أفاق الفكر
03-29-2007, 02:05 AM
ابــــوفـــــراس الــــحمــــــدانـــــي
هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي ابن عم سيف الدولة وعامله على منبج. أمير و شاعر, فارس . ولد في الموصل ونشأ يتيما و له وقائع كثيرة, قاتل فيها بين يدي سيف الدولة, وكان سيف الدولة يحبه ويجله ويستصحبه في غزواته, ويقدمه على سائر قومه. قلده منبجا وحران وأعمالها, فكان يسكن منبجا - بين حلب والفرات - ويتنقل في بلاد الشام. وفي معركة جرت مع الروم سنة 351هـ أسر أبو فراس ونقل إلى القسطنطينية وبقي في أسر الروم حتى سنة 355هـ. امتاز شعره في الأسر بقصائده التي تسمى (الروميات) , وهي مطبوعة بطابع شخصيته القوية. كان الصاحب بن عباد يقول: بدئ الشعر بملك وختم بملك, يريد بذلك امرئ القيس وأبا فراس.. لما توفي سيف الدولة خلفه ابنه أبو المعالي شريف الدولة الحمداني, فاستبد أبو فراس بحمص, فأحدث ذلك بينه وبين أبي المعالي وحشة أدت إلى وقوع الحرب بينهما في موضع يدعى صلنفه بين سلمية وحماة انتهت بمقتل أبي فراس, فقطع رأسه وحمل إلى أبي المعالي وتركت جثته في البرية حتى دفنها بعض الأعراب, وكان أبو فراس خال أبي المعالي, وكان عمره حين قتل 37 عاما. من شعره يناجي حمامة سمع هديلها وهي على شجرة قرب سجنه في القسطنطينية :
أقـول وقـد نـاحت بقـربي حمامـة
أيــا جارتــا لـو تشـعرين بحـالي
أيـا جارتـا, مـا أنصـف الدهر بيننا
تعــالي أقاســمك الهمــوم تعـالي
معـاذ الهـوى, مـا ذقت طارقة النوى
ولا خــطرت منــك الهمـوم ببـال
أيضحــك مأســور وتبكـي طليقـة
ويســكت محـزون وينـدب سـالي?
لقـد كـنت أولـى منـك بـالدمع مقلة
ولكـن دمعـي فـي الحـوادث غـال
ومن شعره ايضا :
تكاد تضيء النـار بيـن iiجوانحـي ** إذا هي أذكتهـا الصبابـة iiوالفكـر
معللتي بالوصـل والمـوت iiدونـه ** إذا بت ظمآنـاً فـلا نـزل iiالقطـر
حفظـت وضيعـت المـودة iiبيننـا ** وأحسن من بعض الوفاء لك iiالغـدر
ومـا هـذه الأيـام إلا iiصحـائـف ** لأحرفها، من كـف كاتبهـا، iiبشـر
بنفسي من الغادين في الحـي iiغـادة ** هواي لهـا ذنـب، وبهجتهـا عـذر
تروغ إلى الواشين فـي، وإن iiلـي ** لأذنا بها عـن كـل واشيـة iiوقـر
وفيت وفـي بعـض الوفـاء iiمذلـة ** لإنسانة في الحـي شيمتهـا iiالغـدر
وقور، وريعـان الصبـا iiيستفزهـا ** فتـأرن أحيانـا كمـا أرن المـهـر
تسائلني : من أنت ؟ وهـي iiعليمـة ** وهل بفتى مثلي علـى حالـه iiنكـر
