منتديات أفـــاق دبـــي الثقافيـــة

منتديات أفـــاق دبـــي الثقافيـــة (http://www.afaqdubai.ae/vb/index.php)
-   الفقه الإسلامي : العبادة ، والأحوال الشخصية, المعاملات , الميراثIslamic Jurisprudence: worship, pers (http://www.afaqdubai.ae/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   فتوح الغيب (http://www.afaqdubai.ae/vb/showthread.php?t=29632)

عمر نجاتي 12-16-2011 02:14 AM

فتوح الغيب
 


بسم الله الرحمن الرحيم


صلواة سلطان الاولياء عبد القادر كيلاني قدس الله سره

اَلصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حبيبَ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِىَّ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خليل اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا صَفِىَّ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِىَّ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ خَلْقِ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ عَرْشِ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا اَمينَ وَحْىِ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ زَيَّنَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ شَرَّفَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ كَرَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ عَزَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ عَلَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ سَلَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنِ اِخْتَارَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ اْلاَوَّلينَ وَاْلاٰخِرينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَفيعَ الْمُذْنِبِينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَاتَمَ النَّبِيينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَحْمَةً لِلْعَالَمينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا اِمَامَ الْمُتَّقِينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ رَبِّ الْعَالَينَ،

صَلَاوَاتُ اللّٰهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَاَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَحَمَلَةِ
عَرْشِهِ وَجَميعِ خَلْقِهِ عَلٰى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلٰى اٰلِهِ وَصَحْبِهِ اَجْمَعينَ.



عمر نجاتي 12-16-2011 02:15 AM

رد: فتوح الغيب
 
فتوح الغيب
المقالات 1-10
الشيخ الرباني عبدالقادر الجيلاني قدس الله سره

عمر نجاتي 12-16-2011 02:16 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

مـقـدمـة الـمـؤلـف

قال الشيخ عبد الرزاق ولد المؤلف : قال والدي رضي الله تعالى عنه مؤيد الأئمة سيد الطوائف أبو محمد محي الدين عبد القادر الجيلاني الحسني الحسيني الصديقي، ابن أبي صالح موسى جنكى دوست ابن الإمام عبد الله ابن الإمام يحيى الزاهد ابن الإمام محمد ابن الإمام داود ابن الإمام موسى ابن الإمام عبد الله ابن الإمام موسى الجون ابن الإمام عبد الله المحض ابن الإمام الحسن المثنى ابن الإمام أمير المؤمنين سيدنا الحسن السبط ابن الإمام الهمام أسد الله الغالب، فخر بني غالب، أمير المؤمنين سيدنا علي ابن أبي طالب، كرم الله وجهه، ورضي عنه وعنهم أجمعين آمين :

الحمد لله ربِّ العالمين أولاً وأخرا وظاهراً وباطناً، عدد خلقه ومداد كلماته، وزنة عرشه، ورضاء نفسه، وعدد كل شفع ووتر، ورطب ويابس في كتاب مبين، وجميع ما خلق ربنا وذرأ وبرأ، خالق بلا مثال أبداً سرمداً طيباً مباركاً، الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأمات وأحيى، وأضحك وأبكى، وقرب وأدنى، وأرحم وأخزى، وأطعم وأسقى، وأسعد وأشقى، ومنع وأعطى، الذي بكلمته قامت السبع الشداد، وبها رست الرواسي والأوتاد واستقرت الأرض المهاد، فلا مقنوطاً من رحمته، ولا مأموناً من مكره وغيرته وإنفاذ أقضيته وفعله وأمره، ولا مستنكفاً عن عبادته، ولا مخلواً من نعمته، فهو المحمود بما أعطى، والمشكور بما زوى، ثم الصلاة على نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي من اتبع ما جاء به اهتدى ومن صدف عنه ضل وارتدى، النبي الصادق المصدوق، الزاهد في الدنيا، الطالب الراغب في الرفيق الأعلى، المجتبى من خلقه، المنتخب من بريته، الذي جاء بالحق بمحبته، زهق الباطل بظهوره، وأشرقت الأرض بنوره.

ثم الصلوات الوافيات، والبركات الطيبات، الزاكيات المباركات عليه ثانياً وعلى آله الطيبين، وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، الأحسنين لربهم فعلا، الأقومين له قيلا، والأصوبين إليه طريقاً وسبيلاً، ثم تضرعنا ودعاؤنا ورجوعنا إلى ربنا، ومنشئنا وخالقنا ورازقنا، ومطعمنا ومسقينا، ونافعنا وحافظنا، وكالئنا ومحيينا، والذابّ والدافع عنا جميع ما يؤذينا ويسوءنا، كل ذلك برحمته وتحننه وفضله ومتنه بالحفظ الدائم في الأقوال والأفعال في السر والإعلان، والإظهار والكتمان والشدة والرخاء والنعمة والبأساء والضراء، إنه فعال لما يريد، والحاكم بما يشاء، العالم بما يخفى، المطلع على الشؤون والأحوال، من الزلات والطاعات والقربات، السامع للأصوات، المجيب للدعوات، لمن يشاء من غير تنازع وتردد.

أما بعد : فإن نعم الله علي كثيرة متواترة، في آناء الليل وأطراف النهار والساعات واللحظات والخطرات وجميع الحالات، كما قال عزَّ وجلَّ : }وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا{.إبراهيم34. وقوله تعالى : }وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ{.النحل53. فلا يدان لي ولا جنان ولا لسان في إحصائها وأعدادها، فلا يدركها التعداد ولا تضبطها العقول والأذهان، ولا يحصيها الجنان ولا يعبرها اللسان. فمن جملة ما مكن عن تعبيرها اللسان، وأظهرها الكلام وكتبها البنان، وفسرها البيان، كلمات برزت وظهرت لي من فتوح الغيب فحلت في الجنان، فأشغلت المكان فأنتجها وأبرزها صدق الحال، فتولى إبرازها لطف المنان، ورحمة ربّ الأنام في قالب صواب المقال، لمريدي الحق والطلاب.

عمر نجاتي 12-16-2011 02:16 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الأولى

فـيمـا لا بـدّ لـكـل مـؤمـن


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لا بد لكل مؤمن في سائر أحواله من ثلاثة أشياء : أمر يمتثله، ونهي يجتنبه، وقدر يرضى به، فأقل حالة المؤمن لا يخلو فيها من أحد هذه الأشياء الثلاثة، فينبغي له أن يلزم همها قلبه، وليحدث بها نفسه، ويؤاخذ الجوارح بها في سائر أحواله.

عمر نجاتي 12-16-2011 02:17 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الثانية

فـي الـتـواصـي بـالـخـيـر

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : اتبعوا ولا تبتدعوا, وأطيعوا ولا تمرقوا، ووحدوا ولا تشركوا, ونزهوا الحق ولا تتهموا، وصدقوا ولا تشكوا، واصبروا ولا تجزعوا، واثبتوا ولا تنفروا, واسألوا ولا تسأموا, وانتظروا وترقبوا ولا تيأسوا, وتواخوا ولا تعادوا، واجتمعوا على الطاعة ولا تتفرقوا، وتحابوا ولا تباغضوا, وتطهروا عن الذنوب وبها لا تدنسوا ولا تتلطخوا, وبطاعة ربكم فتزينوا, وعن باب مولاكم فلا تبرحوا، وعن الإقبال عليه فلا تتولوا، وبالتوبة فلا تسوفوا، وعن الاعتذار إلى خالقكم في آناء الليل وأطراف النهار فلا تملوا، فلعلكم ترحمون وتسعدون، وعن النار تبعدون، وفي الجنة تحبرون، وإلى الله توصلون، وبالنعيم وافتضاض الأبكار في دار السلام تشتغلون، وعلى ذلك تخلدون، وعلى النجائب تركبون, وبحور العين وأنواع الطيب وصوت القيان مع ذلك النعيم تحبرون، ومع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ترفعون.

عمر نجاتي 12-16-2011 02:17 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الثالثة

فـي الابـتـلاء


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا ابتلي العبد ببلية تحرك أولاً في نفسه بنفسه, فإن لم يتخلص منها استعان بالخلق كالسلاطين وأرباب المناصب وأرباب الدنيا وأصحاب الأحوال وأهل الطب في الأمراض والأوجاع، فإن لم يجد في ذلك خلاصاً رجع إلى ربّه بالدعاء والتضرع والثناء. ما دام يجد بنفسه نصرة لم يرجع إلى الخلق، وما دام يجد به نصرة عند الخلق لم يرجع إلى الخالق, ثم إذا لم يجد عند الخلق نصرة استطرح بين يديه مديماًً للسؤال والدعاء والتضرع والثناء والافتقار مع الخوف والرجاء, ثم يعجزه الخالق عزَّ وجلَّ عن الدعاء, ولم يجبه حتى ينقطع عن جميع الأسباب، فحينئذ ينفذ فيه القدر ويفعل فيه الفعل، فيفنى العبد عن جميع الأسباب والحركات، فيبقى روحاً فقط, فلا يرى إلا فعل الحق فيصير موقناً موحداً ضرورة يقطع أن لا فاعل في الحقيقة إلا الله لا محرك ولا مسكن إلا الله ولا خير ولا ضر ولا نفع ولا عطاء ولا منع, ولا فتح ولا غلق، ولا موت ولا حياة، ولا عزّ ولا ذل إلا بيد الله فيصير في القدر كالطفل الرضيع في يد الظئر والميت الغسيل في يد الغاسل والكرة في صولجان الفارس، يقلب ويغير ويبدل, ويكون ولا حراك به في نفسه ولا في غيره فهو غائب عن نفسه في فعل مولاه , فلا يرى غير مولاه وفعله, ولا يسمع ولا يعقل من غيره إن بصر وإن سمع وعلم, فلكلامه سمع، ولعلمه علم، وبنعمته تنعم، وبقربه تسعد، وبتقريبه تزين وتشرف, وبوعده طاب وسكن, به اطمأن, وبحديثه أنس, وعن غيره استوحش ونفر, وإلى ذكره التجأ وركن, وبه عزَّ وجلَّ وثق وعليه توكل، وبنور معرفته اهتدى وتقمص وتسربل, وعلى غرائب علومه اطلع، وعلى أسرار قدرته أشرف، ومنه سمع ووعي, ثم على ذلك حمد وأثنى وشكر ودعا.

عمر نجاتي 12-16-2011 02:18 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الرابعة

فـي الـمـوت الـمـعـنـوي

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا مت عن الخلق قيل لك رحمك الله وأماتك عن الهوى، وإذا مت عن هواك قيل رحمك الله وأماتك عن إرادتك ومناك، وإذا مت عن الإرادة قيل رحمك الله وأحياك حياة لا موت بعدها، وتغنى غنى لا فقر بعده، وتعطى عطاء لا منع بعده, وتراح براحة لا شقاء بعدها، وتنعم بنعمة لا بؤس بعدها، وتعلم علماً لا جهل بعده، وتؤمن أمناً لا خوف بعده، وتسعد فلا تشقى, وتعز فلا تذل, وتقرب فلا تبعد, وترفع فلا توضع, وتعظم فلا تحقر, وتطهر فلا تدنس, لتحقق فيك الأماني, وتصدق فيك الأقاويل, فتكون كبريتاً أحمر فلا تكاد ترى, وعزيزاً فلا تماثل, وفريداً فلا تشارك, ووحيداً فلا تجانس, فرداً بفرد ووتراً بوتر, وغيب الغيب, وسر السر, فحينئذ تكون وارث كل نبي وصديق ورسول. بك تختم الولاية وإليك تصير الأبدال وبك تنكشف الكروب, وبك تسقى الغيوث, وبك تنبت الزروع, وبك يدفع البلاء والمحن عن الخاص والعام وأهل الثغور والراعي والرعايا, والأئمة والأمة وسائر البرايا, فتكون شحنة البلاد والعباد, فتنطلق إليك الرجل بالسعي, والرجال والأيدي بالبذل والعطاء والخدمة بإذن خالق الأشياء في سائر الأحوال, والألسن بالذكر الطيب والحمد والثناء وجمع المجال, ولا يختلف فيك اثنان من أهل الإيمان, يا خير من سكن البراري وجال بها }ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{.الحديد21.

عمر نجاتي 12-16-2011 02:19 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الخامسة


فـي بـيـان الـدنـيـا و الـحـث عـلـى عـدم الالـتـفـات إلـيـهـا

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا رأيت الدنيا في يدي أربابها بزينتها وأباطيلها وخداعها ومصائدها وسمومها القتالة, مع لين مس ظاهرها, وضراوة باطنها وسرعة إهلاكها, وقتلها لمن مسها واغتر بها وغفل عن وليها وعيرها بأهلها ونقض عهدها، فكن كمن رأى انساناً على الغائط بالبراز بادية سوأته وفائحة رائحته, فإنك تغض بصرك عن سوأته، وتسد أنفك من رائحته ونتنه, فهكذا كن في الدنيا, إذا رأيتها غض بصرك عن زينتها، وسد أنفك عما يفوح من روائح شهواتها ولذاتها, فتنجو منها ومن آفاتها, ويصل إليك قسمك منها وأنت مهنأ, قال الله تعالى لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم : }وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى{.طـه131.

