ويجبر عليه، وتحقق عنده أن دماره وهلاكه في ترك الطلب ومخالفة هذا الأمر، وثباته وبقاءه وعبادته وقربته ومرضاة ربه ودنوه منه وزيادة محبة ربه له في طلبها وامتثال أمره فيها، فكيف تضره الكرامة حينئذ غير أن يكون ذلك بينه وبين ربه عز وجل ولا يظهره لأحد من العوام إلا أن يغلب ليه ظهوره، لأن من شرط الولاية كتمان الكرامات، ومن شروط النبوة والرسالة إظهار المعجزات، ليقع بذلك الفرق بين النبوة والولاية.


ولا ينبغي أن يعرج في أوطان التقصير، ولا يخالط المقصرين والبطالين أبناء قيل وقال، أعداء الأعمال والتكاليف، المدعين للإسلام والإيمان، الذين قال الله عز وجل في حقهم: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 2 - 3] وقال في أختها: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} [البقرة:44].

وينبغي له ألا يظن ببذل الميسور، ولا يبخل بالموجود خوفًا ألا ينال مثله للإفطار والسحور، ويقطع في نفسه وبقلبه علمًا بأن الله لم يخلق وليًا له في سالف الدهور بخيلاً ببذل الميسور.

وينبغي له أن يرضى بالذل الدائم وحرمان النصيب، والجوع الدائم والخمول، وذم الناس له، وتقديم أضرابه وأشكاله وأقرانه عليه في الإكرام والعطاء، والتقريب عند الشيوخ ومجالس العلماء، فيجوع هو والجماعة يشبعون، والكل أعزاء، ونصيبه الذل، ومن لم يرض بهذا ويوطن نفسه عليه فلا يكاد أن يفلح ويجيء منه شيء، فالنجاح الكلي والفلاح فيما ذكرنا.

وينبغي له ألا ينتظر من الله مطلوبًا سوى المغرفة لما سلف من الذنوب، والعصمة فيما يأتي من الدهور، والتوفيق لما يحبه من الطاعات، ويوصله إليه من القربات، والرضا عنه في الحركات والسكنات والتحبب إلى الشيوخ من الأولياء والأبدال إذ ذاك سبب لدخول في مرة الأحباب ذوي العقول والألباب، الذي عقلوا من رب الأرباب، واطلعوا على العبر والآيات، فصفت حينئذ القلوب والضمائر والنيات، فهذا الذي ذكرته صفة المريد، وما لم يتجرد قلبه عن جميع الطلبات والمآرب، وينتفي عن غيرها ما ذكرنا من الحوائج والمطالب، لا يكون مريدًا على نعت الاستحقاق.



رد مع اقتباس