المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ فِي مِيزانِ أهلِ السنةِ والجماعةِ5


أفاق الفكر
12-13-2003, 09:40 AM
الحَجَّاجُ بنُ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ فِي مِيزانِ أهلِ السنةِ والجماعةِ


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

إن من القضايا المهمةِ حال النقاشِ العلمي البعدُ عن العواطفِ ، ولا شك أن ما قام به الحجاجُ من سفكٍ للدماءِ ، وهدمٍ للكعبة بالمنجينق ، لا يخرجهُ عن دائرةِ الإسلامِ ، ولو حصل ذلك لكفرهُ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم ، وقد نقل بعضُ الإخوة ممن عقبوا على المقالِ هنا بعضَ النقولِ تثبتُ تكفير بعضِ السلفِ للحجاجِ بنِ يوسف الثقفي .

فنقولُ لهم : هل تقبلون النقاش العلمي البعيد عن العاطفةِ والتشنج ؟

إن قلتم : نعم ، فإليكم الرد .

إن مما قرره أهلُ السنةِ والجماعةِ في بابِ التكفيرِ عدمَ تكفيرِ صاحبِ الكبيرةِ بحالٍ ، وهذا الأمرُ أصلٌ من الأصولِ ، ولستُ في مقامِ التفصيلِ لهذه المسألةِ لأنها أشهرُ من أن تقررَ .

نأتي على الظالمِ الجبارِ سفاكِ الدماءِ - عاملهُ اللهُ بما يستحق - وننظرُ في النصوصِ التي وردت في حقهِ من كلامِ السلفِ ، فقد وردت نصوصٌ بلعنهِ ، ونصوصٌ أخرى بتكفيرهِ وعدم تكفيرهِ ، وننقلُ جميعَ النصوص الواردةِ للفريقين ، ثم بعد ذلك يتبين الصوابُ في المسألةِ .

مسألةُ لعنِ الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ :

نقلتُ في المقال السابقِ كلامَ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ في مسألةِ اللعنِ وأنقلهُ مرة أخرى لأهميته .

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : فَلِهَذَا كَانَ أَهْل الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ فِي الظَّاهِرِ - كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ - أَنَّهُمْ لَا يَلْعَنُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ ؛ بَلْ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " فَيَلْعَنُونَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَامًّا . كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا " وَلَا يَلْعَنُونَ الْمُعَيَّنَ .

كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ : " أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِدُهُ . فَأُتِيَ بِهِ مَرَّةً . فَلَعَنَهُ رَجُلٌ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنْهُ . فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " .

وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ مِنْ بَابِ الْوَعِيدِ وَالْوَعِيدُ الْعَامُّ لَا يُقْطَعُ بِهِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ : مِنْ تَوْبَةٍ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ .ا.هـ.

وممن امتنع عن لعنهِ الإمام أحمدُ رحمهُ اللهُ .

- روى الخلالُ في " السنة " (851) بإسنادهِ فقال : وأخبرني محمدُ بنُ علي قال : ثنا صالح أنه قال لأبيه : الرجلُ يُذكرُ عنده الحجاجُ أو غيرهُ فيلعنهُ ؟ قال : لا يعجبني لو عبر فقال : ألا لعنةُ اللهِ على الظالمين ، وروى عن ابنِ سيرين أنهُ قال : المسكينُ أبو محمد .

قال المحققُ لـ " السنة " : إسناده صحيحٌ . وقال عن المقصودِ بأبي محمد : لعله يقصدُ الحجاجَ فكنيته أبو محمد .

- وروى أيضاً (853) فقال : وأخبرني زكريا بنُ يحيى أن أبا طالب حدثهم قال : قال أبو عبد اللهِ : كان الحجاجُ بن يوسف رجلُ سوءٍ .

قال المحققُ : إسنادهُ صحيحٌ .

وكذلك الواجبُ على المسلمِ أن يجتنبَ اللعن ، وأن لا يعود لسانه عليه .

ولاشك أن في الأمةِ من أمثالِ الحجاجِ كثر ، بل أشد منه .

- روى الخلالُ في " السنة " (858) فقال : أخبرنا الدوري قال : ثنا شاذان قال : ثنا سفيان الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : يأتي على الناسِ زمانٌ يصلون فيه على الحجاجِ .

قال المحققُ : إسناده صحيحٌ ، وهذا صحيحٌ على معنى : " لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده أشر منه " كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكم من حجاجٍ تولى على المسلمين من بعد الحجاجِ فكان شره مستطيراً وعمل أكثرَ مما عمل الحجاجُ .ا.هـ.

مسألةُ تكفيرِ الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ :

أما المسألةُ الثانيةُ في هذا المبحثِ مسألةُ تكفير الحجاجِ بنِ يوسف ، وهي مسألةُ وردت فيها نصوصٌ عن السلفِ حكموا بكفرهِ ، وفي المقابلِ جاءت أفعالُ الصحابةِ على النقيضِ من ذلك ، فقد صلوا وراءهُ ، وحجوا معهُ ، وسأذكرُ النصوصَ الواردةَ لكلا الفريقين .

القولُ الأول : القائلون بعدمِ كفرهِ :
أدرك بعضُ الصحابةِ زمن إمارةَ الحجاجِ ومنهم ابنُ عمر ، وأنسُ بنُ مالك ، وعبدُ الله بن الزبير وكانوا يعرفون ما عند الرجلِ من ظلمٍ وجورٍ وسفكٍ للدماءِ ومع هذا لم يقولوا بكفرِ الحجاجِ ، وهذه بعض النصوصِ في هذا المقام :

إمارةُ الحَجَّاجِ بنِ يُوْسُفَ الثَّقَفِيُّ للحُجَّاجِ وفيهم ابنُ عمر :
عَنْ ‏‏سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏‏قَالَ ‏: ‏كُنْتُ مَعَ ‏‏ابْنِ عُمَرَ ‏حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ ؛ فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ ؛ فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ ‏‏بِمِنًى ،‏ ‏فَبَلَغَ ‏‏الْحَجَّاجَ ،‏ ‏فَجَعَلَ يَعُودُهُ فَقَالَ ‏‏الْحَجَّاجُ :‏ ‏لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ ؟ فَقَالَ ‏‏ابْنُ عُمَرَ ‏ : ‏أَنْتَ أَصَبْتَنِي ، قَالَ : وَكَيْفَ ؟ قَالَ : حَمَلْتَ السِّلَاحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ ، وَأَدْخَلْتَ السِّلَاحَ ‏‏الْحَرَمَ ‏‏وَلَمْ يَكُنْ السِّلَاحُ يُدْخَلُ ‏الْحَرَمَ . رواهُ البخاري (966) .

عَنْ ‏إِسْحَاق بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ،‏ ‏عَنْ ‏‏أَبِيهِ ‏‏قَالَ ‏: ‏دَخَلَ ‏‏الْحَجَّاجُ ‏عَلَى ‏‏ابْنِ عُمَرَ ،‏ ‏وَأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ : كَيْفَ هُوَ ؟ فَقَالَ : صَالِحٌ فَقَالَ : مَنْ أَصَابَكَ قَالَ ‏: ‏أَصَابَنِي مَنْ أَمَرَ بِحَمْلِ السِّلَاحِ فِي يَوْمٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُهُ ‏. ‏يَعْنِي ‏‏الْحَجَّاجَ ‏. رواه البخاري (967) .

24 رمضان 1424 هـ

أفاق الفكر
12-13-2003, 09:41 AM
يتبينُ من هذين الحديثين أن ما فعلهُ الحجاجُ مع ابنِ عمر كان في الحجِ في منى ، وسببُ هذا الفعلِ من الحجاجِ ما جاء في الحديثِ الآخر .

‏عَنْ ‏سَالِمٍ ‏قَالَ ‏: ‏كَتَبَ ‏‏عَبْدُ الْمَلِكِ ‏‏إِلَى ‏‏الْحَجَّاجِ ‏‏أَنْ لَا يُخَالِفَ ‏‏ابْنَ عُمَرَ ‏‏فِي الْحَجِّ فَجَاءَ ‏‏ابْنُ عُمَرَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ ‏‏عَرَفَةَ ‏حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَاحَ عِنْدَ ‏‏سُرَادِقِ ‏الْحَجَّاجِ ،‏ ‏فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ ‏ ‏مُعَصْفَرَةٌ ‏‏فَقَالَ : مَا لَكَ يَا ‏ ‏أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟‏ ‏فَقَالَ ‏: ‏الرَّوَاحَ ‏‏إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ ، قَالَ : هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ؛ قَالَ : فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجُ ، فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ ‏‏الْحَجَّاجُ ‏ ‏فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ :‏ ‏إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ ، وَعَجِّلْ الْوُقُوفَ ؛ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى ‏‏عَبْدِ اللَّهِ ‏، ‏فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ‏‏عَبْدُ اللَّهِ ‏‏قَالَ : صَدَقَ . رواهُ البخاري .

قال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (2/528) : ‏فِيهِ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِشَيْءٍ يَتَسَبَّبُ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ يَعْنِ الْآمِرَ ذَلِكَ , لَكِنْ حَكَى الزُّبَيْرُ فِي الْأَنْسَابِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ لَمَّا كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ لَا يُخَالِفَ اِبْنَ عُمَرَ شَقَّ عَلَيْهِ فَأَمَرَ رَجُلًا مَعَهُ حَرْبَةٌ يُقَالُ إِنَّهَا كَانَتْ مَسْمُومَةً فَلَصِقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِهِ فَأَمَرَّ الْحَرْبَةَ عَلَى قَدَمِهِ فَمَرِضَ مِنْهَا أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ , وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ .ا.هـ.

وفي فعلِ ابنِ عمر مع الحجاجِ فيما سبق أيضاً من الفوائد صلاةُ ابنِ عمر خلف الحجاجِ ، وقد جاء مصرحاً به .

عن عمير بن هانىء قال : " شهدتُ ابنَ عمر والحجاجُ محاصرٌ ابنَ الزبير ، فكان منزلُ ابنِ عمر بينهما فكان ربما حضر الصلاةَ مع هؤلاءِ ، وربما حضر الصلاة مع هؤلاءِ .

قال العلامة الألباني في " الإرواء " (2/303) : وهذا سند صحيح على شرطِ الستةِ .

أنسُ بنُ مالك يصبرُ الناس على أذى الحَجَّاجِ :
عَنْ ‏‏الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ ‏‏قَالَ : أَتَيْنَا ‏‏أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ‏فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ ‏‏الْحَجَّاجِ ‏فَقَالَ ‏‏: اصْبِرُوا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواهُ البخاري (7068)

وكان أنسُ بنُ مالك رضي الله عنه يجيبُ على أسئلةِ الحجاجِ ولا يكتمُ شيئاً من العلم ، على ما في الرجل من شدةٍ ، وظلمٍ ، وتعلقهِ بأدنى شبهةٍ في العقوبةِ ، ويدل لذلك ما جاء في الحديثِ :

‏عَنْ ‏‏أَنَسٍ ‏أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا : إِنَّ ‏ ‏الْمَدِينَةَ ‏وَخِمَةٌ ،‏ ‏فَأَنْزَلَهُمْ ‏‏الْحَرَّةَ ‏‏فِي ‏‏ذَوْدٍ‏ ‏لَهُ فَقَالَ :‏ ‏اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا ، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا ‏‏رَاعِيَ‏ ‏النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ،‏ ‏وَسَمَرَ ‏ ‏أَعْيُنَهُمْ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ ‏يَكْدِمُ ‏الْأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ . قَالَ ‏‏سَلَّامٌ :‏ ‏فَبَلَغَنِي أَنَّ ‏‏الْحَجَّاجَ ‏‏قَالَ ‏‏لِأَنَسٍ :‏ ‏حَدِّثْنِي بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَحَدَّثَهُ بِهَذَا ،‏ ‏فَبَلَغَ ‏‏الْحَسَنَ :‏ ‏فَقَالَ وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ بِهَذَا . رواه البخاري (5685) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (10/149) : وَسَاقَ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ ثَابِت " حَدَّثَنِي أَنَس قَالَ : مَا نَدِمْت عَلَى شَيْء مَا نَدِمْت عَلَى حَدِيث حَدَّثْت بِهِ الْحَجَّاج " فَذَكَرَهُ , وَإِنَّمَا نَدِمَ أَنَس عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَجَّاج كَانَ مُسْرِفًا فِي الْعُقُوبَة , وَكَانَ يَتَعَلَّق بِأَدْنَى شُبْهَة .ا.هـ.

تأخيرُ الحجاجِ للصلاةِ عن وقتها :
عُرف عن الحجاجِ تأخيرهُ للصلاةِ ، وجاءت الأحاديثُ المصرحة بذلك .

‏عَنْ ‏‏مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ‏قَالَ : قَدِمَ ‏‏الْحَجَّاجُ ‏‏فَسَأَلْنَا ‏‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ‏‏فَقَالَ ‏ : ‏كَانَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏يُصَلِّي الظُّهْرَ ‏‏بِالْهَاجِرَةِ ،‏ ‏وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا إِذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ ، وَالصُّبْحَ كَانُوا ‏ ‏أَوْ كَانَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يُصَلِّيهَا‏ ‏بِغَلَسٍ . رواه البخاري (560) ، ومسلم (646) .

وجاء في روايةِ مسلم : " ‏كَانَ ‏‏ الْحَجَّاجُ ‏‏ يُؤَخِّرُ الصَّلَوَاتِ " .

قال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (2/50) : وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحه مِنْ طُرُق أَبِي النَّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ : سَأَلْنَا جَابِر بْن عَبْد اللَّه فِي زَمَن الْحَجَّاجِ وَكَانَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاة عَنْ وَقْت الصَّلَاة .ا.هـ.

