المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 4-قصة سيدنا يوسف عليه السلام


أفاق : الاداره
12-01-2003, 06:53 AM
قصة سيدنا يوسف عليه السلام


فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إنى أرانى أعصر خمرا وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزًا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمنى ربى إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شىء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون يا صاحبى السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الأمر الذى فيه تستفتيان}. يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم، أى ظهر لهم من الرأى بعدما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلى وقت ليكون ذلك أقل لكلام الناس فى تلك القضية، وأخمد لأمرها وليظهروا أنه راودها عن نفسها فسجن بسببها، فسجنوه ظلمًا وعدوانًا، وكان هذا مما قدر الله له ومن جملة ما عصمه به، فإنه أبعد له عن معاشرتهم ومخالطتهم، ومن هاهنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعى أن من العصمة أن لا تجد، قال الله: {ودخل معه السجن فتيان} قيل: كان أحدهما ساقى الملك واسمه فيما قيل بنو، والآخر خبازه، يعنى الذى يلى طعامه، وهو الذى يقول له الترك (الجاشنكير)، واسمه فيما قيل مجلث، كان الملك قد اتهمهما فى بعض الأمور فسجنهما فلما رأيا يوسف فى السجن أعجبهما سمته وهديه ودله وطريقته وقوله وفعله وكثرة عبادته ربه وإحسانه إلى خلقه، فرأى كل واحد منهما رؤيا تناسبه، قال أهل التفسير: رأيا فى ليلة واحدة، أما الساقى: فرأى كأن ثلاثة قضبان من حبلة وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها فاعتصرها فى كأس الملك وسقاه، ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز وضوارى الطيور تأكل من السل الأعلى، فقصاها عليه وطلبا منه أن يعبرهما لهما، وقالا: {إنا نراك من المحسنين} فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها و{قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما}، قيل: معناه مهما رأيتما من حلم فإنى أعبره لكم قبل وقوعه، فيكون كما أقول، وقيل: معناه إنى أخبركما بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه حلوا أو حامضًا، كما قال عيسى: {وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم}. وقال لهما: إن هذا من تعليم الله إياى لأنى مؤمن به موحد له متبع ملة آبائى الكرام: إبراهيم الخليل وإسحاق ويعقوب {ما كان لنا أن نشرك بالله من شىء ذلك من فضل الله علينا} أى بأن هدانا لهذا {وعلى الناس} أى بأن أمرنا أن ندعوهم إليه، ونرشدهم وندلهم عليه، وهو فى فطرهم مركوز، وفى جبلتهم مغروز {ولكن أكثر الناس لا يشكرون}، ثم دعاهم إلى التوحيد، وذم عبادة ما سوى الله عز وجل، وصغر أمر الأوثان وحقرها وضعف أمرها، فقال: {يا صاحبى السجن أأرباب متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله} أى هو المتصرف فى خلقه، الفعال لما يريد، الذى يهدى من يشاء، ويضل من يشاء {أمر أن لا تعبدوا إلا إياه} أى وحده لا شريك له، و{ذلك الدين القيم} أى المستقيم، والصراط القويم {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أى فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره.

وكانت دعوته لهما فى هذه الحال فى غاية الكمال؛ لأن نفوسهما معظمة له منبعثة على تلقى ما يقول بالقبول، فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه، ثم لما قام بما وجب عليه وأرشد إلى ما أرشد إليه قال: {يا صاحبى السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا} قالوا: وهو الساقى {وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه} قالوا: وهو الخباز {قضى الأمر الذى فيه تستفتيان} أى وقع هذا لا محالة ووجب كونه على حالة. ولهذا جاء فى الحديث: (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت).

وقد روى عن ابن مسعود ومجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، أنهما قالا: لم نر شيئا، فقال لهما: {قضى الأمر الذى فيه تستفتيان وقال للذى ظن أنه ناج منهما اذكرنى عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث فى السجن بضع سنين} يخبر تعالى أن يوسف عليه السلام قال: للذى ظنه ناجيا منهما، وهو الساقى {اذكرنى عند ربك} يعنى اذكر أمرى وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك، وفى هذا دليل على جواز السعى فى الأسباب، ولا ينافى ذلك التوكل على رب الأرباب. وقوله: {فأنساه الشيطان ذكر ربه} أى فأنسى الناجى منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام، قاله مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد وهو الصواب، وهو منصوص أهل الكتاب: (فلبث يوسف فى السجن بضع سنين). والبضع: ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل: إلى السبع، وقيل: إلى الخمس، وقيل: ما دون العشرة، حكاها الثعلبى. ويقال: بضع نسوة وبضعة رجال. ومنع الفراء استعمال البضع فيما دون العشر، قال: وإنما يقال نيف.

وقال الله تعالى: {فلبث فى السجن بضع سنين}، وقال تعالى: {فى بضع سنين} وهذا رد لقوله. قال الفراء ويقال: بضعة عشر وبضعة وعشرون إلى التسعين، ولا يقال: بضع ومائة وبضع وألف. وخالف الجوهرى فيما زاد على بضعة عشر فمنع أن يقال: بضعة وعشرون إلى تسعين، وفى الصحيح: (الإيمان بضع وستون)، وفى رواية: (وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).

ومن قال إن الضمير فى قوله: {فأنساه الشيطان ذكر ربه} عائد على يوسف فقد ضعف ما قاله، وإن كان قد روى عن ابن عباس وعكرمة. والحديث الذى رواه ابن جرير فى هذا الموضع ضعيف من كل وجه. تفرد بإسناده إبراهيم بن يزيد الخوزى المكى وهو متروك، ومرسل الحسن وقتادة لا يقبل ولا هاهنا بطريق الأولى والأحرى، والله أعلم.

فأما قول ابن حبان فى صحيحه: ذكر السبب الذى من أجله لبث يوسف فى السجن ما لبث: أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحى، حدثنا مسدد بن مسرهد، حدثنا خالد بن عبد الله، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رحم الله يوسف لولا الكلمة التى قالها {اذكرنى عند ربك} ما لبث فى السجن ما لبث، ورحم الله لوطا أن كان ليأوى إلى ركن شديد إذ قال لقومه: {لو أن لى بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد} قال: فما بعث الله نبيًا بعده إلا فى ثروة من قومه). فإنه حديث منكر من هذا الوجه، ومحمد بن عمرو بن علقمة له أشياء ينفرد بها وفيها نكارة، وهذه اللفظة من أنكرها وأشدها والذى فى الصحيحين يشهد بغلطها، والله أعلم. {وقال الملك إنى أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتونى فى رؤياى إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين وقال الذى نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبلة إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون} هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من السجن على وجه الاحترام والإكرام وذلك أن ملك مصر، وهو: الريان بن الوليد بن ثروان بن أراشه بن فاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، رأى هذه الرؤيا. قال أهل الكتاب: رأى كأنه على حافة نهر، وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان، فجعلن يرتعن فى روضة هناك، فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر، فرتعن معهن، ثم ملن عليهن فأكلنهن فاستيقظ مذعورا، ثم نام فرأى سبع سنبلات خضر فى قصبة واحدة، وإذا سبع أخر دقاق يابسات فأكلنهن، فاستيقظ مذعورا، فلما قصها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل {قالوا أضغاث أحلام} أى أخلاط أحلام من الليل لعلها لا تعبير لها، ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك، ولهذا قالوا: {وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} فعند ذلك تذكر الناجى منهما الذى وصاه يوسف بأن يذكره عند ربه، فنسيه إلى حينه هذا، وذلك عن تقدير الله عز وجل، وله الحكمة فى ذلك، فلما سمع رؤيا الملك، ورأى عجز الناس عن تعبيرها تذكر أمر يوسف، وما كان أوصاه به من التذكار، ولها قال تعالى: {وقال الذى نجا منهما وادكر} أى تذكر {بعد أمة} أى بعد مدة من الزمان، وهو بضع سنين، وقرأ بعضهم كما حكى عن ابن عباس وعكرمة والضحاك: (وادكر بعد أمة) أى بعد نسيان، وقرأها مجاهد: (بعد أمه) بإسكان الميم، وهو النسيان أيضا، يقال: أمه الرجل يأمه أمها، وأمها إذا نسى،

فقال لقومه وللملك: {أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون} أى فأرسلونى إلى يوسف فجاءه، فقال: {يوسف أيها الصديق أفتنا فى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون} وعند أهل الكتاب: أن الملك لما ذكره له الساقى استدعاه إلى حضرته وقص عليه ما رآه ففسره له، وهذا غلط، والصواب ما قصه الله فى كتابه القرآن لا ما عربه هؤلاء الجهلة الثيران من قراى وربان، فبذل يوسف عليه السلام ما عنده من العلم بلا تأخر ولا شرط ولا طلب الخروج سريعا، بل أجابهم إلى ما سألوا، وعبر لهم ما كان من منام الملك الدال على وقوع سبع سنين من الخصب، ويعقبها سبع جدب {ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس} يعنى يأتيهم الغيث والخصب والرفاهية {وفيه يعصرون} يعنى ما كانوا يعصرونه من الأقصاب والأعناب والزيتون والسمسم وغيرها، فعبر لهم وعلى الخير دلهم وأرشدهم إلى ما يعتمدونه فى حالتى خصبهم وجدبهم، وما يفعلونه من ادخار حبوب سنى الخصب فى السبع الأول فى سنبله، إلا ما يرصد بسبب الأكل، ومن تقليل البذر فى سنى الجدب فى السبع الثانية إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل، وهذا يدل على كمال العلم وكمال الرأى والفهم.


يتبع