المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أصحاب الأخدود


أفاق : الاداره
03-23-2007, 11:26 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


أصحاب الأخدود


قيل : يحكي لنا التاريخُ الغابرُ عن ملوكٍ كفَرَةٍ شقّوا اخاديدَ وخنادق َ في الارض وأضرموا فيها النارَ لتعذيب المؤمنينَ وتقتيلهم ؛ ومنهم من سنذكر ُ قصّتُهُمُ اليوم : يروى أن رجلاً من أتباع سيدنا عيسى ابن مريم المسلمين يُقالٌ له فيميونُ الراهبُ وكان صالحاً مجتهداً زاهداً في الدنيا محباب الدعوة وكان سائحاً ينزلُ بين القُرى لا يُعُرفُ بقريٍُة إلا خرج منها إلى قريةٍ أخرى لا يعرْفُ بها. وكان لايأكلُ إلا من كسْبِ يديه وكان بنّاءً يعمل الطين.

فتعرف إليه أحدُهُم وأسلم على يديه واسمه صالحٌ وبينما هما في سياحتهما في جزيرة العرب اختطفتهما مجموعةٌ من قطاع الطرُق وباعوهما بنجران وهو اسم ناحيةٍ فيها وكان أهل نجران يومئذٍ كبقية العرب وقتها من عبدة الأوثان يعبدون نخلة طويلةً في أرضهم لها عيدٌ في كل سنة وإذا جاء العيدُ علقُوا عليها كلّ ثوبٍ حسنٍ وجدوهُ وزينوها بحليّ النساء ثم خرجُوا إليها فعكفُوا عليها كلّ اليوم .

فاشترى رجلّ من وجُهائهم فيْميون فكان إذا قامفي الليل ليصلي أضاء له البيت حتى يأتي الصباحُ من غير مصباح إذ كان وليا ذا كرامات فراى ذلك سيدهُ فاعجبه مايرى منه فسأل عن دينه فأخبرهُبه وقال له فيميونُ: إنما أنتمُ على باطل إن هذه النخلة لا تُضّرُ ولا تنفع ولو دعوت عليها إلـــهي الذي اعُبُدُهُ لأهلكها بإذنه تعالى وهو الله وحدهُ لا شريك له . فقال له سيُده فافعل فإّنك إن فعلت دخلنا في دينك وتركْناَ مانحنُ عليه.

فقام فيميونُ وتوضّأ وصلّى ركعتين ثم دعا الله عليها فأرسل الله عليها ريحًا قلعتها وأسقطتها من اصلها إلى الارض فاتّبعه عند ذلك أهل نجران على دين الإسلام ثم دخلت عليهم الأحداث وحّرفُو الدين وحصل الكفرُ وعم. وكان من أمر فيميون عندما انتشر الفسادُ أن بنى خيمة له خارج نجران ملك لديه ساحر وقد صار عجوزاً فطلب الساحرُ من الملك أن يبعث له بغلام كي يعُلمه السّحرَ . وكانت خيمةُ فيميون بين نجران وقرية الغلام الذي أرسله الملك ليتعلمَ السحرَ

وذات يوم مّر هذا الغلامُ واسمهُ عبد الله بنُ الثامر بخيمة فيميون الراهب فسمعه يتلو الإنجيل الصحيح بصوتٍ عذبٍ ونظر فأعجبه مايرى منه من صلاته وعبادته فصار يجلسُ إليه ويسْمعُ منه حتى اسلم فوحد الله وعبدُه وصار يسألُ عن أحكام الإسلام حتى ترقّى في العلم والعبادة وكان الغلامُ أحياناً يتأخُر عند الراهب فيميوت فإذا وصل عند الساحر ضربه لتأخره وإذا جاء إلى أبيه متأخرًا ضربه ابوه.

فشكا الغلام أمرهُ إلى الراهب فقال له : إذا خشيت الساحر فقل :حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر ُ .وذلك كي لا يظلم لأنه يتعّلُم الدين وأحكامه في زمن قل فيه المسلمون.وكان في ذلك البلد حيةٌ عظيمة قطعت طريق الناس فمّر بها الغلام وحمل حجرًا ثم سمى الله تعالى ورماها به فقتلها وأتى الراهب فأخبرهُ فقال له الراهب :إن لك شأناً عظيمًا وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدُلّ أحدًا عليّ .

وصار الغلامُ إذا دخل نجران لم يلقْ أحدًا به ضُرّ أو كله أي أعمي أو أبرص وهو المصابُ بمرضٍ جلديّ منّفُر إلا قال له :يا عبد الله أتوحّدُ الله وتدخل في دين الإسلام وأدعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء؟؟ فيقولُ: نعم فيوحّدُ الله ويسلم ويدعو له فيشُّفى .حتى لم يْيق بنجران إحد به ضُرٌّ إلا أتاهُ فاتّبعهُ على أمره ودَعَا له فعُوفي . وكان للملك ابنُ عّم أعمي فسمع بالغلام وقتل الحيَّة فأتاهُ بهدايا كثيرةِ فقال له: ماها هنُا لك كلُهُ إن أنت شفيتني.