عمر نجاتي 12-16-2011 02:19 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة السادسة

فـي الـفـنـاء عـن الـخـلـق


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : افن عن الخلق بإذن الله تعالى, عن هواك بأمر الله تعالى }وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{.المائدة23. وعن إرادتك بفعل الله تعالى. وحينئذ تصلح أن تكون وعاء لعلم الله تعالى, فعلامة فنائك عن خلق الله تعالى انقطاعك عنهم وعن التردد إليهم واليأس مما في أيديهم، وعلامة فنائك عن هواك ترك التكسب والتعلق بالسبب في جلب النفع والضرر, فلا تحرك ولا تعتمد عليك ولا لك ولا تذب عنك ولا تنتصر لنفسك، تكل ذلك كله إلى الله تعالى لأنه تولاه اولاً فيتولاه آخراً, كما كان موكولاً إليه في حال كونك مغيباً في الرحم، وكونك رضيعاً طفلاً في مهدك, وعلامة فنائك عن إرادتك بفعل الله أنك لا تريد مراداً قط , ولا يكون لك غرض, ولا يبقى لك حاجة ولا مرام, فإنك لا تريد مع إرادة الله سواها, بل يجري فعل الله فيك, فتكون أنت عند إرادة الله وفعله ساكن الجوارح مطمئن الجنان منشرح الصدر منور الوجه عامر البطن غنياً عن الأشياء بخالقها, تقلبك يد القدرة, ويدعوك لسان الأزل, ويعلمك ربُّ الْمِلَلْ, ويكسوك أنواراً منه والحلل, وينزلك من أولي العلم الأول, فتكون منكسراً أبداً, فلا يثبت فيك شهوة وإرادة كالإناء المنثلم الذي لا يثبت فيه مائع وكدر, فتنقى عن أخلاق البشرية, فلن يقبل باطنك شيئاً غير إرادة الله عزَّ وجلَّ, فحينئذ يضاف إليك التكوين وخرق العادات, فيرى ذلك منك في ظاهر الفعل والحكم, وهو فعل الله وإرادته حقاً في العالم, فتدخل حينئذ في زمرة المنكسرة قلوبهم الذين كسرت إرادتهم البشرية وأزيلت شهواتهم الطبيعية فاستؤنفت لهم إرادة ربانية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (حبب إليّ من دنياكم ثلاث : الطيب ، والنساء , وجعلت قرة عيني في الصلاة) فأضيف ذلك بعد أن خرج منه وزال عنه تحقيقاً بما أشرنا, وتقدم. قال الله تعالى في حديثه القدسي : "أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" فإن الله تعالى لا يكون عندك حتى تنكسر جملة هواك وإرادتك, فإذا انكسرت ولم يثبت فيك شيء ولم يصلح فيك شيء, أنشأك الله فجعل فيك إرادة, فتريد بتلك الإرادة, فإذا صرت في الإرادة المنشأة فيك، كسرها الربّ تعالى بوجودك فيها, فتكون منكسر القلب أبداً, فهو لا يزال يجدد فيك إرادة ثم يزيلها عند وجودك فيها هكذا إلى أن يبلغ الكتاب أجله, فيحصل اللقاء, فهذا هو معنى "عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" ومعنى قولنا عند وجودك فيها هو ركونك وطمأنينتك إليها. قال الله تعالى في حديثه القدسي , الذي يرويه صلى الله عليه وسلم : (لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه , فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها) وفي لفظ آخر "فبي يسمع ، وبي يبطش وبي يعقل". وهذا إنما يكون في حالة الفناء لا غير, فإذا فنيت عنك وعن الخلق, والخلق إنما هو خير وشر, فلم ترج خيرهم ولا تخاف شرهم بقي الله وحده كما كان, ففي قدر الله خير وشر, فيؤمنك من شر القدر ويغرقك في بحار خيره, فتكون وعاء كل خير, ومنبعاً لكل نعمة وسرور وحبور وضياء أمن وسكون، فالفناء والمنى والمبتغى والمنتهى حد ومرد ينتهي إليه مسير الأولياء, وهو الاستقامة التي طلبها من تقدم من الأولياء والأبدال أن يفنوا عن إرادتهم وتبدل بإرادة الحق عزَّ وجلَّ, فيريدون بإرادة الحق أبداً إلى الوفاة، فلهذا سموا أبدالاً رضي الله عنهم, فذنوب هؤلاء السادة أن يشركوا إرادة الحق بإرادتهم على وجه السهو والنسيان وغلبة الحال والدهشة, فيدركهم الله تعالى برحمته بالتذكرة واليقظة, فيرجعوا عن ذلك ويستغفروا ربهم, إذ لا معصوم عن الإرادة إلا الملائكة, عصموا عن الإرادة، والأنبياء عصموا عن الهوى, وبقية الخلق من الإنس والجن المكلفين لم يعصموا منها غير أن الأولياء بعضهم يحفظون عن الهوى, والأبدال عن الإرادة, ولا يعصمون منهما على معنى يجوز في حقهم الميل إليهما في الأحيان, ثم يتداركهم الله عزَّ وجلَّ باليقظة برحمته.

عمر نجاتي 12-16-2011 02:20 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة السابعة

فـي إذهـاب غـمـم الـقـلـب

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : أخرج من نفسك وتنح عنها, وانعزل عن ملكك وسلم الكل إلى الله, فكن بوابه على باب قلبك، وامتثل أمره في إدخال من يأمرك بإدخاله، وانته بنهيه في صد من يأمرك بصده، فلا تدخل الهوى قلبك بعد أن خرج منه، فإخراج الهوى من القلب بمخالفته، وترك متابعته في الأحوال كلها، وإدخاله في القلب بمتابعته وموافقته، فلا ترد إرادة غير إرادته, وغير ذلك منك تمن وهو وادي الحمقى, وفيه حتفك وهلاكك وسقوطك من عينه وحجابه عنك, أحفظ أبداً أمره, وانته أبداً بنهيه، وسلم لمقدوره, ولا تشركه بشيء من خلقه, فإرادتك وهواك وشهواتك كلها خلقه, فلا ترد ولا تهوى ولا تشته كيلا تكون مشركاً. قال الله تعالى : }فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً{.الكهف110.

ليس الشرك عبادة الأصنام فحسب, بل هو متابعتك هواك، وأن تختار مع ربك شيئاً سواه من الدنيا وما فيها والآخرة وما فيها, فما سواه عزَّ وجلَّ غيره، فإذا ركنت إلى غيره فقد أشركت به عزَّ وجلَّ غيره, فاحذر ولا تركن, وخف ولا تأمن, وفتش فلا تغفل فتطمئن, ولا تضف إلى نفسك حالاً ومقاماً, ولا تدع شيئاً من ذلك, فإن أعطيت حالاً أو أقمت في مقام فلا تختر شيئاً واحداً من ذلك, فإن الله }كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ{.الرحمن29. في تغيير وتبديل, وإنه يحول بين المرء وقلبه, فيزيلك عما أخبرت به, ويغيرك عما تخيلت ثباته وبقاءه, فتخجل عند من أخبرته بذلك، بل أحفظ ذلك فيك ولا تعده إلى غيرك فإنه كلي الثبات والبقاء, فتعلم أنه موهبة وتسأل التوفيق للشكر واستر رؤيته وإن كان غير ذلك كان فيه زيادة علم ومعرفة ونور وتيقظ وتأديب. قال الله عزَّ وجلَّ : }مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{.البقرة106. فلا تعجز الله في قدرته، ولا تتهمه في تقديره ولا تدبيره، ولا تشك في وعده, فليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة, نسخت الآيات والسور النازلة عليه المعمولة بها المقروءة في المحاريب المكتوبة في المصاحف, ورفعت وبدلت وأثبت غيرها مكانها, ونقل صلى الله عليه وسلم إلى غيرها, هذا في ظاهر الشرع، وأما في الباطن والعلم والحال فيما بينه وبين الله عزَّ وجلَّ فكان يقول : (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة) ويروى (مائة مرة) وكان صلى الله عليه وسلم ينقل من حالة إلى أخرى ويسير به في منازل القرب وميادين الغيب، ويغير عليه خلع الأنوار، فتبين الحالة الأولى عند ثانيها ظلمة ونقصاناً وتقصيراً في حفظ الحدود، فيلقن الاستغفار لأنه أحسن حال العبد، والتوبة في سائر الأحوال لأن فيها اعترافه بذنبه وقصوره، وهما صفتا العبد في سائر الأحوال، فهما وراثة من أبي البشر آدم عليه السلام إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم حين اعترت صفاء حاله ظلمة النسيان للعهد والميثاق، وإرادة الخلود في دار السلام, ومجاورة الحبيب الرحمن المنان، ودخول الملائكة الكرام عليه بالتحية والسلام, فوجد هناك مشاركة إرادته لإرادة الحق, فانكسرت لذلك تلك الإرادة, وزالت تلك الحالة, وانعزلت تلك الولاية, فانهبطت تلك المنزلة وأظلمت تلك الأنوار وتكدر ذلك الصفاء, ثم تنبه وذكر صفي الرحمن، فعرف الاعتراف بالذنب والنسيان, ولقن الإقرار فقال : }رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{.الأعراف23. فجاءت أنوار الهداية وعلوم التوبة ومعارفها، والمصالح المدفونة فيها ما كان غائباً من قبل, فلم تظهر إلا بها، فبدلت تلك الإرادة بغيرها والحالة الأولى بأخرى, وجاءته الولاية الكبرى والسكون في الدنيا ثم في العقبى, فصارت الدنيا له ولذريته منزلاً, والعقبى لهم موئلاً ومرجعاً وخلداً, فلك برسول الله وحبيبه المصطفى وأبيه آدم صفي الله عليهم الصلاة والسلام عنصر الأحباب والأخلاء أسوة في الاعتراف بالقصور والاستغفار في الأحوال كلها.

عمر نجاتي 12-16-2011 02:21 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الثامنة

فـي الـتــقــرب إلــى الله

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا كنت في حالة لا تختر غيرها أعلى منها ولا أدنى، فإذا كنت على باب الملك لا تختر الدخول إلى الدار حتى تدخل إليها جبراً لا اختياراً, وأعني بالجبر أمراً عنيفاً متأكداً متكرراً, ولا تكف بمجرد إذن بمجرد الدخول, لجواز أن يكون ذلك منكراً وخديعة من الملك, لكن اصبر حتى تجبر على الدخول فتدخل الدار جبراً محضاً وفضلاً من الملك, فحينئذ لا يعاقب الملك على فعله, إنما تتعرض العقوبة لك لشؤم تخيرك وشرهك، وقلة صبرك وسوء أدبك, وترك الرضي بحالتك التي أقمت فيها, فإذا حصلت فكن مطرقاً غاضاً لبصرك متأدباً, محافظاً لما تؤمر به من الشغل والخدمة فيها غير طالب للترقي إلى الذروة العليا. قال الله عزَّ وجلَّ : }وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى{.طـه131. فهذا تأديب منه عزَّ وجلَّ لنبيه المختار صلى الله عليه وسلم في حفظ الحال والرضا بالعطاء بقوله : }وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى{.طـه131. أي ما أعطيتك من الخبر والنبوة والعلم والقناعة والصبر وولاية الدين, والعروة فيه أولى مما أعطيت وأحرى, فالخير كله في حفظ الحال والرضا بها وترك الالتفات إلى ما سواها, لأنه لا يخلو إما أن يكون قسمك أو قسم غيرك, أو أنه لا قسم لأحد بل أوجده الله فتنة, فإن كان قسمك وصل إليك شئت أم أبيت فلا ينبغي أن يظهر منك سوء الأدب والشره في طلبه, فإن ذلك غير محمود في قضية العلم والعقل, وإن كان قسم غيرك فلا تتعب فيما لم تناوله ولا يصل إليك أبداً, وإن كان ليس بقسم لأحد بل هو فتنة فكيف يرضى للعاقل ويستحسن أن يطلب لنفسه فتنة ويستجلبها لها, فقد ثبت أن الخير كله والسلامة في حفظ الحال, فإذا رقيت إلى الغرفة ثم إلى السطح فكن كما ذكرنا من الحفظ والإطراق والأدب, بل يتضاعف ذلك منك, لأنك أقرب إلى الملك وأدنى بالخطر, فلا تتمن الانتقال منها إلى أعلى منها ولا إلى أدنى, وثباتها وبقائها, ولا تغير وصفها وأنت فيها, ولا يكون لك اختيار ألبته, فإن ذلك كفر في نعمة الحال والكفر يحل بصاحبه الهوان في الدنيا والآخرة فاعمل على ما ذكرناه أبداً حتى ترقى إلى حالة تصير لك مقاماً تقام فيه فلا تزال عنه، فتعلم حينئذ أنه موهبة ظهر بيانها فتمسكه ولا تزل، فالأحوال للأولياء والمقامات للأبدال والله يتولى هداك.