فقلت لها: لو شئت لم تتعنتـي iiولـم ** تسألي عنـي، وعنـدك بـي iiخبـر
فقالت: لقد أزرى بك الدهـر iiبعدنـا ** فقلت: معاذ الله بل أنـت لا الدهـر
وتهلك بين الهـزل والجـد iiمهجـة ** إذا ما عداها البيـن عذبهـا iiالهجـر
فلا تنكريني يـا ابنـة العـم، iiإنـه ** ليعرف من أنكرته البـدو والحضـر
ولا تنكرينـي، إننـي غيـر iiمنكـر ** إذا زلت الأقدام، واستنـزل iiالذعـر
ولا راح يطغيني بأثوابه الغنـى ولا ** بـات يثنينـي عـن الكـرم iiالفقـر
وما حاجتي بالمـال أبغـي iiوفـوره ** إذا لم أصن عرضي فلا وفر الوفـر
ولكن إذا حم القضاء علـى iiامـرئ ** فليـس لـه بـر يقيـه ولا iiبـحـر
يقولون لي بعت السلامـة iiبالـردى ** فقلت أما والله، مـا نالنـي iiخسـر
هو الموت فاختر ما علا لك iiذكـره ** فلم يمت الإنسان مـا حيـي iiالذكـر
ولا خير في دفـع الـردى iiبمذلـة ** كما ردهـا يومـا بسوءتـه iiعمـرو
يمنـون أن خلـوا ثيابـي، iiوإنـمـا ** علي ثيـاب مـن دمائهمـو iiحمـردر
سيذكرنـي قومـي إذا جـد iiجدهـم ** وفي الليلـة الظلمـاء يفتقـد iiالبـدر
وإن مـت فالإنسـان لا بـد ميـت ** وإن طالت الأيـام وانفسـح iiالعمـر
ونحـن أنـاس لا تـوسـط iiبينـنـا ** لنا الصدر دون العالميـن أو iiالقبـر
تهون علينا فـي المعالـي iiنفوسنـا ** ومن يخطب الحسناء لم يغلها iiالمهر
أعز بني الدنيا وأعلـي ذوي iiالعـلا ** وأكرم من فوق التـراب ولا فخـر
وله كذلك :
قفي ودعينا يامليـــح بنظرة
فقد حانا منا يامليـــح رحيل
أليس قليلا نظـرة إن نظرتهـا
إليك وكلا ليـس منـك قليـل
فياخلة النفس التي ليس دونها
لنا من أخلاء الصفـاء خليـل
أما من مقام أشتكي غربة النوى
وخوف العدى فيه إليـه سبيـل
فديتك أعدائـي كثيـر وشقتـي
بعيـد وأشياعـي لديـك قليـل
وكنت إذا ما جئت جئـت بعلـة
فأفنيت علاتـي فكيـف أقـول؟
فما كل يوم لي بأرضك حاجـة
ولا كل يوم لي إليـك رسـول
صحائف عندي للعتاب طويتهـا
ستنشر يوما والعتـاب طويـا
فلا تحملي ذنبي وأنت ضعيفـة
فحمل دمي يوم الحساب ثقيـل
ومن جميل قصائده :
أمَا لِجَمِيلٍ عِنْدَكُنّ ثَوَابُ، ... وَلا لِمُسِيء عِنْدَكُنّ مَتَابُ؟
لَقَد ضَلّ مَنْ تَحوِي هوَاهُ خَرِيدة ٌ، و قدْ ذلَّ منْ تقضي عليهِ كعابُ
و لكنني - والحمدُ للهِ - حازمٌ أعزُّ إذا ذلتْ لهنَّ رقابُ
وَلا تَمْلِكُ الحَسْنَاءُ قَلْبيَ كُلّهُ و إنْ شملتها رقة ٌ وشبابُ
