المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرية تراثية تشعل الحنين عودة إلى عبق الأجداد في شارع الرقة


مــــريـــــــم
02-11-2005, 01:44 AM
9 Feb 2005 20:23:20 GMT

قرية تراثية تشعل الحنين عودة إلى عبق الأجداد في شارع الرقة



كان صيد الأسماك الحرفة الرئيسية لسكان الإمارات قبل إكتشاف النفط، حيث كانت معدات الصيد في الماضي تصنع محليا ولم تكن تلائم الظروف القاسية للبحر فيما كانت أدوات الصيد البحري المستخدمة في دولة الإمارات في القديم من الأقفاص الشبكية المعدنية «القراقير»، وشباك الصيد والصنانير.

وكانت القراقير تستخدم على نطاق أوسع نظرا لقدرتها على الإحتفاظ بالأسماك الطازجة لفترات أطول مقارنة بأدوات الصيد الأخرى.ومن هنا جاءت فكرة إقامة القرية الساحلية التراثية للتعريف بالتراث الشعبي الساحلي الإماراتي.

والذي يعكس صورة الحياة التراثية القديمة والتي كان يعيشها أهل الإمارات، وقد حرصت القرية الساحلية على إضفاء طابع تراثي قديم على تصاميم بيوتها ومحلاتها لتشابه في تصاميمها البيوت والمحلات القديمة لدولة الإمارات.

طارق الخاجة منظم فعاليات القرية الساحلية التراثية في شارع الرقة شرح لنا طبيعة فعاليات ونشاطات تلك القرية، والتي إجتذبت عددا كبيرا من الضيوف والزائرين إليها. حيث قال: يتوسط مدخل القرية قارب يدعى « الشاس».

وهو قارب لصيد الأسماك مصنوع من سعف النخيل، مجوف من الداخل، تتمركز « البوه» في وسطه، وهي قطعة من الفلين تحافظ على بقائه طافيا على وجه الماء، أما « الباورة» أي المرساة فكانت تستخدم لتثبيت القارب في البحر أو على الشاطئ لمنع إنجرافه بواسطة أمواج البحر وكان هناك صندوق يقبع بجانب القارب.

حيث علمنا أن هذا الصندوق يعود لدرع سلحفاة عمرها أربعين عاما تم صيدها منذ سبع سنوات، وتابعنا سيرنا بإتجاه خيمة الضيافة والتي إفترشتها قطع السدو البدوية والتي خصصت لإستقبال زوار وضيوف القرية.

وسألت طارق عن سر النار المشتعلة في حفرة صغيرة تجمع حولها أفراد فرقة شعبية، حيث أخذوا في تدفئة طبولهم، قال لنا طارق: تلك الطبول والدفوف مصنوعة من جلد الغنم، وعندما تقترب من النار يتمدد الجلد ويشتد مما ينشأ عنه إيقاعات أقوى لصوت الطبول والدفوف.

وفيما تابعنا سيرنا في ساحة القرية الساحلية التراثية، بين المتاجر والتي اتخذت في طابع بنائها شكل المتاجر القديمة المصنوعة من سعف النخيل مقتربين من المتجر الأول والذي كانت تحتل مساحته أثواب شامية، في حين إنهمك فراس عبدالغني صاحب المتجر في بيع تلك الجلاليب الجميلة.

والتي تصنع في معامل الآرابيسك في الشام، فمنها المصنع يدويا ومنها ما تصنعه الماكينات، فيما تختلف أقمشة تلك الجلاليب ما بين القطن والتفتاه، وأضاف فراس أن الإقبال على متجره كبير جدا من قبل النساء.

أما ضرغام راضي من العراق الصامد، والذي أبي الإستسلام للظروف القاسية والتي تعيشها العراق الآن، فحمل بضاعته من العباءات «البشت» النجفية المميزة لبيعها في قرية التراث الساحلية.

حيث قال لنا ضرغام : في القديم كان سهلا إستقدام بضاعتنا من العراق لبيعها في أسواق الإمارات أما اليوم فإن الوضع غير المستقر في العراق يمنعنا من المخاطرة والسفر من وإلى العراق للتجارة وبيع بضاعتنا، لذلك فنحن نعتمد على المسافرين من أقاربنا الذين يقومون بجلب بعض البضائع لنا وبكميات قليلة، ومن ثم قام فراس بإرتداء بشت رمادي اللون قائلا:

هذا هو البشت النجفي، وهو أشهر أنواع البشوت وأكثرها طلبا وهو مصنوع من الكتان اليدوي ومطرزأطرافه بخيوط ذهبية اللون، وأضاف الإقبال على هذا النوع من البشوت كبيرجدا.

