الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 09:49 AM   رقم المشاركة : 53
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الثانية والأربعون

فـي بـيـان حـالـتـي الـنـفـس

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : النفس لها حالتان لا ثالث لهما: حالة عافية، وحالة بلاء، فإذا كانت في بلاء فالجزع والشكوى والسخط والاعتراض والتهمة للحق جل وعلا لا صبر ولا رضى ولا موافقة، بل سوء الأدب والشرك بالحق والأسباب والكفر، وإذا كانت في عافية فالشره والبطر وإتباع الشهوات واللذات، كلما نالت شهوة طلبت أخرى، واستحقرت ما عندها من النعم من مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح ومسكون ومركوب، فتخرج لكل واحدة من هذه النعم عيوباً ونقصاً، وتطلب أعلى منها وأسنى مما لم يقسم لها، وتعرض عما قسم لها، فتوقع الإنسان في تعب طويل، ولا ترضى بما في يديها وما قسم لها، فيرتكب الغمرات ويخوض المهالك في تعب طويل لا غاية له ولا منتهى في الدنيا، ثم في العقبى، كما قيل: إن من أشد العقوبات طلب ما لا يقسم. وإذا كانت في بلاء لا تتمنى سوى انكشافها وتنسى كل نعيم وشهوة ولذة ولا تطلب شيئاً منها، فإذا عوفيت منها رجعت إلى رعونتها وشرها وبطرها وإعراضها عن طاعة ربها وانهماكها في معاصيه، وتنسى ما كانت فيه من أنواع البلاء والضر وما حل بها من الويل، فترد إلى أشد ما كانت عليه من أنواع البلاء والضر، لما اجترحت وركبت من العظائم فطماً لها وكفاً عن المعاصى في المستقبل، إذ لا تصلح لها العافية والنعمة بل حفظها في البلاء والبؤس، فلو أحسنت الأدب عند انكشاف البلية ولازمت الطاعة والشكر والرضى بالمقسوم لكان خيراً لها دنيا وأخرى، وكانت تجد زيادة في النعيم والعافية والرضى من الله عز وجل والطيبة والتوفيق، فمن أراد السلامة في الدنيا والأخرى فعليه بالصبر والرضا، وترك الشكوى إلى الخلق وإنزال حوائجه بربه عز وجل ولزوم طاعته وانتظار الفرج منه و الانقطاع إليه عز وجل، إذ هو خير من غيره ومن جميع خلقه، حرمانه عطاء، عقوبته نعماء، بلاؤه دواء، وعده نفذ، قوله فعل مشيئة حاله }إِنَّمَا{ وقوله وأمره أَمْرُهُ }إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{.يس82. كل أفعاله حسنة وحكمة ومصلحة، غير أنه طوى على المصالح من عباده وتفرد به، فالأولى واللائق بحاله والرضى والتسليم، واشتغاله بالعبودية من أداء الأوامر وانتهاء النواهي والتسليم في القدر، وترك الاشتغال في الربوبية التي هي علة الأقدار ومحاربتها، والسكوت عن لم وكيف ومتى؟ والتهمة للحق عز وجل في جميع حركاته وسكناته، وتستند هذه الجملة إلى حديث بن عباس رضي الله عنهما، وهو ما روى عن عطاء بن عباس رضي الله عنهما قال: بينما أنا رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لي : يا غلام "أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده أمامك، فإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما هو كائن" فلو جهد العباد أن يضروك بشئ لم يقضه الله عليك لم يقدروا عليه فإن استطعت أن تعامل الناس بالصدق واليقين فاعمل، وإن لم تستطع فإن الصبر على ما تكره خيراً كثيراً. وأعلم أن النصرة بالصبر والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً، فينبغي لكل مؤمن أن يجعل هذا الحديث مرآة لقلبه وشعاره ودثاره وحديثه، فيعمل به في جميع حركاته وسكناته حتى يسلم في الدنيا والآخرة ويجد العزة فيهما، برحمة الله عزَّ وجلَّ.


رد مع اقتباس