المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 8- قصة سيدنا يوسف عليه السلام


أفاق : الاداره
12-01-2003, 07:05 AM
8- قصة سيدنا يوسف عليه السلام

قال عبد الرزاق: أنبأنا إسرائيل، عن أبى سنان، عن عبد الله بن أبى الهذيل سمعت ابن عباس يقول: {ولما فصلت العير} قال: لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال {إنى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} قال: فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام، وكذا رواه الثورى وشعبة وغيرهم عن أبى سنان به. وقال الحسن البصرى وابن جريج المكى: كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخًا وكان له منذ فارقه ثمانون سنة، وقوله: {لولا أن تفندون} أى تقولون، إنما قلت هذا من الفند وهو الخرف وكبر السن، قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة: تفندون: تسفهون، وقال مجاهد أيضًا والحسن: تهرمون {قالوا تالله إنك لفى ضلالك القديم} قال قتادة والسدى: قالوا له كلمة غليظة، قال الله تعالى: {فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا} أى بمجرد ما جاء ألقى القميص على وجه يعقوب، فرجع من فوره بصيرًا بعدما كان ضريرا، وقال لبنيه عند ذلك: {ألم أقل لكم إنى أعلم من الله ما لا تعلمون} أى أعلم أن الله سيجمع شملى بيوسف، وستقر عينى به، وسيرينى فيه ومنه ما يسرنى، فعند ذلك {قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} طلبوا منه أن يستغفر لهم الله عز وجل عما كانوا فعلوا ونالوا منه ومن ابنه، وما كانوا عزموا عليه، ولما كان من نيتهم التوبة قبل الفعل، وفقهم الله للاستغفار عند وقوع ذلك منهم، فأجابهم أبوهم إلى ما سألوا وما عليه عولوا، قائلا: {سوف أستغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم}.

قال ابن مسعود وإبراهيم التيمى وعمرو بن قيس وابن جريج وغيرهم: أرجأهم إلى وقت السحر. قال ابن جرير: حدثنى أبو السائب، حدثنا ابن إدريس سمعت عبد الرحمن ابن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار، قال: كان عمر يأتى المسجد فسمع إنسانًا يقول: (اللهم دعوتنى فأجبت، وأمرتنى فأطعت، وهذا السحر فاغفر لى)، قال: فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود، فسأل عبد الله عن ذلك فقال: إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله: {سوف أستغفر لكم ربى} وقد قال الله تعالى: {والمستغفرين بالأسحار} وثبت فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟) وقد ورد فى حديث: (أن يعقوب أرجأ بنيه إلى ليلة الجمعة).

قال ابن جرير: حدثنى المثنى، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن بن أيوب الدمشقى، حدثنا الوليد، أنبأنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن ،عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {سوف أستغفر لكم ربى} يقول: (حتى تأتى ليلة الجمعة، وهو قول أخى يعقوب لبنيه). وهذا غريب من هذا الوجه، وفى رفعه نظر والأشبه أن يكون موقوفًا على ابن عباس رضى الله عنه.

{فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين أخوتى إن ربى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت ولى فى الدنيا والآخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين}. هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة التى قيل: أنها ثمانون سنة، وقيل: ثلاث وثمانون سنة، وهما روايتان عن الحسن. وقيل: خمس وثلاثون سنة، قاله قتادة. وقال محمد ابن إسحاق: ذكروا أنه غاب عنه ثمانى عشرة سنة. قال: وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة. وظاهر سياق القصة يرشد إلى تحديد المدة تقريبًا فإن المرأة راودته وهو شاب ابن سبع عشرة سنة، فيما قاله غير واحد، فامتنع فكان فى السجن بضع سنين، وهى سبع عند عكرمة وغيره، ثم أخرج فكانت سنوات الخصب السبع، ثم لما أمحل الناس فى السبع البواقى جاء إخوته يمتارون السنة الأولى وحدهم، وفى الثانية ومعهم أخوه بنيامين، وفى الثالثة تعرف إليهم وأمرهم بإحضار أهلهم أجمعين فجاءوا كلهم فلما دخلوا عليه آوى إليه أبويه اجتمع بهما خصوصًا وحدهما دون إخوته {وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} قيل: هذا من المقدم والمؤخر تقديره: ادخلوا مصر وآوى إليه أبويه، وضعفه ابن جرير وهو معذور. قيل: تلقاهما وآواهما فى منزل الخيام، ثم لما اقتربوا من باب مصر {قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} قاله السدى. ولو قيل: إن الأمر لا يحتاج إلى هذا أيضًا وأنه ضمن قوله: ادخلوا معنى اسكنوا مصر أو أقيموا بها {إن شاء الله آمنين} لكان صحيحًا مليحًا أيضًا.

وعند أهل الكتاب: أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر، وهى أرض بلبيس، خرج يوسف لتلقيه وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بين يديه مبشرًا بقدومه، وعندهم أن الملك أطلق لهم أرض جاشر يكونون فيها ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم، وقد ذكر جماعة من المفسرين أنه لما أزف قدوم نبى الله يعقوب، وهو إسرائيل، أراد يوسف أن يخرج لتلقيه فركب معه الملك وجنوده خدمة ليوسف وتعظيمًا لنبى الله إسرائيل، وأنه دعا للملك وأن الله رفع عن أهل مصر بقية سنى الجدب ببركة قدومه إليهم، فالله أعلم.

وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولادهم، فيما قاله أبى إسحاق السبيعى عن أبى عبيدة، عن ابن مسعود: ثلاثة وستين إنسانا. وقال موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن شداد: كانوا ثلاثة وثمانين إنسانًا. وقال أبو إسحاق عن مسروق: دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون إنساناً. قالوا: وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل. وفى نص أهل الكتاب: أنهم كانوا سبعين نفسًا وسموهم.

قال الله تعالى: {ورفع أبويه على العرش} قيل: كانت أمه قد ماتت كما هو عند علماء التوراة، وقال بعض المفسرين: فأحياها الله تعالى، وقال آخرون: بل كانت خالته ليا والخالة بمنزلة الأم. وقال ابن جرير وآخرون: بل ظاهر القرآن يقتضى بقاء حياة أمه إلى يومئذ، فلا يعول على نقل أهل الكتاب فيما خالفه وهذا قوى، والله أعلم، ورفعهما على العرش أى أجلسهما معه على سريره {وخروا له سجدا} أى سجد له الأبوان والأخوة الأحد عشر تعظيمًا وتكريمًا، وكان هذا مشروعًا لهم، ولم يزل ذلك معمولا به فى سائر الشرائع حتى حُرم فى ملتنا {قال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل} أى هذا تعبير ما كنت قصصته عليك من رؤيتى الأحد عشر كوكبًا والشمس والقمر حين رأيتهم لى ساجدين، وأمرتنى بكتمانها، ووعدتنى ما وعدتنى عند ذلك {قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن} أى بعد الهم والضيق جعلنى حاكمًا نافذ الكلمة فى الديار المصرية حيث شئت {وجاء بكم من البدو} أى البادية، وكانوا يسكنون أرض العربات من بلاد الخليل {من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى} أى فيما كان منهم إلىّ من الأمر الذى تقدم وسبق ذكره، ثم قال: {إن ربى لطيف لما يشاء} أى إذا أراد شيئًا هيأ أسبابه ويسرها وسهلها من وجوه لا يهتدى إليها العباد بل يقدرها وييسرها بلطيف صنعه وعظيم قدرته {إنه هو العليم} أى بجميع الأمور {الحكيم} فى خلقه وشرعه وقدره.

يتبع