وَلا تَمْلِكُ الحَسْنَاءُ قَلْبيَ كُلّهُ ... و إنْ شملتها رقة ٌ وشبابُ
وَأجرِي فلا أُعطي الهوَى فضْلَ مقوَدي، ... وَأهْفُو وَلا يَخْفَى عَلَيّ صَوَابُ
إذا الخِلّ لَمْ يَهْجُرْكَ إلاّ مَلالَة ً، ... فليسَ لهُ إلا الفراقَ عتابُ
إذَا لَمْ أجِدْ مِنْ خُلّة ٍ ما أُرِيدُهُ ... فعندي لأخرى عزمة ٌ وركابُ
وَلَيْسَ فرَاقٌ ما استَطَعتُ، فإن يكُن ... فراقٌ على حالٍ فليسَ إيابُ
صبورٌ ولوْ لمْ تبقَ مني بقية ٌ ... قؤولٌ ولوْ أنَّ السيوفَ جوابُ
وَقُورٌ وأحْدَاثُ الزّمَانِ تَنُوشُني، ... وَفي كُلّ يَوْمٍ لَفْتَة ٌ وَخِطَابُ
وَألْحَظُ أحْوَالَ الزّمَانِ بِمُقْلَة ٍ ... بها الصدقُ صدقٌ والكذابُ كذابُ
بِمَنْ يَثِقُ الإنْسَانُ فِيمَا يَنُوبُهُ ... وَمِنْ أينَ للحُرّ الكَرِيمِ صِحَابُ؟
وَقَدْ صَارَ هَذَا النّاسُ إلاّ أقَلَّهُمْ ... ذئاباً على أجسادهنَّ ثيابُ
تغابيتُ عنْ قومي فظنوا غباوة ً ... بِمَفْرِقِ أغْبَانَا حَصى ً وَتُرَابُ
وَلَوْ عَرَفُوني حَقّ مَعْرِفَتي بهِم، ... إذاً عَلِمُوا أني شَهِدْتُ وَغَابُوا
وَمَا كُلّ فَعّالٍ يُجَازَى بِفِعْلِهِ، ... و لا كلِّ قوالٍ لديَّ يجابُ
إلى الله أشْكُو أنّنَا بِمَنَازِلٍ ... تحكمُ في آسادهنَّ كلابُ
تَمُرّ اللّيَالي لَيْسَ للنّفْعِ مَوْضِعٌ ... لديَّ ، ولا للمعتفينَ جنابُ
وَلا شُدّ لي سَرْجٌ عَلى ظَهْرِ سَابحٍ، ... ولا ضُرِبَتْ لي بِالعَرَاءِ قِبَابُ
و لا برقتْ لي في اللقاءِ قواطعٌ ... وَلا لَمَعَتْ لي في الحُرُوبِ حِرَابُ
أنا الجارُ لا زادي بطيءٌ عليهمُ ... وَلا دُونَ مَالي لِلْحَوَادِثِ بَابُ
وَلا أطْلُبُ العَوْرَاءَ مِنْهُمْ أُصِيبُهَا، ... وَلا عَوْرَتي للطّالِبِينَ تُصَابُ
وَأسْطُو وَحُبّي ثَابِتٌ في صُدورِهِمْ ... وَأحلُمُ عَنْ جُهّالِهِمْ وَأُهَابُ
بَني عَمّنا ما يَصْنعُ السّيفُ في الوَغى ... إذا فلَّ منهُ مضربٌ وذبابُ ؟
بَني عَمّنَا نَحْنُ السّوَاعِدُ والظُّبَى ... ويوشكُ يوماً أنْ يكونَ ضرابُ
فَعَنْ أيّ عُذْرٍ إنْ دُعُوا وَدُعِيتُمُ ... أبَيْتُمْ، بَني أعمَامِنا، وأجَابُوا؟
وَمَا أدّعي، ما يَعْلَمُ الله غَيْرَهُ ... رحابُ " عليٍّ " للعفاة ِ رحابُ
و أفعالهُ للراغبين َ كريمة ٌ ... و أموالهُ للطالبينَ نهابُ
و لكنْ نبا منهُ بكفي صارمٌ ... و أظلمُ في عينيَّ منهُ شهابُ
وَأبطَأ عَنّي، وَالمَنَايَا سَرِيعة ٌ، ... وَلِلْمَوْتِ ظُفْرٌ قَدْ أطَلّ وَنَابُ
