المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإسراف في البذخ والرفاهية من أهم عوامل الطلاق


أفاق : الاداره
09-29-2006, 11:20 AM
الإسراف في البذخ والرفاهية من أهم عوامل الطلاق


عن العزيز الحكيم في كتابه الكريم: (كلوا وأشربوا ولا تسرفوا..) و(الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً..).

إن النظام له دوره الكبير في توفيق الإنسان وانتصاره، كما أننا لو نظمنا ساعات عملنا ونشاطنا، وأوقات فراغنا واستراحتنا ومواردنا ومصارفنا المالية وجميع الأمور المادية والمعنوية على أسس صحيحة فإننا ننعم بحياة مثمرة سعيدة في الدنيا والآخرة.

إن الناجحين من الناس هم من استطاعوا تنظيم حياتهم وفق مخطط دقيق وأسلوب صحيح يسيرون عليه ويتقدمون على ضوئه.

ربما أكثر ما يبتلى به الناس هو عدم التنظيم والتخطيط في الصرف الذي يشكل الأرضية التي تفكك العرى الحياتية وتجر البناء الاقتصادي الفردي والاجتماعي إلى الخراب والفقر والفوضى. وجهل أكثر الناس بكيفية الصرف والانسجام بين الدخول والمصروفات يؤدي إلى الاحتياج فكم من أناس رغم امتلاكهم دخلاً كبيراً يتحطمون وتتهمشهم حياتهم على أثر اللعب واللهو والحسد والمصارف التبذيرية الباطلة حتى بلغوا إلى مرحلة انعدامهم من الوسائل الضرورية للحياة، في حين نجد أفراداً لا يملكون إلا الحد الأدنى للأجور يعيشون حياة ناعمة البال والخاطر متحركة نشطة وليس ذلك إلا لوجود برنامج منظم وحساب دقيق وتجنب للإسراف والتبذير، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) (ترك التقدير في المعيشة يورث الفقر..).

وأيضاً ينبهنا الإمام العسكري (عليه السلام) إلى الاعتدال في الاقتصاد فلا إفراط ولا تفريط فعنه (عليه السلام) (للاقتصاد مقدار فإن زاد عليه فهو بخل..).

ولعل البذخ والإسراف في اقتناء الكماليات من أهم أسباب الطلاق في أغلب الدول خصوصاً الدول الخليجية ففي تقرير صادر عن وزارة العدل في الكويت يحمل مفاجآت وأرقاماً مفجعة منها: أن (25) ألف حالة طلاق وقعت في الكويت خلال (7) أعوام، وأن (40%) من حالات الزواج التي جرت العام الحالي انتهت بالطلاق. ويزيد التقرير المفاجآت حين يضع العوامل المالية، مثل تراكم الديون على الأزواج، أول الأسباب المؤدية إلى الطلاق...

فكيف تحولت الماديات إلى عوامل هدم للأسرة؟ وما السر؟ هل هو رغبة الزوجات في البذخ الذي يفوق دخل الأزواج؟ هل هو عدم قناعة أو عدم صبر الزوجات على ظروف الأزواج؟ هل.. وهل؟

سألت طارق العلي، وهو متزوج منذ خمس سنوات، عما جاء في هذا التقرير فقال:

ـ والله التقرير صدمني، كنت أعتقد أن الطلاق قد يكون بسبب الخيانة أو الشك أو عدم التفاهم بين الزوجين أو الغيرة، لكن أن تكون الأعباء المالية هي السبب الأول، خاصة في بلد مثل الكويت فهذا جديد علينا، فعلى رغم أن عددا كبيرا من الناس في الكويت يعيش على معاشه أو على الأقساط، إلا أنني لم أكن أتوقع أن تكون الأعباء المالية هي السبب الأول في الطلاق وتدمير الأسرة.

لكن أبو عبد العزيز الذي يبلغ من العمر 52 عاما، لا يستغرب الأرقام الواردة في التقرير، ويدافع عن الأزواج خاصة من الشباب المقبلين على الزواج فيقول:

ـ لدينا الكثير من الأعباء الاقتصادية الباهظة التي تترتب على الزواج، وهذا يؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج أو اللجوء إلى الزواج من جنسيات عربية أخرى حيث تكون التزامات الزواج أقل كثيرا من تكاليف الزواج بكويتية أو يؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج أصلا، فعلى أيامنا كنا نتزوج في سن صغيرة فأنا تزوجت في سن الثامنة عشرة والآن أشاهد شبابا تعدوا الثلاثين ولا يفكرون في الزواج.

أما خالد الذي سيمر 13 عاما على زواجه بعد أيام، فلا يعتقد أن المجتمع الكويتي، وهو مجتمع يتميز بسعة في الرزق، يمكن أن تكون الأعباء المالية فيه هي السبب الأول في الطلاق، فالأجيال السابقة، على حد قوله، عاشت ظروفا صعبة ولم يكن الطلاق منتشرا كهذه الأيام، ويقول خالد:

ـ أن هناك أسباب كثيرة للطلاق ربما منها الأعباء المالية لأن كثيرين يمرون بمثل هذه الأعباء وهم راضون بحياتهم. إن متطلبات زواج الشباب هذه الأيام وما يترتب على ذلك من أقساط هي السبب في زيادة نسبة الطلاق في أوساط الشباب، ولذا لا يستغرب أن يسمع أن أحد أصدقائه طلق زوجته بعد عدة شهور من الزواج.

زوجات عصر الدش

وتشاطره الرأي أم فواز، التي عاشت مع زوجها أكثر من 25 عاما على الحلوة والمرة كما تقول، وتؤكد أن الزوجات اللاتي ينتمين إلى جيلها كن يتمتعن بسمات كانت تساعد على سير المركب، فتقول:

ـ كانت تمر علينا، نحن الزوجات من الجيل القديم أيام صعبة، لم نكن نطلب الطلاق أو نفكر فيه لمجرد أن أزواجنا يمرون بضائقة مالية أو يعانون ضيق الحال، كنا نسير وفقا للمتاح فقد كانت هناك قناعة، وكانت الزوجة تصبر على قسوة الحياة وعلى الظروف الصعبة، بل كانت تعين زوجها بما تملك حتى لو كان ما تملكه قليلا.

وتوجه أم فواز نقدا قاسيا للجيل الجديد ومن اسمتهن «زوجات عصر الدش» قائلة:

ـ ليس لديهن صبر أو قناعة، كل ما يبحثن عنه هو المظاهر فقط، فالواحدة تريد سيارة العام، وبيتا في منطقة راقية، وأن تدخل أبناءها مدارس خاصة، وأن تسافر في الصيف كل عام، وهذا كله يعني الأقساط التي تلتهم راتب الزوج.. «والله أزواج هذه الأيام معذورين».

ويقدم عبد العزيز حلا قد يبدو مثاليا للكثير من الشباب الكويتي.

فقد تزوج منذ سنوات وتكلف زواجه 14 ألف دينار، مقسمة على الشبكة وحفل الزواج «والذي منه» كما يقول. وبعد الزواج وجد عليه ديونا متراكمة تصل إلى 5 آلاف دينار، لكنه استطاع هو وزوجته بشيء من التفاهم والاستغناء عن بعض الأشياء غير الضرورية سد هذه الديون، ولم يفكر يوما في الطلاق بسبب كثرة الأعباء المالية.

مساعدة قبل الطلاق

وتتساءل لطيفة، التي ما زالت تنتظر ابن الحلال، عن الصندوق الذي جرى تأسيسه منذ سنوات لمساعدة الشباب الكويتي الراغب في الزواج، الذي تمنعه الأعباء المالية من ذلك. وتقترح لطيفة إنشاء صندوق آخر لمساعدة الأزواج الذين يطاردهم شبح الأعباء المالية وأصبحوا على وشك الطلاق وتدمير أسرة كاملة.

و تتساءل مرة أخرى:

ـ الكويت بلد خير فلماذا لا يتكون هذا الصندوق من تبرعات الخيرين لمساعدة هؤلاء الأزواج لكي لا يلجأوا إلى البحث عن حل مدمر وهو الطلاق الذي يهدد المجتمع كله.

المجتمعات الخليجية كلها تعاني

د. يعقوب يوسف الكندري أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت يوافق على النسبة الكبيرة الواردة في تقرير وزارة العدل، لكنه يؤكد أن الأمر يحتاج دراسة علمية جادة ودقيقة لتحديد أسباب ارتفاع هذه النسبة بهذا الشكل المخيف، لكنه يتفق مع الرأي القائل أن الأعباء المالية سبب أساسي من أسباب الطلاق في المجتمعات الخليجية وليس الكويت فقط بسبب الأعباء الاقتصادية المترتبة على الزواج.

ويقول الكندري:

ـ هناك ما يسمى «التعارض مع أسلوب مستوى الحياة» بمعنى أن الشاب لا يملك سوى معاشه الشهري، ويلجأ إلى الحصول على قدر كبير من الكماليات التي تفوق دخله، وهذا ما يحدث للمقبلين على الزواج، حيث لا تتفق تكاليف الزواج التي تعتمد أساسا على «المظاهر» مع الدخل المتاح وهو ما يؤدي إلى كثرة الأعباء المالية.

نحن في حاجة إلى استعادة قيم مجتمع الآباء والأمهات، حيث كانت الأسرة الكويتية القديمة على رغم قلة الدخل وعدم خروج المرأة إلى العمل مستقرة، ولم تكن نسبة الطلاق بهذا الشكل الكبير، وكان الفرد في الأسرة معينا لبقية الأسرة، ناهيك عن عدم ظهور المظاهر الاستهلاكية التي أصابت المجتمع هذه الأيام وهي إحدى السمات السيئة التي ظهرت في مجتمعاتنا ما بعد الوفرة.

والعنوسة أيضا

ويرى د. الكندري أن الأعباء المالية التي تترتب على الزواج ليست السبب الأول في ازدياد حالات الطلاق فقط بل هي السبب الرئيس في مشاكل اجتماعية أخرى. ويقول:

ـ الأعباء المالية السبب الأول أيضا في ازدياد نسبة العنوسة ونسبة الشباب العازفين عن الزواج ليس في الكويت وحدها ولكن في العديد من الدول العربية.. والمشكلة أننا نعيش في مجتمعات خليجية تتميز بالرفاهية، وكثيرون لا يصدقون أن الرجل الخليجي أو الكويتي يمر بأزمات وأعباء مالية قد تؤدي إلى الطلاق، وهذا ناتج عن ارتفاع تكاليف حياتنا بشكل يفوق دخولنا.

ويوضح قائلا:

ـ لنبدأ من تكاليف الزواج خاصة للشباب الذين لا يتمتعون برواتب كبيرة، فهناك المهور التي تبالغ الكثير من الأسر فيها، وشبكة ذهبية مميزة أو هدية قيمة من العريس، وهناك حفلات العرس والولائم التي قد تكلف الشاب مبلغا كبيرا قد يفوق إمكاناته المادية، والنزعة إلى الاستقلال، فالبيت الجديد أصبح شرطا بدلا من العيش في كنف الأسرة حتى يتغير الحال، ولابد من سيارة غالية من أجل «الكشخة» والوجاهة الاجتماعية، كل هذا يؤدي إلى تراكم الديون والأعباء المالية التي تزيد بعد الزواج، ومع عدم القدرة أو الرغبة في تحمل المسؤولية لدى البعض يكون الهروب من باب الطلاق حلا سهلا لدى الكثيرين.