الموضوع: تشاد Chad
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2011, 03:44 AM   رقم المشاركة : 7
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: تشاد Chad

كتاب حرب تشاد.. الكارثة الكارثة
8 - اسباب الهزيمة...

حققت القوات المسلحة الليبية، في تشاد، نجاحات عسكرية عديدة، لكنها كانت نجاحات جزئية، متفرقة زمنا، ومتناثرة مواقعا، سنشير اليها في وقت لاحق، باذن الله. اما الهزيمة المقصودة في عنوان هذا الجزء، فهي الهزيمة العسكرية النهائية الشاملة، والتي تأكدت بعد هزائم "فادا"، و"بير كوران"، و"وادي الدوم"، و"معطن السارة"، والتي تم الحديث عنها، في الجزئين، الخامس والسادس، تحت عنوان، "مذابح..لا.. معارك"، وراح ضحيتها الالاف من ابناء ليبيا.

وتعود هزيمة القوات الليبية في تشاد، الى اسباب عسكرية وسياسية عديدة، تقع مسؤليتها بالدرجة الاولى، على القيادة السياسية والعسكرية العليا، بما في ذلك معمر. كما تعود بعض الاسباب الاخرى، الى اخطاء عسكرية، تقع مسؤليتها المباشرة، على عاتق القادة العسكريين المحليين، او قادة الميدان. وسنتحدث في هذا الجزء، عن اسباب الهزيمة بصفة عامة، نتحدث بعدها، عن نماذج من قرارات ارتجالية عليا، واخطاء قاتلة، ارتكبها النظام، ساهمت -هذه الاخطاء- مساهمة فعالة، في هزيمة القوات المسلحة الليبية في تشاد.

اسباب الهزيمة..

كان من اهم اسباب هزيمة القوات المسلحة الليبية، اعتماد النظام الليبي في حربه ضد تشاد، على امكانيات ليبيا المادية الهائلة، وترسانة الاسلحة التي كان يكدسها، لسنوات عديدة قبل الحرب، مقابل امكانيات دولة، ربما صُنفت، في يوم من الايام، كافقر دولة في العالم. لقد انست الاسلحة الحديثة وتنوعها ومقدرتها وفاعليتها وكثرتها وضخامتها، انست، القادة الليبيين، فنون الحرب، وتكتيكاته، ومبادئه، واساسياته، فاعتمدوا على الكم لا على الكيف. وربما جاء هذا الكم الهائل، من السلاح، كمخدر، جعل القادة الليبيين، العسكريين منهم والسياسيين، يتعاملون مع حرب تشاد، كنزهة ترفيهية.

كما راهن النظام، على مشاكل تشاد الداخلية، فقد حاول توظيف الاختلافات والتمزقات والمشاكل، الاقتصادية والاجتماعية والعرقية والسياسية والدينية، المزمنة في تشاد، وظن ان استغلاله لهذه العوامل، قد يكفي لاختراق التشاديين، وتمزيقهم سياسيا، وعسكريا، ثم الانتصارعليهم، والسيطرة على بلادهم.

نذكر من هذه العوامل، على سبيل المثال، انقسام تشاد، الى شمال مسلم، وجنوب مسيحي، والفقر المدقع، الذي كانت تمر به تشاد، حيث صنفت، في يوم من الايام، وكما ذكرنا، كافقر دولة في العالم، واختلاف التشاديين فيما بينهم، فكريا وسياسيا وعرقيا ودينيا، وما نتج عن ذلك من تأسيس احزاب سياسية، وفصائل مسلحة، لا اول لها ولا اخر، وما حدث بين هذه الفصائل، من انقسامات وانشقاقات وصراعات دموية، تحدثنا عنها بالتفصيل في الجزء الثاني، من هذا الكتاب، تحت عنوان "المقاومة.. وتأسيس جبهة التحرير الوطني التشادي"، والجزء الثالث تحت عنوان " انشقاقات وتصادمات."

لكن تأثير جميع هذه العوامل الاقتصادية والعرقية والسياسية والدينية، في هذه الحرب، كان محدودا جدا، فقد كانت نجاحاتها جزئية، تكتيكية، مؤقتة (لا نقرها بالطبع). فلم يحرز استخدام هذه العوامل، نجاحات عسكرية تذكر. ولم ينجح النظام - عبر استغلال هذه العوامل- في احكام سيطرته على تشاد، او في تحقيق انتصار شامل واحد. فقد التف التشاديون في النهاية، حول قادتهم، ووضعوا وطنهم نصب اعينهم، عندما ادركوا تلاعب النظام الليبي، واستغلاله لهذه العوامل.