فقال الغلام: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله من يشاءُ فإنْ أنت ءامنت بالله دعوتُ الله لك فشَفَاكَ وعافاك.فاّمن بالله وأسلم فشفاهُ الله فأتى ابنُ العم هذا إلى الملك فجلس إليه كما كان يجلسُ سابقاً فقال له الملكُ الذي كان يدّعي الإلُوهية والعياذُ بالله تعالى : من ردّ عليك بصرك؟؟ قال :رّبي. قال : ولك ربٌّ غيري؟ قال :ربّي وربّك الله ؛ فأخذه فلم يزل يعذبُه حتى دلّ على الغلام فجيء بالغلام ؛ فقال له الملك : يا غلام قد بلغ من سحرك ماتبرىءُ الأكمه والأبرص ؛ وتفعلُ كذا وتفعلُ كذا.

فقال الغلام ُ: إني لا أشفي احدا انما يشفي الله فأخذهُ فلم يزل يعذبهُ حتى دلّ على الراهب فيميون فجيء بالراهب فقيل له : ارجع عن دينك الإسلام فأبى ولم يرض بالكفر ولا بالرجوع عن دينه فدعا الملك بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأس الراهب فشقهُ حتى وقع شقاه ولم يكتف الملك الكافر بذلك بل جاء بابن عمهّ وقال له :ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق راسه فشقهُ به حتى وقع شقاهُ.

ثم جاء بالغلام فقال له :ارجع عن دينك فأبى فدفعهُ إلى بعض جنوده وقال لهم : اذهبوُا به إلى قمة ذلك الجبل فإن رجع عن دينه اتركُوه والإ فاطرحُوه إلى الأسفل . فذهبوا وصعدُوا به إلى قمة الجبل فقال الغلامُ داعيًا ربّه عزّوجل : اللهم اكفنيهم بما شئت فاهتزّ الجبلُ فسقطُوا وقتلوُا. وعاد الغلام ُ سالماً إلى الملك فلما رءاهُ استغرب ودُهش وسأله عن الجنود فقال :كفانيهمُ الله . وقد عاد الغلام رغم انه كان يستطيعُ الفرار والهروب لأنه كان يطمع أن يتراجع الملك عن كفره فيسلم فيكون إسلامه سببًا في إسلام قومه.

فدفعهُ الملكُ إلى مجموعة جنود ءاخرين وقال لهم : اذهبوا به فاحملوه في سفينة فإذا صرتم في وسط البحر انظروا في الأمر فإن تراجع عن دينه فعودُوا به وإلافاقذفوه فيه فذهبُوا به فدعا الغلام ربّه تبارك وتعالى قائلاً: اللهم اكفنيهم بما شئت فانقلبت بهمُ السفينة فغرق الجنودُ وعاد الغلامُ سالمًا إلى الملك فدهش مرة ثانية من رؤيته يعودُ هكذا وسأله عن الجنود فأخبرهُ بما جرى ثم قال للملك:إنك لست بقاتلي حتى تفعل ماء ءامُرُك به:

قال : وماهو؟؟قال : تجمعُ الناس في مكان واحد وتصلبني على جذع ثم تأخذ من جعبة سهامي واحدًا ثم تضعُهُ في قوس ثم تقول بسم الله ربّ الغلام ثم ترميني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الملك الناس وصلب الغلام على جذع ثم أخذ سهمًا من جعبته ونفذ ما امرهُ به الغلامُ ثم رماه فوقع السهم فمات فقال الناس عندُها : ءامنّا برب الغلام لا اله الا الله لا اله الا اله عبد الله بن الثامر (وهو اسمُ الغلام) .

فقال الوزراءُ للملك: أرأيت ماكنت تحذر قد والله نزل بك حذرك وءامن الناسُ وأسلموا. فاستشاط الملك غيظًا وغضبًا وأمر باغلاق أبواب المدينة ثمّ شق شُقوقًا وأخاديد في الآرض قيل أن عددها سبعة طول كلُ أخدوٍد أربعون ذراعًا وعرضهُ اثنا عشر ذراعًا ثم طرح فيها النفط والحطب وأجّجت نيرانها وبدأت ألسنة ُ اللهبِ تتصاعُد منها ثم وقف الملك وأعوانُه على جانبي كلُ أخدوده ويجلبُون المسلم فإن أبى الرجوع عن دينه قذفوه بها وإلا تركوه .

فرموا في النار قرابة عشرين ألفا من المسلمين وقيل أكثر بكثير مابين رجال وشيوخ ونساء وأطفال وحتى إنه جيء بامرأة مسلمةٍ وكان لها ثلاثة بنين أحدهم رضيع فقال لها الملك: ارجعي والإقتلتك أنت وأولادك فأبت فألقى ابنيها الكبيرين فلم تترجع ثم أخذ الصغير ليلقيهُ فبكت فأنطق الله ابنها الرضيع وقال :"يا أماهُ لا ترجعي عن دينِكِ لا بأس عليك "فألقاهُ وألقاها في أثره.وروُى أن المسلمين كانت تقبض أرواحهم قبل أن تمسهمُ النار ُ وحرّها .

