المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخلافة المرتقبة والتحديات


abo _mohammed
08-28-2006, 11:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الخلافة المرتقبة والتحديات

لقد كان أعظم حدث في تاريخ البشريّة، هو قيام دولة الإسلام في المدينة المنورة. حيث كان هذا الحدث الجلل بمثابة الهزّة القويّة التي ارْتجت لصداها الكرة الأرضية بما عليها من بشر!!

وسيكون قيام دولة الإسلام المرتقبة الثانية هو أعظم حدثٍ منذ ذلك العصر الزاهر حتى يومنا هذا، وسيكون لقيامها نفس الهزّة التي حدثت عند قيام الدولة الإسلامية الأولى ليصل صدى ذلك كلّ إنسانٍ على ظهر هذه البسيطة.

لكن هذا الحدث الجلل الفريد من نوعه لنْ يسلم من تحدّياتٍ تواجهه في بداية الأمر، تماماً كما إنه لم يسلم من قبل من تحدّيات وصعوبات كبيرة وقفت في طريقه قبل تحققه وقيامه، وميلاده ورؤيته للنور.

إن أي فكرة جديدة يُراد إيجاد واقعٍ عمليّ لها، أو يُراد بها تغيير الواقع من عادات وأفكارٍ، لن تسْلم من تحدّياتٍ جسام تواجهها، فكيف إذا كان هذا الأمر هو ميلاد دولة الإسلام التي يخشى منها الكفر كله، وجميع دوله وكياناته الماديّة على وجه الأرض؟!

فالأنبياء والرسل قد واجهوا من التحدّيات ما تنوء به الجبال الراسيات، وذلك في مواجهتهم للواقع الفاسد بالفكر السديد الرشيد، وكان أعظم هؤلاء الأنبياء مواجهةً هو رسول هذه الأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقبل الدولة الإسلامية، أثناء مرحلة الدعوة، واجه الرسول عليه الصلاة والسلام تحدّياتٍ عظيمة، استطاع بإيمانه وصبره مع صحابته، رضوان الله عليهم، وبعون الله لهم، استطاع أن يتجاوزها إلى البرّ، لكن هذا البرّ لم يكن آمناً ومفروشاً بالورود، رغم أن القائد هو خير البشر، ومعه خيرتهم من الناس على وجه الأرض.

فالرسول عليه الصلاة والسلام تعرض لمحاولة الاستئصال أكثر من مرّة في المدينة المنورة: في معركة بدر الكبرى، وفي معركة الخندق، وتعرض أيضاً للاستعداء من قبل قريش ومعها قبائل العرب المحيطة بالمدينة، وتعرض لمحاصرةٍ اقتصاديةٍ واستعداءٍ فكريٍّ بكافّة أشكاله.

وتعرّض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك لصعوبات وتحدّيات داخليّة مثل مسألة توفير الغذاء، وتوفير السلاح، والعمل على استقرار الوضع الداخلي، وعملية الدمج العرقي في بوتقة الإسلام، وحلّ بعض ألوان الفساد القديم وغير ذلك من صعوبات. ولولا أن الله عزّ وجل دافع عن هذه الثلة المؤمنة ومعها خير الأنبياء لاستؤصلت عن وجه الأرض إلى غير رجعة.

وقبل أن نبدأ بعرض نماذج للتحدّيات والصعوبات التي ستعترض وستقف أمام الدولة الإسلامية المرتقبة، لا بدّ أن نلفت انتباه حملة الدعوة إلى قضيةٍ مهمّةٍ وهي أنّ الخلافة وطريقها بعد قيامها لن يكون مفروشاً بالورود والرياحين، بل إن الأمر سيكون جللاً، وستكون التحديات عظيمة بقدر عظمة هذا الحدث العظيم، وعظم خطورته على أنظمة الكفر ومبادئه، ودوله الهابطة.

ولا نبالغ إن قلنا إن ردّة الفعل عند دول الكفر ستكون بمثابة المدافع عن نفسه من الموت والمحافظ على ذاته للبقاء، أي أنها ستكون صريحةً متحدّيةً وقاسيةً في جميع السبل المتاحة لدى الكفار، وعلى أكثر من صعيد.

وهذا العرض لواقع التحديات وعظمها وقساوتها ليس معناه انحناء الدولة، أو التقليل من قدرتها على الصمود، ولكن معناه الإعداد المسبق والاستعداد، ووضع الخطط الفكريّة العمليّة التي تعيننا على ذلك الحدث العظيم وما يواجهه من مخاطر وتحديات، تماماً كما أعدّه حملة الدعوة من قبل، الدراسة الفكريّة الكاملة في أدق التفاصيل لكيفية العمل قبل الدولة، والدستور الذي ستحكم به الدولة بنظمه الثلاث: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.

