المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 7-قصة سيدنا يوسف عليه السلام


أفاق : الاداره
12-01-2003, 07:02 AM
7-قصة سيدنا يوسف عليه السلام


فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم فى يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لى أبى أو يحكم الله لى وهو خير الحاكمين ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التى كنا فيها والعير التى أقبلنا فيها وإنا لصادقون قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}.

يقول تعالى مخبرًا عنهم: أنهم لما استيأسوا من أخذه منه خلصوا يتناجون فيما بينهم، قال كبيرهم، وهو (روبيل): {ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم فى يوسف} لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه، كما فرطتم فى أخيه يوسف من قبله، فلم يبق لى وجه أقابله به {فلن أبرح الأرض} أى لا أزال مقيمًا هاهنا {حتى يأذن لى أبى} فى القدوم عليه {أو يحكم الله لى} بأن يقدرنى على رد أخى إلى أبى {وهو خير الحاكمين ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق} أى أخبروه بما رأيتم من الأمر فى ظاهر المشاهدة {وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التى كنا فيها والعبر التى أقبلنا فيها} أى فإن هذا الذى أخبرناك به من أخذهم أخانا، لأنه سرق أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التى كنا نحن وهم هناك {وإنا لصادقون قال بل سولت لكم أنفسكم أمر فصبر جميل} أى ليس الأمر كما ذكرتم لم يسرق، فإنه ليس سجية له ولا خلقه، {وإنما سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل}.

قال ابن إسحاق وغيره: لما كان التفريط منهم فى بنيامين مترتبا على صنيعهم فى يوسف، قال لهم ما قال، وهذا كما قال بعض السلف: إن من جزاء السيئة السيئة بعدها، ثم قال: {عسى الله أن يأتينى بهم جميعا} يعنى يوسف، وبنيامين، وروبيل {إنه هو العليم} أى بحالى وما أنا فيه من فراق الأحبة {الحكيم} فيما يقدره ويفعله، وله الحكمة البالغة، والحجة القاطعة {وتولى عنهم} أى أعرض عن بنيه {وقال يا أسفى على يوسف} ذكره حزنه الجديد بالحزن القديم، وحرك ما كان كامنا

وقوله: {وابيضت عيناه من الحزن} أى من كثرة البكاء {فهو كظيم} أى مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف، فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق {قالوا} له على وجه الرحمة له والرأفة به والحرص عليه: {تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين} يقولون: لا تزال تتذكره حتى تنحل جسدك وتضعف قوتك، فلو رفقت بنفسك كان أولى بك {قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون} يقول لبنيه: لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس ما أنا فيه، إنما أشكو إلى الله عز وجل، وأعلم أن الله سيجعل لى مما أنا فيه فرجًا ومخرجًا، وأعلم أن رؤيا يوسف لابد أن تقع، ولابد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى، ولهذا قال: {وأعلم من الله ما لا تعلمون} ثم قال لهم محرضًا على تطلب يوسف وأخيه وأن يبحثوا عن أمرهما: {يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} أى لا تيئسوا من الفرج بعد الشدة، فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه وما يقدره من المخرج فى المضايق، إلا القوم الكافرون {فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا بقميصى هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا وأتونى بأهلكم أجمعين}.

يخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه، وقدومهم عليه، ورغبتهم فيما لديه من الميرة، والصدقة عليهم برد أخيهم بنيامين إليهم {فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر} أى من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال {وجئنا ببضاعة مزجاة} أى ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن يتجاوز عنا، قيل: كانت دراهم رديئة، وقيل: قليلة، وقيل: حب الصنوبر، وحب البطم ونحو ذلك، وعن ابن عباس: كانت خِلَق الغرائر والحبال، ونحو ذلك {فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين} قيل: بقبولها، قاله السدى. وقيل: برد أخينا إلينا، قاله ابن جريج. وقال سفيان بن عيينة: إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزع بهذه الآية، رواه ابن جرير. فلما رأى ما هم فيه من الحال، وما جاءوا به مما لم يبق عندهم سواه من ضعيف المال، تعرف إليهم وعطف عليهم، قائلاً لهم عن أمر ربه وربهم، وقد حسر لهم عن جبينه الشريف وما يحويه من الخال فيه الذى يعرفون: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا} وتعجبوا كل العجب وقد ترددوا إليه مرارًا عديدة وهم لا يعرفون أنه هو: {أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى} يعنى أنا يوسف الذى صنعتم معه ما صنعتم، وسلف من أمركم فيه ما فرطتم، وقوله: {وهذا أخى} تأكيد لما قال، وتنبيه على ما كانوا أضمروا لهما من الحسد، وعملوا فى أمرهما من الاحتيال، ولهذا قال: {قد من الله علينا} أى بإحسانه إلينا، وصدقته علينا، وإيوائه لنا، وشده معاقد عزنا، وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا، وصبرنا على ما كان منكم إلينا، وطاعتنا وبرنا لأبينا، ومحبته الشديدة لنا، وشفقته علينا {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا} أى فضلك وأعطاك ما لم يعطنا {وإن كنا لخاطئين} أى فيما أسدينا إليك، وها نحن بين يديك {قال لا تثريب عليكم اليوم} أى لست أعاقبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا، ثم زادهم على ذلك فقال: {يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.

ومن زعم أن الوقف على قوله: {لا تثريب عليكم} وابتدأ بقوله: {اليوم يغفر الله لكم} فقوله ضعيف، والصحيح الأول، ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه، وهو الذى يلى جسده، فيضعوه على عينى أبيه، فإنه يرجع إليه بصره بعدما كان ذهب بإذن الله، وهذا من خوارق العادات ودلائل النبوات وأكبر المعجزات، ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى الخير والدعة وجمع الشمل بعد الفرقة على أكمل الوجوه وأعلى الأمور {ولما فصلت العير قال أبوهم إنى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون قالوا تالله إنك لفى ضلالك القديم فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إنى أعلم من الله مالا تعلمون قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم}.
يتبع