وتعود الهزيمة ايضا، الى الانتقال الارتجالي، من حليف الى اخر، انتقالا غير مبرر احيانا، وغير مدروس احيانا اخرى. مما كان له الاثر السلبي على المقاتل الليبي في ميدان القتال. لقد كان النظام يتنقل من حليف الى اخر، بسرعة وعبث وارتجال، ودون ترو ودون توفر الاسباب المنطقية الضرورية لهذا التنقل احيانا. وحتى لو توافرت الاسباب، فان توقيت الانتقال وطريقته، كانت تتم بصورة ماساوية، فقد كان يصاحب الانتقال من حليف الى اخر، مذابح يذهب ضحيتها المقاتل الليبي في تشاد.
ومن الاسباب التي ساهمت في الهزيمة ايضا، اشتراك طلاب المدارس والمعاهد ومنتسبي المقاومة الشعبية، فكما فعل في اوغندا، مع افراد المقاومة الشعبية، ارسل النظام الطلاب وافراد المقاومة الشعبية للمشاركة في الحرب الدائرة في تشاد. ليس ذلك فحسب، بل ارسل هذه الفئات دون اعداد وتدريب واستعداد. بل ويروى ان النظام كان يجمع الناس من دور السينما وملاعب كرة القدم والشوارع، وعند البوابات، ويرسلهم الى اتون الحرب في تشاد. كما كان اعوان النظام يوقفون الناس، وخاصة سائقي الشاحنات، فيستولون على الشاحنات، لاستخدامها في الحرب التشادية، او يوجهون السائق وشاحنته، الى تشاد قسرا. وبالطبع لا تصلح هذه الفئات والمجاميع، لمواجهة ميليشيات مسلحة، تمرست على حرب العصابات، على ارضها، حتى اصبح افرادها، رجال حرب من الطراز الاول، ترعرعوا في اتون الصدامات العسكرية، بين الحكومات التشادية والفرولينات، منذ الستينات، ولاكثر من ثلاثين عاما تقريبا.
كما ساهمت التكتيكات العسكرية الجديدة، والتي تبنتها القوات التشادية، في هزيمة القوات الليبية، فقد اعتمدت القوات التشادية، في المراحل الاخيرة من الحرب، على الاسلحة الخفيفة، والمباغتة السريعة، مقابل الاسلحة الروسية الثقيلة، وخاصة الدبابات الضخمة، التي كان يصعب المناورة بها، في رمال الصحراء، مما جعل القوات التشادية، اسرع تحركا، واكثر فاعلية، واسهل مناورة ومباغتة، من القوات الليبية.



اضف الى كل ذلك، ان التشاديين كانوا يقاتلون بشراسة، من اجل قضية وطنية عادلة، فكانوا على استعداد للموت، من اجل تحرير بلادهم. اما المقاتل الليبي، فكان يقاتل بلا دوافع وطنية مقنعة، وبدون قضية، بل كان المقاتل الليبي، يؤمن بان القضية التي يقاتل من اجلها، قضية غير عادلة، بل لا تعرف اغلب القوات الليبية، القضية التي يقاتلون من اجلها اصلا. ففقد المقاتل الليبي بذلك الروح المعنوية، والدافع الوطني، والديني، والسياسي، الذي يساعده على القتال بكفاءة واخلاص وتصميم.



ومن الاسباب الرئيسية ايضا، تعدد الاطراف المشتركة في هذه الحرب، والفوضى التي خلقها هذا الخليط غير المتجانس، من الفرولينات، والقوات المسلحة الليبية، والطلبة، والمقاومة الشعبية، والفيلق الاسلامي، والقيادة السياسية، والقادة العسكريين، الذين لا يتنفسون الا اذا جائتهم الاوامر العليا، فلا هي حرب عصابات، ولا هي حرب نظامية، واضحة.



العميد الركن سليم الحجاجي.. واسباب الهزيمة..

ويلخص العميد الركن سليم الحجاجي، اسباب الهزيمة في تشاد، في مقال له بعنوان "اسباب هزيمة القوات الليبية في تشاد" - يلخصها- في فشل القيادة وغيابها عمليا. وتشمل القيادة، التي يشير اليها الركن الحجاجي، القائد العام للقوات المسلحة، ووزارة الدفاع، وهيئات الاركان العامة، بالاضافة الى اصغر القادة الميدانيين، وذلك بالاضافة الى فقدان الخبرة العسكرية والسياسية، مع الشلل والارتباك والارتجال، بل والفشل في تقدير المواقف التقدير الصحيح، بسبب الفراغ القيادي، وغياب خطة سوق شاملة (استرتيجية)، مع غياب خطة التعبئة العلمية الموضوعية.

ويواصل الحجاجي قائلا: ان غياب الترابط والتنسيق والتجانس، بين القوات الليبية المختلفة، التي اشتركت في تشاد (الجوية، المشاة، الصاعقة، الطلبة، المقاومة،... الخ)، وغياب التنسيق والترابط والتجانس، داخل نفس السلاح، يعتبر سببا هاما، من اسباب الهزيمة في تشاد. كما اشار الحجاجي، الى ان فنون الهجوم، والانسحاب، والتقدم، والدفاع، قد اهملت في هذه الحرب، او غابت تماما، الى درجة تبعث على السخرية والرثاء. مما انعكس، على ضعف اداء الوحدات الفرعية الصغيرة، واداء الوحدات الاكبر، ايضا.

اضف الى كل ذلك، وكما يقول العميد الركن الحجاجي، عدم ايمان الليبيين بالقيادة السياسية الليبية (معمر ونظامه)، فالشعب الليبي يرفض قيادته السياسية، منذ ان بدأت في اذلالاه، وتحطيم روحه المعنوية، والمس بكرامته. فلم يكن المقاتل الليبي، مطمئنا، بسبب قيادته السياسية، على حاجات ابنائه التعليمية والصحية والامنية في ليبيا. اضف الى كل ذلك غياب الدوافع والاهداف المقنعة، وراء هذه الحرب العبثية، فقد غابت الدوافع، التي تجعل منها، حربا مشروعة، وتجعل منها قضية عادلة، يقاتل الجندي الليبي ويمةت من اجلها، بينما يملك المقاتل التشادي، دافعا قويا، فهو يقاتل من اجل تحرير وطنه.
ويضيف العميد الركن سليم الحجاجي الى هذه الاسباب، غياب الضبط والربط العسكريين، وغياب التنفيذ الطوعي، والواعي للاوامر العسكرية، والتعليمات، مع غياب التدريبات العسكرية الجادة، وخاصة التدريبات العسكرية، في ظروف جغرافية، ومناخية، وتضاريس، وطقس، وحرارة، مثل تلك، التي واجهها المقاتل الليبي، في تشاد (انتهى كلام الحجاجي).

