المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوسطية مقصد من مقاصد الشريعة


OM_SULTAN
11-10-2012, 09:47 PM
الوسطية مقصد من مقاصد الشريعة

أبوظبي

إن الاتباع الأمثل للمنهج القرآني في الأحكام والتشريعات، والمنهج النبوي في الأقوال والأفعال
والإقرارات يثمر سلوكا دينيا وسطا بعيدا عن كل تفريط أو غلو.

ولا شك أن كل انحراف للسلوك الديني عن المنهج الوسط هو تعارض مع روح الشريعة ومقاصدها وتنكب عن الصراط المستقيم الذي جاء به القرآن الكريم ودعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:» وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ» [المؤمنون: 73 ، 74] فعدم إتباع الصراط المستقيم هو ميل إلى ما يخالفه ويناقضه، وانحراف عن استقامته واعتداله إلى الاعوجاج والاضطراب، الذي يؤدي إلى انعدام الاتباع الأمثل للمنهج الوسط وظهور الابتداع المخل بهذا المنهج وتعاليمه.

فالأصل في السلوك الديني الاتباع لا الابتداع، وكل مخالفة للمنهج الرباني الذي ارتضاه لعباده هو ابتداع ما أنزل الله به من سلطان. ويكون الانحراف في السلوك الديني في اتجاهين: إما في اتجاه التفريط أو في اتجاه الإفراط أو الغلو.

1-التفريط في السلوك الديني: يتجلى في مستويين، فأما الأول فيكون على مستوى الأعمال الظاهرة وينتج عن التقصير في كل عمل يقتضيه الاتباع الأمثل للمنهج الرباني، ومن ذلك كل تهاون في المحافظة على فرائض الله تعالى وحدوده، وعدم القيام بحقوقه وواجباته، وكل خرم يحصل في درجات التقوى ومراتبها، وكل عصيان سببه عدم الانقياد والامتثال للأوامر الإلهية، وعدم الابتعاد عن النواهي والمحظورات، وكل إتباع لخطوات الشيطان، قال تعالى:»يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَـــاءِ وَالْمُنْكَرِ» [النور: 21]

وأما الثاني فيكون على المستوى النفسي، وينتج عن سوء الظن بالله عز وجل، وهذا أشد وأخطر من التفريط بارتكاب المعاصي واقتراف السيئات، لأن الله تعالى لا ينظر إلى الأعمال في ظاهرها وإنما ينظر إلى القلوب وما انطوت عليه من نيات وظنون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ « (أخرجه مسلم).

وإن الظن بالله غير الحق قد يخدش حقيقة الإيمان في نفس صاحبها، لذلك وصف الله تعالى المنافقين بأنهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية في قوله:» ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران : 154]

فأساس التفريط نابع من إتباع الهوى وإيثار الشهوات وحب الملذات، والإقبال على العاجلة ونبذ الآخرة، قال تعالى: «كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ، وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ» [القيامة: 20، 21] .

2- الإفراط أو الغلو في السلوك الديني: ينتج عن سوء فهم حقيقة الدين، وسوء تقدير حدوده ومساحاته، وسوء إدراك مقاصد الشريعة من الأحكام والتشريعات.

فالغلو في الدين هو جنوح للفكر عن إبصار الرؤية الصحيحة لمعالم الدين وقواعده، وشطط للعقل عن تلمس روح الشريعة وكنهها. فكل غلو هو تجاوز لحدود الله تعالى التي رسمها للإنسان ليعيش حياة الاتزان والاعتدال بكل أبعادها.

وإن من يسلك طريق الغلو يظن باندفاعه القوي الأرعن الذي أعمى بصره وبصيرته أنه طريق للظفر بأعلى الدرجات في الدين، والفوز بأرفع المنازل في الجنة، وما هو في الحقيقة إلا إنسان جانب الصواب وانحرف عن جادة الطريق، وتنكب عن الصراط المستقيم، فحصل لديه اضطراب في الرؤية، وفساد في الرأي، وغموض في فهم الحقيقة، واختلال في السلوك والشخصية.

ولهذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ»(مسلم)

وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَيَسِّرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدَّلْجَةِ».

ومن الأمثلة على الغلو التشديد على النفس وتعذيبها أثناء أداء العبادات، لأن المغالي يظن بفهمه القاصر أن مضاعفة الأجر تكون مع زيادة المشقة والتعذيب، كمن يصوم ويجلس في الحر الشديد بغية زيادة الأجر، أو من يصلي بالناس فيطيل بهم القراءة والسجود والركوع إلى حد تنفر منه النفوس، أو من من يقوم الليل بطوله ولا ينام، أو من يترك لحيته تطول على سجيتها دون تهذيب أو ترتيب، وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي لا يتسع المجال لإيرادها هنا.

وكل هذه السلوكات هي مناقضة لمقاصد الشريعة من تشريع الأحكام ، فالشريعة الإسلامية إنما جاءت لإسعاد الإنسان ورفع الحرج عنه، وإخراجه من الظلمات إلى النور، ولم تأت أبدا لإذاقة هذا الإنسان أصناف العذاب والألم، أو لتكلفه بما لا يطيق، وقد رسم القرآن الكريم والسنة النبوية المنهج القصد الذي يحقق التوازن في حياة الإنسان، ويوزع سلوكه توزيعا عادلا بحسب الحقوق والواجبات.


اقرأ المزيد : المقال كامل - الوسطية مقصد من مقاصد الشريعة - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/details.php?id=52125&y=2010&article=full#ixzz2BqK4zED4