المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قال الحسن ابن رشيق القيرواني


أفاق الفكر
10-10-2004, 10:33 AM
قال الحسن ابن رشيق القيرواني:

ممّا يزهّدني في أرض أندلسٍ *** تلقيب معتضدٍ فيها و معتمد

ألقاب مملكةٍ في غير موضعها *** كالهرّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد

تعليق مع رأيي الشخصي المجرد: كما يلاحظ من الأبيات فقد هاجم الشاعر, الأمير الأندلسي عبّاد بن محمد بن عبّاد, الذي لقب نفسه بالمعتضد تقليداً لخليفة المسلمين في عصره الخليفة العباسي المعتضد رحمه الله. و سمى نفسه بأمير المؤمنين مثل الملا محمد عمر , ولقب ابنه محمد بن عبّاد بالمعتمد وكانت لبني عبّاد أنذاك مملكة إشبيلية ثم انضاف إليها غيرها حتى حاقت بهم حواصب العذاب بما كانوا يفعلون و سلط الله على ملكهم و أدال دولتهم مثل ماحصل لطالبان. و نحن نقول رحمك الله يابن رشيق القيرواني, فقد وصفت الوضع بدقة من خلال هذه الأبيات الساخرة.

و البيت السابق اقتبسته من كتاب"نفح الطيب" للمقري التلمساني, و في صفحة أخرى من هذا الكتاب و رد التالي: وعلى الجملة فكانت دولة بني عباد بالأندلس من أبهج الدول في الكرم والفضل والأدب، حتى قال ابن اللبانة رحمه الله تعالى: إن الدولة العَبَّادية بالأندلس أشْبَهُ شيء بالدولة العباسية ببغداد، سعة مكارم، وجمع فضائل، ولذلك ألف فيها كتاباً مستقلاً سماه «الاعتماد، في أخبار بني عباد» ولا يلتفت لكلب عَقُور نبح بقوله: (البسيط)

مِمَّا يُزَهِّدُنِي فِي أَرْضِ أَنْدَلِسٍ أَسْمَاءُ مُعْتَضِدٍ فِيهَا وَمُعْتَمِدِ

أَلْقَابُ مَمْلَكَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَاكَالهِرِّ يَحْكِي انْتِفَاخاً صُوْرَةَ الأَسَدِ

لأن هذه مقالة متعسف كافر للنعم، ومثل ذلك في حقهم لا يقدح، وما زالت الأشراف تُهْجَى وتمدح. انتهى تعليق ابن اللبانة, فهل حقاً القيرواني كلب عقور.

وقد نسب ابن خلدون في مقدمته تلك الأبيات الى ابن شرف القيرواني و كان معاصراً و نداً لابن رشيق و قد أخطأ ابن خلدون في هذا, فهو لايحقق جيداً بعض الأمور و لم تكن البيئة أنذاك تساعده. و قد ورد في الوافي بالوفيات للصفدي في ترجمة ابن شرف التالي:مـحمد بن أبـي سعيد بن أحمد بن شرف. القـيروانـي أبو عبد الله الـجُذامي أحد فحول شعراء الغرب كان أعور، وله تصانـيف منها «أبكار الأفكار» وهو كتاب حسن فـي الأدب يشتمل علـى نظم ونثر من كلامه، قـيل إن «شرف» اسم أم أحمد فعلـى هذا لا ينصرف وقـيل اسم أبـيه فـينصرف، وروى ابن شرف أبـي الـحسن القابسي، وتوفـي سنة ستـين وأربعمائة أو فـيما قبلها، وكانت بـينه وبـين ابن رشيق مهاجاة وعداوة جرى الزمان بعادتها بـين الـمتعاصرين، ولابن رشيق فـيه عدّة رسائل يهجوه فـيها ويذكر أغلاطه وقبائحه منها «رسالة ساجور الكلب» و«رسالة قطع الأنفاس» و«رسالة نـجح الطلب» و«رسالة رفع الأشكال ودفع الـمـحال» و«كتاب نسخ الـمُلَـح وفسخ اللُـمَـح»، وأنشد فـي بعضها ....بعض الأبيات الهجائية و سأذكرها لاحقاً في الموضع المناسب.

وفي نفس الكتاب في ترجمة ابن رشيق ورد مايلي: وكانت بينه وبين ابن شرف القيرواني وقائع وماجريات وهما أديبا بلاد المغرب وشاعراها. وكان ابن شرف أعور؛ قيل: مر يوماً وبيده كتاب فقال له ابن رشيق: ما في كتابك؟ قال: الدريدية، يعرّض بقول ابن دريد فيها: والعبد لا يردعه إلا العصا يشير إلى أنه مولى، فقال له ابن رشيق:

أمّا أبي فرشيقٌ لستُ أنكره *** قل لي أبوك وصوّره من الخشب.

حيث يلاحظ أن ابن شرف عير ابن رشيق بأبيه لأنه أحد الموالي الروم فانتصف ابن رشيق عندما عير ابن شرف بأمه و أنه يحمل اسمها شرف و طلب منه أن يذكر أباه, حيث أنشد من الـمتقارب:

بنو شَرَفٍ شرفٌ أمُّكم ولـيست أباكم فلا تكذبِ

ولكنّها التقطَتْ شيخكم فأثبِتَ فـي ذلك الـمنصبِ

أبـينوا لنا أمّكم أوّلاً ونـحن نُسامـحكم بالأبِ

و يبدو من نغمة الأبيات الأخيرة أنها لاتصد و لاترد, في الثمانيات سيدة .

و من أبيات ابن رشيق الأخرى:

خُذِ العلومَ و لا تحفل بناقلِها *** و اطلُب بذلك وجهَ الخالقِ الباري

أهل الروايات كالأشجار نابعةً *** كُلِِ الثِّمَارَ وَ خَلّ العُودَ للنارِ

أبيات جيدة و لاشك إذا ما ستثنيا نقلة علوم الدين المختلفة, و لاشك أيضاً أن المتنبي يحار للإتيان بمثلها و بدري عليه يجيب مثلها, و لابن رشيق, هذا الشاعر الأزدي الأفريقي, مصنفات منها: الأنموذج في شعراء إفريقية و العمدة في صناعة الشعر و قراضة الذهب، في نقد أشعار العرب و الشذور:في اللغة يذكر فيه كل كلمة شاذة في بابها و أيضاً كتاب ميزان العمل ـ في التاريخ اقتصر فيه على عدد الأيام من دول الملوك, و له أيضاً شرح الموطأ للإمام مالك بن أنس الحميري و مصنفات أخرى متنوعة و أنا شخصياً أحب متنوعي العلوم. بقي أن نذكر أن هذا الشاعر المصنف قد توفي عام 456 هجرية. و هناك شخص سبقه بقرن من علماء الحديث اسمه الحَسنُ بن رَشيق و قد روى عن النسائي و يلقب بالحافظ العسكري المصري و هو محدث الديار المصرية في عهده وقد توفي في سنة 370 هجرية, لذا جرى التنبيه.

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت *** ولا تلين إذا كانت من الخشب

أَبي أخزم الطائي

((شِنْشِنَةٌ أعْرِفُها من أخْزَمِ))

قال الشاعر

إنَّ بَنِيَّ زَمَّلوني بالدَّمِ *** مَنْ يَلْقَ آسادَ الرِّجالِ يُكْلَمِ

ومَنْ يكن دَرءٌ به يُقَوَّمِ *** شِنْشِنَةٌ أعْرِفُها من أخْزَمِ

وقد وردت بصورة أخرى ((خاص للحبيب1))

إن بنيّ ضرّجوني بالدمِ *** شنشنة أعرفها من أخزمِ

من يلق أبطال الرجال يكلم *** ومن يكن ذا أود يقوّم

و في كل الحالات فالمصادر التاريخية تذكر أن البيتين السابقين للجد الثالث للشخصية العربية الشهيرة حاتم الطائي((جد جده)) و هو: حاتم بن عَبْد الله بن سعد بن أخزم بن أَبي أخزم.

و كما هو واضح فأَبو أَخْزَم كان له ابن اسمه أخزم و كان عاقاً لأبيه, فمات أَخْزَم وترك بَنـين فوثبوا يوماً فـي مكان واحد علـى جدهم أَبـي أَخْزَمَ فأَدْمَوْه فانشد الأبيات السابقة و كأنه أراد القول مأشبهكم بأبيكم, والشِّنْشِنةُ: الطبـيعة أو السجية و كأنهم أَشبهوا أَباهم فـي طبـيعته وخُـلقِـُه.

والشطر الأخير ((شِنْشِنَةٌ أعْرِفُها من أخْزَمِ)) اشتهر استخدامه بعد ذلك, واجتلب معناه الكثيرون لما يجيئ في موضعه وتحين مناسبته وهو لايحمل لا معنى سلبياً أو إيجابياً, بل ملابسات الظروف التي تقال فيها هي مايحدد هذا الأمر. الأمثلة التالية للتوضيح,

((1)) عندما قالها عمر بن الخطاب لابن عباس ((رضي الله عنهم))

يقول ابن عباس((كانَ عُمَرُ رضي الله عنه إذَا صَلَّـى صلاةً جَلَسَ، فمن كانتْ له حاجةٌ كَلَّـمَهُ، ومن لـم تَكُنْ له دَخَـلَ، فَصَلَّـى ذاتَ يومٍ فلـم يَجْلِسْ، قالَ: فجئتُ فقلتُ: يا يَرْفَأُ، بأَمِيرِ الـمؤمنـينَ شكوى، قالَ: لا، والـحمدُ للَّهِ، قالَ: فجاءَ عثمانُ رضي الله عنه فَجَلَسَ فلـم يَلْبَثْ أَنْ جاءَ يَرْفَأُ فقالَ: قم يا ابنَ عفانَ قُمْ يا ابنَ عَبَّاسٍ، فَدَخَـلْنَا علـى عُمَرَ رضي الله عنه وعندَهُ صُبْرَةٌ مِنَ الـمالِ، علـى كُلِّ صُبْرَةٍ مِنْهَا كَتِفٌ، فقالَ: إنِّـي نظرتُ فـي أهل الـمدينةِ، فَوَجَدْتُكُمَا أكثرَ أهلِ الـمدينةِ عشيرةً، فَخُذَا هَذَا الـمالَ فاقتسماهُ، فإن بقـيَ شىءٌ فرُدَّاهُ، فأَمَّا عثمانُ رضي الله عنه فَحَثَا، وأَمَّا أَنَا فقلتُ: وإنْ نَقَصَ شىءٌ أَتْـمَـمْتَهُ لَنَا، قالَ: شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمٍ، أَمَا تَرَى هَذَا كانَ عندَ الله ومـحمدٍ، وأصحابُهُ يأكلونَ القَدَّ، قالَ: قلتُ: بلـى والله، لقدْ كانَ هَذَا عندَ الله ومـحمدٍ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ وأصحابُهُ يأكلونَ القدَّ، ولو فُتِـحَ هذا علـى مـحمدٍ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ صَنَعَ غيرَ الَّذِي تَصْنَعُ، قالَ: فَكَأَنَّهُ فَزِعَ منهُ، فقالَ: وما كانَ يصنعُ، قلتُ: لأَكَلَ وأَطْعَمَنَا، قال: فَنَشَجَ حتَّـى اخْتَلَفَتْ أضْلاَعُهُ، وقالَ: لَوَدِدْتُ أَنِّـي خرجتُ مِنْهَا كَفَافاً، لا عَلَـيَّ وَلاَ لِـي)) سنن البيهقي

أَراد عمر إِنـي أَعرف فـيك مَشَابِهَ من أَبـيك فـي رأْيه وعَقْله وحَزْمه وذَكائه. ويقال: إِنه لـم يكن لِقُرَشِيّ مثلُ رأْي العباس رضي الله عنه.

((2))وقالها يزيد بن معاوية رحمه الله لأبناء الحسين رضي الله عنهم

بعد أن أرسل ابن زياد, النساء و الصبيان بعد مقتل الحسين رضي الله عنه, الى يزيد بن معاوية في الشام, رق لهم يزيد, و عطف عليهم بعد مارأى من أثار وعثاء السفر عليهم, ثم أنزل النساء عند حريمه في دار الخلافة وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا ومعه علي بن الحسين ((زين العابدين)) وأخوه عمر بن الحسين، فقال يزيد يوماً لعمر بن الحسين ــــ وكان صغيراً جداً ــــ أتقاتل هذا؟ ــــ يعني ابنه خالد بن يزيد ــــ يريد بذلك ممازحته وملاعبته، فقال: اعطني سكيناً واعطه سكيناً حتى نتقاتل، فأخذه يزيد فضمّه إليه وقال: شِنْشِنةٌ أعرفها من أخزم.

((3)) وأيضاً تمثل بها عَقيل بن عُلَّفَة المري الذبياني الغطفاني

عَقيل بن عُلَّفَة المري ((النابغة الذبياني عم والده))، كان شريفاً شاعراً وشديد الغيرة, يسكن البادية، وكانت الملوك تخطب إليه فقد تزوج إليه يزيد بن عَبْد الملك بن مروان، ويَحْيَى بن الحكم أخو مروان . وخطب إليه إِبْرَاهيم بن هشام بن إِسْمَاعيل المخزومي، وهو خَالُ هشام بن عَبْد الملك فأبى أن يزوّجه، وكان غيوراً جافياً وأراد أن يضرب ابنته بالسيف غيرة عليها فمنعه أخوها منها، ورماه بسهم فانتظم فخذيه فاجتلب عقيل الأبيات السابقة حيث قال:

إن بنيّ ضرّجوني بالدمِ *** شنشنة أعرفها من أخزمِ

من يلق أبطال الرجال يكلم *** ومن يكن ذا أود يقوّم