المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأدب الشعبي يعين الطفل على الإبداع وسرعة التحصيل


أفاق : الاداره
03-25-2006, 12:57 AM
الأدب الشعبي يعين الطفل على الإبداع وسرعة التحصيل

* أحمد نبيل
على الرغم من الزهو الذي يعتري عصرنا بوصفه عصر «العلم والتكنولوجيا» فهو لايزال ـ أيضا ـ عصر الأزمة، والقلق، والعبث، أو اللامعقول، فهو سريع الإيقاع، متلاحق الأحداث لا يدع فردا خارج دورته العجلي، دون أن يشده داخلها وحين يلتفت الإنسان لايجد حوله سندا مستقرا، أو مرجعا راسخا، فيقع فريسة مشاقه، مع وجوده، ومجتمعه، وعالمه، حيث تفتت معتقداته، وحاد فكره عن مسلكه.
هو ـ إذن ـ «الاغتراب» وإستلاب الإرادة الذي يلف عالم اليوم، مجتمعات وأفراد، فكيف السبيل إلى مقاومته وإجتيازه، نحو عالم أقل قسوه وإيلاما، وخصوصا بالنسبة إلى أطفالنا ؟
الإجابة العلمية الراهنة تؤكد على أن إستلهام «التراث الشعبي العربي والعالمي» لايزال هو المخرج، وخصوصا عبر ما يسمي بـ «الأدب الشعبي» ، بكل ما يشمله ذلك الأدب من حكايات وأمثال وألغاز وسير وملاحم.. الخ.. وذلك بوصفه أحد الوسائل المثلى للتنشئة، بغية إدراك الناشئة لمقومات الحياة.
وللقيم الجمالية التي يحفل بها هذا الأدب، الذي يمكن من خلاله تشكيل إتجاه فكري وتذوق جمالي خالص، مؤثر في أنماط سلوك الناشئة. على حد ما يذكر الباحث أحمد نبيل أحمد في أطروحته لنيل درجة الماجستير حول توظيف العناصر الخرافية في نصوص مسرح الطفل المصري، والتي أجازها مؤخرا المعهد العالي للنقد الفني بالقاهرة.
فالتراث الشعبي ليس مجرد عناصر جذب وتشويق وإثارة للخيال فحسب، بل هو ـ أيضا ـ موسوعة من المعلومات التاريخية والجغرافية، بجانب أهدافه التربوية والتعليمية.
وفي هذا يدعو الباحث إلى جمع « الحواديت» التي لا يزال يرويها الكبار للصغار، كمدخل إلى تنقيتها من الرواسب والمبالغات الخرافية، وعوامل الجمود، دون أن يعني ذلك مخالفة لمنهج التراث الشعبي، لأن الأخير يظل إفرازا ثقافيا لبيئات متعددة، بينما الحياة تختبر الاشكال والمضامين، وتحذف وتضيف، وتعدل وتنسخ، حتى يظل هذا التراث مسايرا لمقتضيات الحياة المتطورة أبدا.
على حد تعبير الباحث، الذي عزا أهمية توظيف عناصر من التراث الشعبي في ثقافة الطفل العربي إلى ترسيخ ولائه القومي، من خلال تعرفه على أشكال هذه الفنون، التي هي بطبيعتها إفراز حضاري لثقافة الأمة. كما أن تنشئة الطفل ثقافيا، وهو على معرفة بعناصر الإبداع الفني الشعبي يثير وعيه بالطابع المميز لهذا التراث بين إبداعات الشعوب الأخرى «، وقد يكون هذا الإبداع الفني الاصيل مصدرا أساسيا من مصادر إبداع الطفل نفسه.