فأَحْوَطَ لِلإسْلامِ أنْ لا يُضِيعَني ... و لي عنهُ فيهِ حوطة ٌ ومنابُ
ولكنني راضٍ على كل حالة ٍ ... ليعلمَ أيُّ الحالتينِ سرابُ
و ما زلتُ أرضى بالقليلِ محبة ً ... لديهِ وما دونَ الكثيرِ حجابُ
وَأطلُبُ إبْقَاءً عَلى الوُدّ أرْضَهُ، ... و ذكرى منى ً في غيرها وطلابُ
كذاكَ الوِدادُ المحضُ لا يُرْتَجى لَهُ ... ثوابٌ ولا يخشى عليهِ عقابُ
وَقد كنتُ أخشَى الهجرَ والشملُ جامعٌ ... و في كلِّ يومٍ لقية ٌ وخطابُ
فكيفَ وفيما بيننا ملكُ قيصرٍ ... وَللبَحْرِ حَوْلي زَخْرَة ٌ وَعُبَابُ
أمنْ بعدِ بذلِ النفسِ فيما تريدهُ ... أُثَابُ بِمُرّ العَتْبِ حِينَ أُثَابُ؟
فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ٌ، ... وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ
وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ ... و بيني وبينَ العالمينَ خرابُ
ومن بعض شعره :
أقرُّ لهُ بالذنبِ ؛ والذنبُ ذنبهُ ... وَيَزْعُمُ أنّي ظَالِمٌ، فَأتُوبُ
وَيَقْصِدُني بالهَجْرِ عِلْماً بِأنّهُ ... إليَّ ، على ما كانَ منهُ ، حبيبُ
و منْ كلِّ دمعٍ في جفوني سحابة ٌ ... و منْ كلِّ وجدٍ في حشايَ لهيبُ
*******
مُسِيءٌ مُحْسِنٌ طَوْراً وَطَوْراً، ... فما أدري عدوي أم حبيبي
يقلبُ مقلة ً ، ويديرُ طرفاً ، ... بِهِ عُرِفَ البَرِيءُ مِنَ المُرِيبِ
وَبَعْضُ الظّالمِينَ، وَإنْ تَنَاهَى ، ... شَهِيُّ الظّلمِ، مُغْتَفَرُ الذّنُوبِ
ومن شعره كذلك :
بكيتُ ، فلما لمْ أرَ الدمعَ نافعي ،... رَجَعتُ إلى صَبرٍ، أمَرّ مِنَ الصّبرِ
و قدرتُ أنَّ الصبرَ ، بعدَ فراقهم ،... يساعدني ، وقتاً ، فعزيتُ عنْ صبري
وله :
الحُزْنُ مُجتَمِعٌ، وَالصّبْرُ مُفْتَرِقُ، ... و الحبُ مختلفٌ ، عندي ومتفقُ
وَلي، إذا كُلّ عَينٍ نَامَ صَاحِبُهَا، ... عينٌ تحالفَ فيها الدمعُ والأرقُ
ومن شعره :
لِمَنْ أُعاتِبُ؟ ما لي؟ أينَ يُذهَبُ بي؟--- قَدْ صَرّحَ الدّهْرُ لي بِالمَنعِ وَاليَاسِ
أبْغي الوَفَاءَ بِدَهْرٍ لا وَفَاءَ لَهُ،--- كَأنّني جَاهِلٌ بِالدّهْرِ وَالنّاسِ
وقال يخاطب ابنته وهو على فراش الموت :
أبنيتي ، لا تحزني
كلُّ الأنامِ إلى ذهابِ
أبنيتي ، صبراً جميــلاً للجَليلِ مِنَ المُصَاب!
نُوحِي عَلَيّ بِحَسْرَة ٍ! من خَلفِ سترِك وَالحجابِ
قُولي إذَا نَادَيْتِني، و عييتِ عنْ ردِّ الجوابِ :
زينُ الشبابِ ، " أبو فرا سٍ، لمْ يُمَتَّعْ بِالشّبَابِ!