واود ان انوه، الى ان الاسباب التي ذكرت حتى الان، لا تكفي لتبرير الهزيمة العسكرية، التي تعرضت لها القوات المسلحة الليبية، بالرغم مما تملكه هذه القوات، من كم هائل، من الاسلحة، والامكانيات، والغطاء الجوي، والعمق الاسترتيجي، فالاسباب التي ذكرناها، حتى الان، تشرح الهزيمة، لكنها لا تبررها.
كما اود ان ان انوه ايضا، الى ان تكرار الخصم لنفس التكتيك، ونجاحه فيه، اكثر من مرة، يدل على قصور من طرف قادة الميدان. فالتكتيك الذي تبنته القوات التشادية، عبر استخدام الاسلحة الخفيفة، والشاحنات الصغيرة، على سبيل المثال، والذي قصم ظهر القوات الليبية، في فترة من فترات الحرب، ما كان له ان يتكرر اكثر من مرة واحدة، حيث انتفي عنصر المفاجأة، بعد المرة الاولى، خاصة وقد تكررت هذه الاساليب، في حروب سابقة في العالم. فكان يجب توقع ذلك اصلا. كما كان على قادة الميدان، ايجاد وسائل واساليب وتكتيكات، تواجه اساليب الخصم الجديدة، وتشلها.

وربما يؤخذ على القادة الميدانيين ايضا، غياب خطط الطواري، وخطط الانسحاب، التي تضمن سلامة القوات المقاتلة او المساندة، فيبدوا ان هذا الامر كان غائبا تماما، في بعض فترات الحرب. وقد يعود ذلك الى عدم توقع الهزيمة، او عدم توقع المباغتة، وهذا قصور واضح، فجميع جيوش العالم عبر التاريخ، لا تتقدم بخطة هجوم او دفاع، الا وتقدم معها خطط انسحاب، لا تقل دقة واحكاما عن خطط الهجوم والدفاع. يحدث ذلك مع اكبر واصغر جيوش العالم، ويحدث ذلك ايضا، اثناء اكبر واصغر الحروب. والقائد العسكري، الذي لا يتوقع الهجوم في اي لحظة، وباي شكل، ولا يتوقع المباغتة، ولا يستطيع ان يتكيف مع اساليب الخصم، في الميدان، وبالسرعة والدقة المطلوبة، والذي يعتقد انه ليس في حاجة الى خطة انسحاب، وخطط دفاع، تحت اسواء الظروف، واسواء التوقعات، وفي اية لحظة، وفي اية حالة من الحالات، هذا النوع من القادة، لا يصلح لقيادة الجيوش، مهما كانت رتبهم وخبرتهم ووطنيتهم ومكانتهم. فلابد ان يتوقع القائد العسكري اسواء الاحوال، لا افضلها، ولابد ان يكون جاهزا، على مدار الساعة، وباكثر من خطة، قادرة على مواجهة، اسواء المواقف.
الامر الاخر الذي اود ان اضيفه، هو انني كنت اتمنى، ان يرفض قادة الحرب في تشاد، استقبال واستخدام المجندين والطلبة وافراد المقاومة الشعبية، او اعادتهم الى ليبيا، ولو ادى ذلك الى رفض الحرب والاستقالة، مهما آلت اليه النتائج، فذلك افضل من ان يكونوا اما ضحايا، واما مبررا للهزيمة. خاصة وقد مر الليبيون، بتجربة مماثلة، في اوغندا. كما كنت اود، كلما انتقل النظام، من حليف الى اخر، ان يتم تغيير، او نقل، او استبدال، او طمس، جميع ما اطلع عليه الحليف السابق (العدو الحالي)، من معلومات، او مواقع، او اسلحة، او ذخائر، او مخازن، او برامج، او ...الخ.

وسنخصص، باذن الله، وكما ذكرنا سابقا، فصلا كاملا، يتحدث فيه قادة وضباط وجنود وطلبة ومواطنين، اشتركوا في حرب تشاد، فمن حقهم ايضا، ان يُسمعوا، ومن العدل ان نطلع على وجهة نظرهم، في هذه الحرب، من جميع جوانبها، بما في ذلك بالطبع، اسباب الهزيمة.

وسنتحدث فيما يلي، عن مجموعة من المواقف والقرارات السياسية الارتجالية، والتي تعتبر في الواقع، اخطاء قاتلة، اتخذتها او سببتها القيادة السياسية والعسكرية العليا، بما في ذلك بالطبع، معمر، وقد ساهمت هذه الاخطاء، بصورة مباشرة، او غير مباشرة، في هزيمة الجيش الليبي في تشاد، وفي ضياع الاف الضحايا.

الخطاء القاتل الاول..

ولعلي ابدأ بالتقارب الليبي التشادي، والذي تُوج في ديسمبر1972، وفي عهد "تمبلباي"، بمعاهدة تضامن او تعاون، بين ليبيا وتشاد. وذلك بعد فترة طويلة، من الصدام العنيف بين النظامين، فقد ساندت ليبيا، قبل هذا التقارب، جبهة التحرير الوطني التشادية (فرولينا)، اقتصاديا وعسكريا. فردت الحكومة التشادية، بمساندة عناصر وقوى عديدة ضد النظام الليبي، بل يروى ان تمبلباي، ساند الانقلاب الذي عُرف بـ"محاولة فزان" او "محاولة سبها"، والتي جرت في شهر مايو، من عام 1970م، او ربما تغاضى عن نشاطات المشتركين فيها، او صرح بمباركتها ومساندتها، تهديدا للنظام الليبي، ونكاية به.


