المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 2-قصة سيدنا يوسف عليه السلام


أفاق : الاداره
12-01-2003, 06:47 AM
2-قصة سيدنا يوسف عليه السلام


ينبه تعالى على ما فى هذه القصة من الآيات والحكم والدلالات والمواعظ والبينات، ثم ذكر حسد إخوة يوسف له على محبة أبيه له ولأخيه، (يعنون شقيقه لأبيه وأمه بنيامين)، أكثر منهم، وهم عصبة أى جماعة، يقولون: فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين {إن أبانا لفى ضلال مبين} أى بتقديمه حبهما علينا، ثم اشتوروا فيما بينهم فى قتل يوسف أو إبعاده إلى أرض لا يرجع منها، ليخلو لهم وجه أبيهم، أى لتتمحض محبته لهم وتتوفر عليهم وأضمروا التوبة بعد ذلك، فلما تمالئوا على ذلك وتوافقوا عليه {قال قائل منهم} قال مجاهد: هو شمعون، وقال السدى: هو يهوذا، وقال قتادة ومحمد بن إسحاق: هو أكبرهم روبيل {لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة} أى المارة من المسافرين {إن كنتم فاعيلن} ما تقولون لا محالة، فليكن هذا الذى أقول لكم، فهو أقرب حالا من قتله أو نفيه وتغريبه، فاجمعوا رأيهم على هذا، فعند ذلك {قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون قال إنى ليحزننى أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذًا لخاسرون} طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، وأظهروا له أنهم يريدون أن يرعى معهم، وأن يلعب وينبسط، وقد أضمروا له ما الله به عليم، فأجابهم الشيخ عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم: يا بنى يشق على أن أفارقه ساعة من النهار، ومع هذا أخشى أن تشتغلوا فى لعبكم وما أنتم فيه، فيأتى الذئب فيأكله، ولا يقدر على دفعه عنه لصغره، وغفلتكم عنه {قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذًا لخاسرون} أى لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا ونحن جماعة {إنا إذًا لخاسرون} أى عاجزون هالكون.

وعند أهل الكتاب: أنه أرسله وراءهم يتبعهم فضل عن الطريق حتى أرشده رجل إليهم، وهذا أيضًا من غلطهم وخطئهم فى التعريب، فإن يعقوب عليه السلام كان أحرص عليه من أن يبعثه معهم فكيف يبعثه وحده {فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه لننبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وجاءوا أباهم عشاءً يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بؤمن لنا ولو كنا صادقين وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم فما كان إلا أن غابوا عن عينيه فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال، وأجمعوا على إلقائه فى غيابت الجب - أى فى قعره - على راعوفته، وهى: الصخرة التى تكون فى وسطه يقف عليها المائح، وهو: الذى ينزل ليملى الدلاء إذا قل الماء، والذى يرفعها بالحبل يسمى الماتح، فلما ألقوه فيه أوحى الله إليه أنه لابد لك من فرج ومخرج من هذه الشدة التى أنت فيها ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا فى حال أنت فيها عزيز وهم محتاجون إليك خائفون منك وهم لا يشعرون.

قال مجاهد وقتادة: {وهم لا يشعرون} بإيحاء الله إليه ذلك. وعن ابن عباس: {وهم لا يشعرون} أى لتخبرنهم بأمرهم هذا فى حال لا يعرفونك فيها، رواه ابن جرير عنه. فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه أخذوا قميصه فلطخوه بشىء من دم، ورجعوا إلى أبيهم عشاء وهم يبكون، أى على أخيهم. ولهذا قال بعض السلف: لا يغرنك بكاء المتظلم، فرب ظالم وهو باك، وذكر بكاء إخوة يوسف وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون، أى فى ظلمة الليل ليكون أمشى لغدرهم لا لعذرهم {قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا} أى ثيابنا {فأكله الذئب} أى فى غيبتنا عنه فى استباقنا، وقولهم: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} أى وما أنت بمصدق لنا فى الذى أخبرناك من أكل الذئب له، ولو كنا غير متهمين عندك، فكيف وأنت تتهمنا فى هذا؟ فإنك خشيت أن يأكله الذئب وضمنا لك أن لا يأكله لكثرتنا حوله، فصرنا غير مصدقين عندك، فمعذور أنت فى عدم تصديقك لنا، والحالة هذه {وجاءوا على قميصه بدم كذب} أى مكذوب مفتعل، لأنهم عمدوا إلى سخلة ذبحوها فأخذوا من دمها، فوضعوه على قميصه ليوهموا أنه أكله الذئب، قالوا: ونسوا أن يخرقوه، وآفة الكذب النسيان، ولما ظهرت عليهم علائم الريبة لم يرج صنيعهم على أبيهم، فإنه كان يفهم عداوتهم له، وحسدهم إياه على محبته له من بينهم أكثر منهم لما كان يتوسم فيه من الجلالة والمهابة التى كانت عليه فى صغره، لما يريد الله أن يخصه به من نبوته، ولما راودوه عن أخذه، فبمجرد ما أخذوه أعدموه وغيبوه عن عينيه، جاءوا وهم يتباكون، وعلى ما تمالئوا عليه يتواطؤن، ولهذا {قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}.