منقول
هو الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي ابن عم سيف الدولة وعامله على منبج. أمير و شاعر, فارس . ولد في الموصل ونشأ يتيما و له وقائع كثيرة, قاتل فيها بين يدي سيف الدولة, وكان سيف الدولة يحبه ويجله ويستصحبه في غزواته, ويقدمه على سائر قومه. قلده منبجا وحران وأعمالها, فكان يسكن منبجا - بين حلب والفرات - ويتنقل في بلاد الشام. وفي معركة جرت مع الروم سنة 351هـ أسر أبو فراس ونقل إلى القسطنطينية وبقي في أسر الروم حتى سنة 355هـ. امتاز شعره في الأسر بقصائده التي تسمى (الروميات) , وهي مطبوعة بطابع شخصيته القوية. كان الصاحب بن عباد يقول: بدئ الشعر بملك وختم بملك, يريد بذلك امرئ القيس وأبا فراس.. لما توفي سيف الدولة خلفه ابنه أبو المعالي شريف الدولة الحمداني, فاستبد أبو فراس بحمص, فأحدث ذلك بينه وبين أبي المعالي وحشة أدت إلى وقوع الحرب بينهما في موضع يدعى صلنفه بين سلمية وحماة انتهت بمقتل أبي فراس, فقطع رأسه وحمل إلى أبي المعالي وتركت جثته في البرية حتى دفنها بعض الأعراب, وكان أبو فراس خال أبي المعالي, وكان عمره حين قتل 37 عاما. من شعره يناجي حمامة سمع هديلها وهي على شجرة قرب سجنه في القسطنطينية :
أقـول وقـد نـاحت بقـربي حمامـة
أيــا جارتــا لـو تشـعرين بحـالي
أيـا جارتـا, مـا أنصـف الدهر بيننا
تعــالي أقاســمك الهمــوم تعـالي
معـاذ الهـوى, مـا ذقت طارقة النوى
ولا خــطرت منــك الهمـوم ببـال
أيضحــك مأســور وتبكـي طليقـة
ويســكت محـزون وينـدب سـالي?
لقـد كـنت أولـى منـك بـالدمع مقلة
ولكـن دمعـي فـي الحـوادث غـال
ومن شعره ايضا :
تكاد تضيء النـار بيـن iiجوانحـي ** إذا هي أذكتهـا الصبابـة iiوالفكـر
معللتي بالوصـل والمـوت iiدونـه ** إذا بت ظمآنـاً فـلا نـزل iiالقطـر
حفظـت وضيعـت المـودة iiبيننـا ** وأحسن من بعض الوفاء لك iiالغـدر
ومـا هـذه الأيـام إلا iiصحـائـف ** لأحرفها، من كـف كاتبهـا، iiبشـر
بنفسي من الغادين في الحـي iiغـادة ** هواي لهـا ذنـب، وبهجتهـا عـذر
تروغ إلى الواشين فـي، وإن iiلـي ** لأذنا بها عـن كـل واشيـة iiوقـر
وفيت وفـي بعـض الوفـاء iiمذلـة ** لإنسانة في الحـي شيمتهـا iiالغـدر
وقور، وريعـان الصبـا iiيستفزهـا ** فتـأرن أحيانـا كمـا أرن المـهـر
تسائلني : من أنت ؟ وهـي iiعليمـة ** وهل بفتى مثلي علـى حالـه iiنكـر
