المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 3-قصة سيدنا يوسف عليه السلام


أفاق : الاداره
12-01-2003, 06:49 AM
3-قصة سيدنا يوسف عليه السلام


ثم قيل: اشتراه العزيز بعشرين دينارًا، وقيل: بوزنه مسكا، ووزنه حريرا، ووزنه ورقا، فالله أعلم، وقوله: {وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض} أى وكما قيضنا هذا العزيز وامرأته يحسنان إليه ويعتنيان به مكنا له فى أرض مصر {ولنعلمه من تأويل الأحاديث} أى فهمها وتعبير الرؤيا من ذلك {والله غالب على أمره} أى إذا أراد شيئا فإنه يقيض له أسبابًا وأمورا لا يهتدى إليها العباد، ولهذا قال تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين} فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد، وهو حد الأربعين الذى يوحى الله فيه إلى عباده النبيين، عليهم الصلاة والسلام من رب العالمين.

وقد اختلفوا فى مدة العمر الذى هو بلوغ الأشد: فقال مالك وربيعة وزيد بن أسلم والشعبى: هو الحلم، وقال سعيد بن جبير: ثمانى عشرة سنة، وقال الضحاك: عشرون سنة، وقال عكرمة: خمس وعشرون سنة، وقال السدى: ثلاثون سنة، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: ثلاث وثلاثون سنة، وقال الحسن: أربعون سنة، ويشهد له قوله تعالى: {حتى إذا بلغ أشده} وبلغ أربعين سنة {وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربى أحسن مثواى إنه لا يفلح الظالمون ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبك إنك كنت من الخاطئين} يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه، وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه، وهى فى غاية الجمال والمال والمنصب والشباب، وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه وتهيأت له وتصنعت، ولبست أحسن ثيابها وأفخر لباسها، وهى مع هذا كله امرأة الوزير، قال ابن إسحاق: وبنت أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر، وهذا كله مع أن يوسف عليه السلام شاب بديع الجمال والبهاء، إلا أنه نبى من سلالة الأنبياء فعصمه ربه عن الفحشاء، وحماه من مكر النساء، فهو سيد السادة النجباء، السبعة الأتقياء، المذكورين فى الصحيحين عن خاتم الأنبياء فى قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء: (سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وشاب نشأ فى عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إنى أخاف الله).

والمقصود: أنها دعته إليها وحرصت على ذلك أشد الحرص فقال: {معاذ الله إنه ربى} يعنى زوجها صاحب المنزل سيدى {أحسن مثواى} أى أحسن إلىّ وأكرم مقامى عنده {إنه لا يفلح الظالمون} وقد تكلمنا على قوله: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} بما فيه كفاية ومقنع فى التفسير.

وأكثر أقوال المفسرين هاهنا متلقى من كتب أهل الكتاب فالإعراض عنه أولى بنا، والذى يجب أن يعتقد: أن الله تعالى عصمه وبرأه ونزهه عن الفاحشة وحماه عنها وصانه منها، ولهذا قال تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين واستبقا الباب} أى هرب منها طالبا إلى الباب ليخرج منه فرارًا منها، فاتبعته فى أثره {وألفيا} أى وجدا {سيدها} أى زوجها، لدى الباب فبدرته بالكلام وحرضته عليه {قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم} اتهمته وهى المتهمة، وبرأت عرضها ونزهت ساحتها، فلهذا قال يوسف عليه السلام: {هى راودتنى عن نفسى} احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة {وشهد شاهد من أهلها} قيل: كان صغيرا فى المهد، قاله ابن عباس.

