المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 1-يقصة يوسف عليه السلام


أفاق : الاداره
12-01-2003, 06:44 AM
قصة يوسف عليه السلام


فمن ذلك قصة يوسف بن راحيل وقد أنزل الله عز وجل فى شأنه وما كان من أمره سورة من القرآن العظيم ليتدبر ما فيها من الحكم والمواعظ والآداب والأمر الحكيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {آلر تلك آيات الكتاب المبين إنا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} قد تكلمنا على الحروف المقطعة فى أول تفسير سورة البقرة، فمن أراد تحقيقه فلينظر، ثم وتكلمنا على هذه لسورة مستقصى فى موضعها من التفسير ونحن نذكر هاهنا نبذًا مما هناك على وجه الإيجاز والنجاز.

وجملة القول فى هذا المقام: أنه تعالى يمدح كتابه العظيم الذى أنزله على عبده ورسوله الكريم، بلسان عرب فصيح بين واضح جلى يفهمه كل عاقل ذكى زكى، فهو أشرف كتاب نزل من السماء، أنزله أشرف الملائكة على أشرف الخلق فى أشرف زمان ومكان، بأفصح لغة وأظهر بيان، فإن كان السياق فى الأخبار الماضية، أو الآتية ذكر أحسنها وأبينها، وأظهر الحق مما اختلف الناس فيه، ودمغ الباطل وزيفه ورده، وإن كان فى الأوامر والنواهى فأعدل الشرائع، وأوضح المناهج، وأبين حُكما، وأعدل حَكما، فهو كما قال تعالى: {وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا} يعنى صدقا فى الأخبار عدلا فى الأوامر والنواهى، ولهذا قال تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} أى بالنسبة إلى ما أوحى إليك فيه، كما قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم صراط الله الذى له ما فى السماوات وما فى الأرض ألا إلى الله تصير الأمور}، وقال تعالى: {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرًا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا}، يعنى من أعرض عن هذا القرآن واتبع غيره من الكتب، فإنه يناله هذا الوعيد. كما قال فى الحديث المروى فى المسند والترمذى عن أمير المؤمنين على مرفوعًا وموقوفًا: (من ابتغى الهدى فى غيره أضله الله).

وقال الإمام أحمد: حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا هشام، أنبأنا خالد، عن الشعبى، عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبى صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبى صلى الله عليه وسلم قال: فغضب، وقال: (أتتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذى نفسى بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شىء فيخبرونكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه، والذى نفسى بيده لو أن موسى كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعنى). إسناد صحيح. ورواه أحمد من وجه آخر عن عمر، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذى نفسى بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه، وتركتمونى لضللتم إنكم حظى من الأمم وأنا حظكم من النبيين). وقد أوردت طرق هذا الحديث وألفاظه فى أول سورة يوسف وفى بعضها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال فى خطبته: (أيها الناس، إنى قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه، واختصر لى اختصارا، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تتهوكوا، ولا يغرنكم المتهوكون). ثم أمر بتلك الصحيفة فمحيت حرفًا حرفًا. {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين قال يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا إن الشيطان للإنسان عدوٌ مبين وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم}.

قد قدمنا أن يعقوب كان له من البنين اثنا عشر ولدًا ذكرًا وسميناهم، وإليهم تنسب أسباط بنى إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم: يوسف عليه السلام، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبى غيره، وباقى إخوته لم يوح إليهم، وظاهر ما ذكر من فعالهم ومقالهم فى هذه القصة يدل على هذا القول، ومن استدل على نبوتهم بقوله: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} وزعم أن هؤلاء هم الأسباط، فليس استدلاله بقوى ، لأن المراد بالأسباط شعوب بنى إسرائيل، وما كان يوجد فيهم من الأنبياء الذين ينزل عليهم الوحى من السماء، والله أعلم.

ومما يؤيد أن يوسف عليه السلام هو المختص من بين إخوته بالرسالة والنبوة: أنه نص على واحد من إخوته سواه، فدل على ما ذكرناه ويستأنس لهذا بما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الرحمن، عن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم). انفرد به البخارى فرواه عن عبد الله بن محمد وعبدة، عن عبد الصمد بن عبد الوارث به. وقد ذكرنا طرقه فى قصة إبراهيم بما أغنى عن إعادته هاهنا. ولله الحمد والمنة.

قال المفسرون وغيرهم: رأى يوسف عليه السلام وهو صغير قبل أن يحتلم كأن: {أحد عشر كوكبا} وهم إشارة إلى بقية أخوته {والشمس والقمر} هما عبارة عن أبويه قد سجدوا له فهاله ذلك، فلما استيقظ قصها على أبيه، فعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية ورفعة عظيمة فى الدنيا والآخرة بحيث يخضع له أبواه وإخوته فيها، فأمره بكتمانها وأن لا يقصها على إخوته كيلا يحسدوه ويبغوا له الغوائل ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر، وهذا يدل على ما ذكرناه، ولهذا جاء فى بعض الآثار: (استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها، فإن كل ذى نعمة محسود). وعند أهل الكتاب: أنه قصها على أبيه وإخوته معا وهو غلط منهم. {وكذلك يجتبيك ربك} أى وكما أراك هذه الرؤيا العظيمة فإذا كتمتها {يجتبيك ربك} أى يخصك بأنواع اللطف والرحمة {ويعلمك من تأويل الأحاديث} أى يفهمك من معانى الكلام وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك {ويتم نعمته عليك} أى بالوحى إليك {وعلى آل يعقوب} أى بسببك، ويحصل لهم بك خير الدنيا والآخرة {كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق} أى ينعم عليك ويحسن إليك بالنبوة، كما أعطاها أباك يعقوب وجدك إسحاق ووالد جدك إبراهيم الخليل {إن ربك عليم حكيم}، كما قال تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}.

لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل: أى الناس أكرم؟ قال: (يوسف نبى الله ابن نبى الله ابن نبى الله ابن خليل الله). وقد روى ابن جرير وابن أبى حاتم فى تفسيريهما وأبو يعلى والبزار فى مسنديهما من حديث الحكم بن ظهير، وقد ضعفه الأئمة عن السدى، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر، قال: أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود يقال له: بستانة اليهودى، فقال: يا محمد، أخبرنى عن الكواكب التى رآها يوسف أنها ساجدة له ما أسماؤها؟ قال: فسكت النبى صلى الله عليه وسلم فلم يجبه بشىء، ونزل جبريل عليه السلام بأسمائها، قال: فبعث إليه رسول الله، فقال: (هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ قال: نعم، فقال: (هى جريان، والطارق، والديال، وذو الكتفان، وقابس، ووثاب، وعمردان، والفيلق، والمصبح، والضروح، وذو الفرع، والضياء، والنور)، فقال اليهودى: أى والله، إنها لأسماؤها. وعند أبى يعلى فلما قصها على أبيه قال: هذا أمر مشتت يجمعه الله والشمس أبوه، والقمر أمه. {لقد كان فى يوسف وإخوته آيات للسائلين إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفى ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين}.
يتبع