فقلت لها: لو شئت لم تتعنتـي iiولـم ** تسألي عنـي، وعنـدك بـي iiخبـر
فقالت: لقد أزرى بك الدهـر iiبعدنـا ** فقلت: معاذ الله بل أنـت لا الدهـر
وتهلك بين الهـزل والجـد iiمهجـة ** إذا ما عداها البيـن عذبهـا iiالهجـر
فلا تنكريني يـا ابنـة العـم، iiإنـه ** ليعرف من أنكرته البـدو والحضـر
ولا تنكرينـي، إننـي غيـر iiمنكـر ** إذا زلت الأقدام، واستنـزل iiالذعـر
ولا راح يطغيني بأثوابه الغنـى ولا ** بـات يثنينـي عـن الكـرم iiالفقـر
وما حاجتي بالمـال أبغـي iiوفـوره ** إذا لم أصن عرضي فلا وفر الوفـر
ولكن إذا حم القضاء علـى iiامـرئ ** فليـس لـه بـر يقيـه ولا iiبـحـر
يقولون لي بعت السلامـة iiبالـردى ** فقلت أما والله، مـا نالنـي iiخسـر
هو الموت فاختر ما علا لك iiذكـره ** فلم يمت الإنسان مـا حيـي iiالذكـر
ولا خير في دفـع الـردى iiبمذلـة ** كما ردهـا يومـا بسوءتـه iiعمـرو
يمنـون أن خلـوا ثيابـي، iiوإنـمـا ** علي ثيـاب مـن دمائهمـو iiحمـردر
سيذكرنـي قومـي إذا جـد iiجدهـم ** وفي الليلـة الظلمـاء يفتقـد iiالبـدر
وإن مـت فالإنسـان لا بـد ميـت ** وإن طالت الأيـام وانفسـح iiالعمـر
ونحـن أنـاس لا تـوسـط iiبينـنـا ** لنا الصدر دون العالميـن أو iiالقبـر
تهون علينا فـي المعالـي iiنفوسنـا ** ومن يخطب الحسناء لم يغلها iiالمهر
أعز بني الدنيا وأعلـي ذوي iiالعـلا ** وأكرم من فوق التـراب ولا فخـر
وله كذلك :
قفي ودعينا يامليـــح بنظرة
فقد حانا منا يامليـــح رحيل
أليس قليلا نظـرة إن نظرتهـا
إليك وكلا ليـس منـك قليـل
فياخلة النفس التي ليس دونها
لنا من أخلاء الصفـاء خليـل
أما من مقام أشتكي غربة النوى
وخوف العدى فيه إليـه سبيـل
فديتك أعدائـي كثيـر وشقتـي
بعيـد وأشياعـي لديـك قليـل
وكنت إذا ما جئت جئـت بعلـة
فأفنيت علاتـي فكيـف أقـول؟
فما كل يوم لي بأرضك حاجـة
ولا كل يوم لي إليـك رسـول
صحائف عندي للعتاب طويتهـا
ستنشر يوما والعتـاب طويـا
فلا تحملي ذنبي وأنت ضعيفـة
فحمل دمي يوم الحساب ثقيـل
ومن جميل قصائده :
أمَا لِجَمِيلٍ عِنْدَكُنّ ثَوَابُ، ... وَلا لِمُسِيء عِنْدَكُنّ مَتَابُ؟
لَقَد ضَلّ مَنْ تَحوِي هوَاهُ خَرِيدة ٌ، و قدْ ذلَّ منْ تقضي عليهِ كعابُ
و لكنني - والحمدُ للهِ - حازمٌ أعزُّ إذا ذلتْ لهنَّ رقابُ
وَلا تَمْلِكُ الحَسْنَاءُ قَلْبيَ كُلّهُ و إنْ شملتها رقة ٌ وشبابُ
وَلا تَمْلِكُ الحَسْنَاءُ قَلْبيَ كُلّهُ ... و إنْ شملتها رقة ٌ وشبابُ