عمر نجاتي 12-16-2011 02:21 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة التاسعة

فـي الـكـشــف و الـمـشـاهـدة

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : يكشف للأولياء والأبدال من أفعال الله ما يبهر العقول ويخرق العادات والرسوم فهي على قسمين : جلال وجمال, فالجلال والعظمة يورثان الخوف المقلق والوجل المزعج, والغلبة العظيمة على القلب بما يظهر على الجوارح, كما روي عن أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يسمع من صدره أزيز كأزيز المرجل في الصلاة من شدة الخوف " لما يرى من جلال الله عزَّ وجلَّ وينكشف له من عظمته، ونقل مثل ذلك عن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه وعمر الفاروق رضي الله عنه.

أما مشاهدة الجمال : فهو التجلي للقلوب بالأنوار والسرور والألطاف, والكلام اللذيذ والحديث الأنيس, والبشارة بالمواهب الجسام والمنازل العالية, والقرب منه عزَّ وجلَّ مما سيئول أمرهم إلى الله عزَّ وجلَّ, وجف به القلم من أقسامهم في سابق الدهور فضلاً منه ورحمة, وإثباتاً منه لهم في الدنيا إلى بلوغ الأجل وهو الوقت المقدور, لئلا تفرط بهم المحبة من شدة الشوق إلى الله تعالى فتنفطر مرائرهم, فيهلكون ويضعفون عن القيام بالعبودية إلى أن يأتيهم اليقين الذي هو الموت، فيفعل ذلك بهم لطفاً منه ورحمة ومداراة لها }إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ{.الأنعام139.الحجر25. لطيف بهم }رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{.التوبة117+128.النور20.الحشر10. ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول لبلال المؤذن رضي الله عنه (أرحنا بها يا بلال) أي بالإقامة لندخل في الصلاة لمشاهدة ما ذكرناه من الحال, ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : (وجعلت قرة عيني في الصلاة).

عمر نجاتي 12-16-2011 02:23 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة العاشرة

فـي الـنـفـس و أحــوالـهـا

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إنما هو الله ونفسك وأنت المخاطب، والنفس ضد الله وعدوه, والأشياء كلها تابعة لله, والنفس له خلقاً ومُلكاً, وللنفس ادعاء وتمن وشهوت ولذة بملابستها, فإذا وافقت الحق عزَّ وجلَّ في مخالفة النفس وعدوانها فكنت لله خصماً على نفسك كما قال الله عزَّ وجلَّ لداود عليه السلام : "يا داود أنا بدك اللازم فألزم بدك، العبودية أن تكون خصماً على نفسك" فتحققت حينئذٍ موالاتك وعبوديتك لله عزَّ وجلَّ, وأتتك الأقسام هنيئاً مريئاً مطيباً وأنت عزيز ومكرم, وخدمتك الأشياء وعظمتك وفخمتك, لأنها بأجمعها تابعة لربّها موافقة له إذ هو خالقها ومنشئها, وهي مقرة له بالعبودية. قال الله تعالى : }وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ{.الإسراء44. }فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ{.فصلت11. فالعبادة كل العبادة في مخالفة نفسك. قال الله تعالى : }وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ{.ص26. وقال لداود عليه السلام : "أهجر هواك فإنه منازع".

والحكاية المشهورة عن أبي يزيد البسطامي رحمه الله لما رأى ربّ العزة في المنام فقال له : كيف الطريق إليك ؟، قال : اترك نفسك وتعال, فقال : فانسلخت كما تنسلخ الحية من جلدها, فإذا الخير كله في معادتها في الجملة في الأحوال كلها, فإن كنت في حال التقوى فخالف النفس, بأن تخرج من حرام الخلق وشبهتهم ومنتهم والاتكال عليهم والثقة بهم والخوف منهم, والرجاء لهم والطمع فيما عندهم من أحكام الدنيا, فلا ترج عطاياهم على طريق الهدية والزكاة والصدقة أو النذر, فاقطع همّك منهم من سائر الوجوه والأسباب حتى إن كان لك نسب ذو مال لا تتمن موته لترث ماله, فاخرج من الخلق جاداً وجعلهم كالباب يرد ويفتح، وشجرة توجد فيها ثمر تارة وتختل أخرى وكل ذلك بفعل فاعل وتدبير مدبر وهو الله جلَّ وعلا, لتكون موحداً للربّ، ولا تنس مع ذلك كسبهم لتخلص من مذهب الجبرية, واعتقد أن الأفعال لا تتم بهم دون الله لا تعبدهم وتنسى الله. ولا تقل فعلهم دون فعل الله فتكفر فتكون قدرياً, لكن قل هي لله خلقاً وللعباد كسباً كما جاءت به الآثار, لبيان موضع الجزاء من الثواب والعقاب, وامتثل أمر الله فيهم, وخلص قسم منهم بأمره ولا تجاوزه فحكم الله قائم بحكمه عليك وعليهم, فلا تكن أنت الحاكم, وكونك معهم قدر والقدر ظلمة فادخل بالظلمة في المصباح وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, لا تخرج عنهما فإن خطر خاطر أو وجد إلهام فاعرضه على الكتاب والسنة, فإن وجدت فيها تحريم ذلك مثل أن تلهم بالزنا والرياء ومخالطة أهل الفسق والفجور وغير ذلك من المعاصي, فادفعه عنك واهجره ولا تقبله ولا تعمل به, واقطع بأنه من الشيطان اللعين نعوذ بالله منه. وإن وجدت فيها إباحة كالشهوات المباحة من الأكل أو الشرب أو اللبس أو النكاح فاهجره أيضاً ولا تقبله, واعلم أنه من إلهام النفس وشهواتها وقد أمرت بمخالفتها وعداوتها. وإن لم تجد في الكتاب والسنة تحريمه وإباحته, بل هو أمر لا تعقله مثل السائق لك ائت موضع كذا وكذا, الق فلاناً صالحاً, ولا حاجة لك هناك ولا في الصالح لاستغنائك عنه بما أولاك الله من نعمته من العلم والمعرفة، فتوقف في ذلك ولا تبادر إليه فتقول هذا إلهام من الحق جلَّ وعلا فأعمل به بل انتظر الخير كله في ذلك وفعل الحق عزَّ وجلَّ بأن يتكرر ذلك الإلهام وتؤمر بالسعي, أو علامة تظهر لأهل العلم بالله عزَّ وجلَّ يعقلها العقلاء من الأولياء والمؤيدون من الأبدال, وإنما لم يتبادر إلى ذلك لأنك لا تعلم عاقبته وما يؤول الأمر إليه, وما كان فيه فتنة وهلاك ومكر من الله وامتحان فاصبر حتى يكون هو عزَّ وجلَّ الفاعل فيك, فإذا تجرد الفعل وحملت إلى هناك واستقبلتك فتنة كنت محمولاً محفوظاً فيها, لأن الله تعالى لا يعاقبك على فعله وإنما تتطرق العقوبة نحوك لكونك في الشيء, وإن كنت في حالة الحقيقة وهي حالة الولاية فخالف هواك واتبع الأمر في جملة.

واتباع الأمر على قسمين :

أحدهما أن تأخذ من الدنيا القوت الذي هو حق النفس وتترك الحظ , وتؤدي الفرض وتشتغل بترك الذنوب ما ظهر منها وما بطن.

والقسم الثاني ما كان بأمر باطن, وهو أمر الحق عزَّ وجلَّ, يأمر عبده وينهاه, وإنما يتحقق بهذا الأمر في المباح الذي ليس له حكم في الشرع على معنى ليس من قبيل النهي ولا من قبيل الأمر الواجب, بل هو مهمل ترك العبد يتصرف فيه باختياره فسمي مباحاً فلا يحدث للعبد فيه شيئاً من عنده بل ينتظر الأمر فيه, فإذا أمر امتثل فتصير حركاته وسكناته بالله عزَّ وجلَّ, ما في الشرع حكمه فبالشرع، وما ليس له حكم في الشرع فبالأمر الباطن فحينئذ يصير محقاً من أهل الحقيقة, وما ليس فيه أمر باطن فهو مجرد الفعل حاله التسليم, وإن كنت في حالة حق الحق وهي حالة المحو والفناء وهي حالة الأبدال المنكسري القلوب لأجله الموحدين العارفين أرباب العلوم والعقل السادة الأمراء الشحن خفراء الخلق خلفاء الرحمن وأخلائه وأعيانه وأحبائه عليهم السلام, فإتباع الأمر فيها بمخالفتك إياك بالتبري من الحول والقوة, وأن لا يكون لك إرادة وهمة في شيء البتة دنيا وعقبى, فتكون عبد المَلك لا عبد الْمُلْك وعبد الأمر لا عبد الهوى كالطفل مع الظئر, والميت الغسيل مع الغسل, والمريض المقلوب على جنبيه بين يدي الطبيب فيما سوى الأمر والنهي والله أعلم.




عمر نجاتي 12-16-2011 02:28 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


صلواة عبد القادر كيلاني قدس الله سره(روي ان من قرء هذه الصلواة الشريفة مرة واحدة , ينال ثواب الف صلواة)


اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَفْضَلَ صَلَوَاتِكَ أَبَدًا. وَأَنْمَى بَرَكَاتِكَ سَرْمَدًا. وَأَزْكَى تَحِيَّاتِكَ فَضْلاً وَعَدَدًا. عَلَى أَشْرَفِ الْخَلاَئِقِ الْإِنْسَانِـيَّـةِ. وَمَجْمَعِ الْحَقَائِقِ الْإِيمَانِـيَّـةِ. وَطُوْرِ الْـتَّجَلِّـيَاتِ الْإِحْسَانِـيَّـةِ. وَمَهْبِطِ الْأَسْرَارِ الروحانية. وَاسِطَةِ عِقْدِ النَّـبِـيِّـيْن. وَمُقَدَّمِ جَيْشِ الْمُرْسَلِينَ. وَقَائِدِ رَكْبِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُكَرَّمِينَ. وَأَفْضَلِ الْخَلْقِ أَجْمَعِيْن. حَامِلِ لِوَاءِ الْعِزِّ الأَعْلَى وَ مَالِكِ أَزِمَّةِ الْمَجْدِ الْأَسْنَى. شَاهِدِ أَسْرَارِ الْأَزَلِ. وَمُشَاهِدِ أَنْوَارِ السَّوَابِقِ ُالاُوَلِ . وَتَرْجُمَانِ لِسَانِ الْقِدَمِ. وَمَنْبَعِ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالْحِكَمِ. مَظْهَرِ الْـوُجُـودِ الْكُلِّيِ وَالْجُزْئِي . وَإِنْـــسَانِ عَــيْـنِ الْـوُجُـودِ الْـعُــلْــوِيِّ وَالـسُّــفْــلِي. رُوحِ جَــسَــدِ الْــكَــوْنَــيْــنِ . وَ عــيْـنِ حَـيَاةِ الدَّارَيْنِ. اَلْــمُــتَــحَـقِّـقِ بِأَعْـلَى رُتَـبِ الْـعُـبُـودِيَّـةِ. اَلْمُـتَـخَـلِّـقِ بِأَخْــلاَقِ الْمَـقَامَاتِ الْإِصْــطِــفَائِـــيَّـةِ. اَلْـخَـلِــيْلِ الْأَكْرَمِ . وَالْحَـبِـيْبِ الْأَعْــظَمِ. سَــيِّدِنَا مُحَمَّدِ بْـنِ عَبْدِ اللّٰه ابْنِ عَـبْدِ الْمُـطَّلِبْ , خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ عَلَى آلِـهِ وَ صَحْـبِـهِ أَجْمَـعِـيْـنَ.عدد معلوماتك و مداد كلماتك, كُلَّمَا ذَكَرَكَ و ذكره الذَّاكِرُوْنَ وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ و ذِكْرِهِ الْغَافِلُوْنَ و سلم تسليما كثيرا الي يوم الدين.