ثم عادت العلاقات السياسية، كما ذكرنا، بين البلدين، وتوجت هذه العلاقة، بزيارة "تمبلباي" الى ليبيا، وتوقيع اتفاقية التضامن او التعاون المذكورة، والتي اوقفت ليبيا، بناء عليها، دعمها لجبهة التحرير الوطني التشادي (الفرولينات)، بما في ذلك ايقاف البث الموجه الى تشاد، من اذاعة الجبهة، وطرد اغلب قادة واعضاء الفرولينات من ليبيا.


ليس ذلك فحسب، بل تسرع النظام الليبي، فطبل وزمر، واعلن عن تأسيس مصرف مشترك، بين ليبيا وتشاد، كما اعلن عن استثمارات بين البلدين، بالملايين، اشيع انها قد تصل الى اربعين مليون دولار.

وكان التشاديون يتابعون ما يجري بين "تمبلباي" و"معمر"، وادركوا (مدنيين وعسكريين)، وبحسهم الوطني، وحرصهم على حرية بلادهم، واستقلالها، ان وراء الكرم الليبي المفاجيء، امر ما، فليس من المعقول، ان تدفع ليبيا هذه الملايين، وليس من المعقول ،ان تعلن ليبيا عن بناء الطرق، والمنشآت المدنية، في شريط اوزو، مجانا ولوجه الله.

لقد ادرك التشاديون، ان هناك بنودا سرية لهذه الاتفاقية، تغاضى "تمبلباي"، بناء عليها عن شريط اوزو، كما ادركوا ان "تمبلباي"، ربما استلم، او ربما وُعد باستلام بعض الملايين، من ليبيا، مقابل تغاضيه عن شريط اوزو. بل انتشرت شائعات تقول، ان المبلغ المذكور (40 مليون دولار) هو غطاء لرشوة تمبلباي، وثمنا لتنازله، او سكوته رسميا، عن شريط "اوزو."

وبيت القصيد هنا، ان هذا التقارب، وهذه الاتفاقية فرصة، كان يجب ان يستغلها النظام الليبي، كمدخل لايجاد حلول استراتيجية، سلمية طويلة المدى بين البلدين. ولكن النظام الليبي، اصدر اوامره، الى القوات المسلحة الليبية، بالدخول الى شريط اوزو، وذلك عقب التوقيع على المعاهدة مباشرة، او بعد فترة وجيزة من ذلك، وتحت غطاء ساذج، يتلخص في حماية المهندسين والبنائين الليبيين، الذين يفترض انهم يقومون ببناء طريق، يربط بين ليبيا وتشاد، كما كان يدعي النظام، لقد فعل النظام الليبي ذلك، بسبب عنجهيته واستهتاره، ونظرته الدونية الى الأخرين، واحتقاره للشعوب، عبر تعامله مع شخص واحد فقط، (تمبلباي) في امور بهذا الحجم.

ليس ذلك فحسب، فالقوات الليبية، لم تتلق اية مقاومة في اوزو، بل كان الدخول الاول والتمركز في اوزو، اقرب الى النزهة، منه الى اي شيء اخر، مما عزز الشكوك لدى الشعب والجيش التشادي، حول الاتفاقية، وحول تمبلباي بالذات. واصبح تمبلباي، في اعين مواطنيه، وفي اعين حكومته ايضا، تابعا للنظام الليبي، بل اصبحت القوات المسلحة التشادية، تنظر اليه كخائن، مما دفع بعشرات الضباط الى التخطيط للاطاحة به.

وهكذا كانت الطريقة التي تعاملت بها ليبيا مع الاتفاقية، كدخول قوات مسلحة ليبية لاوزو، والوعود باغداق الملايين على تشاد، عبر البنك التجاري المزعوم، وزيارة تمبلباي لليبيا، واعلان منطقة الحدود كمنطقة تضامن وتعاون، من اهم العوامل التي شجعت وحفزت القوات المسلحة التشادية، على ضرورة الاطاحة بتلمباي، فقد رأى اغلب العسكريون، ان هذا التقارب، هو في الواقع تقاربا مخجلا ومشبوها، بيعت فيه قطعة من ارض تشاد الى ليبيا، مقابل حفنة من الدولارات، ومقابل المحافظة على امن وسلامة "تمبلباي" ونظامه.

كان التسرع والارتجال الذي مارسه النظام اذا، هو احد اهم الاسباب، التي ادت الى استفزاز الشعب لتشادي، والقوات المسلحة التشادية، وبالتالي من اهم الاسباب، التي ادت الى انقلاب 1975م، والذي اطاح بتمبلباي، وجاء بـ" فيليكس معلوم"، رئيسا لتشاد، والذي اعاد الصراع على شريط اوزو الى نقطة الصفر.

انقلبت الاتفاقية اذا ضد النظام، وبدلا من ان تكون هذه الاتفاقية، مدخلا لاستعادة اوزو او ضمها، قانونيا، او مدخلا على الاقل، لايجاد حلول سلمية، والوصول الى اتفاقية رسمية، تُرضي الدولتين، وتوثق في المؤسسات الدولية، بدلا من كل ذلك،، تحولت الاتفاقية، الى اهم اسباب الاطاحة بتمبلباي، واهم اسباب وصول "فيليكس معلوم" الى السلطة، والذي اعتبر تواجد القوات الليبية، في اوزو، ضربا من الاحتلال، فوضع طرد القوات الليبية، على قمة اولوياته.


الخطاء القاتل الثاني..

عندما نُظم مؤتمر كانو للصلح، بين الفصائل التشادية، في 1979م، دعيت اليه جميع فصائل المقاومة التشادية، بالاضافة الى “واداي”(حليف ليبيا في ذلك الوقت)، والذي قبل الدعوة، وشارك في المؤتمر المذكور. لكن مؤتمر كانو، لم يستضف ليبيا، ولم يستضف الفصائل والشخصيات الحليفة لها (ما عدا واداي). فتحول التحالف بين "معمر" و"واداي" - بسبب ذلك- اي بسبب قبول "واداي" لدعوة المؤتمر، دون استضافة ليبيا، تحول هذا التحالف الى قطيعة بل الى عداوة، وبدأت الامور تسير من سيء الى اسواء بين معمر وواداي.

ولكن اتساع رقعة الصدام العسكري بين "هبري" و"واداي"، في مارس من عام 1980م، كاد ان يؤدي الى سيطرة "هبري" على تشاد، وطرد "واداي" من انجامينا، (انظر الجزء الثالث)، مما اضطر "واداي"، الى طلب المعونة من ليبيا من جديد، فاستجابت ليبيا لطلبه، وتدخلت بقوة عسكرية، استطاعت، بالتعاون، مع قوات واداي، ان تطرد قوات "هبري"، وتستولى على "انجامينا"، وذلك، في ديسمبر من عام 1979م. وهكذا، عاد "واداي" رئيسا لتشاد مرة اخرى. بعد ان كاد "هبري"، وزير دفاعه، في ذلك الوقت، ان يطيح به، ويطرده من تشاد. وهرب "هبري" غريم "معمر" و"واداي" الى الكاميرون، واصبحت لليبيا ولقوات "واداي"، اليد العليا في تشاد، وتمركزت القوات الليبية في انجامينا، وسيطرت، مع قوات واداي، على مقاليد الامور فيها.

وبيت القصيد هنا، ان العلاقة بين الطرفين (معمر وواداي)، عادت بعد ازمة مؤتمر كانو، واستثناء ليبيا منه، الى افضل حالاتها، فاتيحت فرصة اخرى كان على النظام الليبي ان يوظفها بعقل وحكمة وترو، من اجل الوصول الى حلول سلمية، فقد فتحت الابواب لعشرات البدائل والحلول بين ليبيا وتشاد، وهاهو الخصم اللدود للاثنين (هبري)، بعيدا عن الاحداث، وبعيدا عن السيطرة، وها هو "واداي"، بمساعدة ليبيا، الرجل الاول في تشاد. بل عادت الاجواء الى افضل مما كانت عليه، بين "تمبلباي" و"معمر"، عندما توصلا الى اتفاقية التعاون والتضامن المذكورة.

ولكن، وبعد مرور شهر، او اقل، على عودة العلاقات بين "واداي" و"معمر"، وتوافر الظروف المناسبة للوصول الى معادلات يقبلها الطرفان، بخصوص جميع الامور، المتنازع عليها، - بعد مرور شهر او اقل على ذلك- وبالتحديد في السادس من يناير من عام 1981م، وفي خطوة ارتجالية عبثية غير مدروسة، اعلن "معمر" عن قيام الوحدة بين ليبيا وتشاد، دون علم الشعب التشادي، والحكومة التشادية، ودون موافقتهما، بل وبدون علم "واداي"، الرئيس التشادي، في ذلك الوقت، والذي فوجيء، هو الاخر، بهذا الاعلان، كما فوجيء به رجل الشارع.
ومن الواضح، ان القيادة الليبية قد فقدت، في ذلك الوقت، وكعادتها، القدرة على التفكير، بل ومن الواضح، حتى لاكثر السياسيين غباء، ان اعلان الوحدة بين بلدين، يسيطر جيش احدهما على عاصمة الاخرى، هو اعلان عن نية الاستيلاء على هذه الدولة، او ضمها، او احتلالها.

لقد اعتبر المراقبون السياسيون والمجتمع الدولي، بصفة عامة، ان الاعلان عن الوحدة بهذه السرعة، وبهذه الطريقة، وفي هذه الظروف، وفي وجود قوات ليبية في تشاد، بل وفي عاصمة تشاد نفسها، اعتبره المراقبون السياسيون، محاولة لضم تشاد الى ليبيا بالقوة، عبر استخدام "واداي" كحصان طروادة. واعتبر البعض الاخر، ان هذ الاعلان، هو مناورة سياسية فاشلة، ترمي الى الهاء التشاديين، واشتغالهم بطرد الليبيين من انجامينا، ونسيان شريط اوزو الى الابد. كما تفعل اسرائيل، عندما تحتل مزيدا من الاراضي، لينسى العالم، المناطق التي تم احتلالها سابقا.

وهكذا، وضع "معمر"، حليفه "واداي"، في موقف لا يُحسد عليه، شبيه والى حد ما، بالموقف الذي وجد "تمبلباي" نفسه فيه، عقب الاتفاقية المشبوهه. فقد اُتهم "واداي" ايضا، بانه دمية في يد ليبيا، وشكك التشاديون في نواياه، وفي طبيعة علاقاته مع ليبيا، ودرجة تعاونه معها. فاستنكر "واداي"، الاعلان عن تلك الوحدة، من طرف واحد، وبهذه الصورة، واصر على ان ليبيا وتشاد، دولتين منفصلتين. واصطدمت قوات "واداي"، والقوات الليبية على ارض تشاد، على خلفية هذا الاعلان الارتجالي غير المدروس، وسقط ضحايا من الطرفين.

وطلب "واداي" من ليبيا سحب قواتها من تشاد فورا، بالرغم من ان هذه القوات، هي التي ساعدته على هزيمة "هبري"، وجاءت به على قمة السلطة في تشاد. كما اثار هذا الاعلان الارتجالي العبثي، غضب جميع الدول الافريقية تقريبا، واعتبروه غزوا عربيا لدولة افريقية، وطلبت "منظمة الوحدة الافريقية" من ليبيا، في اجنماع طاريء لها، الانسحاب الفوري من تشاد.

فاضطر النظام الليبي، الى الانسحاب، ليس فقط من انجامينا، بل من جميع المواقع التي كان يحتلها الا شريط اوزو، وذلك في اكتوبر من عام 1981م، وفي غضون اسبوعين او اقل، وذلك استجابة للضغوط الافريقية والعالمية والتشادية. انسحبت ليبيا من العاصمة، وبهذه السرعة، عندما ادركت الخطاء الفادح الذي ارتكبه النظام الليبي، او بالاحرى ارتكبه معمر، بعد كل ما جرى من معارك، وبعد كل ما سقط من ضحايا، وما سفكت من دماء.

ولم ينته الامر عند هذا الحد، بل ان هذا الخطاء القاتل، كان وراء عودة "هبري" كرئيس لتشاد، فقد زحفت قوات "هبري" على انجامينا، بعد ان استغلت الفراغ العسكري، الذي خلفه انسحاب القوات الليبية، واستولت على العاصمة، انجامينا، واصبح هبري رئيسا لتشاد، وقائدا اعلى للقوات المسلحة. واستمر "هبري" على رأس السلطة، منذ ذلك الحين، حتى عام 1992م، وقد ذهب الاف الضحايا من الليبيين على يديه، وايدي رجاله العسكريين، في عدة معارك منها، كما ذكرنا، معارك وادي الدوم، وبير كوران، وفادا، ومعطن السارة (انظر الى الفصلين الخامس والسادس من هذا الكتاب، تحت عنوان "مذابح لا معارك"). وهو ايضا الرئيس الذي استطاع ان يوظف جميع المعادلات السياسية والعسكرية ضد معمر، بذكاء وترو ودهاء، وبدون عبث وتسرع وارتجال، بما في ذلك، كسب القوى الخارجية، كفرنسا ومصر وامريكا والسودان، في جانبه، من اجل مصلحة بلاده، وسلامة جنوده.

وعندما اتحدث هنا عن الرئيس "هبري"، فانني اتحدث عنه في نطاق الحرب الليبية التشادية فقط، ولا اتحدث عنه خارج هذا النطاق. فطبيعة حكمه، وديمقراطيته، او ديكتاتوريته، وعدله او ظلمه، وعلاقته بشعبه بصفة عامة، وفشله او نجاحه، في ادارة البلاد، وهل كان الرجل مقبولا، او منبوذا، من قبل شعبه، وغير ذلك من الامور الداخلية، ارى انها تقع تحت بند "اهل تشاد ادرى بشعابها"، لكنني لا اقره على حبة خردل من ظلم، مارسه ضد مواطنيه.

وعودة الى موضوعنا، فان "هبري" لا يطيق "معمر"، ولا يثق فيه، ويعتبره مجنونا، عبثيا يخطط للاستيلاء على وطنه تشاد. فوهب "هبري"، حياته لهزيمة "معمر"، وايقافه عند حده. ولو قمنا باجراء مقارنة سريعة، بين اوضاع القوات المسلحة الليبية، عندما كان "واداي" على رأس السلطة، وبين اوضاعها، عندما وصل "هبري" الى السلطة، وانعكاس ذلك على القوات الليبية، لادركنا اننا لا نتحدث هنا، عن خطاء قاتل فقط، بل عن جريمة حرب اقترفتها القيادة الليبية، واقترفها "معمر"، عبر استفزاز شعب كامل، باعلان ضم بلاده، الى دولة اجنبية (ليبيا)، بينما جنود ليبيا، يسرحون ويمرحون في عاصمة بلاده. إنها الجريمة التي اتت بـ"هبري" الى السلطة، والجريمة التي كانت وراء الاف الضحايا، والجريمة التي كانت تقف وراء جزء كبير من كارثة تشاد.



الخطاء القاتل الثالث..