وخاصة من قبل المواطنين في حين تصل تكلفة هذا النوع من البشوت الى خمسمئة درهم، أما البشوت اليابانية والتي تختلف في نوعية قماشها النسيجي فالإقبال على شرائها كبير من قبل السعوديين والقطريين، وتصل تكلفة البشت منها الى ثلاثمئة درهم.

في احدى زوايا القرية الساحلية حيث جلس مجموعة من الصيادين المسنين طبعت سنوات الصيد والشقاء بصماتها على قسمات وجوههم بينما جلس هؤلاء في بيوت مصنعة من الخوص فيما إنشغلت عيونهم وأيديهم في نسج شباكهم بكل صبر وحرفية عالية.

علي مرزوق جلس محتضنا شباكه وهو يغزل غزل الشباك لتثبيتها، حيث قال محاولا إسترجاع ذاكرة قديمة طواها الزمن، لقدعلمني والدي حرفة صنع الشباك حيما كنت أبلغ الرابعة عشرة من العمر.

وسألته عن الشباك التي تغزلها يداه فقال: أنا أصنع شبك « ليخ» المستخدم لصيد سمك الكنعد والسين، القد، والغرفار حيث أن تلك الأسماك حجمها صغير وتحتاج لشباك صيد بثقوب صغيرة لصيدها، أيضا أنا أصنع شباك الكنعد ذات الثقوب الشبكية الكبيرة والصغيرة، كما أن صنع الشباك يحتاج الى تركيز وصبر طويلين.

قال الصياد لنا: قد أستغرق ستة أشهر في صناعة الشبكة والتي يصل طولها الى 200 وار (قدم)، أما عرض الشبكة فيصل الى ما بين 120-70 عين (قدم )، أما سالم الريح والذي قال انه لقب بهذا الإسم لأنه قضى حياته ما بين أشرعة قوارب الصيد والتي توجهها الرياح الى رزقها، فقد إنهمك في تصليح شبكة ممزقة وبينما كانت أنامله تعمل بجهد لا ينقطع نظر إلينا قائلا :

عندما تنقطع الشبكة يمكن إصلاحها، فأحيانا تنقطع بسبب أسنان بعض الأسماك الحادة، أو كنتيجة لإلتواء السمكة بشكل صعب داخل الشبكة، فيما كان يمسك سالم الريح القبة « إبرة خياطة الشباك و « المصلاخ» وهي قطعة خشبية توضع عليها خيوط الشبكة للتحكم في عملية نسجها ومن ثم يتم صلخ خيوط النايلون المستخدمة في صنع الشباك من على القطعة الخشبية الصغيرة.

وأضاف ضيوف القرية والزوار يستمتعون بمشاهدتنا ونحن نصنع الشباك ويوجهون إلينا الكثير من الأسئلة عن حرفتنا وخصوصا الأجانب، وتابع القول نحن حريصون على تعليم أبنائنا لتلك الحرفة كما علمنا عليها أباؤنا وعلمهم عليها أجدادهم من قبل، ونحن لا نريد لتلك الحرفة أن تموت أو تنقرض.

أما مرزوق حميد والذي يبلغ من العمر 70 عاما والذي أتى من دولة عمان، كان يجلس متربعا حانيا الظهر من شقاء صناعة شباك القرقور الحديدية، وقال لنا مرزوق أن طية الحديد المستخدمة في بناء شباك القرقور تستورد من الصين والهند وكوريا ويصل ثمنها الى 250 درهماً، فيما يصل طول الشبكة الى ثلاثة إلا ربع وار أي قدم.

كما أننا نقوم بصنع الحديد المشبك ونضعه في قاع شبكة القرقور ومن ثم نركب باباً شبكياً حديدياً على مدخل شبكة أو قفص القرقور لكي يسمح بمرور الأسماك الى الشبكة، حيثا أننا نبقي الباب مفتوحا لخداع السمك ومن ثم دخوله الى شبكة القرقور، فيما نعلق حبلا في شبكة القرقور للتحكم فيها ورميها في البحر، كما نحرص على وضع البوه على شبكة القرقور( أي الطوافة) لمنع غرق شبكة القرقور وضياعها.

ومن ثم نترك شبكة القرقور في البحر لمدة تتراوح ما بين يوم الى ثلاثة أيام مع ضرورة وضع علامة مميزة عليها لمعرفة إن كانت شبكتي أو شبكة صياد آخر، وبعد مرور المدة المحددة لتركها في البحر نقوم بإخراج شبكة القرقور.

حيث تكون ممتلئة بالخير الوفير من السمك، فأحيانا نستخرج من الشبكة ما بين 1020 كيلوغراما من السمك الصغير، في حين شبكة القرقور الكبيرة والتي تسمي « الدوبايل »، تصطاد الأسماك ذات الحجم الكبير.