عمر نجاتي 12-17-2011 01:15 AM

رد: فتوح الغيب
 
فتوح الغيب

مقالات 11-21

الشيخ الرباني عبدالقادر الجيلاني قدس سره

عمر نجاتي 12-17-2011 01:16 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الحادية عشرة

فـي الــشــــهـوة

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا ألقيت عليك شهوة النكاح في حالة الفقر وعجزت عن مؤنته فصبرت عنه منتظر الفرج من الباري عزَّ وجلَّ, إما بزوالها وإقلاعها عنك بقدرته التي ألقاها عليك وأوجدها فيك فيعينك أو يصونك وحياتك عن حمل مؤنتها أيضاً أو بإيصالها إليك موهبة مهنئاً مكفياً من غير ثقل في الدنيا ولا تعب في العقبى, وسماك الله عزَّ وجلَّ صابراً شاكراً لصبرك عنها راضياً بقسمته فزادك عصمة وقوة. فإن كان قسماً لك ساقها إليك مكفياً مهنئاً فينقلب الصبر شكراً, وهو عزَّ وجلَّ وعد الشاكرين بالزيادة في العطاء قال الله عزَّ وجلَّ : }لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{.إبراهيم7.

وإن لم تكن قسماً لك فالغنى عنها بقلعها من القلب إن شاءت النفس أو أبت, فلازم الصبر وخالف الهوى وعانق الأمر وارض بالقضاء, وارج بذلك الفضل والعطاء, وقد قال الله تعالى : }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ{.الزمر10.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:16 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الثانية عشرة

فـي الـنـهـي عـن حـب الـمـال


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا أعطاك الله عزَّ وجلَّ مالاً فاشتغلت به عن طاعته حجبك به عنه دنيا وأخرى, وربما سلبك إياه وغيرك وأفقرك لاشتغالك بالنعمة عن المنعم, وإن اشتغلت بطاعته عن المال جعله موهبة ولم ينقص منه حبة واحدة وكان المال خادمك وأنت خادم المولى, فتعيش في الدنيا مدللاً وفي العقبى مكرماً مطيباً في جنة المأوى مع الصديقين والشهداء والصالحين.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:17 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الثالثة عشرة

فـي الـتـســلـيـم لأمــر الله


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لا تختر جلب النعماء ولا دفع البلوى، فالنعماء واصلة إليك إن كانت قسمك استجلبتها أو كرهتها, والبلوى حالَّةٌ بك إن كانت قسمك مقضية عليك سواء كرهتها أو رفعتها بالدعاء أو صبرت وتجلدت لرضى المولى, بل سلم في الكل, فيفعل الفعل فيك، فإن كانت النعماء فاشتغل بالشكر, وإن كانت البلوى فاشتغل بالتصبر والصبر, أو الموافقة والتنعم بها أو العدم أو الفناء فيها على قدر ما تعطى من الحالات وتنتقل فيها, وما تسير في المنازل في طريق المولى الذي أمرت بطاعته والموالاة, لتصل إلى الرفيق الأعلى, فتقام حينئذ مقام من تقدم ومضى من الصديقين والشهداء والصالحين, لتعاين من سبقك إلى المليك ومنه دنا, ووجد عنده كل طريفة وسروراً وأمناً, وكرامة ونعما.

دع البلية تزورك, خل من سبيلها, ولا تقف ولا تجزع من مجيئها وقربها, فليس نارها أعظم من نار جهنم ولظى, فقد ثبت في الخبر المروي عن خير البرية, وخير من حملته الأرض وأظلته السماء محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن نار جهنم تقول للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي) فهل كان نور المؤمن الذي أطفأ لهب النار في لظى إلا الذي صحبه في الدنيا الذي لن يمر من أطاعها وعصى, فليطفئ هذا النور لهب البلوى, ولتجد برد صبرك وموافقتك للمولى وهيج ما حل بك من ذلك ومنك دنا، فالبلية لم تأتك لتهلكك, لكنها تأتيك لتجربك وتحقق صحة إيمانك وتوثيق عروة يقينك ويبشرك باطنها من مولاك بمباهاته بك, قال الله تعالى : }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ{.محمد31. فإذا ثبت مع الحق إيمانك ووافقته في فعله بيقينك كل ذلك بتوفيق منه ومنة, فكن حينئذ أبداً صابراً موافقاً مُسَلِّمَاً لا تحدث فيك ولا في غيرك حادثة ما خرج عن الأمر والنهي, فإذا كان أمره عزَّ وجلَّ فتسامع وتسارع وتحرك ولا تسكن ولا تسلم للقدر والفعل, بل ابذل طوقك وجهودك لتؤدي الأمر, فإن عجزت فدونك الالتجاء إلى مولاك عزَّ وجلَّ, فالتجئ إليه وتضرع واعتذر, وفتش عن سبب عجزك عن أداء أمره وصدك عن التشوق لطاعته لعل ذلك لشؤم دعائك وسوء أدبك في طاعته, ورعونتك واتكالك على حولك وقوتك, وإعجابك بعلمك وشركك إياك بنفسك وخلقه, فصدك عن بابه, وعزلك عن طاعته وخدمته, وقطع عنك مدد توفيقه, وولى عنك وجهه الكريم, ومقتك وقلاك, وشغلك ببلائك دنياك وهواك، وإرادتك ومناك.

أما تعلم أن كل ذلك مشغول عن ذلك, وقاطعك عن عين الذي خلقك ورباك، وخوّلك وأعطاك وأحياك.

احذر لا يلهيك عن مولاك غير مولاك, وكل من سوى مولاك غيره, فلا تؤثر عليه غيره فإنه خلقك له, فلا تظلم نفسك فتشغل بغيره عن أمره فيدخلك النار التي وقودها الناس والحجارة فتندم, فلا ينفعك الندم, وتعتذر فلا تعذر, وتستعتب فلا تعتب, وتسترجع إلى الدنيا لتستدرك وتصلح فلا ترجع.

ارحم نفسك وأشفق عليها, واستعمل الآلات والأدوات التي أعطيتها في طاعة مولاك من الفعل والإيمان والمعرفة والعلم.

استضيء بنورهما في ظلمات الأقدار, وتمسك بالأمر والنهي, وسيرهما في طريق مولاك وسلم ما سواهما إلى الذي خلقك وأنشأك, فلا تكفر بالذي خلقك من تراب ورباك, ثم من نطفة ثم رجلاً سواك، ولا ترد غير أمره, ولا تكره غير نهيه.

اقنع من الدنيا والأخرى بهذا المراد واكره فيهما هذا المكروه, فكل ما يراد تبع لهذا المراد, وكل مكروه تبع لهذا المكروه.

إذا كنت مع أمره كانت الأكوان في أمرك, وإذا كرهت نهيه فرت منك المكاره أين كنت وحللت.

قال الله عزَّ وجلَّ في بعض كتبه : (يا ابن آدم أنا الله لا إله إلا أنا أقول للشيء كن فيكون ، أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون) وقال عزَّ وجلَّ : (يا دنيا من خدمني فاخدميه ومن خدمك فأتعبيه) فإذا جاء نهيه عزَّ وجلَّ فكن كأنك مسترخي المفاصل, مسكن الحواس, مضيق الذرع، متماوت الجسد، زائل الهوى, منطمس الوسوم، منمحي الرسوم، منسي الأثر, مظلم القنا, متهدم البناء، خاوي البيت, ساقط العرش, لا حس ولا أثر, فليكن سمعك كأنه أصم وعلى ذلك مخلوق، وبصرك كأنه معصب أو مرمود أو مطموس, وشفتاك كأن بهما قرحة وبثوراً, ولسانك كأنه به خرساً وكلولاً، وأسنانك كأن بهما ضرياناً وألماً ونشورا, ويداك كأن بهما شللاً وعن البطش قصورا, ورجلاك كأن بهما رعدة وارتعاشاً وجروحاً, وفرجك كأن به عنة وبغير ذلك الشأن مشغولا, وبطنك كأن به امتلاء وارتواء وعن الطعام غنى, وعقلك كأنك مجنون ومخبول, وجسدك كأنك ميت وإلى القبر محمول, فالتسامع والتسارع في الأمر, والتعاقد والتجاعد والتقاصر في النهي, والتماوت والتعادم والتفاني في القدر, فاشرب هذه الشربة, وتداو بهذا الدواء, وتغذ بهذا الغذاء، تنجح وتشفى, وتعافى من أمراض الذنوب وعلل الأهواء, بإذن الله تعالى إن شاء الله.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:18 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الرابعة عشرة

فـي إتـبـاع أحـوال الـقــوم


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لا تدع حالة القوم يا صاحب الهوى أنت تعبد الهوى وهم عبيد المولى, أنت رغبتك في الدنيا ورغبة القوم في العقبى, أنت ترى الدنيا وهم يرون ربّ الأرض والسماء, وأنت أنسك بالخلق وأنس القوم بالحق، أنت قلبك متعلق بمن في الأرض وقلوب القوم بربّ العرش, أنت يصطادك من ترى وهم لا يرون من ترى بل يرون خالق الأشياء وما يرى, فاز القوم به وحصلت لهم النجاة, وبقيت أنت مرتهناً بما تشتهي من الدنيا وتهوى، فنوا عن الخلق والهوى والإرادة والمنى فوصلوا إلى الملك الأعلى, فأوقفهم على غاية ما رام منهم من الطاعة والجد والثناء }ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{.المائدة54. فلازموا ذلك وواظبوا بتوفيق منه وتيسير بلا عناء, فصارت الطاعة لهم روحاً وغذاء, وصارت الدنيا إذ ذاك في حقهم نقمة وخزياً، فكأنها لهم جنة المأوى إذ ما يرون شيئاً من الأشياء حتى يروا قبله فعل الذي خلق وأنشأ فيهم ثبات الأرض والسماء, وقرار الموت والإحياء إذ جعلهم مليكهم أوتاداً للأرض الذي دحى, فكل كالجبل الذي رسى, فتنح عن طريقهم ولا تزاحم من لم يفده عن قصده الآباء والأبناء، فهم خير من خلق ربي وبث في الأرض وذرأ, فعليهم سلام الله وتحياته ما دامت الأرض والسماء.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:18 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الخامسة عشرة

فـي الـخــوف و الـرجــاء


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : رأيت في المنام كأني في موضع شبه مسجد وفيه قوم منقطعون, فقلت : لو كان لهؤلاء فلان يؤدبهم ويرشدهم, فأشرت إلى رجل من الصالحين فاجتمع القوم حولي فقال واحد منهم : فأنت لأي شيء لا تتكلم ؟ فقلت : إن رضيتموني ذلك, ثم قلت : إذا انقطعتم من الخلق إلى الحق فلا تسألوا الناس شيئاً بألسنتكم, فإذا تركتم ذلك فلا تسألوهم بقلوبكم, فإن السؤال بالقلب كالسؤال باللسان.

ثم اعلموا أن الله }كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ{.الرحمن29. في تغيير وتبديل ورفع وخفض, فقوم يرفعهم إلى عليين, وقوم يحطهم إلى أسفل سافلين, فخوف الذين رفعهم إلى عليين أن يحطهم إلى أسفل سافلين, ورجاؤهم أن يبقيهم ويحفظهم على ما هم عليه من الرفع, وخوف الذين حطهم إلى أسفل سافلين, أن يبقهم ويخلدهم على ما هم فيه من الحط, ورجاؤهم أن يرفعهم إلى عليين, ثم انتبهت.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:19 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة السادسة عشرة

فـي الـتـوكـل و مـقـامـاتـه


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : ما حجبت عن فضل الله ونعمه إلا لاتكالك على الخلق والأسباب, والصنائع والاكتساب, فالخلق حجابك عن الأكل بالسنة وهو المكسب, فما دمت قائماً مع الخلق راجياً لعطاياهم وفضلهم سائلاً لهم متردداً إلى أبوابهم فأنت مشرك بالله خلقه, فيعاقبك بحرمان الأكل بالسنة الذي هو الكسب من حلال الدنيا, ثم إذا تبت عن القيام مع الخلق وشركك بربّك عزَّ وجلَّ إياهم ورجعت إلى الكسب فتأكل بالكسب وتتوكل على الكسب وتطمئن إليه وتنسى فضل الرب عزَّ وجلَّ, فأنت مشرك أيضاً، إلا أنه شرك خفي أخفى من الأول, فيعاقبك الله عزَّ وجلَّ ويحجبك عن فضله والبداءة به, فإذا تبت عن ذلك وأزلت الشرك عن الوسط, ورفعت اتكالك عن الكسب والحول والقوة, ورأيت الله عزَّ وجلَّ هو الرزاق, وهو المسبب والمسهل والمقوي على الكسب, والموفق لكل خير والرزق بيده, تارة يواصلك به بطريق الخلق على وجه المسألة لهم في حالة الابتلاء أو الرياضة أو عند سؤالك له عزَّ وجلَّ, وأخرى بطريق الكسب معاوضة وأخرى من فضله مبادأة من غير أن ترى الواسطة والسبب, فرجعت إليه واستطرحت بين يديه, ورفع الحجاب بينك وبين فضله, وباداك وغذاك بفضله, عند كل حاجة على قدر ما يوافق حالك, كفعل الطبيب الشفيق الرقيق الحبيب للمريض حماية منه عزَّ وجلَّ, وتنزيهاً لك عن الميل إلى من سواه, يرضيك بفضله, فإذاً ينقطع عن قلبك كل إرادة وكل شهوة ولذة ومطلوب ومحبوب, فلا يبقى في قلبك سوى إرادته عزَّ وجلَّ, فإذا أراد أن يسوق إليك قسمك الذي لابدّ من تناوله وليس هو رزقاً لأحد من خلقه سواك, أوجد عندك شهوة ذلك القسم وساقه إليك, فيواصلك به عند الحاجة, ثم يوفقك ويعرفك أنه منه وهو سائقه إليك ورازقه لك, فتشكره حينئذٍ وتعرف وتعلم, فيزيدك خروجاً من الخلق وبعداً من الأنام, وأخليت الباطن عما سواه عزَّ وجلَّ, ثم إذا قوي علمك ويقينك, وشرح صدرك ونور قلبك, وزاد قربك من مولاك ومكانتك لديه عنده، وأهليتك لحفظ الأسرار علمت متى يأتيك قسمك كرامة لك وإجلالاً لحرمتك فضلاً منه ومنة وهداية, قال الله تعالى : }وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ{.السجدة24. وقال الله تعالى : }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{.العنكبوت69. وقال تعالى : }وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ{.البقرة282. ثم يرد عليك التكوين فتكون بالإذن الصريح الذي هو لا غبار عليه والدلالات اللائحة كالشمس المنيرة, وبكلامه اللذيذ الذي هو ألذ من كل لذيذ, وإلهام صدق من غير تلبس مصفى من هواجس النفس ووساوس الشيطان الرجيم.