وروى عن أبى هريرة وهلال بن يساف والحسن البصرى وسعيد بن جبير والضحاك واختاره ابن جرير، وروى فيه حديثا مرفوعًا عن ابن عباس، ووقفه غيره عنه، وقيل: كان رجلاً قريبًا إلى أطفير بعلها، وقيل: قريبًا إليها، وممن قال إنه كان رجلا: ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة والسدى ومحمد بن إسحاق وزيد بن أسلم، فقال: {إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين} أى لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه {وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين} أى لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته وتعلقت فيه، فانشق قميصه لذلك وكذلك كان، ولهذا قال تعالى: {فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم} أى هذا الذى جرى من مكركن، أنت راودته عن نفسه، ثم اتهمته بالباطل ثم ضرب بعلها، عن هذا صفحا فقال: {يوسف أعرض عن هذا} أى لا تذكره لأحد لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن، وأمرها بالاستغفار لذنبها الذى صدر منها والتوبة إلى ربها، فإن العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه، وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلا أنهم يعلمون أن الذى يغفر الذنوب ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له فى ذلك، ولهذا قال لها بعلها وعذرها من بعض الوجوه، لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله، إلا أنه عفيف نزيه برىء العرض سليم الناحية، فقال: {استغفرى لذنبك إنك كنت من الخاطئين وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبًا أنا لنراها فى ضلال مبين فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهم سكينا وقالت أخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن إيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم قالت فذلكن الذى لمتننى فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين قال رب السجن أحب إلىّ مما يدعوننى إليه وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم}.

يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة من نساء الأمراء وبنات الكبراء، فى الطعن على امرأة العزيز وعيبها والتشنيع عليها فى مراودتها فتاها، وحبها الشديد له تعنين: وهو لا يساوى هذا، لأنه مولى من الموالى، وليس مثله أهلا لهذا، ولهذا قلن: {إنا لنراها فى ضلال مبين} أى فى وضعها الشىء فى غير محله {فلما سمعت بمكرهن} أى بتشنيعهن عليها والتنقص لها والإشارة إليها بالعيب والمذمة بحب مولاها وعشق فتاها، فأظهرن ذمًا وهى معذورة فى نفس الأمر، فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن وتبين أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا من قبيل ما لديهن، فأرسلت إليهن فجمعتهن فى منزلها واعتدت لهن ضيافة مثلهن، وأحضرت فى جملة ذلك شيئا مما يقطع بالسكاكين كالأترج ونحوه، وأتت كل واحدة منهن سكينا، وكانت قد هيأت يوسف عليه السلام، وألبسته أحسن الثياب، وهو فى غاية طراوة الشباب، وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة {فلما رأينه أكبرنه} أى أعظمنه وأجللنه وهبنه وما ظنن أن يكون مثل هذا فى بنى آدم، وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن، وجعلن يحززن فى إيديهن بتلك السكاكين، ولا يشعرن بالجراح {وقلن حاش لله ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم} وقد جاء فى حديث الإسراء: (فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطى شطر الحسن).

قال السهيلى وغيره من الأئمة معناه: أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام، لأن الله تعالى خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، فكان فى غاية نهايات الحسن البشرى، ولهذا يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم وحسنه، ويوسف كان على النصف من حسن آدم، ولم يكن بينهما أحسن منهما كما أنه لم تكن أنثى بعد حواء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلام.

قال ابن مسعود: وكان وجه يوسف مثل البرق وكان إذا أتته امرأة لحاجة غطى وجهه. وقال غيره: كان فى الغالب مبرقعًا لئلا يراه الناس، ولهذا لما قام عذر امرأة العزيز فى محبتها لهذا المعنى المذكور، وجرى لهن وعليهن ما جرى من تقطيع أيديهن بجراح السكاكين، وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته {قالت فذلكن الذى لمتننى فيه} ثم مدحته بالعصمة التامة، فقالت: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم} أى امتنع {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين} وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته فأبى أشد الإباء ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعا فقال فى دعائه لرب العالمين: {رب السجن أحب إلى مما يدعوننى إليه وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} يعنى إن وكلتنى إلى نفسى فليس لى من نفسى إلا العجز والضعف، ولا أملك لنفسى نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله، فأنا ضعيف إلا ما قويتنى وعصمتنى وحفظتنى وحطتنى بحولك وقوتك.


يتبع