فالتحديات والصعوبات المتوقعة بعد الدولة لا تقل أهميّة عنها قبل الدولة، بل إنها قد تفوق التحديات السابقة كمّاً وكيفاً.

يتبع ...( التحدّيات التي ستواجه الدولة الإسلامية )

وأوّل الخطوات في حسن الخطاب للشعوب الكافرة هو بيان فساد وزيف المبدأ الرأسماليّ الذي تحمله وتدين به:

ولا بدّ قبل البداية في هذه النقطة المهمّة أن نرجع قليلاً للتاريخ المعاصر، وذلك عندما قامت الفكرة الشيوعية، في بدايات القرن الماضي. حيث وجّهت الخطاب، في أولى خطواتها، للشعوب في دول أوروبا وفي أميركا. وكان هذا الخطاب بأسلوبين:

الأول: ضرب المبدأ الرأسمالي وبيان زيفه من خلال إظهار الحقائق العمليّة الموجودة في بلاد الغرب، وخاصّة في النواحي الاقتصادية.

الثاني: عرض الفكرة الشيوعية الجديدة، على أساس أنها هي المنقذ والمخلِّص الجديد للشعوب في أوروبا وأميركا.

والحقيقة أن الاتحاد السوفياتي نجح نجاحاً كبيراً في بداية الأمر، واستطاع ضرب سياسات الغرب في كثيرٍ من المناطق، واستطاع استقطاب الشعوب في معظم دول أوروبا الشرقية، وفي بعض المناطق في أوروبا الغربية، وحتى داخل أميركا، واستطاع استعداء الشعوب ضد سياسات قادته السياسيين، مما دفع الساسة والمفكّرين في أوروبا وأميركا للالتفاف على أفكار المبدأ الشيوعي، وتبنّي سياسات جديدة في الاقتصاد منها (اشتراكية الدولة). ورغم كل الاحتياطات التي فعلتها دول الغرب إلا أن الفكرة الشيوعية لاقت قَبولاً عند قطاعٍ واسع في بلاد الغرب، واستطاعت تحريض الشعوب ضدّ سياسات بلادها الاستعمارية في كثيرٍ من المناطق.

والحقيقة أن فكرة الإسلام أقوى من الفكر الشيوعي وأقدر على لفت نظر الشعوب الغربيّة إلى الفساد العريض الذي تعايشه، وإلى الفساد الكبير الذي تقوم به الحكومات السائدة في بلادها.

لذلك يُوجَّه الخطاب بالطرق والأساليب الممكنة للشعوب في دول أوروبا وأميركا، ويُركَّز في هذا الخطاب -كما أسلفنا- على فساد المبدأ الرأسمالي في أساسه وفروعه.

فبالنسبة للأساس مثلاً: تُخاطَب الشعوبُ الغربيّة خطاباً عقلياً مؤثّراً، يُبيَّن فيه أنها شعوب لا تحكّم العقل في تعاملها مع الناحية المبدئيّة، مع أنها شعوبٌ تقدّر الفكر والعقل، وتبدعُ في كافّة النواحي العلميّة والتقدّم في كافّة المخترعات والمكتشفات.

فيوجّه إليها بعض الأسئلة مثل: هل فكرة فصل الدين عن الحياة تستند إلى ناحيةٍ عقليّة؟! أو أنها فكرة جاءت كردّة فعلٍ على إساءات رجال الدين والكنيسة التي سادت في العصور الوسطى؟

ثم نبيّن لهذه الشعوب كيف نبتت فكرة فصل الدين عن الحياة في مجتمع الغرب، وأنها فكرة تجانب التفكير العقلي السليم؛ لأنه لا يوجد حلٌّ وسطٌ بين أمرين أحدهما يُنظر إليه على أنه صواب والآخر يُنظر إليه على أنه خطأ. فالوسط بين الخطأ والصواب -على فرض وجود صواب- هو خطأ عقلاً.

وبهذا يُلفت نظرُ الشعوب الغربية في أوروبا وأميركا أنها شعوبٌ لا تحكِّم العقل في مبدئها، مع أنها تقدِّس هذا العقل في كل شيءٍ في حياتها!!

يتبع...


هذا بالنسبة للأساس الذي تستند إليه شعوبُ الغرب، أما بالنسبة للفكر الذي تحكّمه في حياتها في كافّة الشؤون: في السياسة، والاجتماع، والاقتصاد، فيُلفت نظرُها إلى الأمور التالية:

1- إن كل شيء يبنى على باطل فهو باطل، والفكر الغربيّ قد بُني على أساسٍ باطل هو: فصل الدين عن الحياة، فيكون باطلاً في كلّ جزئيةٍ من جزئيّاته.

2- يُلفت نظر الشعوب الأوروبية إلى الفساد المبدئيّ الموجود بين ظهرانيها مثل مشكلة الفقر، وتُثار حول هذه المشكلة عدّة أسئلة منها: من أين جاءت مشكلة الفقر في أوروبا وأميركا مع أنها بلاد متقدّمة في كل المجالات الاقتصادية؟!

وفي أثناء الإجابة عن هذا السؤال يُلفت انتباه الشعوب إلى أن السبب في وجود الفقر يكمن في النظام الذي ينظّم شؤون الناس الاقتصادية، وليس السبب هو قلّة الثروات.

ويُحرّض الناس ضدّ النظام الذي سمح لرجال -بواسطة الاحتكار، والربا، وغير ذلك من مفاسد- أن يمتلكوا ثرواتٍ طائلة، بينما غيرهم لا يجد لقمة العيش، ويعيش على حاويات القمامة!!

ويُلفت نظرها كذلك إلى المشاكل الاجتماعية: مثل الإيدز، والجرائم المنظّمة، والمخدّرات، واللقطاء، وانتشار دور البغاء، وكثرة حالات الطلاق، وتشرّد الأولاد، وغير ذلك من مفاسد اجتماعية.

وتُوجّه إليها الأسئلة أثناء عرض كل مشكلة.

فعندما تعرض مشكلة مرض الإيدز يوجّه إليها السؤال الآتي: ما هو سبب هذا البلاء الذي يقضّ مضجع كلّ الشعوب في بلاد الغرب؟! وما هو السبيل للخلاص من هذا البلاء العظيم؟!

وتُثار الأسئلة بنفس الطريقة حول كلّ مشكلةٍ من المشاكل الاجتماعيّة، ثم يُلفت نظرُهم إلى الحقيقة الساطعة وهي: أن هذا البلاء في كلّ مشكلةٍ يرجع في سببه إلى أفكار الحريّات التي نبتت من فكرة (فصل الدين عن الحياة)، والتي ظهر عوارها وخطأُها.

هذه بعض الأمثلة في إظهار فساد الفكر الرأسمالي في الأساس، وفي البناء الذي بُني عليه.

يتبع...


هذه هي الخطوة الأولى في بيان فساد حياة الغرب،

أما الخطوة الثانية: فهي بيان فساد السياسات الغربية بحقّ الشعوب في كل مناحي الكرة الأرضية.

والحقيقة أن هذه قضيّة مهمّة في (التخذيل) عن حياض المسلمين؛ لأن الشعوب إذا فهمت الواقع فهماً سليماً صحيحاً فإنها تؤثّر في سياسات بلادها الخارجيّة.

فقد كان لتأثير الشعوب ردة فعل قويّة في أميركا لإنهاء الغزو الأميركي لفيتنام، وكذلك يتنامى هذا التأثير اليوم في التأثير على الحكومة الأميركية لسحب قواها العسكرية من أرض العراق.

من هذا الباب نقول: بأن على الدولة الإسلامية إثارة موضوع سياسة الحكومات الغربية خارج أراضيها ومنها تجاه بلاد المسلمين، ويركّز في هذا الموضوع على أمرين مهمين

الأول: بطلان إدعاءات الحكومات الغربية لإثارة الشعوب الغربية ضد الإسلام كفكرة، وضد المسلمين كدولة؛ فالإسلام ليس دين إرهاب كما تكذب الحكومات على شعوبها، والمسلمون لا يهدفون إلى تدمير الحضارة الغربية لإرجاع الناس إلى العصور الوسطى كما تحاول إقناع شعوبها، وإنما لإنقاذها وإرشادها.

والثاني: لفتُ انتباه الغرب إلى حالاتٍ كثيرةٍ كذبت فيها الحكومات على شعوبها أثناء حربها على الإسلام والمسلمين، وخاصّة في حربها في أفغانستان والعراق.

فقد ادعت أثناء حربها على أفغانستان أنها تهدف إلى تفكيك قوى الإرهاب، وإذا بها تغرسُ أقدامها في كل أرض أفغانستان، وتنهب خيراتها، وتتحكّم في القرار السياسي.

وكذلك ادعت -كذباً- أنها تريد تفكيك قوى الإرهاب في العراق، وتفكيك برامجه النوويّة وأسلحة الدمار الشامل، وإذا بها تغرسُ أقدامها في أرض العراق، وتنهب ثرواته، وتستبيح أرضه، وتقتل أبناءه، وتضعهم في أقبية السجون، وتتحكم في القرارات السياسية في تنصيب من تشاء، وفي خلع من تشاء.

فالغرب الكافر -حتماً- سيلجأ إلى مسلسل الكذب والتضليل الذي يستخدمه في كلّ مرّة يشنّ فيها حرباً على بلاد المسلمين ، أو على المخلصين من أبنائه .

وهذا يحتاج إلى دقّة مراقبة ومتابعة لما يحيكه الغربُ ضدّ الدولة الإسلامية، ويحتاج إلى حسن التأنّي في توجيه الخطاب للشعوب المضلّلة ضد حكوماتها الاستعمارية.

ولا يقال في هذا المقام أن الشعوب الغربية هي من جنس حكوماتها، تُكنُّ العداء للمسلمين، وتحرص على القضاء عليهم. فهذا ليس موضعه في هذا المقام، بل إن المقام هنا هو إيجاد الشرخ بين الشعوب المضلّلة وحكوماتها التي يتحكّم بها الرأسماليون، ويسخّرون البلاد والعباد في الغرب من أجل ثرواتهم وشركاتهم، ولا تجني الشعوب في النهاية سوى القتل والدمار.

وقد استطاع الرسول عليه الصلاة والسلام بحنكته السياسيّة أن يوجد شرخاً بين قبائل العرب، وبين قريش واليهود، وحتى بين قادة قريش بعضهم مع بعض عندما طال الحصار، في أثناء حصارهم للمدينة المنورة.

ولا مانع أيضاً في هذا المقام من توجيه نقدٍ للناحية الديمقراطية، من حيث الفكرة والتطبيق العمليّ لها، أو من حيث الفكرة والقوانين البعيدة عنها -التي تحملها شعوب الغرب فكراً وعقيدة-، مع أننا لا نؤمن بالديمقراطية ولا بأفكارها.

فيوجّه الخطاب للشعوب الغربية بأن حكوماتها تتجاوز الديمقراطيات التي تهدف لنشرها في البلاد الأخرى، وذلك بقيامها بإعلان الحرب على دولة تحمل مبدأً تؤمن به، وتريد تطبيقه في حياتها.


بقيت مسألة في هذا الموضوع وهي دعوة الشعوب الغربية لدراسة فكرة الإسلام دراسة واعيةً دقيقةً،

دراسة أساس الإسلام (العقيدة)، والنظر والتمعّن بأن هذه العقيدة تستند إلى العقل، لا إلى الخرافة أو إلى ردّات الفعل العاطفية، كما هو في مبدأ الغرب،

ودراسة أحكامه -أي الإسلام- وأفكاره التي استندت إلى هذه العقيدة،

وتذكير الشعوب الغربية بمحاسن هذه الأفكار والأحكام، حيث إنها أحكامٌ تنشر الفضيلة والأخلاق الحميدة، وتحافظ على المرأة وتحفظ حقوقها المادية والمعنوية، وتنشر الأمن والعدل والاستقامة في كل شؤون الحياة، وتقضي على الفقر وترفع مستوى الناس إلى درجة الكفاية والغنى، وتقضي عل كلّ مظاهر سلب الأموال، وخاصّة تلك المرتبطة والمنبثقة من سياسة الاحتكارات، والربا في الرأسماليّة.

ومن أجل هذه المسألة المهمة يَسلك القائمون على الأمر عدّة سبل منها على سبيل المثال لا الحصر:

دعوة المفكّرين الغربيّين لدراسة الإسلام دراسةً فكريةً واعيةً.

ومنها أيضاً: دعوة بعض المفكرين في الغرب لزيارة حاضرة الدولة الإسلامية، ومعايشة الإسلام عملياً في كافّة المجالات.

ومنها استخدام وسائل الإعلام في إيصال معلوماتٍ واضحةً عن الإسلام، وعن الدولة الإسلامية، وبكافّة اللغات الممكنة، ودعوة شعوب الغرب للاطلاع على هذه الوسائل.

ومنها كذلك: دعوة المسلمين في بلاد الغرب، وخاصّة حملة الدعوة للاتصال بكافة الشرائح المجتمعية في الدول المقيمين فيها، وبكل طاقةٍ يمكنهم أن يبلغوها، وذلك لبيان حقيقة الإسلام كفكرةٍ ونظام حياة، وحقيقة الدولة الإسلامية كمخلّص للشعوب مما هي فيه من ضياعٍ وضلال.

هذه بعض الأفكار والآراء التي يمكن من خلالها التخذيل عن الدولة الإسلامية، وذلك من خلال دعوة الشعوب الغربية لإعمال عقولها، وتفحّص سياسات قادتها ودولها، (وهي من أسلوب حسن الخطاب لهذه الشعوب).

يتبع ....


http://alsaha.fares.net/sahat?14@120.T2ekfGitooh.0@.2cc120db