قال الله تعال في بعض كتبه : (يا ابن آدم أنا الله الذي لا إله إلا أنا أقول للشيء كن فيكون, أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون), وقد فعل ذلك بكثير من أنبيائه وأوليائه وخواصه من بني آدم.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:20 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة السابعة عشرة

فـي كـيـفـيـة الـوصـول إلـى الله بـواســطـة الـمـرشــد


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا وصلت إلى الله قربت بتقريبه وتوفيقه، ومعنى الوصول إلى الله عزَّ وجلَّ خروجك عن الخلق والهوى والإرادة والمنى, والثبوت مع فعله ومن غير أن يكون منك حركة فيك ولا في خلقه بك، بل بحكمه وأمره وفعله, فهي حالة الفناء يعبر عنها بالوصول، فالوصول إلى الله عزَّ وجلَّ ليس كالوصول إلى أحد من خلقه المعقول المعهود }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{.الشورى11. جلَّ الخالق أن يشبه بمخلوقاته أو يقاس على مصنوعاته, فالواصل إليه عزَّ وجلَّ معروف عند أهل الوصول بتعريفه عزَّ وجلَّ لهم كل واحد على حدة لا يشاركه فيه غيره, وله عزَّ وجلَّ مع كل واحد من رسله وأنبيائه وأوليائه سر من حيث هو لا يطلع على ذلك أحد غيره, حتى أنه قد يكون للمريد سر لا يطلع عليه شيخه, وللشيخ سر لا يطلع عليه مريده الذي قد دنا سيره إلى عتبة باب حالة شيخه, فإذا بلغ المريد حالة شيخه أفرد عن الشيخ وقطع عنه، فيتولاه الحق عزَّ وجلَّ فيفطمه عن الخلق جملة, فيكون الشيخ كالضئر والداية, لا رضاع بعد الحولين, ولا خلق بعد زوال الهوى والإرادة. الشيخ يحتاج إليه ما دام ثم هوى وإرادة لكسرهما, وأما بعد زوالهما فلا, لأنه لا كدورة ولا نقصان, فإذا وصلت إلى الحق عزَّ وجلَّ على ما بينا فكن آمناً أبداً من سواه عزَّ وجلَّ فلا ترى لغيره وجوداً البتة, لا في الضر ولا في النفع, ولا في العطاء ولا في المنع, ولا في الخوف ولا في الرجاء, هو عزَّ وجلَّ }أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ{.المدثر56. فكن أبداً ناظراً إلى فعله مترقباً لأمره. مشتغلاً بطاعته, مبايناً عن جميع خلقه دنيا وأخرى.

لا تعلق قلبك بشيء منهم واجعل الخليقة أجمع كرجل كَتَّفَهُ سلطان عظيم ملكه شديد أمره, مهولة صولته وسطوته, ثم جعل الغل في رقبته ورجليه, ثم صلبه على شجرة الأرزة، على شاطىء نهر عظيم موجه, فسيح عرضه, عميق غوره, شديد جريه, ثم جلس السلطان على كرسيه, عظيم قدره, عال سماؤه, بعيد مرامه ووصوله, وترك إلى جنبه أحمالاً من السهام والرماح والنبل وأنواع السلاح والقسى ومما لا يبلغ قدرها غيره, فجعل يرمي إلى المصلوب بما شاء من ذلك السلاح, فهل يحسن لمن يرى ذلك أن يترك النظر إلى السلطان والخوف منه والرجاء له وينظر إلى المصلوب ويخاف منه ويرجوه, أليس من فعل ذلك يسمى في قضية العقل عديم العقل والحس مجنونا. بهيمة غير إنسان؟؟ نعوذ بالله من العمى بعد البصيرة, ومن القطيعة بعد الوصول, ومن الصدود بعد الدنو والقرب, ومن الضلالة بعد الهداية, ومن الكفر بعد الإيمان, فالدنيا كالنهر العظيم الجاري الذي ذكرناه كل يوم في زيادة ماء وهي شهوات بني آدم ولذاتهم فيها, والدواهي التي تصيبهم منها, وأما السهام وأنواع السلاح فالبلايا التي يجري بها القدر إليهم, فالغالب على بني آدم في الدنيا البلايا والآلام والمحن, وما يجدون من النعم واللذات فيها فمشوبة بالآفات إذا اعتبرها كل عاقل لا حياة له ولا عيش ولا راحة إلا في الآخرة إن كان مؤمناً, لأن ذلك خصوصاً في حق المؤمن. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا عيش إلا عيش الآخرة) وقال عليه الصلاة والسلام : (لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه) ذلك في حق المؤمنين . وقال صلى الله عليه وسلم : (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) . وقال عليه الصلاة والسلام : (التقي ملجم) فمع هذه الأخبار والعيان كيف يدعي طيب العيش في الدنيا. فالراحة كل الراحة في الانقطاع إلى الله عزَّ وجلَّ وموافقته, والاستطراح بين يديه, فيكون العبد بذلك خارجاً عن الدنيا، فحينئذ يكون الدلال رأفة ورحمة ولطفاً وفضلاً, والله أعلم.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:20 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الثامنة عشرة

فـي الـنـهـي عـن الـشـكـوى


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : الوصية لا تشكون إلى أحد ما نزل بك من خير كائناً من كان صديقاً أو عدواً ولا تتهمن الرب عزَّ وجلَّ فيما فعل فيك وأنزل بك من البلاء, بل أظهر الخير والشكر, فكذبك باظهارك للشكر من غير نعمة عندك خير من صدقك في إخبارك جلية الحال بالشكوى, من الذي خلا من نعمة الله عزَّ وجلَّ؟؟ قال الله تعالى : }وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا{.النحل18. فكم من نعمة عندك وأنت لا تعرفها؟؟ لا تسكن إلى أحد من الخلق, ولا تستأنس به, ولا تطلع أحداً على ما أنت فيه, بل يكون أنسك بالله عزَّ وجلَّ، وسكونك إليه وشكواك منه وإليه لا ترى ثانياً, فإنه ليس لأحد ضر ونفع, ولا جلب ولا دفع, ولا عزَّ ولا ذل, ولا رفع ولا خفض, ولا فقر ولا غنى, ولا تحريك ولا تسكين, الأشياء كلها خلق الله عزَّ وجلَّ وبيد الله عزَّ وجلَّ، بأمره وإذنه جريناها, وكل يجري لأجل مسمى, وكل شيء عنده بمقدار, لا مقدم لما أخر, ولا مؤخر لما قدم, قال الله عزَّ وجلَّ : }وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{.يونس107. فإن شكوت منه عزَّ وجلَّ وأنت معافى وعندك نعمة طالباً الزيادة وتعامياً عن ماله عندك من النعمة والعافية استهزاءً بها, غضب عليك وأزالهما عنك, وحقق شكواك, وضاعف بلواك، وشدد عقوبتك ومقتك وقلاك, وأسقطك من عينه : احذر الشكوى جداً ولو قطعت وقرض لحمك بالمقاريض.

إيَّاك إيَّاك ثم إيَّاك, الله الله ثم الله, النجاة النجاة, الحذر الحذر, فإن أكثر ما ينزل بابن آدم من أنواع البلاء بشكواه من ربِّه عزَّ وجلَّ. كيف يشتكى منه عزَّ وجلَّ وهو أرحم الراحمين, وخير الحاكمين, حكيم خبير, رؤوف رحيم, لطيف بعباده, وليس بظلام للعبيد, كطبيب حكيم حبيب شفيق لطيف قريب هل تتهم الوالدة الرحيمة, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الله أرحم بعبده من الوالدة بولدها). أحسن الأدب يا مسكين, تصبّر عند البلاء إن ضعفت على الصبر, ثم اصبر إن ضعفت عن الرضا والموافقة, ثم أرض ووافق إن وجدت, ثن أفن إذا فقدت, أيها الكبريت الأحمر أين أنت أين توجد وترى؟؟ أما تسمع إلى قوله عزَّ وجلَّ : }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{.البقرة216. طوى عنك علم حقيقة الأشياء وحجبك عنه, فلا تسيء الأدب فتكره بك أو تحب بك, بل اتبع الشرع في جميع ما ينزل بك إن كنت في حالة التقوى التي هي القدم الأولى, واتبع الأمر في حالة الولاية وخمود وجود الهوى ولا تجاوزه وهي القدم الثانية, وأرض بالفعل ووافق, وافن في حالة البدلية والغوثية والقطبية والصديقية, وهي المنتهى, تنح عن طريق القدر, خل عن سبيله, رد نفسك وهواك, كف لسانك عن الشكوى, فإذا فعلت ذلك, إن كان خيراً زادك المولى طيبة وسروراً ولذة, وإن كان شراً حفظك في طاعته فيه, وأزال عنك الملامة, وأفقدك فيه حتى يتجاوز عنك, ويرحل عند انقضاء أجله, كما ينقضي الليل فيسفر عن النهار, والبرد في الشتاء فيسفر عن الصيف, ذلك أنموذج عندك, فاعتبر بهم, ثم ذنوب وآثام وإجرام وتلويثات بأنواع المعاصي والخطيئات ولا يصلح لمجالسة الكريم إلا الطاهر عن أنجاس الذنوب والزلات, ولا يقبل على سدته إلا طيباً من درن الدعاوى والوهوسات، كما لا يصلح لمجالسة الملوك إلا الطاهر من الأنجاس وأنواع النتن والأوساخ، فالبلايا مكفرات مطهرات قال النبي صلى الله عليه وسلم : (حمى يوم كفارة سنة) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:21 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة التاسعة عشرة

فـي الأمـر بـوفـاء الـعـهـد و الـنـهـي عـن خـلـفـه


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا كنت ضعيف الإيمان واليقين ووعدت بوعد وفِّ بوعدك, ولا تخلف كيلا يزول إيمانك ويذهب يقينك.

