المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 5-قصة سيدنا يوسف عليه السلام


أفاق : الاداره
12-01-2003, 06:57 AM
5-قصة سيدنا يوسف عليه السلام

{وقال الملك ائتونى به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدى كيد الخائنين وما أبرىء نفسى أن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم} لما أحاط الملك علمًا بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام، وتمام عقله ورأيه السديد وفهمه، أمر بإحضاره إلى حضرته ليكون من جملة خاصته، فلما جاءه الرسول بذلك أحب أن لا يخرج حتى يتبين لكل أحد أنه حبس ظلمًا وعدوانًا، وأنه برىء الساحة مما نسبوه إليه بهتانًا {قال ارجع إلى ربك} يعنى الملك {فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم} قيل: معناه إن سيدى العزيز يعلم براءتى مما نسب إلىّ، أى فمر الملك فليسألهن: كيف كان امتناعى الشديد عند مراودتهن إياى وحثهن لى على الأمر الذى ليس برشيد ولا سديد؟ فلما سئلن عن ذلك أعرفن بما وقع من الأمر، وما كان منه من الأمر الحميد {وقلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء} فعند ذلك {قالت امرأة العزيز} وهى زليخا {الآن حصحص الحق} أى ظهر وتبين ووضح والحق أحق أن يتبع {أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} أى فيما يقوله من أنه برىء، وأنه لم يراودنى، وأنه حبس ظلما وعدوانا وزورا وبهتانا.

وقوله: {ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدى كيد الخائنين} قيل: إنه من كلام يوسف، أى إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أنى لم أخنه بظهر الغيب، وقيل: إنه من تمام كلام زليخا، أى إنما اعترفت بهذا ليعلم زوجى أنى لم أخنه فى نفس الأمر، وإنما كان مراده لم يقع معها فعل فاحشة، وهذا القول هو الذى نصره طائفة كثيرة من أئمة المتأخرين وغيرهم، ولم يحك ابن جرير وابن أبى حاتم سوى الأول {وما ابرىء نفسى أن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم} قيل: إنه من كلام يوسف، وقيل: من كلام زليخا وهو مفرع على القولين الأولين، وكونه من تمام كلام زليخا أظهر، وأنسب وأقوى، والله أعلم {وقال الملك ائتونى به أستخلصه لنفسى فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون} لما ظهر للمك براءة عرضه ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه مما نسبوه إليه {قال ائتونى به استخلصه لنفسى} أى أجعله من خاصتى، ومن أكابر دولتى، ومن أعيان حاشيتى، فلما كلمه وسمع مقاله وتبين حاله {قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} أى ذو مكانة وأمانة {قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم} طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق بالأهراء لما يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضى سبع سنى الخصب، لينظر فيها بما يرضى الله فى خلقه من الاحتياط لهم والرفق بهم، وأخبر الملك: إنه حفيظ، أى قوى على حفظ ما لديه أمين عليه، عليم بضبط الأشياء، ومصالح الأهراء، وفى هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة. وعند أهل الكتاب: أن فرعون عظم يوسف عليه السلام جدًا وسلطه على جميع أرض مصر، وألبسه خاتمه، وألبسه الحرير، وطوقه الذهب، وحمله على مركبه الثانى، ونودى بين يديه: أنت رب ومسلط، وقال له: لست أعظم منك إلا بالكرسى، قالوا: وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة وزوجه امرأة عظيمة الشأن.

وحكى الثعلبى: أنه عزل قطفير عن وظيفته، وولاها يوسف، وقيل: إنه لما مات زوجه امرأته زليخا فوجدها عذراء، لأن زوجها كان لا يأتى النساء، فولدت ليوسف عليه السلام رجلين، وهما أفرايم ومنشا، قال: واستوثق ليوسف ملك مصر، وعمل فيهم بالعدل، فأحبه الرجال والنساء.

وحكى أن يوسف كان يوم دخل على الملك عمره ثلاثين سنة، وأن الملك خاطبه بسبعين لغة، وكل ذلك يجاوبه بكل لغة منها، فأعجبه ذلك مع حداثة سنه، فالله أعلم قال الله تعالى: {وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض يتبوأ منها حيث يشاء} أى بعد السجن والضيق والحصر صار مطلق الركاب بديار مصر {يتبوأ منها حيث يشاء} أى أين شاء حل منها مكرما محسودا معظما {نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين} أى هذا كله من جزاء الله وثوابه للمؤمن مع ما يدخر له فى آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل، ولهذا قال: {ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون} ويقال: إن أطفير زوج زليخا كان قد مات، فولاه الملك مكانه وزوجه امرأته زليخا، فكان وزير صدق.

وذكر محمد بن إسحاق: أن صاحب مصر الوليد بن الريان أسلم على يدى يوسف عليه السلام، فالله أعلم.

{وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم قال ائتونى بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أنى أوف الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم فى رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون} يخبر تعالى عن قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية يمتارون طعامًا، وذلك بعد إتيان سنى الجدب وعمومها على سائر البلاد والعباد، وكان يوسف عليه السلام إذ ذاك الحاكم فى أمور الديار المصرية دينا ودنيا، فلما دخلوا عليه عرفهم ولم يعرفوه، لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة، فلهذا عرفهم وهم له منكرون.

وعند أهل الكتاب: أنهم لما قدموا عليه سجدوا له، فعرفهم وأراد أن لا يعرفوه فأغلظ لهم فى القول، وقال: أنتم جواسيس جئتم لتأخذوا خبر بلادى، فقالوا: معاذ الله إنما جئنا نمتار لقومنا من الجهد والجوع الذى أصابنا، ونحن بنو أب واحد من كنعان، ونحن اثنا عشر رجلاً ذهب منا واحد، وصغيرنا عند أبينا، فقال: لابد أن أستعلم أمركم، وعندهم: أنه حبسهم ثلاثة أيام، ثم أخرجهم واحتبس شمعون عنده ليأتوه بالأخ الآخر، وفى بعض هذا نظر، قال الله تعالى: {فلما جهزهم بجهازهم} أى أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته فى إعطاء كل إنسان حمل بعير لا يزيده عليه {قال ائتونى بأخ لكم من أبيكم} وكان قد سألهم عن حالهم وكم هم؟ فقالوا: كنا إثنى عشر رجلاً فذهب منا واحد وبقى شقيقه عند أبينا، فقال: إذا قدمتم من العام المقبل فأتونى به معكم {ألا ترون أنى أوف الكيل وأنا خير المنزلين} أى قد أحسنت نزلكم وقراكم فرغبهم ليأتوه به، ثم رهبهم إن لم يأتوه به قال: {فإن لم تأتون به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون} أى فلست أعطيكم ميرة ولا أقربكم بالكلية، عكس ما أسدى إليهم أولاً فاجتهد فى إحضاره معهم ليبل شوقه منه بالترغيب والترهيب {قالوا سنراود عنه أباه} أى سنجتهد فى مجيئه معنا وإتيانه إليك بكل ممكن {وإنا لفاعلون} أى وإنا لقادرون على تحصيله، ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهى ما جاءوا به يتعوضون به عن الميرة فى أمتعتهم من حيث لا يشعرون بها {لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون} قيل: أراد أن يردوها إذا وجدوها فى بلادهم، وقيل: خشى أن لا يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية، وقيل: تذمم أن يأخذ منهم عوضًا عن الميرة.

يتبع