الحجاجُ مع سلمةَ بنِ الأكوع :
عَنْ ‏‏سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ‏ ‏أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ‏‏الْحَجَّاجِ ‏‏فَقَالَ : يَا ‏‏ابْنَ الْأَكْوَعِ ؛‏ ‏ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ‏ ‏تَعَرَّبْتَ قَالَ : لَا ؛‏ ‏وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ . ‏وَعَنْ ‏يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ‏‏قَالَ :‏ ‏لَمَّا قُتِلَ ‏‏عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ‏‏خَرَجَ ‏‏سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ إِلَى ‏الرَّبَذَةِ ‏، ‏وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ فَنَزَلَ ‏‏الْمَدِينَةَ . رواهُ البخاري (7087) ، ومسلم (1862) .

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " : قَالَ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة : كَانَ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ هِجْرَته إِلَى مَوْضِعه مِنْ غَيْر عُذْر يَعُدُّونَهُ كَالْمُرْتَدِّ , وَقَالَ غَيْره : كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَفَاء الْحَجَّاج حَيْثُ خَاطَبَ هَذَا الصَّحَابِيّ الْجَلِيل بِهَذَا الْخِطَاب الْقَبِيح مِنْ قَبْل أَنْ يَسْتَكْشِفَ عَنْ عُذْره , وَيُقَال إِنَّهُ أَرَادَ قَتْله فَبَيَّنَ الْجِهَة الَّتِي يُرِيد أَنْ يَجْعَلهُ مُسْتَحِقًّا لِلْقَتْلِ بِهَا .ا.هـ.

إنكارُ الحجاجِ لليلة القدرِ :
عَبْد اللَّه بْن شَرِيك قَالَ : ذَكَرَ الْحَجَّاج لَيْلَة الْقَدْر فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَهَا , فَأَرَادَ زَرّ بْن حُبَيْشٍ أَنْ يُحَصِّبَهُ فَمَنَعَهُ قَوْمه . رواه عبد الرزاق في " المصنف " (4/253) .

وقال الحافظُ ابنُ حجر في " الفتح " (4/309) : وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي لَيْلَة الْقَدْر اِخْتِلَافًا كَثِيرًا . وَتَحَصَّلَ لَنَا مِنْ مَذَاهِبهمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا كَمَا وَقَعَ لَنَا نَظِير ذَلِكَ فِي سَاعَة الْجُمْعَة , وَقَدْ اِشْتَرَكَتَا فِي إِخْفَاء كُلّ مِنْهُمَا لِيَقَع الْجِدُّ فِي طَلَبهمَا : الْقَوْل الْأَوَّل : أَنَّهَا رُفِعَتْ أَصْلًا وَرَأْسًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّة عَنْ الرَّوَافِض وَالْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْح الْعُمْدَة عَنْ الْحَنَفِيَّة وَكَأَنَّهُ خَطَأ مِنْهُ . وَاَلَّذِي حَكَاهُ السُّرُوجِيّ أَنَّهُ قَوْل الشِّيعَة , وَقَدْ رَوَى عَبْد الرَّزَّاق مِنْ طَرِيق دَاوُد بْن أَبِي عَاصِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَحْنَس " قُلْت لِأَبِي هُرَيْرَة : زَعَمُوا أَنَّ لَيْلَة الْقَدْر رُفِعَتْ , قَالَ : كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ " وَمِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن شَرِيك قَالَ : ذَكَرَ الْحَجَّاج لَيْلَة الْقَدْر فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَهَا , فَأَرَادَ زَرّ بْن حُبَيْشٍ أَنْ يُحَصِّبَهُ فَمَنَعَهُ قَوْمه .ا.هـ.

وبعد ذكرِ هذه النصوص عن الصحابةِ ، وما وجدوهُ من الحجاجِ ، فلم نجد من أحدهم أنهُ كفرهُ ، أو ألمح حتى إلى تكفيره ، فلو ظهر لهم أدنى أمرٍ مكفرٍ من الحجاجِ لما ترددوا في تكفيره ، لأن الصحابةَ لا يعهدُ عنهم كتمان الحقِ وبيانهِ .

وهذا سفيان الثوري حينما سُئل عن الحجاج ماذا قال ؟
روى اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " (6/1150) بسنده فقال :

أنا عيسى بن علي ، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي ، قال : نا أبو سعيد الأشج قال : أبو أسامة : قال رجلٌ لسفيان : أتشهدُ على الحجاجِ وأبي مسلم أنهما في النار ؟ قال " لا ؛ إذا أقرا بالتوحيد " .

وللموضوع بقيةٌ إن شاءَ اللهُ تعالى ....

كتبهُ
عبد الله زُقَيْل