وَأجرِي فلا أُعطي الهوَى فضْلَ مقوَدي، ... وَأهْفُو وَلا يَخْفَى عَلَيّ صَوَابُ
إذا الخِلّ لَمْ يَهْجُرْكَ إلاّ مَلالَة ً، ... فليسَ لهُ إلا الفراقَ عتابُ
إذَا لَمْ أجِدْ مِنْ خُلّة ٍ ما أُرِيدُهُ ... فعندي لأخرى عزمة ٌ وركابُ
وَلَيْسَ فرَاقٌ ما استَطَعتُ، فإن يكُن ... فراقٌ على حالٍ فليسَ إيابُ
صبورٌ ولوْ لمْ تبقَ مني بقية ٌ ... قؤولٌ ولوْ أنَّ السيوفَ جوابُ
وَقُورٌ وأحْدَاثُ الزّمَانِ تَنُوشُني، ... وَفي كُلّ يَوْمٍ لَفْتَة ٌ وَخِطَابُ
وَألْحَظُ أحْوَالَ الزّمَانِ بِمُقْلَة ٍ ... بها الصدقُ صدقٌ والكذابُ كذابُ
بِمَنْ يَثِقُ الإنْسَانُ فِيمَا يَنُوبُهُ ... وَمِنْ أينَ للحُرّ الكَرِيمِ صِحَابُ؟
وَقَدْ صَارَ هَذَا النّاسُ إلاّ أقَلَّهُمْ ... ذئاباً على أجسادهنَّ ثيابُ
تغابيتُ عنْ قومي فظنوا غباوة ً ... بِمَفْرِقِ أغْبَانَا حَصى ً وَتُرَابُ
وَلَوْ عَرَفُوني حَقّ مَعْرِفَتي بهِم، ... إذاً عَلِمُوا أني شَهِدْتُ وَغَابُوا
وَمَا كُلّ فَعّالٍ يُجَازَى بِفِعْلِهِ، ... و لا كلِّ قوالٍ لديَّ يجابُ
إلى الله أشْكُو أنّنَا بِمَنَازِلٍ ... تحكمُ في آسادهنَّ كلابُ
تَمُرّ اللّيَالي لَيْسَ للنّفْعِ مَوْضِعٌ ... لديَّ ، ولا للمعتفينَ جنابُ
وَلا شُدّ لي سَرْجٌ عَلى ظَهْرِ سَابحٍ، ... ولا ضُرِبَتْ لي بِالعَرَاءِ قِبَابُ
و لا برقتْ لي في اللقاءِ قواطعٌ ... وَلا لَمَعَتْ لي في الحُرُوبِ حِرَابُ
أنا الجارُ لا زادي بطيءٌ عليهمُ ... وَلا دُونَ مَالي لِلْحَوَادِثِ بَابُ
وَلا أطْلُبُ العَوْرَاءَ مِنْهُمْ أُصِيبُهَا، ... وَلا عَوْرَتي للطّالِبِينَ تُصَابُ
وَأسْطُو وَحُبّي ثَابِتٌ في صُدورِهِمْ ... وَأحلُمُ عَنْ جُهّالِهِمْ وَأُهَابُ
بَني عَمّنا ما يَصْنعُ السّيفُ في الوَغى ... إذا فلَّ منهُ مضربٌ وذبابُ ؟
بَني عَمّنَا نَحْنُ السّوَاعِدُ والظُّبَى ... ويوشكُ يوماً أنْ يكونَ ضرابُ
فَعَنْ أيّ عُذْرٍ إنْ دُعُوا وَدُعِيتُمُ ... أبَيْتُمْ، بَني أعمَامِنا، وأجَابُوا؟
وَمَا أدّعي، ما يَعْلَمُ الله غَيْرَهُ ... رحابُ " عليٍّ " للعفاة ِ رحابُ
و أفعالهُ للراغبين َ كريمة ٌ ... و أموالهُ للطالبينَ نهابُ
و لكنْ نبا منهُ بكفي صارمٌ ... و أظلمُ في عينيَّ منهُ شهابُ
وَأبطَأ عَنّي، وَالمَنَايَا سَرِيعة ٌ، ... وَلِلْمَوْتِ ظُفْرٌ قَدْ أطَلّ وَنَابُ
فأَحْوَطَ لِلإسْلامِ أنْ لا يُضِيعَني ... و لي عنهُ فيهِ حوطة ٌ ومنابُ
ولكنني راضٍ على كل حالة ٍ ... ليعلمَ أيُّ الحالتينِ سرابُ
و ما زلتُ أرضى بالقليلِ محبة ً ... لديهِ وما دونَ الكثيرِ حجابُ
وَأطلُبُ إبْقَاءً عَلى الوُدّ أرْضَهُ، ... و ذكرى منى ً في غيرها وطلابُ
كذاكَ الوِدادُ المحضُ لا يُرْتَجى لَهُ ... ثوابٌ ولا يخشى عليهِ عقابُ
وَقد كنتُ أخشَى الهجرَ والشملُ جامعٌ ... و في كلِّ يومٍ لقية ٌ وخطابُ
فكيفَ وفيما بيننا ملكُ قيصرٍ ... وَللبَحْرِ حَوْلي زَخْرَة ٌ وَعُبَابُ
أمنْ بعدِ بذلِ النفسِ فيما تريدهُ ... أُثَابُ بِمُرّ العَتْبِ حِينَ أُثَابُ؟
فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالحَيَاة ُ مَرِيرَة ٌ، ... وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَامُ غِضَابُ
وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ ... و بيني وبينَ العالمينَ خرابُ
ومن بعض شعره :
أقرُّ لهُ بالذنبِ ؛ والذنبُ ذنبهُ ... وَيَزْعُمُ أنّي ظَالِمٌ، فَأتُوبُ
وَيَقْصِدُني بالهَجْرِ عِلْماً بِأنّهُ ... إليَّ ، على ما كانَ منهُ ، حبيبُ
و منْ كلِّ دمعٍ في جفوني سحابة ٌ ... و منْ كلِّ وجدٍ في حشايَ لهيبُ
*******
مُسِيءٌ مُحْسِنٌ طَوْراً وَطَوْراً، ... فما أدري عدوي أم حبيبي
يقلبُ مقلة ً ، ويديرُ طرفاً ، ... بِهِ عُرِفَ البَرِيءُ مِنَ المُرِيبِ
وَبَعْضُ الظّالمِينَ، وَإنْ تَنَاهَى ، ... شَهِيُّ الظّلمِ، مُغْتَفَرُ الذّنُوبِ
ومن شعره كذلك :
بكيتُ ، فلما لمْ أرَ الدمعَ نافعي ،... رَجَعتُ إلى صَبرٍ، أمَرّ مِنَ الصّبرِ
و قدرتُ أنَّ الصبرَ ، بعدَ فراقهم ،... يساعدني ، وقتاً ، فعزيتُ عنْ صبري
وله :
الحُزْنُ مُجتَمِعٌ، وَالصّبْرُ مُفْتَرِقُ، ... و الحبُ مختلفٌ ، عندي ومتفقُ
وَلي، إذا كُلّ عَينٍ نَامَ صَاحِبُهَا، ... عينٌ تحالفَ فيها الدمعُ والأرقُ
ومن شعره :
لِمَنْ أُعاتِبُ؟ ما لي؟ أينَ يُذهَبُ بي؟--- قَدْ صَرّحَ الدّهْرُ لي بِالمَنعِ وَاليَاسِ
أبْغي الوَفَاءَ بِدَهْرٍ لا وَفَاءَ لَهُ،--- كَأنّني جَاهِلٌ بِالدّهْرِ وَالنّاسِ
وقال يخاطب ابنته وهو على فراش الموت :
أبنيتي ، لا تحزني
كلُّ الأنامِ إلى ذهابِ
أبنيتي ، صبراً جميــلاً للجَليلِ مِنَ المُصَاب!
نُوحِي عَلَيّ بِحَسْرَة ٍ! من خَلفِ سترِك وَالحجابِ
قُولي إذَا نَادَيْتِني، و عييتِ عنْ ردِّ الجوابِ :
زينُ الشبابِ ، " أبو فرا سٍ، لمْ يُمَتَّعْ بِالشّبَابِ!
منقول