وإذا قوي ذلك في قلبك وتمكنت خوطبت بقوله : }إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ{.يوسف54. وتكرر هذا الخطاب لك حالاً بعد حال فكنت من الخواص بل من خواص الخواص ولم يبق لك إرادة ولا مطلب, ولا عمل تعجب به ولا قربة تراها, ولا منزلة تلمحها, فتسمو همتك إليها, فصرت كالإناء المنثلم الذي لا يثبت فيه مائع, فلا يثبت فيك إرادة ولا خلق ولا همة إلى شيء من الأشياء دنيا وأخرى, وطهرت مما سوى الله تعالى, وأعطيت رضاك عن الله عزَّ وجلَّ, ووعدت برضوانه عزَّ وجلَّ عنك, ولذذت ونعمت بأفعال الله عزَّ وجلَّ أجمع, فحينئذ توعد بوعد, فإذا اطمأننت إليه ووجدت فيه إمارة إرادة ما نقلت عن ذلك الوعد إلى ما هو أعلى منه, وصرفت إلى أشرف منه, وعوضت عن الأول بالغنى عنه, وفتحت لك أبواب المعارف والعلوم وأطلعت على غوامض الأمور وحقائق الحكمة والمصالح المدفونة في الانتقال من الأول إلى ما يليه ويزاد حينئذ في مكانتك في حفظ الحال ثم المقال, وفي أمانتك في حفظ الأسرار وشرح الصدور وتنوير القلب وفصاحة اللسان والحكمة البالغة في إلقاء المحبة عليك, فجعلت محبوب الخليقة أجمع الثقلين وما سواهما دنيا وأخرى. إذا صرت محبوب الحق عزَّ وجلَّ, والخلق تابع للحق جلَّ وعلا, ومحبتهم مندرجة في محبته, كما أن بغضهم يندرج في بغضه عزَّ وجلَّ. فإذا بلغت المقام الذي ليس فيه إرادة شيء البتة جعلت لك إرادة شيء من الأشياء, فإذا تحققت إرادتك لذلك الشيء أزيل الشيء وأعدم, وصرفت عنه فلم تعطه في الدنيا, وعوضت عنه الأخرى بما يزيدك قربة وزلفى إلى العلي الأعلى, وما تقر به عيناك في الفردوس الأعلى وجنة المأوى, وإن كنت لم تطلب ذلك وتأمله وترجوه وأنت في دار الدنيا التي هي دار الفناء والتكاليف والعناء, بل رجاؤك وأنت فيها وجه الذي خلق وبرأ ومنع وأعطى, وبسط الأرض ورفع السماء إذ ذاك هو المراد والمطلوب والمنى, وربما عوضت عن ذلك بما هو أدنى منه أو مثله في الدنيا بعد انكسار قلبك وبصرك, حينئذ يصدك عن ذلك المطلوب والمراد, وتحقيق العوض في الأخرى على ما ذكرنا وبينا, والله سبحانه أعلم.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:22 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم



المقالة العشرون

فـي قـولـه صـلـى الله عـلـيـه و ســلـم :
(( دع مـا يُـريـبـك إلـى مـا لا يـريـبـك ))


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : دع ما يريبك إذا اجتمع مع مالا يريبك, فخذ بالعزيمة الذي لا يشوبها ريب ولا شك, ودع ما يريبك, فأما إذا تجرد المريب المشوب الذي لم يصف عن حز القلب وحكه فتوقف فيه وانظر الأمر فيه, فإن أمرت بتناوله تناوله فدونك وإن أمرت بالكف عنه ومنعت فكف, فليكن ذلك عندك كأنه لم يكن ولم يوجد, ارجع إلى الباب وابتغ عند ربّك الرزق, وإن ضعفت عن الصبر أو الموافقة أو الرضا أو الفنا فهو عزَّ وجلَّ لا يحتاج أن يذكر فليس بغافل عنك وعن غيرك, وهو عزَّ وجلَّ يطعم الكفار والمنافقين والمدبرين عنه فكيف ينساك؟؟ أيها المؤمن الموحد المقبل على طاعته والقائم بأمره في آناء الليل وأطراف النهار.

( وجه آخر ) دع ما في أيدي الخلق فلا تطلبه ولا تعلق قلبك به, ولا ترجو الخلق ولا تخافهم, وخذ من فضل الله عزَّ وجلَّ وهو ما لا يريبك, وليكن لك مسؤول واحد ومرجو واحد ومخوف واحد وموجود واحد وهمة واحدة وهو ربك عزَّ وجلَّ الذي نواصي الملوك بيده وقلوب الخلق بيده التي هي أمراء الأجساد, وأموال الخلق له عزَّ وجلَّ, وهم وكلاؤه وأمناؤه, وحركة أيديهم بالعطاء لك بإذنه عزَّ وجلَّ وأمره وتحريكه, وكفها عن عطائك ذلك, قال الله عز وجل : }وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ{.النساء32. وقال تعالى : }إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{.العنكبوت17. وقال سبحانه : }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ{.البقرة186. وقال تعالى : }ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{.غافر60. وقال تعالى : }إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{.الذاريات58. وقال تعالى : }إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ{.آل عمران37.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:24 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الحادية والعشرون

فـي مـكـالـمـة إبـلـيـس نـعـوذ بالله مـنـه


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : رأيت إبليس اللعين في المنام وأنا في جمع كثير فهمّمت بقتله, فقال لي لعنه الله لم تقتلني وما ذنبي؟؟ إن جرى القدر بالشر فلا أقدر أغيره إلى خير وأنقله إليه, وإن جرى بالخير فلا أقدر أغيره إلى شر وأنقله إليه, فأي شيء بيدي؟؟ وكانت صورته على صورة الخناثي لين الكلام مشوه الوجه طاقات شعر في ذقنه حقير الصورة دميم الخلقة, ثم تبسم في وجهي تبسم خجل ووجل وذلك في ليلة الأحد ثاني عشر من ذي الحجة من سنة ستة عشر وخمسمائة, والله الهادي لكل خير.



عمر نجاتي 12-17-2011 01:26 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


صلواة سلطان الاولياء عبد القادر كيلاني قدس الله سره

اَلصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حبيبَ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِىَّ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خليل اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا صَفِىَّ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِىَّ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ خَلْقِ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ عَرْشِ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا اَمينَ وَحْىِ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ زَيَّنَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ شَرَّفَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ كَرَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ عَزَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ عَلَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ سَلَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنِ اِخْتَارَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ اْلاَوَّلينَ وَاْلاٰخِرينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَفيعَ الْمُذْنِبِينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَاتَمَ النَّبِيينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَحْمَةً لِلْعَالَمينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا اِمَامَ الْمُتَّقِينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ رَبِّ الْعَالَينَ،

صَلَاوَاتُ اللّٰهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَاَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَحَمَلَةِ
عَرْشِهِ وَجَميعِ خَلْقِهِ عَلٰى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلٰى اٰلِهِ وَصَحْبِهِ اَجْمَعينَ.




عمر نجاتي 12-17-2011 01:49 AM

رد: فتوح الغيب
 
فتوح الغيب
مقالات 22- 30
الشيخ الرباني عبدالقادر الجيلاني قدس سره

عمر نجاتي 12-17-2011 01:49 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الثانية والعشرون

فـي ابـتـلاء الـمـؤمـن عـلـى قـدر إيـمـانـه


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لا يزال الله يبتلى عبده المؤمن على قدر إيمانه، فمن عظم إيمانه وكثر وتزايد عظم بلاؤه، الرسول بلاؤه أعظم من بلاء النبي، لأن إيمانه أعظم، والنبي بلاؤه أعظم من بلاء البدل وبلاء البدل أعظم من بلاء الولي، كل واحد على قدر إيمانه ويقينه. وأصل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنا معشر الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل) فيديم الله تعالى البلاء لهؤلاء السادات الكرام حتى يكونوا أبداً في الحضرة ولا يغفلوا عن اليقظة، لأنه يحبهم، فهم أهل المحبة يحبون الحق، والمحب أبداً لا يختار بعد محبوبه، فالبلاء خطاف لقلوبهم وقيد لنفوسهم، يمنعهم عن الميل إلى غير مطلوبهم والسكون والركون إلى غير خالقهم، فإذا دام ذلك في حقهم ذابت أهويتهم وانكسرت نفوسهم وتميز الحق من الباطل فتنزوي الشهوات والإرادات، والميل إلى اللذات والراحات دنيا وأخرى بأجمعها إلى ما يلي النفس ويصير السكون إلى وعد الحق عزَّ وجلَّ، والرضا بقضائه، والقناعة بعطائه، والصبر على بلائه، والأمن من شر خلقه إلى ما يلي القلب، فتقوى شوكة القلب، فتصير الولاية على الجوارح إليه، لأن البلاء يقوى القلب واليقين، ويحقق الإيمان والصبر، ويضعف النفس والهوى، لأنه كلما وصل الألم ووجد من المؤمن الصبر والرضا والتسليم لفعل الرب عزَّ وجلَّ، رضي الرب تعالى عنه وشكره، فجاءه المدد والزيادة والتوفيق. قال الله تعالى : }لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ{.إبراهيم7. وإذا تركت النفس بطلب شهوة من شهواتها ولذة من لذاتها من القلب فأجابها القلب إلى مطلوبها ذلك من غير أمر من الله تعالى وإذن منه حصلت بذلك غفلة عن الحق تعالى وشرك ومعصية، فعمهما الله تعالى بالخذلان والبلايا وتسليط الخلق،والأوجاع والأمراض والإيذاء والتشويش، فينال كل واحد من القلب والنفس حظ وإن لم يجب القلب والنفس إلى مطلوبها حتى يأتيه الإذن من قبل الحق عزَّ وجلَّ بإلهام في حق الأولياء، ووحي صريح في حق المرسلين والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، فعمل ذلك عطاء ومنعاً، وعمهما الله بالرحمة والبركة، والعافية والرضا، والنور والمعرفة، والقرب والغنى والسلامة من الآفات، والنصر على الأعداء فاعلم ذلك وأحفظه وأحذر البلاء جداً في المسارعة إلى إجابة النفس والهوى، بل توقف وترقب في ذلك إذن المولى جلَّ جلاله، فتسلم في الدنيا والعقبى إن شاء الله تعالى.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:50 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الثالثة والعشرون

فـي الـرضـا بـما قـســم الله تـعـالـى


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : أرض بالدون وألزمه جداً حتى يبلغ الكتاب أجله فتنقل إلى الأعلى والأنفس، وبها تهنأ وفيه تبقى وتحفظ بلا عناء دنيا وأخرى ولا تبعة ولا عدوى، ثم تترقى من ذلك إلى ما هو أقر عيناً منه وأهنأ.

وأعلم أن القسم لا يفوتك بترك الطلب، وما ليس بقسم لا تناله بحرصك في الطلب والجد والاجتهاد، فاصبر وألزم الحال وأرض به، لا تأخذ بك حتى تؤمر، ولا تعطى بك حتى تؤمر، ولا تتحرك بك ولا تسكن بك، فتبتلى بك وبمن هو شر منك من الخلق لأنك بذلك تظلم والظالم لا يغفل عنه قال الله عزَّ وجلَّ : }وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً{.الأنعام129. لأنك في دار ملك عظيم أمره شديدة شوكته، كثير جنده نافذة مشيئته قاهر حكمه باق ملكه دائم سلطانه دقيق علمه بالغة حكمته عدل قضاؤه }لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ{.سبأ 3. لا يجاوزه ظلم ظالم فأنت أعظمهم ظلماً وأكبرهم جريمة، لأنك أشركت بتصرفك فيك وفى خلقه عزَّ وجلَّ بهواك. قال الله تعالى : }لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{.لقمان13. وقال تعالى: }إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ{.النساء48_116. أتق الشرك جداً ولا تقربه، واجتنبه في حركاتك وسكناتك وليلك ونهارك، في خلوتك وجلوتك. وأحذر المعصية في الجملة في الجوارح والقلب واترك الإثم ما ظهر منه وما بطن. لا تهرب منه عزَّ وجلَّ فيدركك، ولا تنازعه في قضائه فيقصمك، وتتهمه في حكمه فيخذلك، ولا تغفل عنه فينبهك ويبتليك، ولا تحدث في داره حادثة فيهلكك، ولا تقل في دينه بهواك فيرديك ويظلم قلبك، ويسلب إيمانك ومعرفتك، ويسلط عليك شيطانك ونفسك وهواك وشهواتك وأهلك وجيرانك وأصحابك وأخلاءك وجميع خلقه حتى عقارب دارك وحياتها وجنها وبقية هوامها فينغص عيشك في الدنيا ويطيل عذابك في العقبى.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:50 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الرابعة والعشرون

فـي الـحـث عـلـى مـلازمـة بـاب الله تـعـالـى


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : أحذر معصية الله عزَّ وجلَّ جداً، وألزم بابه حقاً وأبذل طوقك وجهدك في طاعته معتذراً متضرعاً مفتقراً خاضعاً، متخشعاً مطرقاً، غير ناظر إلى خلقه ولا تابع لهواك، ولا طالب للأعواض دنيا وأخرى، ولا ارتقاء إلى المنازل العالية والمقامات الشريفة، واقطع بأنك عبده والعبد وما ملك لمولاه، لا يستحق عليه شيئاً من الأشياء، أحسن الأدب ولا تتهم مولاك، فكل شئ عنده بمقدار، لا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم، يأتيك ما قدر لك عند وقته وأجله إن شئت أو أبيت، لا تشره على ما سيكون لك، ولا تطلب وتلهف على ما هو لغيرك، فما ليس هو عندك لا يخلو إما أن يكون لك أو لغيرك، فإن كان لك فهو إليك صائر وأنت إليه مقاد ومسير، فاللقاء عن قريب حاصل، وما ليس لك فأنت عنه مصروف وهو عنك مول فأنى لكما التلاق فاشغل بإحسان الأدب فيما أنت بصدده من طاعة مولاك عزَّ وجلَّ في وقتك الحاضر، ولا ترفع رأسك ولا تمل عنقك إلى ما سواه. قال الله تعالى : }وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى{.طـه131. فقد نهاك الله عزَّ وجلَّ عن الالتفات إلى غير ما أقامك فيه ورزقك من طاعته وأعطاك من قسمه ورزقه وفضله، ونبهك أن ما سوى ذلك فتنة افتتنهم به، ورضاك قسمك خير لك وأبقى وأبرك وأحرى وأولى، فليكن هذا دأبك ومتقلبك ومثواك، وشعارك ودثارك ومرادك ومرامك، وشهوتك ومناك، تنل به كل المرام، وتصل به إلى كل مقام وترقى به إلى كل خير ونعيم وطريف وسرور ونفيس. قال الله تعالى : }فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{.السجدة17. ولا عمل بعد العبادات الخمس وترك الذنوب، ولا أجمع ولا أعظم ولا أشرف ولا أحب إلى الله عزَّ وجلَّ، ولا أرضى عنده مما ذكرنا لك، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى بمنه.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:51 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الخامسة والعشرون

