المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتاوى


أفاق الفكر
12-04-2003, 11:35 AM
فتاوى
السؤال : ما معنى [ الإيمان] بالقدر؟

الجواب:

الحمد لله

القَدَر: تقدير الله تعالى لكل ما يقع في الكون ، حسبما سبق به علمه ، واقتضته حكمته.
والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور :

الأول : الإيمان بأن الله تعالى علم بكل شيء جملةً وتفصيلاً ، أزلاً وأبداً ، سواء كان مما يتعلق بأفعاله سبحانه أو بأفعال عباده .

الثاني : الإيمان بأن الله تعالى كتب ذلك في اللوح المحفوظ .

وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى : (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) . (29)

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )). (30)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ . قَالَ : رَبِّ ، وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ )) . (31)

الثالث : الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى .

سواء كانت مما يتعلق بفعله سبحانه وتعالى ، أم مما يتعلق بفعل المخلوقين .

قـال الله تعالى فيما يتعلق بفعله : (( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)). (32)

وقـال : ((وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ )). (33)

وقال : (( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ )) . (34(

وقال تعالى فيما يتعلق بفعل المخلوقين : (( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ )) . (35)

وقال : (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ )) . (36)

فجميع الحوادث والأفعال والكائنات لا تقع إلا بمشيئة الله تعالى ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن.

الرابع : الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها ، وصفاتها ، وحركاتها .

قـال الله تعالى : (( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )) . (37)

وقال : (( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً )) . (38)

وقال عن نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه : (( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) . (39)

فذا آمن الإنسان بهذه الأمور فقد آمن بالقدر إيماناً صحيحاً .

والإيمان بالقدر على ما وصفنا لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية وقدرة عليها ، بحيث يستطيع الاختيار هل يفعل أو يترك ما يكون ممكناً له من فعل الطاعات أو تركها ، وفعل المعاصي أو تركها والشرع والواقع دالان على إثبات هذه المشيئة للعبد .

أمـا الشرع : فقد قـال الله تعالى في المشيئة : (( ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً)). (40)

قال : (( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )).(41)
(
وقال في القدرة : (( َاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) . (42)

(( ُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ )) . (43)

فهذه الآيات تثبت للإنسان مشيئة وقدرة بهما يفعل ما يشاء أو يتركه .

وأما الواقع : فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعل وبهما يترك ، ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي ، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش ، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى وقدرته ، لقول الله تعالى : (( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)). (44)

ولأن الكون كله ملك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته .

والله تعالى أعلم . (45)

***

السؤال:

ما هي الأشياء التي يمكن أن تغير القدر وما قد كتبه الله لنا ؟.

الجواب:

الحمد لله
لا يوجد شيء يغير القدَر ؛ لأن الله تعالى قال : (( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )) (46)لقول صلى لله عليه وسلم وجفَّت الصحف " رواه الترمذي ( 2516 ) وصححه من حديث ابن عباس.

قال المباركفوري :

" رفعت الأقلام وجفت الصحف " أي : كُتب في اللوح المحفوظ ما كتب من التقديرات ، ولا يكتب بعد الفراغ منه شيء آخر .

" تحفة الأحوذي " ( 7 / 186 ).

والكتابة نوعان :

نوع لا يتبدل ولا يتغير وهو ما في اللوح المحفوظ.

ونوع يتغير ويتبدل وهو ما بأيدي الملائكة ، وما يستقر أمره أخيراً عندهم هو الذي قد كتب في اللوح المحفوظ ، وهو أحد معاني قوله تعالى : (( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)). (47)

ومن هذا يمكننا فهم ما جاء في السنة الصحيحة من كون صلة الرحم تزيد في الأجل أو تُبسط في الرزق ، أو ما جاء في أن الدعاء يرد القضاء ، ففي علم الله تعالى أن عبده يصل رحمه وأنه يدعوه فكتب له في اللوح المحفوظ سعةً في الرزق وزيادةً في الأجل .

***

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية :

عن الرزق هل يزيد أو ينقص ؟ وهل هو ما أكل أو ما ملكه العبد ؟ فأجاب :
الرزق نوعان :


أحدهما : ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير .

والثاني : ما كتبه وأعلم به الملائكة ، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب ، فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقاً ، وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم َه أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصِل رحِمه " ، وكذلك عُمُر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين ، ومِن هذا الباب قول عمر : " اللهم إن كنت كتبتَني شقيّاً فامحني واكتبني سعيداً فإنك تمحو ما تشاء وتُثبت " ، ومن هذا الباب قوله تعالى عن نوح(( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى )) . (48)

وشواهده كثيرة ، والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدَّره الله وكتبه ، فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه : ألهمه السعي والاكتساب ، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب ، وما قدره له بغير اكتساب كموت موروثه يأتيه به بغير اكتساب .

والسعي سعيان :

سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزارعة والتجارة .

وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ومحو ذلك ، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .

"مجموع الفتاوى " ( 8 / 540 ، 541 ).

***

السؤال:

هل الإنسان مخير أو مسير؟ .

الجواب:

الحمد لله

سئل الشيخ ابن عثيمين هذا السؤال فأجاب :

على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها ؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير .

ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره ؟

هل يصيبه المرض باختياره ؟

هل يموت باختياره ؟

إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير .

والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب واسمع إلى قول الله تعالى : (( فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً )) .(49)

وإلى قوله : (( مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ )) .(50)

وإلى قوله : (( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً )) . (51)

وإلى قوله : (( فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )) (52) خير الفادي فيما يفدي به.

ولكن العبد إذا أراد شيئاً وفعله علمنا أن الله - تعالى -قد أراده - لقوله – تعالى : (( لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) .(53)

وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة .

والله الموفق .

مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج2 .

***

[line]

الحــــــــــــــــــــــــــــــــــــواشي

1. (القمر- 49- الجزء السابع والعشرون).
2.( لزمر- 10- الجزء الثالث والعشرون )
3.( رواه مسلم برقم2999 )
4( التكوير- 28- الجزء الثلاثون )
5. ( آل عمران- 152- الجزء الرابع )
6 ( الكهف- 18- الجزء الخامس عشر )
7. صحيح _ الإرواء 938 : وأخرجه البخاري ومسلم .
8. (ق- 23- 29- الجزء السادس والعشرون ) .
9. (النساء- 165 - الجزء السادس ) .
10. (التكوير- 28- 29-الجزء الثلاثون ) .
11. (القصص- 68 - الجزء العشرون ) .
12. (يونس- 25 - الجزء الحادي عشر ) .
13. ( الصف- 5 - الجزء الثامن والعشرون ) .
14. ( المائدة- 13- الجزء السادس ) .
15. (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة المجلد الخامس )
16. (الحج- 70 - الجزء السابع عشر ) .
17. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة المجلد الثالث .
18. (الليل- 5 - 9- الجزء الثلاثون ) .
19. (التكوير- 28 – 29 - الجزء الثلاثون ) .
20. ( السجدة- 13 - الجزء الحادي والعشرون ) .
21. (هود- 118 - الجزء الثاني عشر ) .
22. (الملك- 2 - الجزء التاسع والعشرون )
23 . (الحج- 70 - الجزء السابع عشر ) .
24. (الحديد- 22 - الجزء السابع والعشرون ) .
25 . صحيح _ الارواء 3 : وأخرجه البخاري ومسلم - صحيح سنن ابن ماجة باختصار السند .
26. (الشورى- 30 - الجزء الخامس والعشرون ) .
27. (النساء- 79 - الجزء الخامس ).
28. (مجموع فتاوى ابن تيمية (العقيدة - كتاب القدر - مسألة : حقيقة القضاء والقدر وممن يكون الخير والشر).
29. (الحج-70).
30. صحيح مسلم (2653)
31. [ رواه أبو داود ( 4700) وصححه الألباني في صحيح أبي داود]
32. [ القصص / 68] .
33 . [ إبراهيم /27 ].
34. [ آل عمران /6 ] .
35. [ النساء /90 ].
36. [الأنعام /112].
37. [ الزمر /62 ].
38. [ الفرقان /2 ].
39. [الصافات -96 ].
40. [النبأ -39 ].
41. [البقرة -223 ].
42. [التغابن- 16].
43. [البقرة /286 .
44. التكوير /28-29.
45. انظر : رسالة شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين .
46. الحديد / 22.
47. [الرعد / 39 ].
48.( المعراج-2-3).
49.( النبأ – 39- )
50.( آل عمران - 152 - ).
51. ( الإسراء – 19 - ) .
52. ( البقرة – 196-).
53. ( التكوير – 28 -29 )