وقد يستلهم ذلك في إبداعاته المستقبلية، مما يحقق تواصلا ثقافيا بين الاجيال. على حد تعبير الباحث، الذي أشار إلى أن نتائج الدراسات الأوروبية والأميركية أثبتت بعضها أن توظيف العناصر الخرافية، مثل «حكايات الجان» تشتمل على فوائد لنمو الاطفال، في المدارس المتوسطة، أي الفئة العمرية بين 9 ـ 14 سنة، بينما تتباين ردود أفعال قلقة بالنسبة للفئة العمرية الأقل، عند تعرضهم لأشكال العنف والعدوان في هذه الحكايات، خصوصا تلك التي تبثها محطات الإرسال التليفزيوني.
وهو ما حدا بأحد الباحثين الغربيين إلى مواجهة هذه الاشكال عبر التوظيف العلمي المدروس للحكايات الخرافية في مناهج الدراسة المقررة للأطفال في المرحلة العمرية من سن 3 إلى 5 سنوات. وذلك بعد أن أثبتت التجارب أن الطلاب الذين تعرضوا لروايات« الجنيات» قبل التحاقهم برياض الاطفال إستطاعوا تحقيق نتائج عالية في مستوي القراءة، مقارنة بنظرائهم، ممن لم يتعرضوا لتلك الروايات.
المسرح الخرافي
وبالطبع فإن الدور الذي يمكن أن يلعبه « مسرح الطفل» في هذا الشأن يتجاوز التأثير الذي تلعبه القصة أو الحكاية، بسبب ما يتمتع به العرض المسرحي من عناصر إبداعية، كالإضافة والديكور، والمؤثرات الصوتية والموسيقا. وهو ما حاول الباحث رصده من خلال 27 نصا مسرحيا، جرى عرضها خلال السنوات السابقة لأدباء مشهورين مثل « توفيق الحكيم» و« ألفريد فرج» ، وآخرين متخصصين في مسرح الطفل كـ « يعقوب الشاروني و« عبد التواب يوسف» و« سمير عبد الباقي» و« السيد حافظ» ، وغيرهم.
ويصنف الباحث هذه الاعمال، وفقا لمصادرها المتعددة إلى مسرحيات مثل التي تقوم على شخصيات رئيسية من الحيوانات، يتم أنسنتها، بغية غرس بعض السمات الحسنة في نفوس الناشئة، كالنشاط والأمانة، وأخرى تجمع بين عالم الإنسان والحيوان، وهي الأكثر شيوعا في مسرح الطفل، والتي رأي الباحث أن بعضها قد نحا إلى المباشرة عبر توجيه النصح والإرشاد التي يضيق بها الاطفال، وخاصة في مراحل الطفولة المتأخرة.
جانب آخر من تلك الاعمال استقت مادتها من الحكايات الشعبية الشائعة، وقصص ألف ليلة، والأساطير المصرية القديمة، حيث حاول مؤلفوها توظيف العناصر الخرافية، مثل « الجان» الذي يظهر في الحكايات الشعبية والعروض المسرحية بنفس المظهر المزدوج، حيث يقف أحيانا إلى جانب البطل بمد يد العون والمساعدة.
وأحيانا يتخذ موقفا محايدا تجاه البطل، وأحيانا أخرى قد يعرقل مصيره، كما في حكايات التاجر والعفريت في حكايات « ألف ليلة» ، حيث يقف العنصر الخرافي والتمثل في العفريت في مواجهة ندية مع البطل، بغية الاقتصاص منه بعد أن قتل ابنه دون عمد، ولكنه أي العفريت يتحول عن موقفه في نهاية الحكاية، ويعفو عن التاجر، بعد أن اكتشف مدى إنسانية الإنسان.وهو ما يعكس قيمة تربوية مهمة ـ كما يقول الباحث ـ من خلال وفاء التاجر الذي قطعه على نفسه أمام « العفريت».
وكثيرا ما يجسد كتاب مسرح الطفل بعض الشخصيات الخرافية الأخرى، والتي تدور بين قوى الشر والخير، كما تتمثل في شخصية الساحر والمارد من جهة، وأهل القرية من جهة أخرى.