ثم بعد أن رمى ارتفعت النار من الأخدود فصارت فوق الملك وأعوانه أربعين ذراعًا ثم هبطت عليهم وأحرقتهم فذابوا وتحوّلوا إلى رمادٍ :{ قال الله تعالى } في سورة البروج:

قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
وهذا الذي فعله ذلك الغلام كان جائزًا قتل الشخص نفسه لأدخال غيره في الإسلام أما في شرعنا لا يجوز .


بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ} (1) سورة البروج

هذا قسم اقسم الله به و قال الإمام يحيى ابن سلام البصري ذات البروج أي ذات المنازل و هي اثنى عشر برجا و هي منازل الكواكب و الشمس و القمر
يسير القمر في كل برج منها يومين و ثلث يوم فذلك ثمانية و عشرون يوما ثم يستتر ليلتين و تسير الشمس في كل برج منها شهرا و هي
الحمل و الثور و الجوزاء و السرطان و الأسد و السنبلة و الميزان و العقرب و القوس و الجدي و الدلو و الحوت
و البروج في كلام العرب القصور قال تعالى { وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } (78) سورة النساء

و منازل القمر ثمانية و عشرون منزلا و هي
الشرطان و البطين والثريا و الدبران و الهقعة و الهنعة و الذراع و النثرة و الطرف
و الجبهة و الزبرة و الصرفة و العواء و السماك و الغفر و الزبانة و الاكليل و القلب و
الشولة و النعائم و البلدة و سعد الذابح و سعد بلع و سعد السعود و سعد الاخبية و الفرع

المقدم و الفرع المأخر و بطن الحوت

{وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} (2) سورة البروج

أي الموعود به هو قسم آخر و المراد بذلك يوم القيامة إجماعا

{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } (3) سورة البروج

قال علي و ابن جبير الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة فعلى هذا سمي يوم الجمعة شاهدا لأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه
و سمي يوم عرفة مشهودا لان الناس يشهدون فيه موسم الحج و تشهده الملائكة
و قال الحسن ابن علي الشاهد محمد صلى الله عليه و سلم و المشهود يوم القيامة قال الزجاج و المبرد و جواب القسم {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (12) سورة البروج و ما بينهما معترض مؤكد للقسم


{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} (4) سورة البروج


أي لعنوا و الأخدود شق يشق في الأرض و الجمع أخاديد و هؤلاء قوم من الكفار خدوا أخدودا في الأرض و سجروه نارا و عرضوا المؤمنين عليها فمن رجع عن الإسلام تركوه و من أصر على الإيمان احرقوه و أصحاب الأخدود هم المحرقون للمؤمنين

وقال الفراء كان ملك خد لقوم أخاديد في الأرض ثم جمع فيها الحطب و ألهب فيها النيران فاحرق بها قومه و قعد الذين حفروها حولها فرفع الله النار الى الكفرة الذين حفروها فأحرقتهم و نجا منها المؤمنون فذلك قوله عز وجل { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ } (10) سورة البروج أي في الآخرة { وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} (10) سورة البروج أي في الدنيا
و يقال أنها أحرقت من فيها و نجا الذين فوقها و قريب من قول الفراء قال أبو العالية

و قد ذكر المسرون في أصحاب الأخدود أقوالا فوق العشرة نذكر منها ما ذكره الحافظ في الفتح قال روى الشافعي و عبد الرزاق و غيرهما بإسناد حسن عن علي كان المجوس أهل كتاب يقرءونه و علم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم و قال ان ادم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه و قتل من خالفه ثم بعد ذلك

يقول الحافظ في الفتح روى عبد ابن حميد في تفسير سورة البروج بإسناد صحيح عن عبد الرحمن ابن أبزى لما هزم المسلمون أهل فارس قال عمر اجتمعوا فقال ان المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم و لا من عبدة الأوثان فنجري عليهم أحكامهم فقال علي بل هم من أهل الكتاب فذكر نحوه لكن قال وقع على ابنته و قال في اّخره فوضع الأخدود لمن خالفه

{النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} (5) سورة البروج

قال ابن الجوزي هذا بدل من الأخدود كأنه قال قتل أصحاب النار قال الراغب الوقود يقال للحطب المجعول للوقود و لما حصل من اللهب

{إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} (6) سورة البروج

أي عند النار و كان الملك و أصحابه جلوسا على الكراسي عند الأخدود يعرضون الكفر على المؤمنين فمن أبى القوه

{وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} (7) سورة البروج

أي حضور فأخبر الله عز وجل في هذه الآيات بقصة قوم بلغ من إيمانهم و يقينهم أن صبروا على التحريق بالنار و لم يرجعوا عن دينهم

{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ( 8 ) سورة البروج أي ما انكروا عليهم إلا لإيمانهم بالله العزيز (( الغالب )) و الحميد (( المحمود على كل حال ))

{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ( 9 ) سورة البروج

أي أن الله الذي خلق السماوات و الأرض و هو المالك لهم لم يخف عليه ما صنعوا فهو شهد على ما فعلوا


و الله اعلم و احكم