فـي شــجـرة الإيـمـان


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لا تقولن يا فقير اليد، يا مولى عنه الدنيا وأبناؤها، يا خامل الذكر بين ملوك الدنيا وأربابها، يا جائع يا نايع يا عريان الجسد يا ظمآن الكبد يا مشتتاً في كل زاوية من الأرض من مسجد وبقاع خراب، ومردوداً من كل باب، ومدفوعاً عن كل مراد، ومنكسراً ومزدحماً في قلبه كل حاجة مرام. إن الله تعالى أفقرني وذوى عنى الدنيا وغرني، وتركني وقلاني وفرقني ولم يجمعني، وأهانني ولم يعطني من الدنيا كفاية، وأخملني ولم يرفع ذكرى بين الخليقة وإخواني، وأسبل على غيري نعمة منه سابغة يتقلب فيها في ليله ونهاره، وفضله عليّ وعلى أهل دياري وكلانا مسلمان مؤمنان ويجمعنا أبونا آدم وأمنا حواء عليهما السلام، أما أنت فقد فعل الله ذلك بك، لأن طينتك حرة وندى رحمة الله متدارك عليك من الصبر والرضا واليقين والموافقة والعلم وأنوار الإيمان والتوحيد متراكم لديك، فشجرة إيمانك وغرسها وبذرها ثابتة مكينة مورقة مثمرة متزايدة متشعبة غضة مظللة متفرعة، فهي كل يوم في زيادة ونمو، فلا حاجة بها إلى سباطة وعلف لتنمى بها وتربى، وقد فرغ الله عزَّ وجلَّ من أمرك على ذلك، وأعطاك في الآخرة دار البقاء وخولك فيها، وأجزل عطاءك في العقبى مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. قال الله تعالى: }فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{.السجدة17. أي ما عملوا في الدنيا من أداء الأوامر، والصبر على ترك المناهى، والتسليم والتفويض إليه في المقدور، والموافقة له في جميع الأمور. وأما الغير الذي أعطاه الله عزَّ وجلَّ الدنيا وخوله ونعمه بها وأسبغ عليه فضله فعل به ذلك، لأن محل إيمانه أرض سبخة وصخر لا يكاد يثبت فيها الماء وتنبت فيها الأشجار، ويتربى فيها الزرع والثمار فصب عليها أنواع سباطه وغيرها مما يربى به النبات والأشجار، وهى الدنيا وحطامها ليحفظ بها ما أنبت فيها من شجرة الإيمان وغرس الأعمال، فلو قطع ذلك عنها لجف النبات والأشجار، وانقطعت الثمار، فخربت الديار، وهو عزَّ وجلَّ مريد عمارتها، فجشرة إيمان الغنى ضعيفة المنبت وخال عما هو مشحون به منبت شجرة إيمانك يا فقير، فقوتها وبقاؤها بما ترى عنده من الدنيا وأنواع النعيم، فلو قطع ذلك عنه مع ضعف الشجرة جفت، فكان كفراً وجحوداً وإلحاقاً بالمنافقين والمرتدين والكفار، اللهمَّ إلا أن يبعث الله عزَّ وجلَّ إلى الغنى عساكر الصبر والرضا واليقين والتوفيق والعلم وأنواع المعارف فيقوى الإيمان بها فحينئذ لا يبالى بانقطاع الغنى والنعيم، والله الهادي الموفق.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:52 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة السادسة والعشرون

فـي الـنـهـي عـن كـشــف الـبـرقـع عـن الـوجـه


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لا تكشف البرقع والقناع عن وجهك حتى تخرج من الخلق وتوليهم ظهر قلبك في جميع الأحوال ويزول هواك، ثم تزول إرادتك ومناك، فتفنى عن الأكوان دنيا وأخرى، فتصير كإناء منثلم لا يبقى فيك غير إرادة ربك عزَّ وجلَّ فتمتلئ به عزَّ وجلَّ وبحكمه، إذا خرج الزور دخل النور، فلا يكون لغير ربك في قلبك مكان ولا مدخل وجعلت بواب قلبك، وأعطيت سيف التوحيد والعظمة والجبروت، فكل من رأيته دنا من ساحة صدرك إلى باب قلبك ندرت رأسه من كاهله فلا يكون لنفسك وهواك وإرادتك ومناك في دنياك وأخراك عندك رأس امتثال ولا كلمة مسموعة، لا أرى متبع إلا إتباع أمر الرب عزَّ وجلَّ، والوقوف معه والرضا بقضائه وقدره، بل الفناء في قضائه وقدره، فتكون عبد الرب عزَّ وجلَّ وأمره لا عبد الخلق وآرائهم، فإذا استمر الأمر فيك كذلك ضربت حول قلبك سرادقات الغيرة وخنادق العظمة وسلطان الجبروت، وحف بجنود الحقيقة والتوحيد، ويقام دون ذلك حراس من الحق عزَّ وجلَّ، كيلا يخلص الخلق إلى تطلب القلب من الشيطان والنفس والهوى، والإرادات والأماني الباطلة، والدعاوى الكاذبة الناشئة من الطباع والنفس الآمرة بالسوء، والضلالات الناشئة من الهوى، فحينئذ إن كان في القدر مجئ الخلق وتواترهم إليك وتتابعهم وتطابقهم عليك، ليصيبوا من الأنوار اللائحة والعلامات المنيرة والحكم البالغة، ويروا من الكرامات الظاهرة وخوارق العادة المستمرة، ويزدادوا بذلك من القربات والطاعات والمجاهدات والمكايدات في عبادة ربهم عزَّ وجلَّ، حفظت عنهم أجمعين وعن ميل النفس إلى هواها، وعجبها ومباهاتها، وتعاظمها بالتكبر بهم وبقبولهم لك وإقبال وجوههم إليك، وكذلك إن قدر مجئ زوجة حسناء جميلة بكفايتها وسائر مؤنتها حفظت من شرها وحمل أثقالها وأتباعها وأهلها، وصارت عندك موهبة مكفاة مهناة منقاة مصفاة من الغش والخبث والغل والحقد والغضب والخيانة في الغيب، فتكون لك مسخرة، وهى وأهلها محمولة عنك مؤنتها، مدفوعة عنك أذيتها، وإن قدر منها ولد كان صالحاً ذرية طيبة قرة عين. قال الله تعالى : }وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ{.الأنبياء90. وقال تعالى: }هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً{.الفرقان74. وقال تعالى: }وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً{.مريم6. فتكون هذه الدعوات التي في هذه الآيات معمولاً بها مستجابة في حقك إن دعوت بها أو لم تدع، إذ هي في محلها وأهلها، وأولى من يعامل بهذه النعمة ويقابل بها من كان أهلاً لهذه المنزلة، وأقيم في هذا المقام وقدر له من الفضل والقرب هذا المقدار، وكذلك إن قدر مجئ شئ من الدنيا وإقبالها لا يضر إذ ذاك، فما هو قسمك منها فلابدّ من تناوله وتصفيته لك بفعل الله عزَّ وجلَّ، وورود الأمر يتناوله وأنت ممتثل للأمر مثاب على تناوله، كما تثاب على فعل صلوات الفرض وصيام الفرض، وتؤمر فيما ليس بقسمك منها بصرفه إلى أربابه من الأصحاب والجيران والإخوان المستحقين الفقراء منهم وأصحاب الأقسام على ما يقتضى الحال، فالأحوال تكشفها وتميزها، ليس الخبر كالمعاينة. فحينئذ تكون من أمرك على بيضاء نقية لا غبار عليها ولا تلبيس ولا تخليط ولا شك ولا ارتياب، فالصبر الصبر، الرضا الرضا، حفظ الحال حفظ الحال، الخمول الخمول، الخمود الخمود، السكوت السكوت، الصموت الصموت، الحذر الحذر، النجا النجا، الوحا الوحا، الله الله ثم الله، الإطراق الإطراق الإغماض الإغماض الحياء الحياء إن يبلغ الكتاب أجله، فيؤخذ بيدك فتقدم وينزع عنك ما عليك ثم تغوص في بحار الفضائل والمنن والرحمة ثم تخرج منها فتخلع عليك الأنوار والأسرار والعلوم والغرائب المدنية، ثم تقرب وتحدث فيه بإعلام وإلهام وتكلم وتعطى وتغنى وتشجع وترفع، وتخاطب بـ }إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ{.يوسف54. فحينئذ أعتبر حالة يوسف الصديق عليه السلام حين خوطب بهذا الخطاب على لسان ملك مصر وعظيمها وفرعونها، كان لسان الملك قائلاً معبراً بهذا الخطاب والمخاطب هو الله عزَّ وجلَّ على لسان المعرفة، سلم إليه المالك الظاهر وهو ملك مصر، وملك النفس وملك المعرفة والعلم والقربة والخصوصية وعلو المنزلة عنده عزَّ وجلَّ. قال تعالى في ملك الملك : }وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ{.يوسف56. أي في أرض مصر }يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{.يوسف56. قال تعالى في ملك النفس: }كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{.يوسف24. وقال تعالى في ملك المعرفة والعلم: }ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ{.يوسف37. فإذا خوطبت بهذا الخطاب يا أيها الصديق الأكبر، أعطيت الحظ الأوفر، من العلم الأعظم، ومنحت وهنيت بالتوفيق والمنن والقدرة والولاية العامة، والأمر النافذ على النفس وغيرها من الأشياء والتكوين، بإذن إله الأشياء في الدنيا قبل الآخرة. وأما في الأخرى في دار السلام والجنة العليا، فالنظر إلى وجه المولى الكريم زيادة ومنة، وهو المنى الذي لا غاية له ولا منتهى، والله الموفق لحقائق ذلك، إنه رؤوف رحيم.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:53 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة السابعة والعشرون

فـي أن الـخـيـر و الـشـّـر ثـمـرتـان


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : أجعل الخير والشر ثمرتين من غصنين من شجرة واحدة، أحد الغصنين يثمر حلوا والآخر مراً، فاترك البلاد والأقاليم ونواحي الأرض التي يحمل إليها هذه الثمار المأخوذة من هذه الشجرة، وابعد منها ومن أهلها واقترب من الشجرة وكن سائسها وخادمها القائم عندها، وأعرف الغصنين والثمرتين والجانبين، فكن إلى جانب الغصن المثمر حلواً، فحينئذ يكون غذاؤك وقوتك منها، واجتنب أن تقدم إلى جانب الغصن الآخر فتأكل من ثمرته فتهلك من مرارتها، فإذا دمت على هذا كنت في دعة وأمن وراحة وسلامة من الآفات كلها، إذ الآفات وأنواع البلايا تتولد من تلك الثمرة المرة، وإذا غبت عن تلك الشجرة وهمت في الآفاق وقدم بين يديك من تلك الثمرتين وهى مخلطة غير متميزة الحلوة من المرة هنا فتناولت منها، فربما وقعت يدك على المرة فأدنيتها من فيك فأكلت منها جزءاً ومضغته، فسرت المرة إلى أعماق لهواتك وباطن حلقك وخياشيمك، فعملت فيك وسرت في عروقك وأجزاء جسدك فهلكت بها، ولفظك الباقي من فيك وغسل أثره لا ينفع لا ويدفع عنك ما قد سرى في جسدك ولا ينفعك، وإن أكلت ابتداء من الثمرة الحلوة وسرت حلاوتها في أجزاء جسدك وانتفعت بها وسررت فلا يكفيك ذلك، فلابد تتناول غيرها ثانياً، فلا تأمن أن تكون الثانية من المرة فيحل بك ما ذكرته لك، فلا خير في البعد عن الشجرة والجهل بثمرتها والسلامة في قربها والقيام معها، فالخير والشر بفعل الله عزَّ وجلَّ، والله هو فاعلهما ومجريهما. قال الله عزَّ وجلَّ : }وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ{.الصافات96. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (الله خلق الجازر وجزوره) وأعمال العباد خلق الله عزَّ وجلَّ وكسبهم. قال تعالى : }ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{.النحل32. سبحانه ما أكرمه وأرحمه أضاف العمل إليهم وأنهم استحقوا الدخول إلى الجنة بعملهم، وهو بتوفيقه ورحمته لهم في الدنيا والآخرة.

