المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جناح الفتى الطائر


أفاق : الاداره
07-13-2004, 06:16 AM
جناح الفتى الطائر


بقلم/ حسام الدين السيد
(كاتب مصري)


فرد جناح….جناحه وطار، ربما هوى.. لكنه -قط- ما غوى! رائحة البخور المدهشة تطالعك في سطور عنه، مع أنه كان أبعد ما يكون عن الطقوس التي يستحضرها البخور، لكن روحه الوثابة، وعينيه الواسعتين ذات اللمعة، ولسانه الطلق الواضح المنطق، كانت تكفي ليلتف حوله الجمع الجهير، وكان الجمع يكفي -دائما- للعجلة في غير موضع، هكذا ولدت باكستان!.
اسمه فقط كان كافيًا ليعطي هذه الكتلة أو تلك ثقلاً غير محدود، ووطنية غير مشكوك فيها، وعندما وقف "محمد على جناح" ليعلن انضمامه للرابطة الإسلامية عام 1913م كان هذا بيانًا لتحويل الرابطة من هيئة سياسية محدودة النشاط، غير قادرة على تفوق المؤتمر الهندي بزعامة غاندي وجناح - قبل انضمامه للرابطة- إلى حركة شعبية ثورية عامة قاومت الإنجليز والهندوس، وأقامت دولة اقتطعتها من الهند لتصبح دولة للمسلمين اسمها باكستان، ومؤسسها "محمد على جناح".
وعندما وقف يضع الخطوط الفاصلة مع الهندوس كان ذلك بكلمات تحمل من الرؤية أكثر ما تحمل من مجرد الشعارات… يقول: "نحن من الجنس الآري وهم درا فدا… ونحن من أهل الكتاب، وهم وثنيون يعبدون البقرة ويقدسون الحيوانات، وسنظل إلى آخر الدهر نذبح المعبود ونأكله، وسيظلون هم إلى آخر الدهر يقدسونه ويعبدونه، هم يتكلمون الهندوستانية ولا يريدون عنها بديلاً. أبطال تاريخنا أعداؤهم، لأنهم دحروهم وهزموهم، وأبطال تاريخهم أعداؤنا، لأنهم دحرونا وهزمونا، ويوم يحتفل أحد الفريقين بذكرى أبطاله يبكي الآخر حزنا وحسرة، ولا يمكن أن تزول الخلافات بيننا وبينهم، ولم نثق في وعودهم، فقد حاولنا دأبنا ومنينا أكثر من مرة، وحكومة المؤتمر دليل على صدق قولي، وفظائعها معنا شهيدة على ذلك، فلن نقبل بعد الآن أن يحكمنا الهندوس وهم كثرة ونحن قلة.
كثيرون خالفوه فيما ذهب إليه من رأي ، ورأوا -وما زالوا حتى اليوم- أنه "الفتى الطائر" الذي حلق في سماء الحلم القومي بإخلاص، وقاوم الاحتلال الإنجليزي بصدق، لكنه حط في المكان الغلط، واستعجل قيام باكستان ليضيع على المسلمين فرصة الحكم في الهند الموحدة، وهو الذي كان داعيًا للوحدة بين الطوائف المختلفة.
ورغم أنه ولد في مدينة كراتشي عام 1876م وتلقى تعليمه في بومباي إلا أنه حتى وفاته في عام 1948م ظل معتزًا بكونه رجل قانون، درسه في كلية "لنكولن إن" في إنجلترا وتخرج منها محاميًا عام 1896م، هذا التكوين القانوني مع الروح الوطنية القومية هي التي دفعته عام 1929م بعد أن أصبح زعيمًا للرابطة الإسلامية أن يصدر بيانه الذي تضمن أربع عشرة نقطة، وطالب فيه بتخصيص ثلث مقاعد المجلس التشريعي المركزي للمسلمين، ووضع تشريع دستوري يتضمن حماية دينهم ولغتهم وثقافتهم.
ولما أعلن فريق من زعماء الهند المسلمين استياءهم من سياسته التي وضعت المسلمين في موقف الأقلية المطالبة بحقوقها بعد أن كانوا جزءاً معتبراً من النسيج الوطني للشعب الهندي، فضّل "جناح" الهجرة إلى إنجلترا عام 1930م، لكنه ما لبث أن عاد إلى الهند في عام 1934م، وطالب في اجتماع الرابطة الذي عقد عام 1937م بالاستقلال التام للمسلمين ضمن اتحاد فيدرالي هندي إسلامي، ثم صعّد مطالبه فنادى بتقسيم شبه القارة الهندية في اجتمع الرابطة بلاهور عام 1940م، وبقيام دولة إسلامية مستقلة اسمها باكستان تضم كل مسلمي الهند، وبالطبع كانت فرصة للاحتلال البريطاني ليفرق الأمة الواحدة، فوافقت الحكومة البريطانية على مبدأ التقسيم في عام 1946م، وبعدها بعام واحد كان جناح يعلن في 14 أغسطس قيام دولة باكستان الإسلامية.
هاجم جناح الإنجليز عندما انقضوا على الثوار الهنود في 1919م لقتل الحركة الهندية التحررية، لكنه أيضا انتقد غاندي عندما اتبع سياسة "الساتياجراها" أي المقاومة السلبية بالمقاطعة والعصيان المدني، وكانت وجهة نظر جناح هي أن المقاطعة السلبية تضر بالشعب الفقير أكثر مما تضر بالإنجليز، والتجاء غاندي للمغزل ليس سوى رجعة إلى الماضي، والأفضل هو إنشاء المصانع كي تستطيع الهند أن تقف بقوة أمام مصنوعات بريطانيا.
ولم يتردد جناح في انتقاد صديقه ورفيق كفاحه غاندي عندما اتخذ لنفسه لقب "المهاتما" وهو لقب هندوسي واضح ينحو بحركة التحرر الهندية، التي يتقاسم قيادتها ودفعها المسلمون والهندوس نحو بعد طائفي هندوسي يغمط المسلمين حقوقهم. ورغم صراحة جناح واستقامة مواقفه يرى منتقدوه انه فشل في رؤية الآثار الخطيرة التي يترتب عليها اقتطاع باكستان من الهند لتكون دولة للمسلمين، فنتج عن ذلك تراجع الدور الاقتصادي الكبير للمسلمين في الهند بعد أن كانوا قوة لا يستهان بها في هذا المجال، كذلك تعددت المشكلات السياسية والقومية والطائفية داخل باكستان نفسها، التي انقسمت أيضا بدورها إلى باكستان ثم بنجلاديش (1971م) التي كانت باكستان الشرقية قبل ذلك، ولم يهدأ نذير الحرب بين الهند وباكستان حتى اليوم ونحن في نهاية عام 1999م، بل تفجرت مشكلة كشمير وجامو بينهما غرب جبال الهيملايا ونشأ سباق للتسليح النووي والتقليدي بين البلدين، وبالطبع قامت عدة حروب بين الهند وباكستان في أعوام 48-1949م، ثم عام 1965م، وعام 1971… ومع هذا ظل جناح وطنيًا مخلصًا، ورمزًا قوميًا هنديًا مسلمًا، ربما اجتهد فأخطأ وربما أصاب!
إقرأ في هذا الباب:
الجاحظ..أولا العقل
الشيخ حسن العطار
سيدة الثورة والعلم..!

http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/mashaheer.asp