بينما جاء « الجان» في أحد الاعمال بصورة مغايرة للحكاية الشعبية التقليدية، فهو « جني» ضعيف، غير قادر على خدمة نفسه منتظر المساعدة الدائمة من الآخرين، وذلك من أجل تأكيد فكرة العمل، والاعتماد على النفس في صنع المستقبل وذلك بإستخدام التشويق القائم على العناصر الخرافية، حيث ظهر « الجان» بصورة تثير السخرية لا الرعب في نفوس الاطفال.
كما استلهمت أعمالا أخرى بعضا من الحكايات الشعبية العالمية، مثل حكاية سندريلا، التي تحتوي على عناصر خرافية كـ الجنية الخيرة، التي تمد يد العون لـ « سندريلا» بوصف المكافأة التي يحصل عليها البطل، نظير إخلاصة وحسن صفاته.
وبينما إستطاع الصياد في الحكاية الشعبية إعادة «العفريت» إلى محبسه، في القمقم، عبر الحيلة، فإنه في مسرحية « سليمان الحكيم» لـ توفيق الحكيم تعرف على صدره من خلال القناعة بحياته.
السخرية الجديدة
كما تذخر مسرحيات الاطفال بالعديد من القوى السحرية، التي قد تقف مع البطل وتساعده، أو تعرقل مصيره، وتعترض طريقه. فالساحر الشرير يستغل قواه السحرية، ويغير من هيئته، في عدة أشكال، كي لا يتعرف عليه أحد، كما في مسرحية « قطر الندي» لـ « السيد حافظ». بينما يمثل هذا « الساحر» في أعمال أخرى، رجل الحكمة، والقدرة على الإتيان بالأفعال الخارقة، من أجل مساعدة أهل المدينة، كما في مسرحية « رحمة وأمير الغابة المسحورة» لـ « ألفريد فرج» ، حيث قدم المؤلف، من خلالها، العديد من الجوانب المعرفية العامة للأطفال، ومبرزا قيمة العمل والاختراعات الحديثة.
فقد لعبت القوى السحرية دورا تربويا مهما في مسرحيات الاطفال، كما يقول الباحث.
فالبطل المسرحي يزول عنه السحر، ليس بفعل قوى سحرية خيرة أخرى، كما في « ألف ليلة وليلة» ، بل بفعل أحد المبادئ، أو القيم السامية التي يسعي الكاتب إلى بثها في نفوس الاطفال، فالسحر يزول عن « الأمير» وشعبه، من سكان المدينة بسبب مشاعر الرحمة، التي أبدتها بطولة الأنثى بالحيوانات والنباتات وما حولها.
وبينما تعجز الشخصيات الإنسية المسحورة عن الحديث، في الحكايات الشعبية، فإنها تصدح بالحديث، وبالحركة، على خشبة المسرح.
كما وظف العديد من كتاب مسرح الاطفال الصيغ السحرية الشهيرة في الحكايات الشعبية، وخصوصا صيغة «إفتح يا سمسم» التي وردت في حكاية « على بابا والأربعين حرامي» ، والتي تمكن البطل من فتح باب المغارة، والحصول على الكنز، بوصفه المكافأة التي ترصد للبطل الطيب « على بابا» التي وقفت الصيغة السحرية بجانبه، بينما تعترض طريق « قاسم» الشرير، الطماع. وكأن الصيغة السحرية ـ في هذه الحكاية.
بمثابة المعرفة التي يتذكرها الإنسان الطيب، وينساها كل شرير. وهي نوع من الصيغ المقبولة، والمحببة لدى الاطفال. كما يقول الباحث فهي «لا تثير الخوف أو الفزع لديهم، بل تثير الخيال والإثارة والتشويق، فهي كلمات سحرية يقولها الطفل، عندما يصعب عليه أمر يبغي تحقيقه».
ولكن غالبا ما تكون الصيغ السحرية في تلك الحكايات أقرب إلى كلمات غامضة، كما في حكاية التاجر والعفريت، حيث تأخذ الفتاة إناء ماء وتتكلم بكلام غير مفهوم، فتعيد الإنسان المسحور في هيئة حيوان، إلى صورته الأولى. وكذلك في حكاية « الصياد والعفريت» حيث تتمكن زوجة الأمير فتح الابواب المغلقة، بعد أن تتفوه ببعض الكلمات السحرية. وهو ما جري توظيفه في مسرح الاطفال بغية تحقيق الإثارة والتشويق، كما في مسرحية « علي بابا» للسيد حافظ حيث يتحول على بابا من رجل يعطف على الفقراء، ويرفض الغش التجاري إلى لص يمقت الفقراء، بعد إمتلاكه المال الوفير لمعرفته بالصيغة السحرية الخاصة بفتح ??اب المغارة. وهناك كذلك الادوات السحرية التي تتعدد صورها في الحكايات الشعبية، مثل «الخاتم السحري» ، «وطاقية الاخفاء» ، و«البساط السحري»و «المرآه المسحورة» و «العصا السحرية» ، و«كيس النقود» الذي لا تفرغ منه النقود أو «القلنسوة المسحورة» ، التي تأخذ الإنسان إلى أي مكان يريد أن يذهب إليه أو البوق الذي يمد البطل بجنود لا حصر لهم.
خيال واقعي
ويشير الباحث إلى أن العديد من كتاب مسرح الطفل قد وظفوا الكثير من الادوات السحرية في أعمالهم بغية خلق عالم خيالي، مثير يعجب به الاطفال وينجذبون إليه، مع تقديم الواقع، في ذات الآن، كما في مسرحية « حسن قرن الفول» سمير عبد الباقي، حيث جري توظيف ثلاث أدوات سحرية، هي « الطبلية المسحورة»، التي تمد صاحبها بالطعام، كلما طلب منها ذلك.
و«المغزل المسحور» الذي ينسج الملابس العجيبة، و«العصا السحرية» التي تمد صاحبها بالقوة، لكن البطل سرعان ما يفقدها لعدم محافظته عليها. بيد أن الكاتب عمل على تحويل « المحبرة القديمة» إلى أداة سحرية ـ في نص آخر له ـ والتي توهم البطل بأنها « المصباح السحري» والتي كانت وبالا عليه، وسببا في تعاسته، على خلاف مضمونها في الحكاية الشعبية.
وذلك بغية بث قيمة تحقيق الآمال بالجد والعمل. وإذا كان القاص الشعبي قد لجأ إلى عوالم الحيوانات والنباتات ليصوغ من خلالها حكايات تعكس مواقف إنسانية مؤثرة، تتعظ بها الاجيال المتلاحقة كما يقول الباحث، فقد وجدت صداها ـ أيضا ـ في مسرح الطفل، سواء في شكلها الأليف، أو المفترس، أو الخرافي بالنسبة لعالم الحيوان أو شكلها الرحيم أو المعادي بالنسبة لعالم النبات.وذلك بجانب العناصر الطبيعية الأخرى، سواء في شكلها الخرافي، مثل «الغابة المسحورة» أو الجمادات، التي تتكلم.
وتتحرك، وتتفاعل مع الشخصيات. ويخلص الباحث من ذلك إلى أن بعض كتاب مسرح الطفل قد نجحوا في توظيف «الشخصيات الخرافية» ، من خلال طرح عدد من القيم والتساؤلات، وكذلك الامنيات التي يحلم كل طفل ببلوغها، ضمن قوالب عصرية شيقة، كتعبير عن الإمكانات العديدة لتلاقي المأثور مع العصر، دون أن يفقد الأول لمعان حكمته، وخصوبة قيمه، ودون أن يفقد الثاني بريق فاعليته المستحدثة.


http://www.balagh.com/woman/tefl/gg0mykmu.htm