قال صلى الله عليه وسلم : (لا يدخل الجنة أحد بعمله، فقيل له ولا أنت يا رسول الله؟ فقال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، ووضع يده على رأسه) مروي ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها، فإذا كنت طائعاً لله عزَّ وجلَّ ممتثلاً لأمره منتهياً لنهيه مسلماً له في قدره، حماك عن شره وتفضل عليك بخيره وحماك عن الأسواء جميعها ديناً ودنيا. أما دنيا فقوله تعالى: }كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{.يوسف24. وأما ديناً فقوله عزَّ وجلَّ : }مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً{. النساء 147. مؤمن شاكر ما يفعل البلاء عنده وهو إلى العافية أقرب من البلاء، لأنه في حمل المزيد أيضاً لأنه شاكر. قال الله عزَّ وجلَّ : }لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ{.إبراهيم7.فإيمانك يطفئ لهب النار في الآخرة التي هي عقوبة كل عاص، فكيف لا يطفئ نار البلايا في الدنيا؟؟ اللهمَّ إلا أن يكون العبد من المجذوبين المختارين للولاية والاصطفاء والاجتباء، فلابد من البلاء ليصفى به من خبث الهوى والميل إلى الطباع، والركون إلى شهوات النفس ولذاتها، والطمأنينة إلى الخلق والرضا بقربهم، والسكون إليهم والثبوت معهم والفرح بهم، فيبتلى حتى يذوب جميع ذلك، ويتنظف القلب بخروج الكل، ويبقى توحيد الرب عزَّ وجلَّ ومعرفته وموارد الغيب من أنواع الأسرار والعلوم وأنوار القرب، لأنه بيت لا يسعه اثنان، قال الله عزَّ وجلَّ : }مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ{.الأحزاب4. وقال تعالى: }إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً{.النمل34. فأخرجوا الأعزة عن طيب المنازل ونعيم العيش، وكانت الولاية على القلب للشيطان والهوى والنفس والجوارح متحركة بأمرهم من أنواع المعاصي والأباطيل والترهات فزالت تلك الولاية فسكنت الجوارح وفرغت دار الملك التي هي القلب وتنظفت الساحة التي هي الصدر. فأما القلب فصار مسكناً للتوحيد والمعرفة والعلم. وأما الساحة فمهبط الموارد والعجائب من الغيب، كل ذلك نتيجة البلايا وثمراتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنا معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل) وقال صلى الله عليه وسلم : (أنا أعرفكم بالله وأشدكم منه خوفاً) فكل من قرب من الملك اشتد خطره وحذره، لأنه في مرأى من الملك لا يخفى عليه تصاريفه وحركاته. فإن قلت: فالخليقة عند الله عزَّ وجلَّ بأجمعهم كشخص واحد لا يخفى عليه منهم شئ، فأي فائدة لهذا الكلام؟

فنقول لك : لما علت منزلته وشرفت رتبته عظم خطره، لأنه وجب عليه شكر ما أولاه من جسيم نعمه وفضله فأدنى الآلتفات عن خدمته تقصير في شكره وذلك نقصان في طاعته. قال الله عزَّ وجلَّ : }يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ{.الأحزاب30. قال ذلك لهن لتمام نعمه عزَّ وجلَّ عليهن باتصالهن بالنبي صلى الله عليه وسلم فكيف من كان مواصلاً بالله عزَّ وجلَّ وقربه، تعالى الله علواً كبيراً عن التشبيه بخلقه }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{.الشورى11. والله الهادي.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:53 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الثامنة والعشرون

فـي تـفـصـيـل أحـوال الـمـريـد


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : أتريد الراحة والسرور والدعة والحبور، والأمن والسكون والنعيم والدلال وأنت بعد في كير السبك والتذويب وتمويت النفس ومجانبة الهوى وإزالة المرادات والأعواض دنيا وأخرى وقد بقيت فيك بقية من ذلك ظاهرة لائحة؟؟ على رسلك يا مستعجل مهلاً مهلا، يا مترقب الباب مسدود إلى ذلك، وقد بقيت عليك منه وفيك ذرة ومنه المكاتب عبد ما بقى عليه درهم، أنت مصدود عن ذلك ما بقى عليك من الدنيا مقدار مص نواة، والدنيا هواك ومرادك، ورؤيتك بشئ من الأشياء أو طلبك بشئ من الأشياء وتشوق نفسك إلى شئ من الأعواض دنيا وأخرى، فما دام فيك شئ من ذلك فأنت في باب الإفناء، فاسكن حتى يحصل الفناء على التمام والكمال، فتخرج من الكير وتكمل صياغتك وتجلى وتكسى وتطيب وتبخر، ثم ترفع إلى الملك الأكبر فتخاطب : }إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ{.يوسف54. فتؤانس وتلاطف، وتطعم من الفضل ومنه وتسقى وتقرب وتدنى وتطلع على الأسرار وهى عنك لا تخفى فتغتني بما نعطي من ذلك عن جميع الأشياء. ألا ترى إلى قراضة الذهب متفرقة مبتذلة متداولة غادية رائحة في أيدي العطارين والبقالين والقصابين والدباغين والنقاطين والكناسين والكفافين أصحاب الصنائع النفيسة والرذيلة الدنية الخبيثة، ثم تجمع فتجعل في كير الصائغ فتذوب هناك بإشعال النار عليها، ثم تخرج منه فتطرق وترقق وتطلع وتصاك فتجعل حلياً، ثم تجلى وتطيب فتترك في خير المواضع والأمكنة من وراء الأغلاق في الخزائن والصناديق والأحقاق وتحلى بها العروس وتزين وتكرم، وقد تكون العروس للملك الأعظم فتنقل القراضة من هذه إلى قرب الملك ومجلسه بعد السبك والدق، هكذا أنت يا مؤمن إذا صبرت على مجاري الأقدار فيك ورضيت بالقضاء في جميع الأحوال قربت إلى مولاك عزَّ وجلَّ في الدنيا، فتنعم بالمعرفة والعلوم والأسرار، وتسكن في الآخرة دار السلام مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين في جوار الله وداره وقربه عزَّ وجلَّ، فاصبر ولا تستعجل، وأرض بالقضاء ولا تتهم، فسينالك برد عفو الله ولطفه وكرمه بمنه تعالى.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:54 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة التاسعة والعشرون

فـي قـولـه صلى الله عليه وسلم كـاد الـفـقـر أن يـكـون كـفـرا


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : يـؤمن العبد بالله ويسلم الأمور كلها إليه عزَّ وجلَّ، ويعتقد تسهيل الرزق منه وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصبه، ويؤمن بقوله عزَّ وجلَّ }وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{.الطلاق2–3. ويقول ذلك ويؤمن به وهو في حال العافية والغنى ثم يبتليه الله عزَّ وجلَّ بالبلاء والفقر فيأخذ في السؤال والتضرع فلا يكشفهما عنه فحينئذ يتحقق قوله صلى الله عليه وسلم : (كاد الفقر أن يكون كفراً) فمن تلطف الله به كشف عنه ما به فأدركه بالعافية والغنى ويوفقه للشكر والحمد والثناء ويديم له ذلك إلى اللقاء . ومن يرد الله فتنته يديم بلاءه وفتنته وفقره فيقطع عنه مدد إيمانه فيكفر بالاعتراض والتهمة له عزَّ وجلَّ والشك في وعده فيموت كافرا بالله عزَّ وجلَّ جاحداً لآياته ومسخطاً على ربه، وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (أن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل جمع الله له بين فقر الدنيا وعذاب الآخرة) نعوذ بالله من ذلك وهو الفقر المنسي الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم * والرجل الثاني هو الذي أراد الله عزَّ وجلَّ اصطفاءه واجتباءه وجعله من خواصه وأحبائه وأخـلائه ووارث أنبيائه وسيد أوليائه ومن عظماء عباده وعلمائهم وحكمائهم وشفعائهم وشيخهم ومتبوعهم ومعلمهم وهاديهم إلى مولاهم ومرشدهم إلى سبل الهدى واجتناب سبل الردى فأرسل إليه جبال الصبر وبحار الرضا والموافقة والغنى في قضائه وفعله ثم يدركه بجزيل العطاء ويدللـه في آناء الليل وأطراف النهار في الجلوة والخلوة في الظاهر مرة والباطن أخرى بأنواع اللطف وفنون الجذبات فيتصل له ذلك إلى حين اللقا والله الهادي.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:55 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الثلاثون

فـي الـنـهـي عـن قـول الـرجـل أي شــيء أعـمـل و مـا الـحـيـلـة

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : ما أكثر ما نقول : أي شئ أعمل؟؟ وما الحيلة؟؟ فيقال لك : قف مكانك ولا تجاوز حدك حتى يأتيك الفرج ممن أمرك بالقيام فيما أنت فيه. قال الله عزَّ وجلَّ : }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{.آل عمران200. أمرك بالصبر يا مؤمن ثم بالمصابرة والمرابطة والمحافظة والملازمة له ثم حذرك تركه فقال : }واتقوا الله{ في ترك ذلك، أي لا تتركوا الصبر فإن الخير والسلامة فيه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد). وقيل : كل شئ ثوابه بمقدار إلا ثواب الصبر فإنه جزاف غير مقدر لقوله تعالى : }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ{.الزمر10. فإذا اتقيت الله عزَّ وجلَّ حفظك للصبر ومحافظة الحدود وأنجز لك ما وعدك في كتابه وهو قوله عزَّ وجلَّ : }وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ{.الطلاق2–3. وكنت بصبرك حتى يأتيك الفرج من المتوكلين وقد وعدك الله عزَّ وجلَّ بالكفاية فقال : }وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{.الطلاق3. وكنت مع صبرك وتوكلك من المحسنين وقد وعدك بالجزاء فقال عزَّ وجلَّ : }وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{.القصص14. ويحبك الله مع ذلك لأنه قال : }إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{.البقرة195. فالصبر رأس كل خير وسلامة دنيا وأخرى، ومنه يترقى المؤمن إلى حالة الرضى والموافقة ثم الفناء في أفعال الله عزَّ وجلَّ حالة البدلية والغيبة، فاحذر أن تتركه فيخذلك في الدنيا والآخرة ويفوتك خيرهما نعوذ بالله من ذلك.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:57 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم


صلواة سلطان الاولياء عبد القادر كيلاني قدس الله سره

اَلصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حبيبَ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نَبِىَّ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خليل اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا صَفِىَّ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِىَّ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ خَلْقِ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ عَرْشِ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا اَمينَ وَحْىِ اللّٰهِ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ زَيَّنَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ شَرَّفَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ كَرَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ عَزَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ عَلَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ سَلَّمَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنِ اِخْتَارَهُ اللّٰهُ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ اْلاَوَّلينَ وَاْلاٰخِرينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَفيعَ الْمُذْنِبِينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَاتَمَ النَّبِيينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَحْمَةً لِلْعَالَمينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا اِمَامَ الْمُتَّقِينَ،
اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ رَبِّ الْعَالَينَ،

صَلَاوَاتُ اللّٰهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَاَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَحَمَلَةِ
عَرْشِهِ وَجَميعِ خَلْقِهِ عَلٰى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلٰى اٰلِهِ وَصَحْبِهِ اَجْمَعينَ.

عمر نجاتي 12-17-2011 01:57 AM

رد: فتوح الغيب
 
فتوح الغيب
مقالات 31-40
الشيخ الرباني عبدالقادر الجيلاني قدس سره

عمر نجاتي 12-17-2011 01:58 AM

رد: فتوح الغيب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الحادية والثلاثون

فـي الـبـغـض فـي الله


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا وجدت في قلبك بغض شخص أو حبه فأعرض أعماله على الكتاب والسنة, فإن كانت فيهما مبغوضة و أنت تبغضه فأبشر بموافقتك الله عزَّ وجلَّ ورسوله، وإن كانت أعماله فيهما محبوبة وأنت تبغضه فاعلم بأنك صاحب هوى، تبغضه بهواك ظالماً له ببغضك إياه، وعاصٍ لله عزَّ وجلَّ ولرسوله تخالف لهما فتب إلى الله عزَّ وجلَّ من بغضك واسأله عزَّ وجلَّ محبة ذلك الشخص وغيره من أحبائه وأوليائه وأصفيائه والصالحين من عباده، لتكون موافقاً له عزَّ وجلَّ. وكذلك أفعل فيمن تحبه يعني أعرض أعماله على الكتاب والسنة فإن كانت محبوبة فيهما فأحبه. وإن كانت مبغوضة فابغضه. كيلا تحبه بهواك وتبغضه بهواك وقد أمرت بمخالفة هواك قال عزَّ وجلَّ : }وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ{.ص26.


الساعة الآن 09:53 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir