عرض مشاركة واحدة
قديم 12-24-2004, 08:40 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


لا شك أن ذلك من تسويل الشيطان وتهوينه لأمر الصلاة في نفوس المتقاعسين عن أدائها كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما ترغيب الناس في صلاة التطوع فهو أمر حسن يثاب عليه الأئمة بإذن الله تعالى ، لكنهم أغفلوا أمراً آخر وهو أن تعويد الناس على الإخلال بالصلاة وتقبلهم لتخفيفها تخفيفاً يضيع واجباتها وسننها فضلاً عن أركانها لهو أمر خطير لما يترتب عليه من مفسدة عظيمة وهي أن أولئك الناس عندما يصلون في مساجدهم القريبة من بيوتهم خلف الأئمة الذين يطبقون سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في هديه في القراءة سيحدثون فوضى في مساجدهم مع الأئمة وأهل حيهم والسبب أولئك الأئمة أئمة الجهل وحب الشهرة ، الذين لا هم لهم إلا آخر الصلاة فانظر كيف كان التخفيف المخل سبباً لحصول الفتنة والفوضى وهذا الكلام واقع حاصل وليس من نسج الخيال وأضف إلى ذلك أن من اعتاد إضاعة أركان الصلاة والطمأنينة فيها أنه سبب للخمول وجلب الكسل وعدم استطاعة الكثير إن لم نقل كل من يصلون معه عدم استطاعتهم القيام لأداء السنن الرواتب والسنن المؤكدة كالخسوف والكسوف وصلاة الوتر وقيام الليل وغيرها من الصلوات لأنهم يعلمون أن فيها إطالة للقراءة والركوع والسجود وغير ذلك من أركان الصلاة وواجباتها ، بل إن لم يكن جلهم لا يؤدون السنن الرواتب وهي رواتب الصلوات المفروضة ، فأصبح لدينا مفسدة أعظم من جلب مصلحة ، بل ومن اعتاد التخفيف في صلاة التراويح مع أولئك الأئمة قد يتوانى عن أدائها أحياناً فيتركها لأنه فقد لب الصلاة ألا وهو الخشوع فلم يعرف من الصلاة إلا الرفع والانحطاط في حركات رياضية متوالية سريعة ، ما يلبث أن يخرج المصلي منها متعباً بلا فائدة فلا يشعر بقيمة الصلاة ولا أهميتها التي من أجلها شرعت له .
ولقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل أن يطيل فيها القراءة ويكون فيها الركوع والسجود نحواً من قراءته ، حتى أنه كانت تتورم قدماه من طول وقوفه بين يدي الله عز وجل فتشفق عليه عائشة رضي الله عنها فتقول : ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيرد عليها قائلاً (( أفلا أكون عبداً شكوراً )) لقد كان يقرأ أحياناً وعندما كان مريضاً بالسبع الطوال وربما قرأ في كل ركعة سورة منها والسبع الطوال هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والتوبة .
يقول ابن مسعود أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل فاستفتح الصلاة بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران ، حتى قال ابن مسعود لقد هممت بأمر سوء ، قيل وما هو ؟ قال هممت أن أجلس . ولهذا لم يكن لصلاة الليل عدداً معيناً من الركعات لكن الأفضل في ذلك الاقتصار على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة ، وقال العلماء من أراد أن يخفف القراءة فعليه أن يزيد في عدد الركعات ، ومن أراد أن يطيل القراءة فعليه أن ينقص من عدد الركعات ، فعلى أقل تقدير أن يقرأ الإمام نصف جزء كل ليلة في صلاة التراويح وهذا على أقل تقدير لأن المقصود من صلاة التراويح إسماع الناس كامل القرآن وما فيه من عبر وعظات وتخويف وتهديد وترغيب ، وما حل بالأمم السابقة من العذاب والنكال عندما كذبوا الرسل ، وما يشتمل عليه من أحكام وفوائد وأن يتدبر المصلي آيات الله عز وجل وما فيها من حكم بالغة ، كما أن صلاة التراويح سنة مؤكدة سنها النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو المقصود من صلاة التراويح ، أما ما يفعله بعض الأئمة من قراءة آيه أو آيتين أو ثلاث في الركعة الواحدة ثم يركع وما إن يركع المأموم حتى يرفع الإمام ، بل إن أكثر المأمومين لا يستطيع أن يأتي بالتشهد الأخير كاملاً للسرعة الفائقة التي يصلي بها الإمام ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
لكن لو اعتاد الناس على التوسط في صلاة التراويح لألفوا ذلك ولتقبلوه بصدور رحبة وقلوب وجلة ، حتى يشعر المصلي بقوة إيمانه وحصول الطمأنينة فيها ، ووجود لبها وهو الخشوع ، فيخرج منها ولها أثر طيب حسن عليه ، يخرج منها وهو يريد العودة إليها يدخل إليها مهموماً مغموماً فيخرج منها فرحاً مسروراً ، وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أرحنا بها يا بلال " ، وكان أيضاً عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر وأهمه ، فزع إلى الصلاة ، وهذا أمر مجرب من واقع المصلين ، فوا الله إنا لنسأل من يصلي خلف إمام يسرع في صلاته سرعة تخل بمقصودها ، نسأله عن مدى راحته في صلاته وما استفادة منها ؟ لقال : كما دخلت خرجت ، بل إن البعض يقول : تحدثني نفسي بأن أعيد تلك الصلاة لأنه لم يشعر بالمقصود منها ، لم يشعر بحلاوة الصلاة ، لم يتلمس روح الصلاة ولبها وطمأنينتها وخشوعها ، الذي من أجله تنشرح الصدور ، ويذهب الضيق ، وعلى العكس من ذلك من يصلي خلف إمام يتم ركوعها وسجودها ويهتم بأركانها وواجباتها ، فهذا المأموم يحصل له المقصود من حصول الطمأنينة والخشوع فترفع صلاته إلى السماء فتفتح لها أبواب السماء ولها نور وتقول : حفظك الله كما حفظتني ، أما الأخرى فترفع إلى السماء فلا يُفتح لها ، فتلف في ثوب خلق ثم ترمى في وجه صاحبها وتقول : ضيعك الله كما ضيعتني . بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصلي يخرج من صلاته ولم يكتب له فيها إلا عشرها إلا تسعها ............ إلا نصفها . [ رواه ابن حبان والبيهقي والبزار وغيرهم ] .
هذا إذا كان الرجل مقيماً للصلاة مهتماً بها ، فقد يحصل له بعض الخطرات والالتفاتات بسبب الشيطان الذي لا يزال بالمصلي يلبس عليه في صلاته حتى يفوته أجر عظيم منها ، فما بالك بمن ضيع عليه إمامه صلاته فأخذته الهواجس والخواطر هنا وهناك فلم يعد يدري كم ما صلى وماذا صلى فهذا بمنزلة من أقبح المنازل فأوصى الأئمة والمأمومين وأخص الأئمة بذلك أن يتقوا الله عز وجل وأن يقيموا هذه الشعيرة العظيمة على وفق سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وألا يكون هم أحدهم آخر الصلاة أو إرضاء الناس على حساب ضياع صلاته وتفريطه فيها حتى أنهم إذا ذكروا في مجالس الناس نالوهم ووصفوهم بالجهل وعدم العلم بل وصل الأمر إلى السخرية والاستهزاء بهم ، فكل يقابل بنقيض قصده ، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .
لقد دلت الأحاديث والآثار على مشروعية صلاة التراويح جماعة ، واتفقت كلمة الصحابة على ذلك ، وساروا عليه ، واستمر العمل إلى يومنا هذا ، إذ انعقد الإجماع على مشروعية أدائها في المساجد جماعة وهي سنة مؤكدة .
وينبغي مراعاة أركان الصلاة وتدبر سننها والتمهل في أدائها والإطالة بما لا يشق على الناس ، فقد كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يطيلون في الصلاة ولا ينصرفون منها إلا قبيل بزوغ الفجر بقليل .
يقول النووي : اعلم أن صلاة التراويح سنة باتفاق العلماء ، وهي عشرون ركعة ، يسلم من كل ركعتين ، وصفة الصلاة فيها كصفة باقي الصلوات ، ويجيء فيها جميع الأذكار كدعاء الاستفتاح ، واستكمال الأذكار الباقية ، واستيفاء التشهد ، والدعاء بعده ، وهذا وإن كان ظاهراً معروفاً فإنما نبهت عليه لتساهل الناس فيه ، وحذفهم أكثر الأذكار والصواب ما سبق . وأما القراءة فالمختار الذي قاله الأكثرون وأطبق الناس على العمل به أن تقرأ الختمة ـ القرآن ـ بكمالها في التراويح جميع الشهر ، فيقرأ كل ليلة نحو جزء من ثلاثين جزءاً " [ الأذكار 266 ] .