وعند أهل الكتاب: أن روبيل أشار بوضعه فى الجب ليأخذه من حيث لا يشعرون ويرده إلى أبيه، فغافلوه وباعوه لتلك القافلة فلما جاء روبيل من آخر النار ليخرج يوسف لم يجده فصاح وشق ثيابه، وعمد أولئك إلى جدى فذبحوه ولطخوا من دمه جبة يوسف، فلما علم يعقوب شق ثيابه ولبس مئزرًا أسود، وحزن على ابنه أياما كثيرة، وهذه الركاكة جاءت من خطئهم فى التعبير والتصوير {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين وقال الذى اشتراه من مصر لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف فى الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولما بلغ أشده آتيناه حكمًا وعلما وكذلك نجزى المحسنين} يخبر تعالى عن قصة يوسف حين وضع فى الجب أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفه به، فجاءت سيارة، أى مسافرون.

قال أهل الكتاب: كانت بضاعتهم من الفستق والصنوبر والبطم، قاصدين ديار مصر من الشام، فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر، فلما أدلى أحدهم دلوه تعلق فيه يوسف، فلما رآه ذلك الرجل {قال يا بشرى} أى يا بشارتى {هذا غلام وأسروه بضاعة} أى أوهموا أنه معهم غلام من جملة متجرهم {والله عليم بما يعملون} أى هو عالم بما تمالأ عليه إخوته، وبما يسره واجدوه من أنه بضاعة لهم، ومع هذا لا يغيره تعالى لما له فى ذلك من الحكمة العظيمة، والقدر السابق والرحمة بأهل مصر بما يجرى الله على يدى هذا الغلام الذى يدخلها فى صورة أسير رقيق، ثم بعد هذا يملكه أزمة الأمور وينفعهم الله به فى دنياهم وأخراهم بما لا يحد ولا يوصف، ولما استشعر إخوة يوسف بأخذ السيارة له لحقوهم وقالوا: هذا غلامنا أبق منا، فاشتروه منهم بثمن بخس، أى قليل نزر، وقيل: هو الزيف {دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين}. قال ابن مسعود وابن عباس ونوف البكالى والسدى وقتادة وعطية العوفى: باعوه بعشرين درهمًا اقتسموها درهمين درهمين. وقال مجاهد: اثنان وعشرون درهما. وقال عكرمة ومحمد ابن إسحاق: أربعون درهما، فالله أعلم. {وقال الذى اشتراه من مصر لامرأته أكرمى مثواه} أى أحسنى إليه {عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا} وهذا من لطف الله به ورحمته وإحسانه إليه بما يريد أن يؤهله له ويعطيه من خيرى الدنيا والآخرة، قالوا: وكان الذى اشتراه من أهل مصر عزيزها، وهو الوزير بها الذى الخزائن مسلمة إليه، قال ابن إسحاق: واسمه أطفير بن روحيب، قال: وكان ملك مصر يومئذ الريان بن الوليد رجل من العماليق، قال: واسم امرأة العزيز راعيل بنت رعاييل. وقال غيره: كان اسمها زليخا، والظاهر: أنه لقبها، وقيل: فكا بنت ينوس. رواه الثعلبى عن أبى هشام الرفاعى. وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن السائب، عن أبى صالح، عن ابن عباس: كان اسم الذى باعه بمصر، يعنى الذى جلبه إليها، مالك بن ذعر بن نويب بن عفقا بن مديان بن إبراهيم، فالله أعلم.

وقال ابن إسحاق عن أبى عبيدة، عن ابن مسعود، قال: أفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته: {أكرمى مثواه}، والمرأة التى قالت لأبيها عن موسى: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين} وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب، رضى الله عنهما.

\يتبع