المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 6-قصة سيدنا يوسف عليه السلام


أفاق : الاداره
12-01-2003, 06:59 AM
6-قصة سيدنا يوسف عليه السلام


وقد اختلف المفسرون فى بضاعتهم على أقوال سيأتى ذكرها. وعند أهل الكتاب أنها كانت صررًا من ورق وهو أشبه، والله أعلم {فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير قال لن أرسله معكم حتى تؤتونى موثقا من الله لتأتننى به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل وقال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شىء إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم، وقولهم له: {منع منا الكيل} أى بعد عامنا هذا، إن لم ترسل معنا أخانا، فإن أرسلته معنا لم يمنع منا {ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغى} أى أى شىء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا {ونمير أهلنا} أى نمتار لهم ونأتيهم بما يصلحهم فى سنتهم ومحلهم {ونحفظ أخانا ونزداد} بسببه {كيل بعير}، قال الله تعالى: {ذلك كيل يسير} أى فى مقابلة ذهاب ولده الآخر، وكان يعقوب عليه السلام أضن شىء بولده بنيامين، لأنه كان يشم فيه رائحة أخيه ويتسلى به عنه ويتعوض بسببه منه، فلهذا قال: {لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتننى به إلا أن يحاط بكم} أى إلا أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به {فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل} أكد المواثيق وقرر العهود واحتاط لنفسه فى ولده ولن يغنى حذر من قدر، ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة لما بعث الولد العزيز، ولكن الأقدار لها أحكام والرب تعالى يقدر ما يشاء، ويختار ما يريد، ويحكم ما يشاء، وهو الحكيم العليم، ثم أمرهم أن لا يدخلوا المدينة من باب واحد ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة، قيل: أراد أن لا يصيبهم أحد بالعين، وذلك لأنهم كانوا أشكالا حسنة وصورا بديعة، قاله ابن عباس ومجاهد ومحمد بن كعب وقتادة والسدى والضحاك. وقيل: أراد أن يتفرقوا لعلهم يجدون خبرًا ليوسف أو يحدثون عنه بأثر، قاله إبراهيم النخعى. والأول أظهر، ولهذا قال: {وما أغنى عنكم من الله من شىء}، وقال تعالى: {ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شىء إلا حاجة فى نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

وعند أهل الكتاب: أنه بعث معهم هدية إلى العزيز من الفستق واللوز والصنوبر والبطم والعسل، وأخذوا الدراهم الأولى وعوضًا آخر {ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه كذلك نجزى الظالمين فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون}.

يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم بنيامين على شقيقه يوسف وأيوائه إليه، وإخباره له سرًا عنهم، بأنه أخوه وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاه عما كان منهم من الإساءة إليه، ثم احتال على أخذه منهم وتركه إياه عنده دونهم، فأمر فتيانه بوضع سقايته، وهى التى كان يشرب بها ويكيل بها للناس الطعام عن غرته فى متاع بنيامين، ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صواع الملك ووعدهم جعالة على رده: حمل بعير وضمنه المنادى لهم، فأقبلوا على من اتهمهم بذلك، فأنبوه وهجنوه فيما قاله لهم، و{قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سارقين} يقولون: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا به من السرقة {قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه كذلك نجزى الظالمين} وهذه كانت شريعتهم أن السارق يدفع إلى المسروق منه، ولهذا قالوا: {كذلك نجزى الظالمين}.

قال الله تعالى: {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه} ليكون ذلك أبعد للتهمه، وأبلغ فى الحيلة، ثم قال الله تعالى: {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك} أى لولا اعترافهم بأن جزاءه من وجد فى رحله فهو جزاؤه لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم فى سياسة ملك مصر {إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء} أى فى العلم {وفوق كل ذى علم عليهم} وذلك لأن يوسف كان أعلم منهم وأتم رأيا وأقوى عزما وحزما، وإنما فعل ما فعل عن أمر الله له فى ذلك، لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك من قدوم أبيه وقومه عليه ووفودهم إليه، فلما عاينوا استخراج الصواع من حمل بنيامين {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} يعنون يوسف، قيل: كان قد سرق صنم جده أبى أمه فكسره، وقيل: كانت عمته قد علقت عليه بين ثيابه وهو صغير منطقة كانت لإسحاق، ثم استخرجوها من بين ثيابه، وهو لا يشعر بما صنعت، وإنما أرادت أن يكون عندها وفى حضانتها لمحبتها له، وقيل: كان يأخذ الطعام من البيت فيطعمه الفقراء، وقيل غير ذلك، فلهذا {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف فى نفسه} وهى كلمته بعدها، وقوله: {أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون} أجابهم سرًا لا جهرًا حلمًا وكرمًا وصفحًا وعفوًا، فدخلوا معه فى الترقق والتعطف، فقالوا: {يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذًا لظالمون} أى إن أطلقنا المتهم وأخذنا البرىء هذا ما لا نفعله ولا نسمح به، وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده.


يتبع