أقول : كيف لو اطلع النووي رحمه الله إلى ما يصنعه كثير من أئمة المساجد من الإخلال ليس بالقراءة فحسب بل حتى في الأركان التي هي صلب الصلاة ولا تتم الصلاة بدونها ، كيف لو رآهم وكأنهم في مضمار للسباق يتسابق فيه الإمام والمأموم كل يريد أن يرتاح من الصلاة ، فتفقد الصلاة روحها ولبها وخشوعها ولا شك أن هذا انتقاص لقدرها وتضييع لها وعدم توقير لله ، وعدم تعظيم له سبحانه الذي أمر بها ولهذا امتدح الله تعالى أهل الخشوع والخضوع في الصلاة ووصفهم بالمفلحين الذين يرثون الفردوس الأعلى من الجنة ، فقال قولاً حكيماً : " قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون " [ المؤمنون ] ، ولذلك من فرط فيها ولم يتمها على الوجه المطلوب فهو معرض للعقوبة لحديث عبادة رضي الله عنه قال ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس على الله عهد ، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه " [ رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن حبان وصححه الألباني في الترغيب والترهيب ] ، ومن الأئمة من يؤديها بسرعة رهيبة يخل فيه بكل ركن وواجب تاركاً وراءه كل سنة ، بل بلغ الجهل بالبعض من شدة سرعته وترقبه لآخرها أنه لا يصلي السنة الراتبة للعشاء من شدة فرط التهاون بالصلاة وعدم رغبته في الأجر ، وحتى يحظى بمزيد شعبية عند الناس ، فياليت شعري لو اطلع السلف على صلاة أولئك المتخلف ، لرأوا عجباً ، ولغاروا على سنة نبيهم أبداً . ومن الأئمة من يؤديها مخلاً بها وكأنها واجبة عليه فيؤديها حياءً وخجلاً من الناس ، أو خوفاً على ضياع المال الدنيوي الذي يأتيه منها فيصليها بتلك الطريقة العجيبة الغريبة رغبة في الدنيا ومتاعها الزائل التي لو رآهم عليها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب لأوسعهم ضرباً بدرته ، لابتداعهم في الصلاة ومخالفتهم لهدي نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فمن لم يستطع أن يقيمها من الأئمة بكامل أركانها وواجباتها وسننها فليس في حاجة لأن يكلف نفسه بها ويأتي بها ناقصة مخدوشة ، فيضل ويضل معه كثير من عوام المسلمين معتقدين صحة ما يفعله ، بل يتركها أو يوكل من هو أهل للقيام بها حق القيام ، ولكنها الغفلة والجهل المركبين اللذين وقع فيهما كثير من الأئمة والمأمومين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .


وإليك هذه الأدلة القاطعة الدامغة التي تزيل الغمام الذي أطبق على بعض الأبصار والران الذي غطى القلوب ، أدلة تدمغ الباطل وأهله :
عن أبي مسعود البدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجزيء صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود " [ رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحديث صحيح ] .
وعن عبدالرحمن بن سبل قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب ، وافتراش السبع ، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير " [ رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وهو حديث حسن ] .
ويريد بنقرة الغراب : التخفيف في السجود بحيث لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله .
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته " قالوا يارسول الله : كيف يسرق من صلاته ؟ لا يتم ركوعها ولا سجودها " أو قال : " لا يقيم صلبه في الركوع والسجود " وقال صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم فيها صلبه بين ركوعها وسجودها " [ رواهما الطبراني وهما حديثان صحيحان ] .
فمن قرأ بالآية والآيتين في كل ركعة زاعماً أنه اتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : " من أم قوماً فليخفف " [ رواه مسلم ] فقد تقحم العلم على غير بصيرة وافترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يُرده ويعنيه ، وما علم مقدار ما كان يصليه السلف رضوان الله عليهم في صلاة التراويح ، فعن السائب بن يزيد أنه قال : " أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة ، قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين ـ أي بمئات الآيات ـ حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام ، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر " [ رواه مالك ] ، وروى الإمام مالك أيضاً ، أن القارئ كان يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات ، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة ، رأى الناس أنه قد خفف .
يقول الله تعالى : " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " ويقول جل وعلا : " ورتل القرآن ترتيلاً " والآيات في ذلك معلومة ، المقصود أن القراءة التي لا تدبر فيها تخلص إلى صلاة لا خشوع فيها ، ولا لب لها ، ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " لا خير في عبادة لا علم فيها ، ولا علم لا فقه فيه ، ولا قراءة لا تدبر فيها "


رد مع اقتباس