عندما اقترح الرئيس الفرنسي، "فرانسوا ميتران"، في اجتماع ضمه مع "معمر"، في جزيرة كريت باليونان، في ابريل 1984م، ان تنسحب القوات الليبية، والقوات الفرنسية، من تشاد، ويتركون التشاديون يعالجون قضاياهم بانفسهم - عندما اقترح الرئيس الفرنسي ذلك- وافق معمر على الاقتراح، فسحبت فرنسا قواتها (بعد موافقة معمر على الاقتراح). لكن معمر، لم يف بوعده، مما سبب احراجا شديدا، وازمة سياسية حادة للرئيس ميتران. واعتبر الرئيس ميتران، تصرفات معمر، تصرفات صبيانية، وليست تصرفات مسؤول. وزاد من احراج فرنسا، واحراج الرئيس ميتران بالذات، ان وزير خارجية فرنسا، كان يتحدث مع وزير خارجية امريكا، مؤكدا له ان القوات الليبية، قد انسحبت من تشاد، حسب الاتفاق، لكن وزير خارجية امريكا في ذلك الوقت، قدم له صورا التقطتها اقمارا صناعية امريكية، تثبت غير ذلك، بل تثبت ان ليبيا قد قامت بتنقلات متفرقة لوحدات عسكرية من منطقة الى اخرى، في تشاد للتمويه والتظاهر بالانسحاب، وكانت تلك الوحدات، تُنقل من مكان لتتمركز في اخر. واذيع الخبر على الهواء في امريكا وفرنسا، وتعرض وزير خارجية فرنسا للسخرية، على الهواء، مما زاد من احراج فرنسا وميتران ووزير خارجيته.

ويبدوا ان فرنسا، كانت، قبل هذه الحادثة، تاخذ في الاعتبار، العديد من المعادلات والخطوط السياسية، الكفيلة بتأمين سياسة متوازنة في تشاد، تكسب بها جميع الاطراف، اي تكسب ليبيا، و"هبري"، وتحاول، في نفس الوقت، ابعاد امريكا، او التقليل من تدخلها على الاقل. ولكن بعد اخلال النظام الليبي بوعده، وتعرض فرنسا الى ما تعرضت اليه، من كذب وخداع واحراج، بعد ذلك، لم تعد فرنسا تبالي بتلك المعادلات، فتدخلت في الحرب، بثقل غير معهود، في جميع المجالات، مما اضر بالجندي الليبي.

فلم يكن الرئيس "ميتران" هو المتضرر الوحيد من هذا الامر، بل شاركه في ذلك الجنود الليبيون ايضا، والذين دفعوا ثمن هذا العبث غاليا، فقد كان رد فعل فرنسا، السياسي والعسكري، عنيفا، فقد كثفت فرنسا من تدخلاتها في الحرب الدائرة في تشاد، وضاعفت من دعمها السياسي والعسكري والمالي لهبري، وزودته بالغطاء الجوي، والمعلومات والصواريخ. وهو ما كان يحلم به هبري، ويتمناه، كما زاد تصميم فرنسا، على اخراج القوات الليبية من تشاد.

لقد كان في مقدور "معمر"، عنما التقى بالرئيس "ميتران"، عدم الموافقة على الانسحاب. كما كان في مقدوره ايضا، تأجيل المحادثات او الاستمرار فيها، حتى ايجاد بدائل وحلول وخيارات اخرى، بدلا من ان يحاول الكذب على رئيس دولة، لها ما لها من امكانيات عسكرية وسياسية دولية، قد تؤذي - هذه الامكانيات - الجندي الليبي، في ميدان القتال. وهذا ما حدث بالفعل.

ليس ذلك فحسب بل كانت تلك الحادثة مدخلا استخدمته امريكا، لاقناع فرنسا بزيادة حجم التدخل العسكري والمادي ضد القوات الليبية، من جهة، كما قربت هذه الحادثة، وجهات النظر بين فرنسا وامريكا، بخصوص القضية التشادية.

وهكذا لم يحاول معمر، كسب فرنسا، او امريكا، او مصر، او السودان، او الدول المجاورة، في جانب ليبيا حفاظا على سلامة جنوده، كمسؤول وقائد اعلى للقوات المسلحة، بل تصرف بعبث صبياني، مما دفع فرنسا، وغيرها من الدول، الى الدخول بثقل اكبر في الصراع الدائر في تشاد، مما الحق، هذا التدخل، الضرر الشديد بالمقاتل الليبي، وساهم مساهمة كبيرة في هزيمة ليبيا في تشاد، عبر زيادة حجم المعونات العسكرية، وتوفير الغطاء الجوي، والاهم من كل ذلك، كمية وحساسية المعلومات الميدانية، التي قدمتها فرنسا لهبري، مما سبب في زيادة مآسي الليبيين.



الخطاء القاتل الرابع..

عندما قرر "واداي"، حليف ليبيا، المصالحة مع هبري، العدو اللدود لمعمر (ربما حدث ذلك في اغسطس من عام 1986م)، لاسباب رأى "واداي"، انها تصب في مصلحته، ومصلحة وطنه، تشاد، تم اعتقاله هو، وبعض اعوانه، في مدينة طرابلس.

وربما قرر "واداي"، قبول المصالحة مع "هبري"، بعد ان احس بقرب انتصار الاخير، خاصة وان المجتمع الدولي، بدأ يمد يده لهبري بكثافة واضحة، سياسيا واقتصاديا وعسكريا. او ربما احس بنية النظام الليبي، في استبداله بحليف اخر (الشيخ بن عمر- رئيس المجلس الثوري الديمقراطي")، والذي اعلن انسحابه، من الحكومة المؤقتة، برئاسة "واداي"، فسارعت ليبيا، ودون تردد او ترو، الى مساندة، الشيخ بن عمر، معنويا وماديا وعسكريا، بل وقصفت القوات الجوية الليبية، قوات واداي، حليف الامس، مما اكد شكوك "واداي".

ومهما كان السبب الذي دفع بـ"واداي"، الى الصلح مع "هبري"، لم ينجح النظام الليبي، كعادته، في التعامل، مع هذا الامر، بالحكمة التي يتطلبها هذا الموقف الحساس، والمتمثل في وجود بشر من الليبيين، في ميدان الحرب، مختلطين بقوات "واداي" في عمق تشاد. ليس ذلك فحسب، فما ان قرر "واداي" قبول الصلح مع "هبري"، حتى القي عليه القبض، ووضع تحت الاقامة الجبرية، بل وتواترت الاخبار، عن محاولة اغتيال، تعرض لها "واداي"، على ايدي رجال الامن الليبيين، او على ايدي رجال الشيخ بن عمر، في مدينة طرابلس، كما تاكد وقوع صدامات مسلحة، بين حرس واداي، من جهة، وحرس الشيخ بن عمر، او الامن الليبي، من جهة اخرى، سقط اثرها، قتلى وجرحى من الطرفين. حدث ذلك في فترة قريبة زمنيا، من المذابح الرئيسية، التي تعرض لها الليبيون في تشاد.
وقد وردت قصة اعتقال "واداي" او محاولة اغتياله، باكثر من رواية، تؤكد كل رواية منها، واقعة الاعتقال، وواقعة التصادم المسلح، بين حراس "واداي"، واخرين، كما تؤكد كل رواية، اصابة "واداي"، وموت حراسه.

تقول احدى الروايات، انه قد تم استدعاء "واداي"، الى اجتماع مع معمر، في مزرعة خارج مدينة طرابلس، وفي طريقه الى الاجتماع، اطلق عليه اعوان الشيخ بن عمر الرصاص، فجرح "واداي"، وقُتل احد حراسه، وجرح اخر، كما قُتل، حسب هذه الرواية، اثنين من حراس الشيخ بن عمر. وتقول رواية اخرى، ان النظام الليبي، اراد اعتقال، واداي"، عندما كان رئيسا للحكومة التشادية المؤقتة، وكان يصاحبه اربعة من حراسه، قُتلوا جميعا، بينما جُرح "واداي".

ومن الواضح، كما يرى المراقبون السياسيون، من خلال هذه الروايات، وغيرها من روايات شبيهة بها، ان معمر كان ينوي التخلي عن واداي، او بالاحرى، التخلص منه. واحلال الشيخ بن عمر، محله، من اجل ان يسيطر النظام الليبي، على الحكومة المؤقتة.
وعندما علمت قوات "واداي" بواقعة الاعتقال او بمحاولة الاغتيال، التي تعرض لها زعيمهم "واداي"، انضمت (قوات واداي) الى قوات "هبري". كما اندلعت صدامات دموية مسلحة، بين القوات الليبية وقوات "واداي"، تساندها قوات "هبري"، الذي رحب بالطبع بـ "واداي"، وقواته، وسارع في مساندته. بل تذكر بعض المصادر ان قوات "واداي"، قد قامت باختطاف عشرات الضباط والجنود الليبيين واحتجزتهم كرهائن مقابل اطلاق سراح زعيمهم "واداي".

ليس ذلك فحسب بل ان حجم المعلومات التي تحصل عليها جنود "واداي" عن كمية ونوع وطبيعة الاسلحة والمواقع ونوع وكثافة التدريبات ومعلومات اخرى، كان لها بالغ الاثر في الحاق الضرر بالقوات الليبية في وقت لاحق، كما ساعدت تلك المعلومات القوات التشادية، في معاركها الرئيسية التي راح ضحيتها الاف الليبيين.



تلك كانت اهم اسباب الهزيمة، وتلك كانت نماذج مختارة، من القرارات السياسية الفوقية المزاجية، التي لا تدل الا على الاهمال والتخبط والعبث والتسرع والارتجال، والتي كان لها بالغ الاثر في انهاك القوات الليبية في تشاد، والحاق اشد الضرر واكبر الخسائر بها. فقد ذهب ضحية هذه الاخطاء، وغيرها من الاخطاء الاخرى، الاف الضحايا من الليبيين. ولابد من محاسبة الجميع، دون استثناء. والله ولي التوفيق.



والى اللقاء، مع الجزء التاسع، من "حرب تشاد.. الكارثة الكارثة"، تحت عنوان "ما بعد الهزيمة .. "، نتحدث فيه باذن الله، عن الهزيمة السياسية، في هذه الحرب. والله ولي التوفيق.



كتبت في يوم الاحد 26 سبتمبر 2010م.



اضغط هنا للاطلاع على باقي حلقات "حرب تشاد.. الكارثة.. الكارثة."



د. فتحي الفاضلي

___________________

لمراسلة الكاتب

Cant See Links

Cant See Links



لزيارة موقع الكاتب

Cant See Links



المراجع

1- اسباب هزيمة القوات الليبية في تشاد/ العميد الركن سليم الحجاجي/ صوت الطليعة/ العدد 24 / السنة التاسعة/ جمادي الاولى/ 1410 هـ-ديسمبر 1989م/ ص 32-35.

2- منشور الكفاح/ العدد السادس/ السنة الثالثة / مارس 1987م / ص 7 و 8.

3- تشاد هزيمة الحدود الجغرافية.. واللاحدود السياسية/الحياة/ الاثنين11 مايو 1992م- 10 ذو القعدة 1412 هـ/ ص 14-17.

4- قصة التدخلات والهزائم الليبية في تشاد/ مؤسسة الامن العالمي الامريكية/ الكسندرا- فيرجينيا/14 مارس 2006م.

5- Geoff L. Simons (2004). Libya and the West... From Independence to Lockerbie. I.B. Taurist & Co Ltd. pp. 60-81.

6- Kenneth M. Pollack (2002). Arabs at War, Military Effectiveness, 1948-1991. Lincoln: University of Nebraska Press


Cant See Links


رد مع اقتباس