وأضاف أن شباك القرقور تلقى إقبالا كبيرا على شرائها من قبل أهل الخليج.وفي زاوية أخرى من زوايا القرية جلست مجموعة من النساء العمانيات في خيمة من الغوص، حيث إتخذت كل واحدة منهن حرفة لمزاولتها فيما أخذن يتبادلن أطراف الحديث ويحاولن إسترجاع ذكريات الماضي البعيد.

إقتربنا من سليمة سالم والتي كانت تجدل شرائح من خوصات النخيل الملونة بألوان مختلفة مثل الأحمر والبنفسجي والأخضر، تلك الخوصات التي تستخدم في صنع السلال والحصير، الأغطية الملونة والحصائر التي تستخدم كمفارش للطعام. وقالت لنا سليمة :

ان تصنيعي لسلة واحدة يستغرق أسبوعا كاملا من العمل الشاق والمتواصل في حين يلزمني 15 باعا ( ذراعا) من شرائح الخوص لشغل تلك السلال، وفيما أخذت سليمة بجدل شرائح الخوص بعضها بعض من أجل الحصول على جدائل من الخوص .

ومن ثم تقوم بطرقها بثقل أو بحجر لتسوية سطحها الخارجي، ومن ثم خياطة تلك الجدائل بواسطة خوصة خضراء تؤخذ من سعف النخيل الأخضر، ومن ثم يكتمل بناء السلة لتتمكن سليمة من بيعها بقيمة تتراوح ما بين 150160 درهما للسلة الواحدة ذات الحجم الكبير، وعلقت سليمة قائلة : أهل الخليج يحبون السلال ويقبلون على شرائها.

أما فاطمة مبارك فكانت تجلس منهمكة في حياكة التطريز، حيث كان امامها مجسم معدني يسمي «كجوجه» تحمل فوق سطحها «موسدة» وسادة وضع عليها « الدحاري» أي البكرات ذات الخيوط القوية فيما تقوم فاطمة برص تلك الخيوط واضعة في وسطها خيوطاً فضية لتحصل في النهاية على قطعة فضية مطرزة تخاط على الأقمشة والدراعات.

أما شيخة صنغور البلوشي فكانت تجلس مع رفيقاتها حيث إنشغلن في تحضير خبز التشباب، حيث قالت لنا آمنة أن تلك الأكلة واسعة الإنتشار في الإمارات و يدخل في تكوين عجينتها الطحين والسكر والحليب والزعفران وماء الورد، في حين قالت أن الاقبال عليها كبير من قبل ضيوف وزوار القرية.

وبينما غادرنا آمنة التي إنشغلت بسكب أطباق الهريس والخبيص لضيوف الخيمة إجتذبتنا رائحة شواء مميزة كانت تنبعث من حفرة سيجت بسور من الخوص حيث أخذ طارق خاجة يشرح لنا مراحل إعداد طبق القوزي العربي، قائلا: نحفر حفرة يصل طولها الى متر ونصف المتر تقريبا ومن ثم نقوم بدفن برميل من الحديد في تلك الحفرة.

فيما نقوم بإشعال جذوع الأشجار، وخاصة السدر والسمر حيث تعطي بإحتراقها نكهة مميزة للحم، وفيما ننتظر حتى تخمد نار اللهب في قعر البرميل ويتحول الفحم وجذوع الأشجار إلى جمر ملتهب، نقوم بأخذ الذبيحة بعد تنظيفها وتتبيلها بالتوابل العربية القديمة ورشها بالملح .

ومن ثم نقوم بوضعها في حصيرة مصنوعة من السعف والذي تم نقعه مسبقا في الماء ولمدة لا تقل عن ساعتين حتى تتشرب الحصيرة بالماء وترتخي ومن ثم نقوم بفرد الحصيرة على طاولة خشبية وفي نفس الوقت نقوم بأخذ الأوراق الخضراء كأوراق المانجو والموز والليمون وشرائح الثوم والبصل والبطاطس.

ونرشها بقطرات التمر الهندي و ومن ثم نقوم بفرد لحم الخروف المتبل عليها وبعد ذلك يعاد رصها باوراق الموز والمانجو والليمون ثم تلف الحصيرة وبداخلها الخلطة،ويربط الحصير بسلك، ونحكم الربط لتكون أشبه بالصندوق المغلق.

ومن ثم نضعها في برميل محكم إغلاق فوهته لضمان عدم تسرب الرمال الى اللحم المشوي، بعد ذلك تأتي الخطوة الأخيرة وهي دفن البرميل بالرمال لأربع وعشرين ساعة، بعدها نقوم بغزالة الرمل بحذر ونخرج الحصيرة «الخصف» من البرميل، لنحصل على لحم ناضج 100% وقال ضاحكا أفضل من باربكيو الغرب بمليون مرة.


كتبت كفاية أولير: