المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيرة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله


أفاق : الاداره
08-07-2012, 03:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيرة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله

http://www.ae-id.com/vb/uploaded/4034_11307267404.png

http://www.alamuae.com/uaealbum/data/media/151/rasheed-25.jpg

طفولته وشبابه

ولد المغفور له (باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم عام 1912م، ونشأ في كنف الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم الذي اشتهر بالورع والتقوى وسمو الأخلاق وحبه الكبير لمواطنيه، فصاحب السمو المغفور له الشيخ سعيد آل مكتوم لا يختلف اثنان على انه حاكم محبوب من شعبه بما اتسم به سموه، رحمه الله من حكمة وسعة صدر وخلق عظيم ورجاحة عقل وقدرة على مواجهة مثل تلك الظروف القاسية بصبر وإيمان عميق يكمن في نفس مؤمنة بأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق العظيم. وترعرع الشيخ راشد رحمه الله وطيب ثراه في كنف شيخة فاضلة. والدته المرحومة الشيخة حصة بنت المر التي كانت لها مكانة خاصة في نفوس المواطنين. وهي كما يقول أهل دبي: 'إن حصة بنت المر كانت أماً ليست لراشد فحسب، بل أماً لدبي أجمعها'. وفي جو يسوده التقدير والاحترام المتبادل بين الحاكم والرعية نشأ راشد. وفي مناخ ديمقراطي فريد يقف فيه المواطن حراً طليقاً بفكره ولسانه ومنطقه أمام حاكم البلاد، معبراً عما يجول في نفسه دونما خوف أبداً. كان راشد رحمة الله عليه يراقب عن كثب أسلوب والده، المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، رحمه الله، فاقتبس ما شاء له ان يقتبس من صور تمثل الديمقراطية كما عرفها مجتمعنا دونما زيف أو تلوين، تلك الديمقراطية التي كانت تنبع من منبع عربي إسلامي بدوي أصيل. ومما لاشك فيه أن الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم رحمه الله، والشيخة حصة بنت المر رحمة الله عليها، كانا المؤثرين في حياة راشد. فهما اللذان أحاطاه بالرعاية والعناية الأبوية. تلقى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم دراسته الأولى في الكتاتيب في ذلك العصر الذي كانت تفتقر فيه المنطقة الى وجود المدارس النموذجية. وتعلم سموه ما شاء له أن يتعلم من علوم الفقه واللغة العربية التي كانت توفرها تلك المدارس في ذلك الحين.

ومع بداية الدراسة النظامية بمدرسة 'الأحمدية' التي أسست في أوائل هذا القرن ببر ديرة كان الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم من أوائل الطلبة المنتظمين في فصولها، حيث نهل العلم من خيرة المعلمين الذين كانت تستوعبهم تلك المدرسة، فتفقه في العلوم الدينية الى جانب علوم اللغة العربية والتاريخ والحساب والجغرافيا في وقت مبكر من عمره. ومنذ طفولته اتصف راشد بصفة الرجل المكتمل مختلفاً في تلك الصفة اختلافاً كبيراً عن رفاقه وزملائه. فقد كان أسلوبه في الحياة ينم عن فكر ناضج سابق لعصره. لم يكن راشد محباً للعب أو اللهو كغيره من الزملاء، لقد كان في شبابه شاباً مثابراً وجاداً وباحثاً عن كل ما يرفع الهامات ويسمو بالهمم، نحو الفضائل وسمو الغايات. ومنذ شبابه كان راشد حريصاً كل الحرص على ان يكون لدبي شأن خاص ومكانة خاصة وأسلوب مميز لا مثيل له في الاستعداد لمستقبل بدأ يلوح في الأفق. ويؤكد من عاصر راشداً من رفاق الصبا، أن سموه كان يلتهب حماساً ويتدفق نشاطاً من أجل أن يخلق من الصحراء مدينة حديثة تباهي في جمالها مدن العالم المعاصر.
http://www.alamuae.com/uaealbum/data/media/151/rasheed-22.jpg
وانطلق الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم منذ صباه الباكر نحو التشييد والبناء، وكان لابد له أن يحدث ثورة عمرانية لم تشهدها البلاد من قبل، ولكن كل ذلك يحتاج الى عطاء لا ينضب وجهد لا يعرف الكلل أو الملل، والشيخ راشد حباه الله سبحانه وتعالى هذه الميزة التي جعلت منه قائداً بارزاً منذ طفولته. وبكل ماتحمل كلمة 'قائد' من معان، برز راشد كقائد شاب منذ عهد شبابه الباكر، واستطاع بكل مقدرة أن يكسب من حوله الرجال كسباً قائماً على الكفاءة التي بدأت تظهر بوضوح على هذا القائد الشاب، والتي لمسها رفاقه فيه عن جدارة واستحقاق. اكتسب راشد من التجارب في بداية شبابه الشيء الكثير، وعلمته الأيام والسنون ما شاء لها أن تعلمه، فاتسعت درايته، ولمعت حنكته السياسية، وظهرت جدارته للعيان مبشرة بقدوم قائد فذ وسياسي محنك يشار اليه بالبنان. فراشد بن سعيد آل مكتوم كان قريباً من القرارات الهامة التي اتخذت من حين لآخر لادارة شؤون البلاد في تلك الحقبة التاريخية، وكان راشد في أحيان كثيرة الرجل المؤثر تأثيراً مناسباً وحكيماً فيما يصادفه من حالات تتطلب علاجاً خاصاً. وعلى هذا المنوال بدأت مسيرة هذا القائد، منوال الجد والحزم والعزم والمثابرة والتصميم وفرض الهيمنة الشرعية في ربوع البلاد، فكانت بحق بداية موفقة تكللت ولله الحمد بالنجاح في جميع مراحل انطلاقتها بعون من الله وتوفيقه. رحم الله قائد مسيرتنا وطيب ثراه، وبارك الله في أنجاله، ووفقهم إلى ما فيه خير البلاد وصلاح العباد

راشد المسيرة والبناء

يقف المواطن في دولة الامارات العربية المتحدة فخوراً ومتباهياً ومعتزاً كلما اقترب عن كثب من الانجازات التي حققها فقيد البلاد الراحل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم راعي المسيرة والبناء. راشد بن سعيد آل مكتوم كان رجلاً سياسياً قديراً استطاع ان يخلق علاقات أخوية وثيقة بينه وبين جميع الحكام بدول الخليج العربي في كل الظروف وفي جميع الأوقات والأزمنة، تتردد على ألسنة الناس هنا وهناك عبارات الثناء والإعجاب بهذا الرجل الذي كان اتحاد اماراتنا لبنة من لبنات أفكاره العظام التي امتزجت بطموحات صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان واندمجت بآمال اخوانهما حكام الإمارات.

إن المجالس في بلادنا هي المكان الذي تعودنا ان نسمع فيه وعن طريقه آراء الناس, الأصدقاء, الإخوة ,الأهل, الأقارب ... كل المواطنين صغيرهم وكبيرهم في نقائهم العربي الأصيل ويكاد أبناء خليجنا يتفقون في هذه الصفة الحسنة ألا وهي التعبير عن آرائهم بكل صدق وصراحة. ومنذ ما يزيد على عشرين عاما وأنا أطوف بمختلف المجالس قبل الاتحاد وقبيل الإعلان عنه، وعن طريق سنواته الأولى وبعد أن شب وترعرع واشتد عوده وبعد أن أضحى الاتحاد اليوم صرحاً شامخاً. .. وفي تلك المجالس وطوال تلك الفترة كنت أستمع الى هذا وأنصت الى ذاك يحدثني الرجل الأكبر سناً من راشد. يحدثني عنه حديثا يطول أو يقصر .. يتعلق بسياسة أو اقتصاد أو بناء أو غيره، ويعود بي في نهاية حديثه الى عبارة واحدة هي أن راشد لا مثيل له وأنه رجل من نوع نادر ومن طراز خاص ويحدثني رجل آخر. رجل من أولئك الرجال الذين يعتبرون من أبناء جيل راشد ومن الذين عاشوا عهد بداية النهضة وعاصروا حركته الدؤوبة وانطلاقته الميمونة نحو البناء والتعمير في مختلف الأصعدة، ويجرنا الحديث الى عصر ما قبل النفط ويتدرج محدثي في سرده للوقائع والحقائق إلى أن يصل بي في نهاية المطاف قائلاً:


راشد شخصية عربية فذة


وأجلس مع هذا يحدثني بعفوية أهلنا التي تعودنا عليها الخالية من كل 'لف أو دوران' البعيدة كل البعد عن النفاق والرياء .. الصادرة من القلب. أجلس معه نتجاذب أطراف الحديث، ويسهب محدثي تارة، ويوجز تارة أخرى وأنا أستمع إليه دون قصد مني في الكتابة أو التأليف أو الرصد لمثل هذه الأحاديث أو تلك. ويطوف محدثي بذكرياته ويحدثني في أمور شتى ويتطرق في حديثه الى الكيفية التي كان يعالج بها راشد الأزمات، وما أن ينهي محدثي كلامه إلا وأرى علامات الاعجاب والتقدير لهذا الرجل بادية على وجهه. فيقول وبكل صدق وحرارة:


'راشد. راشد'


أي انه إسم على مسمى. فقد كان حكيماً، سديد الرأي، يعالج الأزمات على هذا الأساس، وعلى ذلك النحو وبهذا الأسلوب المتسم بالحنكة والفطنة والدراية الواسعة. وانتقل من مجلس إلى آخر ومن جيل إلى جيل إلى جيل. جيل الشباب. ومع هذا الجيل يكون الحديث أشمل. والحوار أكمل. والأسلوب أجمل، المقارنة أدق والتحليل أكثر دقة، ومحدثي هذه المرة رجل نال من التعليم العالي والثقافة الواسعة ما يجعله في مكانة اجتماعية مرموقة، استمع إليه وأنا كلي آذان صاغية فما يصدر عن هذا الرجل وغيره من أبناء جيله يمثل رأياً لجيل حديث من أجيال شبابنا الواعي الذين تلقوا العلوم والثقافة من مصادر مختلفة واطلعوا على حضارات وثقافات العديد من الشعوب وتنقلوا بين أمريكا، وأوروبا، وآسيا وافريقيا، واستراليا. . يحدثني صاحبي هذا حديث المنقب والباحث الجاد والمنصف .. فيقارن تارة ويحلل تارة أخرى. ويبدي وجهة نظر علمية وموضوعية ويطول الحديث مع هذا الشاب الواسع الاطلاع. ويعقب عليه مثقف آخر .. ويضيف الى معلوماته شخص ثالث معلومة جديدة، ويتبادل الشباب أحاديثهم المبنية على العلم والمعرفة فيختلفون في بعض الامور ويتفقون في بعضها ولكنهم كلهم يجمعون على أن:


راشداً عقلية فذة


والتقي محض الصدفة رجلاً من أبناء دول مجلس التعاون واستمع اليه دون سابق معرفة الى حديث يتصل بالموضوع نفسه. . فالرجل الخليجي هذا لا أعرفه. ولا يعرفني. لقد التقينا كما يلتقي الأخوة الخليجيون في سفراتهم من حين لآخر ويتعارفون بمجرد أن يلقي أحدهم نظرة على الآخر. لقد جمعتني الصدفة بذلك الرجل في أحد الفنادق في ذلك البلد الأوروبي البعيد. وما ان علم بأنني من أبناء الإمارات حتى بدأ صاحبي حديثه عن طيب الذكر المغفور له (باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم .. والآن وبعد مضي هذه الفترة الطويلة بيني وبين صاحبي الخليجي فقد نسيت كل ما قاله من حديث إن دل على شيء فإنما يدل على حب وتقدير أهل الخليج لذلك القائد الفذ. اللهم إلا عبارة واحدة ظلت عالقة في ذاكرتي رغم تزاحم الهموم والأعباء ألا وهي:


'محظوظون أنتم براشد'. عبارة قالها. ثم افترقنا ذاهباً كل منا في شأنه. وبقيت جملته نبراساً يضيء بين حين وآخر ذاكرتي'.


صفاته


لكل قائد صفات معينة يجب توافرها فيه لكي يمتلك عوامل النجاح القيادية، وبدون تلك الصفات فإنه بلا شك لن يكون قادراً على التأثير فيمن حوله تأثيراً يمكنه من تسيير دفة الأمور على الوجه الأكمل. وقد كان لدى المغفور له (باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم صفات قيادية متميزة، فهو بحق قائد موهوب منحه الله سبحانه وتعالى صفات القائد الناجح، ومن أبرز تلك الخصال:


القدرة على التخطيط المستقبلي


استخدم المغفور له(باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم التخطيط المستقبلي بكافة أشكاله في بناء نهضته الشاملة وسيرته الخيرة، سواء كان ذلك بالنسبة لرقي وتطوير إمارة دبي، أو فيما يتعلق ويختص بالمسيرة الاتحادية التي يشكل أحد أبرز أقطابها. واستخدم راشد التخطيط طويل المدى وقصير المدى، فكان إذا ارتأى أن الحاجة فقط تدعو إلى خطة قصيرة، شرع في تنفيذها تنفيذاًَ يتلاءم والحاجة إليها أما إذا أراد أن يضع خطة طويلة الأجل، فإن تخطيطه يكون مثارا للإعجاب والدهشة، فقد كان رحمه الله يخطط للآجال الطويلة بكل دقة وعمق وتركيز، والشواهد على ذلك عديدة، والحديث عنها تنطق به المنجزات العملاقة التي تحققت على أرضنا.


القدرة على التحليل والمقارنة


من بين خصاله وصفاته العديدة القدرة على التحليل والمقارنة، فراشد بن سعيد آل مكتوم كان رجلاً وحاكماً من ذلك النوع الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على التحليل والمقارنة. وقد كان ذلك الأسلوب واحداً من أساليبه التي اعتمد عليها في ممارسة مهامه ومسؤولياته المنوطة به كرجل يعتلي سدة الحكم وقمة المسؤولية في هذه البلاد. ومن هذا المنطلق، فإن قضية التطوير والرقي وشموليتها بالنسبة لدبي والإمارات بصفة عامة، والوصول بالبلاد إلى مقدمة الركب الحضاري ليس فقط على المستوى الخليجي، وإنما على المستويين العربي والعالمي، كانت واحدة من أهم أهدافه، وبالتالي فقد اتخذ من التحليل والمقارنة لكافة ما يصادفه خلال تلك العملية التنموية أسلوباً مميزاً في حياته.


القدرة على اختيار الوقت المناسب لتنفيذ عمل ما


كان راشد رحمه الله يملك القدرة على اختيار الوقت المناسب لتنفيذ عمل ما، فلم ينفذ أية خطة من خطط التنمية بكافة أشكالها، إلا واختار لها الوقت المناسب، لذلك حينما كان راشد يريد أن يعلن عن مشاريع اقتصادية أو عمرانية أو اجتماعية أو ثقافية أو غيرها، كان الانسان المواطن وغير المواطن، أبناء دبي، وأبناء الإمارات كافة، وأبناء الخليج عامة. كانوا جميعاً يشعرون بقوة ذلك الإعلان، وجدوى ذلك القرار، لذلك كنت ترى الناس وقد ظهرت عليهم علامات الإعجاب والتقدير لتلك الخطوة التي أقدم على تنفيذها راشد.


إنك تلاحظ وبكل وضوح أن ردة فعل الرأي العام إزاء تلك الخطة التي أعلن عنها راشد، كانت ردة فعل إيجابية، حيث ترى الناس فرحين بذلك المشروع الذي أقدم عليه المغفور له الشيخ راشد، متفائلين بأهدافه، ومستبشرين بنتائجه، ومؤيدين له، لا لشيء إلا لأن راشداً عرف متى ينفذ ذلك المشروع وتلك الخطة. وهذه القدرة لا تتوفر إلا لأولئك الرجال الذين منحهم الله سبحانه وتعالى مثل هذه الخصال، وراشد كان يملك القدرة على اختيار الوقت المناسب حينما يريد تنفيذ مشروع ما.


القدرة على اختيار الرجل المناسب للعمل في المكان المناسب


ومن خصاله الحميدة أيضاً قدرته على اختيار الرجل المناسب ليعمل في المكان المناسب. ف المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم كان قادراً على اكتشاف الرجال القادرين على تحمل المسؤوليات وأداء المهام المنوطة بهم. لهذا فقد استطاع مَنْ وقع عليهم الاختيار للعمل في الدوائر والمؤسسات أن يواكبوا نهضة راشد وطموحاته الكبيرة في تطوير البلاد، ولو لم يكن موفقاً حقاً في الاختيار، لما كان لدبي أن تحتل هذه المكانة المرموقة في تقدمها ورقيها بين جاراتها في الخليج العربي.


القدرة على تحديد الهدف


وكان راشد يملك صفة حميدة جداً من صفات القادة الناجحين، ألا وهي القدرة على تحديد الهدف، فليس بمقدور كل إنسان أن يحدد هدفه، وكثيرون هم أولئك الذين يتيهون في دوامة تزاحم الأهداف الا القليلين الذين لديهم الاستعداد من جميع الجوانب في القدرة على تحديد أهدافهم.


والحق يقال إن راشداً كان يملك قدرة عجيبة في رؤية هدفه الذي يسعى الى تحقيقه، وكان بالتالي يتمكن بكل سهولة واقتدار من تحديد أهدافه دون لبس أو غموض، ومن يملك مثل تلك الصفات يملك القدرة على شفافية الرؤية التي تمكنه من تحديد هدفه المنشود.


القدرة على الوصول إلى الهدف


ليست العبرة في تحديد الهدف فقط، لكن العبرة في القدرة على الوصول إلى الهدف، وراشد بن سعيد آل مكتوم لم يكن في يوم من الأيام قادراً على تحقيق هدفه فقط، بل كان ايضاً يتمتع بصفة أخرى من صفات القائد الناجح، ألا وهي القدرة على الوصول إلى الهدف والمبتغى المنشود، كما أنه لم يكن فقط من الرجال الذين يتمكنون من الوصول إلى أهدافهم، وإنما كانت سرعة وصوله إلى هدفه سرعة تكاد تكون في فترة زمنية مناسبة نادراً ما تتحقق لغيره. لقد كانت قدرته في الوصول إلى هدفه قدرة تذهل كل من حوله، وتبعث في نفسه الدهشة والاستغراب.


القدرة النفسية والذهنية


وراشد بن سعيد آل مكتوم كان رحمه الله يصل دوماً إلى تحقيق أهدافه في أقصر الأوقات وأقل النفقات وأيسر الطرق، وهذا يتطلب أن تكون لدى القائد قدرة خاصة أخرى ألا وهي القدرة النفسية والذهنية، وراشد كان يملك تلك الصفة، أما المشكلات التي كانت تصادفه أمام الضغوطات المتزامنة، سواء السياسية منها أو الاقتصادية وخلافهما، فإن راشداً كان من الطراز الذي يملك القدرة على مواجهة المشاكل التي تعترض طريقه بكثير من ضبط النفس، وبالابتعاد عن أي انفعال نفسي قد يؤثر على اتخاذ القرار، ومن يملك قدرة نفسية وذهنية حاضرة ازاء المشكلات التي تواجهه، فإنه بالتالي يتمكن من حلها بالأسلوب الأمثل مستغلاً في ذلك قدرته على اتخاذ القرار الحاسم، إذ إن ذلك. .. ليس بالأمر السهل كما يعتقد البعض، حيث إن الكثير منهم لا يملكون القدرة على اتخاذ القرارات، فيظلون مترددين بين هذا وذاك.


القدرة على اتخاذ القرار الحاس


أما راشد فإنه يملك القدرة الكبيرة على اتخاذ القرارات، وإذا ما عقد العزم وتوكل على الله كان قراره قوياً وحازماً ودليلاً على امتلاكه العزيمة الكافية المقتدرة.
كان لا يعرف التسويف أو التردد على الاطلاق. ولهذا كانت قراراته تاريخية، وسوف يقف أمامها تاريخ بلادنا ويسطرها بكل فخر واعتزاز.


قوة الذاكرة


ومن بين الصفات القيادية لهذا 575;لرجل قوة الذاكرة وهي التي تلعب دوراً هاماً ورئيسياً في حياة أي فرد فينا، فقوة الذاكرة صفة من الصفات الواجب توافرها لدى أي قائد كي يحقق نجاحاً ما، وإذا جاز لنا أن نصنف الذاكرة من حيث قوتها إلى ثلاثة أصناف. الذاكرة الحادة، الذاكرة المتوسطة المدى والذاكرة الضعيفة، فإن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم كان يتمتع بذاكرة قوية فوق العادة، فكان رحمه الله إذا حدثك عن شيء وأجبته بإجابة ما فلا تظنن أنه سينسى ما قلته بعد فترة زمنية ما، ولهذا فقد ترك لدى جميع المسؤولين انطباعاً عما يمتلك من قوة في الذاكرة تجعله ملماً إلماماً كبيراً بما يحيط به. ومما لا شك فيه أن قوة الذاكرة تجعل من يمتلكها إنساناً ملماً إلماماً كافياً ومدركاً إدراكاً واسعاً بجميع المسائل المتعلقة بأحداث أو وقائع ماضية، ومن يملك كل ذلك تكون لديه القدرة على المتابعة.


القدرة على المتابعة


القائد الناجح هو الذي يملك القدرة على متابعة ما يصدره من أوامر وتعليمات، والمتابعة هنا نقصد بها المتابعة الميدانية التي تُعد وسيلة من وسائل الضبط والربط. فلا يكفي لأي إنسان مسؤول أن يصدر تعليمات وأوامر دون التأكد بأنها تنفذ تنفيذاً مناسباً ومعقولاً. وقد كان المغفور له راشد بن سعيد آل مكتوم قائداً فذاً .. فقد امتلك القدرة على متابعة قراراته متابعة مثالية. فهو لم يكتف أبداً بمجمل تقارير كتابية كانت أم شفوية، بل أن المتابعة الميدانية كانت واحدة من أساليبه القيادية الناجحة. وراشد لم يكتف فقط بمتابعة القرار والتأكد من تنفيذه، بل كان يشجع كل مجتهد ومخلص ومتفانٍ على مرأى ومسمع من الناس، مما أعطى للمسؤولين حافزاً على المثابرة والحماس في أداء المهام المنوطة بهم.


القدرة البدنية


كان المغفور له (باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم يمتلك لياقة بدنية عالية مكنته من القدرة على المتابعة الناجحة لكل ما يصدره من قرارات وتعليمات، ولم تكن تلك القدرة البدنية نتيجة لمزاولة أي نوع من أنواع التمرينات الرياضية التي يزاولها رحمه الله، ولكنها هبة من رب العالمين لأولئك الذين اصطفاهم واختارهم لتولي المسؤوليات الجسام كي يتمكنوا من تحقيق أهداف وآمال أمتهم. وقد عُرف عن آل مكتوم قدرتهم البدنية واستعدادهم الكبير على تحمل الأعباء الجسام مهما كلفهم ذلك من جهد طويل في سبيل تحقيق المتابعة المطلوبة لما يصدرونه من أوامر وتوجيهات، ولقد كان لتلك القدرة البدنية للمغفور له أبلغ الأثر في تحقيق ما يصبو إليه.


المظهر العام وقوة الشخصي


إن المظهر العام وقوة الشخصية يلعبان دوراً هاماً في مسيرة أي قائد ناجح. فقد كان المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في مظهره العام، شخصية ذات هيبة وذات تأثير فعال تستوجب على الآخرين تقديرها واحترامها، إنه تأثير موهوب من الله سبحانه وتعالى. فحُسن طلعته، وطول قامته، وثبات خطوته، وقوة حجته، وسعة درايته. كل هذه الصفات جعلت منه حاكماً له الهيبة المبنية على التقدير والحب والوقار. وذات يوم كنت في حديث ودي مع أحد المواطنين كبير السن خبر الحياة وعرفها وأدرك أسرارها. قال عبارة لا تزال عالقة في ذهني. . قال: 'حكمنا راشد بأخلاقه الفاضلة الحميدة'. وفي الختام، فأنا لا أملك القدرة على تحليل شخصية هذا القائد الفذ، لكن هذه ملاحظات متواضعة سجلتها عن طريق رحلتي التي أمضيتها عن قرب مع فقيد البلاد الراحل الذي كان يستطيع أن يصل إليه كل انسان دون حواجز يمكن أن تحجبه عن رغبته.


رحمك الله يا راشد الخير وأسكنك فسيح جناته


الإتحاد


http://vb.ma7room.com/uploaded/838_01323074019.jpg
راشد. يُعلن عن قيام الاتحاد

المكان : قصر الضيافة بالجميرا

الزمان : الثاني من ديسمبر 1971م

والمناسبة : مناسبة لا تنسى وستبقى خالدة في ذاكرة التاريخ

والكلمة: لرجل أرسى دعائم لاتحاد عربي شامخ على أرض العروبة

ففي ذلك الزمان والمكان دوت كلمة ضافية على مسامع التاريخ الحديث. تلكم الكلمة لقائد من قادة مسيرتنا الاتحادية، ألا وهو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله وطيب ثراه ، وهذا نصها:

إخواني أصحاب السمو. أيها السادة .

باسم دبي، وباسم شعب دبي نحييكم أطيب تحية، وبنفس تفيض بالبشر وتملؤها السعادة، نرحب بكم في بلدكم بين أهلكم وذويكم.

أيها الإخوان

لقد تم التوقيع على الاتفاقيات بإنهاء العلاقات التعاقدية الخاصة بين كل إمارة من إماراتنا والحكومة البريطانية، فتم بذلك استقلال إماراتنا وسيادتها على أراضيها. وما مضت ساعات قليلة على ذلك، حتى التقينا في هذا الاجتماع التاريخي لتحقيق ما تلاقت عليه إرادتنا وإرادة شعب إماراتنا: لإعلان قيام الإمارات العربية المتحدة دولة مستقلة ذات سيادة، تستهدف توفير الحياة الفضلى لشعبها والاستقرار الأمكن لها، وتحمي حقوق وحريات مواطنيها، وتسعى لتحقيق التعاون الوثيق فيما بين إماراتها لصالحها المشترك من أجل ازدهارها وتقدمها في كافة المجالات، وتتطلع للانضمام لجامعة الدول العربية، وهيئة الأمم المتحدة، ومسايرة الركب العربي في مسيرته نحو أهدافه السياسية، ونصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية، وتوثيق أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب الصديقة على أساس مبادىء ميثاق الأمم والاتفاقيات الدولية.


وفي هذه اللحظات التي يرقب فيها شعب إماراتنا المفدى والعالم بأسره، ما سيصدر عن هذا الاجتماع من المقررات، أبتهل إلى الله سبحانه وتعالى أن يهدينا سواء السبيل، وأن يوفقنا لتحقيق ما اجتمعنا من أجله



والله ولي التوفيق ونعم النصير


ألقى الكلمة:المغفور له (باذن الله) الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم نيابة عن والده المغفور له (باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم

وهكذا يشاء الله أن يعلن الاتحاد بكلمة من صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الذي كان الاتحاد لبنة كبيرة من لبنات أفكاره الخيرة النيرة، وتشاء إرادة الله أن يرتفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة لأول مرة على هذه الأرض الطيبة عالياً خفاقاً في سماء دبي معلناً بكل فخر واعتزاز عن قيام دولة الإمارات العريبة المتحدة. ويصفق المواطنون الذين احتشدوا للاحتفاء بهذه المناسبة العزيزة تصفيقاً حاراً يليق بقدوم هذا الابن الذي جاء ميلاده على أرض دبي مبشراً باتحاد الأشقاء في صف قوي متين ينبىء بمستقبل عظيم باهر. واصطف أصحاب السمو حكام الإمارات صفاً واحداً مع صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخيه صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائب رئيس الدولة حاكم دبي في وقفة تذكارية التقطتها عدسات الكاميرات في برهة وجيزة وتوقف أمامها التاريخ طويلاً محنياً هامته تقديراً واحتراماً لهذا التجمع العربي الفريد الذي تشهده أرض العرب بعد أن فرقتهم السنون

ومن المشرق العربي، من دولة الإمارات العربية المتحدة تسطع شمس الاتحاد مطلة بضيائها على العالم العربي والإسلامي، فتنهال التهاني والتبريكات إلى صاحب السمو رئيس الدولة ونائبه، وتبتهل الأمة بهذا الاتحاد الذي تشهده الأرض العربية لأول مرة في العصر الحديث، ويدوي صوت الاتحاد قوياً في كل بقاع العالم، وترحب الشعوب الصديقة بميلاد اتحادنا الذي أطل على العالم في الثاني من ديسمبر عام 1971م. في ذلك اليوم كنت ضابطاً صغيرا أملت علي مهام واجبات وظيفتي أن أكون ضمن من شهدوا لحظات ارتفاع علم دولة الإمارات العربية المتحدة لأول مرة في قصر الضيافة بالجميرا، ولا شك أنني كنت سعيد الحظ كغيري ممن حضر تلك المناسبة العزيزة على قلوبنا جميعاً، فهي ولا شك لحظة من اللحظات النادرة الحدوث والتكرار. يومها كان المغفور له (باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراه سعيداً أيما سعادة، لقد شدتني فعلاً فرحته التي ارتسمت على محياه، فكانت تعبر بحق عن صدق مشاعر هذا الرجل الذي يرى حلمه الكبير وقد تحقق أمام ناظريه

فراشد بن سعيد، هذا الرجل الذي لعب دوراً بارزاً وهاماً للغاية في قيام دولة الإمارات العربية المتحدة كان يقضي الساعات الطوال واللقاءات الأطول من أجل إرساء القواعد التي سيقام عليها بناء الدولة الجديدة. لقد بذل راشد جهوداً جبارة خارقة في توحيد الصفوف وتشييد البناء. فكان الرجل الذي لم يبخل على الإطلاق بكل ما يملك من طاقات من أجل أن تصل المسيرة. مسيرة الخير والاتحاد والتلاحم إلى بر الأمان. إنه واحد من الرجال الأفذاذ الذين خططوا تخطيطاً منظماً متقناً لتأسيس دولة عربية تقوم على مبدأ الاتحاد في وقت كان فيه اتحاد العرب أشبه بالإعجاز. ومنذ ذلك اليوم انطلق الاتحاد قوياً كما ولد من قبل قوياً . انطلق نحو الأمام متقدماً بخطى ثابتة، واقفاً على قدميه في أرض حباها الله قوة وصلابة وقدرة على تحمل هذه المسيرة التاريخية



وبذل راشد كل ما وفي وسعه من أجل أن يكون البناء عظيماً محكماً قادراً على الصمود في وجه التحديات. وتواصل مسيرة البناء بقيادة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وإخوانهما أصحاب السمو حكام الإمارات، تواصل تقدمها نحو المستقبل الباهر يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة. وتنضم إمارة رأس الخيمة إلى قافلة المسيرة فتلحق بالركب الاتحادي. ويشتد التلاحم أكثر فأكثر. ويمر المولود بمراحل نموه المختلفة، وفي كل مرحلة يبرهن بأنه مولود عملاق لا مثيل له في أرضنا العربية

تمر السنون تلو السنين، ويشتد عود الاتحاد، ويضرب بجذوره في باطن الأرض، وتورق أغصانه بمزيد من الثمار، ويتباهى المواطنون صغيرهم وكبيرهم بما تحقق في عمر هذا الاتحاد الذي لولاه لما تحقق كل هذا التقدم الكبير الذي تشهده البلاد. لقد استطاع هذا الاتحاد أن يؤثر تأثيراً كبيراً في الساحة السياسية خليجياً وعربياً. فعلى الصعيد الخليجي أحدث قيام دولة الإمارات العربية المتحدة الهاجس الوحدوي لدى القادة الخليجيين. وبدأت دول الخليج تتحدث عن نواياها في قيام مجلس للتعاون الخليجي. ومهما اختلفت المسميات فإنها في واقع الأمر تصب في مصب واحد

وهكذا تأثرت دول خليجية تأثرًا إيجابيا بقيام هذا الاتحاد، وسعت بخطى حثيثة نحو قيام مجلس لدول الخليج العربي، يهدف إلى توحيد القوانين المختلفة، والتنسيق في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية والثقافية لصالح أبناء هذا الوطن الغالي. وعلى الصعيد العربي خلق قيام الاتحاد ميلاً كبيراً لدى قادة الدول العربية للعمل على قيام اتحادات أو تجمعات عربية شبيهة باتحاد الإمارات. ففي المغرب العربي أعلن عن قيام اتحاد مغاربي بين دول المغرب العربي الشقيق، وتجمعت دول عربية أخرى في تجمع عربي آخر. وهكذا لعب اتحاد الإمارات دوراً بارزاً في قيام اتحادات ومجالس عربية هادفة إلى جمع صفوف الأمة العربية، لما فيه خير الوطن العربي الكبير

رحيله

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تلقى أبناء الإمارات نبأ وفاة المغفور له(باذن الله) فقيد البلاد الكبير المغفور له(باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته وألهم جميع الصبر والسلوان و'إنا لله وإنا إليه راجعون'. انتقل رحمة الله عليه إلى جوار ربه في السابع من شهر أكتوبر عام 1990م الموافق الثامن عشر من شهر ربيع الأول عام 1411هـ عن عمر يناهز 78 عاما ًقضاها رحمه الله في خدمة أمته ووطنه ومواطنيه وبذل خلالها كل ما يملك من طاقة في سبيل تحقيق الخير والرخاء والاستقرار للوطن والمواطن. وأعلنت دولة الإمارات الحداد ولبست السواد على فقيد البلاد. وتقرر تنكيس الأعلام أربعين يوماً وتعطيل الوزارات والدوائر لمدة ستة أيام وخيم الحزن والأسى على كل الناس، واهتزت المشاعر وتفجرت الدموع واعتصرت القلوب كيف لا وراشد يرحل عنا.. كيف لا ونحن نودع أباً حنوناً وقائداً عظيماً وزعيماً قادنا إلى مقدمة الركب الحضاري.

ديوان رئيس الدولة ينعى فقيد البلاد وقد أصدر ديوان رئيس الدولة النعي التالي:

'يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي' صدق الله العظيم. 'من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا' صدق الله العظيم.

ينعى ديوان صاحب السمو رئيس الدولة إلى شعب الإمارات العربية المتحدة وإلى أبناء الأمة العربية والإسلامية فقيد الوطن صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الذي انتقل إلى جوار ربه مساء أمس الأحد الثامن عشر من ربيع الأول عام 1411هـ الموافق السابع من أكتوبر عام 1990 ميلادية بعد أن أعطى لوطنه وأمته الكثير من جهده ونفسه وبعد حياة حافلة بجلائل الأعمال والإنجاز.

الجمعية العامة للأمم المتحدة تقف حداداً

وفي هيئة الأمم المتحدة وقفت الجمعية العامة للأمم المتحدة دقيقة صمت حداداً على وفاة المغفور(باذن الله) له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وقد تحدث عدد من رؤساء الوفود نيابة عن بعض المجموعات الدولية في إحدى جلسات الجمعية ضمن الدورة الخامسة والأربعين بطلب من رئيس الجمعية العامة تحدثوا عن مشاعر الحزن والأسى بوفاة الفقيد كما تحدث رئيس وفد دولة الكويت نيابة عن المجموعة العربية في الأمم المتحدة معربا ًعن مشاركة الدول العربية بالحزن والأسى العميقين لدولة الإمارات العربية المتحدة وشعبها في فقيد الإمارات الذي كان من مؤسسي دولة الإمارات. وأعرب وفد الولايات المتحدة الأمريكية باسم الشعب الأمريكي عن التعازي لدولة الإمارات العربية ولشعبها ولذوي الفقيد المغفور له(باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. وعن دول أوروبا الشرقية تحدث الوفد البولندي نيابة عنها معرباً عن عميق الحزن والأسى على فقيد دولة الإمارات العربية المتحدة. كان راشد رحمه الله يقول: يجب تأمين التعليم في كافة مراحله والرعاية الصحية للجميع، كان رحمه الله حريصا ً كل الحرص أن يؤمن لكل الناس ما يحقق سعادتهم ويرسم على شفاههم البسمة.

وكالات الأنباء تشيد بطموحات وجهود المغفور له(باذن الله) الشيخ راشد

تناقلت وكالات الأنباء نبأ وفاة فقيد البلاد الكبير وتحدثت عن المغفور له(باذن الله) الشيخ راشد فقد جاء في أحد التقارير الإخبارية لوكالة رويتر مايلي:

جعل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء – جعل من مدينة دبي مركزاً تجارياً مزدهراً حتى قبل أن يحول النفط اهتمام العالم إلى بقية منطقة الخليج. وقالت أن المغفور له(باذن الله) الشيخ راشد قام بدور بارز في إنشاء الدولة الاتحادية، كما ذكرت الوكالة في تقريرها أن الفقيد قاد جهود التنمية في إمارة دبي لنحو خمسين عاماً. وقالت الوكالة:

كان المغفور له الشيخ راشد شخصية حركية نشطة اعتاد أن يستيقظ مع شروق الشمس ويجلس إلى مكتبه في الثامنة صباحاً بعد أن يكون قد أدى صلاة الصبح. كما أشارت الوكالة في تقريرها إلى أن الشيخ راشد رحمه الله كان يتمتع بعقلية تجارية فطرية ساعدته على إبقاء دبي دائماً متقدمة خطوة على منافسيها في مجال التنمية التجارية.

بيان المجلس الأعلى لحكام الإمارات 'الإمارات فقدت قائداً فذاً وصانعاً ماهرا ًمن صناع الاتحاد'

إن المجلس الأعلى للاتحاد إذ يجتمع اليوم في غياب فقيده وفقيد الوطن الكبير المغفور له(باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله الذي ودعه شعب دولة الإمارات العربية المتحدة بالأمس القريب إلى جوار ربه ليفقد قائدا ًفذاً من قادتها ورائدا ًبارزا ًمن رواد حضارتها وصانعاً ماهراً من صناع اتحادها وتماسكها. لقد كان المغفور له(باذن الله) من البناة الأوائل لدولة الإمارات الفتية ومشيدا ًكبيراً لدعائمها ومخططاً ماهراً لنهضتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لقد عمل الفقيد بجهد مخلص وبذل كل حياته من أجل أمته ووطنه بعزيمة لا تهدأ وقلب متقد تدعيماً للاتحاد وترسيخا ً لأهدافه ومبادئه، فقد كان رحمه الله رجلا ًمتميزاً من رجالات الوطن، وعد فأوفى وعمل فأخلص وأعطى فأجزل. لقد حرص على ترسيخ الاتحاد متكاتفا ًمع أخيه صاحب السمو رئيس الدولة وإخوانهما أصحاب السمو حكام الإمارات من أجل بناء هذه الدولة والوصول بها إلى مصاف الدولة المتقدمة. كل ذلك تم بإيمان عميق بالله وعزيمة قوية وإخلاص في العمل وإصرار على تحقيق هدف النهضة والارتقاء بالوطن وسيذكر له التاريخ ووطنه وشعبه سجله الحافل بالإنجازات التي سوف تبقى خالدة تنير المستقبل لهذا الوطن العزيز.

رحم الله الفقيد رحمة واسعة وطيب مثواه وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.

لكل شمس مغرب

عدت في المساء إلى منزلي بعد يوم من الحزن والأسى على فقيد البلاد الراحل وقد أخذ مني الإعياء والإرهاق النفسي مأخذاً عظيماً، اقترب موعد نشرة الأخبار وفي مجلسي كان بعض الأصدقاء والأهل يجتمعون كعادتهم بعد صلاة العشاء. وكنت قبل ذلك فيما يشبه العزلة، ففي كل مرة كنت أحاول جاهداً أن أتمالك نفسي، تعجز الأحداق عن التحكم في دموع العين فتنهمر غزيرة على رحيل الفقيد الكبير، كيف لا وراشد رحمه الله يحمل لنا من الحب والتقدير كمواطنين مما جعلنا نحس ونشعر بأبوته، وبعطفه، وبحنانه الكبير تجاهنا، فأهل البلاد رحمه الله أهله: فقد كان نعم الأب ونعم الراعي.. المهم أنني قررت الذهاب إلى المجلس والجلوس مع الحاضرين هناك، وما إن جلست حتى بدأ الحديث يتناول سيرة الفقيد الراحل وكيف كان رحمه الله شيخاً عظيماً وحاكماً محبوباً وإنسانا ًفاضلاً عرفه القوم عن قرب لأنه كان قريباً من الناس وبينما نحن نتجاذب أطراف الحديث أخرج أحدهم ورقة تقويم (طبعة د�#1574;رة الأوقاف بدبي) ليريني ورقة النتيجة تلك والتي يصادف تاريخها يوم ان وُوري جثمان الفقيد الراحل إلى مثواه الأخير في مقبرة أم هرير.. لقد كان مكتوبا ًعلى ظهر ورقة التقويم تلك مايلي:

الاثنين


(الحكمة: لكل شمس غروب)


المغفور له (باذن الله)الشيخ راشد ولد في العام الذي تولى والده المغفور له(باذن الله) الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم حاكم الإمارة.. ومن المصادفات أيضاً أن الفقيد تزوج يوم الاثنين.

يا سبحان الله كيف جاءت هذه الحكمة لتصادف يوم رحيل فقيد البلاد إلى مثواه الأخير.. دفن جثمانه طيّب الله ثراه يوم الاثنين.

كلمات خالدة في الفقيد الخالد

رحل فقيد البلاد الكبير عنا ولم يتحدث يوماً عن إنجازاته على الإطلاق.. تركنا رحمة الله عليه لنقول ما شاء لنا أن نقول. رحل المغفور له(باذن الله) الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وبقيت ذكراه خالدة.. وما هي إلا كلمات حق قيلت في الفقيد الراحل.. فماذا قال عنه الأهل؟.... وماذا قال عنه الإعلام العالمي الذي يرصد الحقائق ويتابع السير والأحداث ويسجل خطوات من ساروا على دروب البذل والعطاء...

أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد وأولياء العهود. . قالوا:-

· صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان:
'كان راشد فارساً مغواراً وصانعا ًمن صناع الاتحاد، خلف أعمالاً جليلة وإنجازات خالدة'.


· صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي:
'الفقيد من أوائل الذين بادروا بوضع اللبنة الأولى للاتحاد'.


· صاحب السمو الشيخ صقر بن محمد القاسمي:
'راشد بذل النفس والنفيس لإعلاء شأن البلاد'.


· صاحب السمو الشيخ أحمد المعلا:
'تآزر مع زايد للارتقاء بالبلاد وتحقيق المصالح الوطنية'.


· صاحب السمو الشيخ حمد الشرقي:
'راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله خلف سجلاً حافلا ًبالإنجازات التي تشهد له بالحكمة وحسن القيادة'.


· صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان:
'الإمارات فقدت رائداً من رواد الاتحاد وسنداً لمسيرة الخير'.

شخصيات عالمية قالت:

· السير دوجلاس هيرد، وزير خارجية المملكة المتحدة
'لقد أذهلني التقدم والتطور السريع في دبي، ورأيت بنفسي كيف استطاع فقيد الإمارات أن يخطو بدبي خطى تسابق الزمن نحو التعمير والتطور'.


· السيد جيمس بيكر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية:
'إن فقدان دولة الإمارات العربية المتحدة لشخصية سياسية مثل راشد لهو خسارة كبرى خاصة في مثل هذه الظروف الراهنة'.ط


أجهزة الإعلام العالمية: قالت:


· وكالة الأنباء الفرنسية:

'راشد صنع النجاح الاقتصادي ونشر الرخاء بالإمارة'.

· وكالة رويتر:

'جعل دبي مركزاً تجاريا ً مزدهراً قبل النفط'.

· البي بي سي:

'راشد صنع نهضة دبي وفتح أبوابها لرياح العصر'.

· صحيفة التايمز اللندنية:

'راشد حول دبي لأهم بقعة دولية للاستثمار والمال وأرسى خطوات الإمارة كعاصمة مميزة للتجارة والانفتاح على روح العصر'.

· الاندبندنت البريطانية:

'راشد مهندس البناء والتشييد، وحامي النهضة والتحديث والأصالة'.

· الديلي تلجراف البريطانية:

'راشد قام بتحويل دبي من إمارة صغيرة متواضعة إلى مركز إعلامي متحضر مزدهر'.

أنت يا راشد لم ترحل

أنت يا راشد الشموخ لم ترحل، وأنت يا راشد البناء سيظل عطاؤك دفاقاً كنبع لا ينضب، أنت يا راشد النهضة والتقدم ستبقى خالداً في التاريخ، فلقد سطرت بحروف من نور في سجل الحضارات والرقي خطوتك العملاقة التي تقف شاهدة على ما قدمت للوطن والمواطن من مواقف جليلة وأعمال نبيلة، فأنت بحق الشخصية التي ستبقى نبراساً لنا كلنا نهتدي بنوره، وننهج طريقنا مسترشدين بهداه وتوجيهاته وخطاه. تركت فينا يا راشد رجالا ًحظوا بتربيتك وتلقوا على يديك تعاليم الحكم الديمقراطي الصادق وأساليبه، وشاهدوا الأب الكبير وهو يطوف على مواطنيه يتحسس آلامهم، ورأوك وأنت تسير في طول البلاد وعرضها تتفقد المشاريع، فاقتبسوا من سيرتك وأخذوا من أسلوبك لينطلقوا إلى الأمام بمسيرة الخير والعطاء التي قادها آل مكتوم في تاريخ البلاد، لم يمت يا راشد من خلف بين ظهرانينا رجالاً كأمثال الرجال الذين خلفتهم، فهم خير خلف لخير سلف، تركت فينا يا راشد شيوخاً يحملون صفات الوالد.. يملكون الخلق العظيم، والتواضع الأعظم، والنظرة الثاقبة، والحكمة السديدة، والرأي الصائب، والنظرة المستقبلية، ويحملون فوق هذا وذاك حبهم الكبير للوطن والمواطنين.. أنت يا راشد لم ترحل.. فأنت هنا.. في القلوب والعقول والأفكار، وفي كل مكان من أرجاء دولتنا

يرحل عنا باني دبي, و تبقى سيرته و حبه في قلوب كل أهالي دولة الإمارات, المرحوم راشد بن سعيد, هو الذي خطط بناء دبي و أبنائه قامو بتنفيذها, حتى أصبحت دبي من أهم المدن التجارية و التي تتطور بين كل حين و حين.. رحمك الله يا باني دبي و نسأل الله أن يدخلك فسيح جناته الكل يردد و يقول:
أنت في قلوبنا يا راشد

19 ربيع الأول 1411 هـ / 8 أكتوبر 1990 م

منقووول.........




الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم : شراكة البناء ورعاية الإتحاد


ولد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم -الشريك في بناء دولة الإمارات العربية المتحدة وإرساء قواعد الإتحاد -عام 1912م، في نفس العام الذي تسلم أبوه الشيخ سعيد بن مكتوم زمام الأمور في دبي و تلقى الشيخ راشد رحمه الله دراسته الأولى في علوم الفقه واللغة العربية التي كانت توفرها الكتاتيب في ذلك الحين ثم التحق بالتعليم النظامي في مدرسة الأحمدية في ديرة فتفقه في العلوم الدينية إلى جانب علوم اللغة العربية والتاريخ والحساب والجغرافيا. وكان الشيخ راشد أصغر تلاميذ هذا المدرسة والتي كانت المدرسة الوحيدة في دبي.


تولى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله مقاليد الحكم في إمارة دبي في عام 1958 عقب وفاة والده الشيخ سعيد بن مكتوم ، ول م يكن الشيخ راشد بجديد على الإدارة السياسية للإمارة فقد شارك والده الشيخ سعيد في تسيير أمور الحكم منذ عام 1939 وانعكست خبرته السياسية على إدارته لشئون الإمارة في ذلك الوقت ثم على رئاسته لمجلس الوزراء بعد قيام الإتحاد ، فحققت دبي تحت إدارته طفرة تنموية شملت إنشاء الطرق والكباري التي تربط شطري الإمارة وتوسيع خور دبي وتعزيز موقعها التجاري بإنشاء مزيد من الموانئ حول الإمارة فأصبحت دبي مركزاً تجارياً بين الشرق والغرب ولم ينقصها سوى أن تصبح جزءاً من كيان عربي أكبر له ثقله السياسي إقليمياً وعالمياً.
اتفقت رؤية المغفور له الشيخ راشد بن سعيد مع رؤية إخوته حكام إمارات الخليج العربي أنه لابد من قيام الاتحاد بين الإمارات التي تجمعها سمات مشتركة تمثلت في وحدة التاريخ والجغرافيا والثقافة والعادات والتقاليد والملامح السياسية ، فكان الإعلان رسميا عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر 1971 برئاسة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وصاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائباً له.
في الثلاثين من أبريل 1979 قرر المجلس الأعلى للاتحاد تكليف المغفور له صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائب رئيس الدولة وحاكم دبي بتشكيل مجلس الوزراء الجديد و قد أعلن سموه عقب تشكيل الحكومة في الأول من يوليو عام 1979 الخطوط العريضة للسياسة التي تنتهجها الحكومة فقال: "إنني إذا أقدر ضخامة المسؤولية أرى لزاماً علي أمام أهلي وبلدي أن أكون واضحاً بما أنادي به وبما أعتقد أنه كفيل بتحقيق الأهداف التي من أجلها تقبلت حمل الأمانة. إنني والوزراء لا نعد بتحقيق المعجزات ولكننا سنبذل أقصى ما نستطيع للسير باتحادنا قدماً في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذا يتطلب أول ما يتطلب مشاركة المواطنين كل في اختصاصه وميدان عمله في تحمل المسؤولية وأداء الواجب فالمسؤولية بيننا مشتركة جميعاً ولا مجال للتهرب منها."
شارك الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة مع أخيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مساهماً بشكل فعال في بناء الدولة وتدعيم الاتحاد ثم عاملا يد بيد مع أخوته حكام الإمارات على دفع عجلة التقدم والتنمية وتحقيق الرخاء للمواطنين.
انتقل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم إلى رحمة الله في السابع من أكتوبر عام 1990 تاركاً ورائه سجل من الأعمال والإنجازات التي حازت على احترام العالم لقائد تفانى في خدمة وطنه وتحقيق حلم الإتحاد.
http://www.uaecabinet.ae/Arabic/Presidency/Pages/president1_2.aspx


كتاب ـ راشد الأسطورة
راشد مؤسس دولة ورائد مسيرة وطن
http://www.alamuae.com/uaealbum/data/media/151/rasheed-25.jpg

تأليف :غريم ويلسون

يسير الزمن وتسطع الأضواء وينبهر الناس وينسون.. لكن عكس كل بقاع الأرض ومع وهج شمس كل يوم يجد المرء نفسه ـ في عالمنا العربي والعالم الخارجي أيضا ـ مضطرا لأن يسأل عن تاريخ بلدان الجزيرة العربية.. بلدان الرمل والنخيل والشمس ومالح مياه الأرض.. هذه النهضة من أين وإلى أين؟ يجد المرء نفسه متجها بقوة لأن يعبر بحار التاريخ .. يفتش في سجلاته كيف كانت البداية؟ .. ومن هم رجاله؟..

لابد أن هناك روادا أمسكوا بهذه الرمال وأعلنوها أوطانا يسكنها الناس ويقيمون عليها هذه البلدان، التي تطورت لتصبح دولا عصرية مؤثرة في المنطقة والعالم وتحظى بكل هذا الاحترام .. كانت الهجرة سمة شعوب تلك الأيام.. وكان التاريخ حاويا بين جنباته أن شعوب المغرب العربي والجنوب كلها عائلات مهاجرة من الجزيرة العربية.. لكن هناك أناساً عرفوا أن حق الأرض عليهم أن يبنوا عليها نهضة.. ويقيموا عليها مستقبل شعوب أصيلة..

في بقعة من بقاع الجزيرة عرف الناس اسم «دبي» مقرونا باسم «آل مكتوم»، كان بينهم رجل شاغَله تراب الأرض وحلم الدولة الكبيرة العصرية المتطورة.. يعرف التاريخ جيدا اسم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الذي أحبه الناس بلقب «والد دبي» ويشهد التاريخ أن الحاكم الذي رحل عن دنيانا في العام 1990 تمكن في سنوات لم يكن فيها العالم الحديث قد تشكل بعد- من أن يؤسس إمارة يعمرها لتزدهر وتلحق بركب العالم المتطور.. تاريخ الرواد دائما يجد من يحفظه «تراثا للبشرية» وجذوة نضال تضيء طريق كل من يحاول أن يبني نفسه وكل شعب يطمح أن يحمل أبناؤه اسم وطن.. وقد وجد تاريخ آل مكتوم وإمارة دبي من يسجل شطرا منه للمكتبة العربية والعالمية، في كتاب باسم «راشد الأسطورة» وهو مختصر لتاريخ دبي ومؤسس نهضتها الأسطورية المغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ..

مؤلف الكتاب هو البريطاني غريم ويلسون الذي يقول إن لفيفا من الناس وفريق عمل ساعدوه في كتابة هذا الكتاب على مدى سنوات في مقدمتهم أعضاء في أسرة آل مكتوم واختصاصيون في السياسة والتاريخ ووزراء عرب وأجانب.. يرسم الكتاب الذي تنشره «ميديا بريم» لوحة لعائلة من القادة كرسوا جهودهم لخدمة شعب بلادهم، عقدوا العزم على بناء مستقبل متماسك ومستدام. فيما يلي عرض مبسط لبعض ما جاء في الكتاب: يقول المؤلف: في الحقبة ذاتها من الزمن التي كان جون كينيدي يُحيي فيها رميماً من تراث كاملوت أكثر قلاع القرون الوسطى شهرة في أساطير الملك آرثر بيناليغون الذي حكم بريطانيا كان حاكم لإمارة صغيرة على أطراف شبه الجزيرة العربية يدعى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم يبدع نهجاً قيادياً رؤيوياً إن ذكَّرنا بشيء فبتراث كاملوت. صحيح، دون شك، أن البيت الأبيض قائم في بيئة تختلف فيها المعطيات والمؤثرات.


ومع ذلك تبقى المقارنة واردة وصحيحة. ولعل الحقيقة الواقعة أن كاملوت التي ابتدعها الشيخ راشد (بالمفهوم الرمزي طبعاً) تركت في دبي تراثاً وأثرت في مستقبلها أكثر بكثير مما أثر كينيدي مع أخذنا بالاعتبار تحقيق حلم الإنسان بالسير على سطح القمر الذي يُعتبر من أهم إنجازات فترة حكم كينيدي.


كان الشيخ راشد ذا أصول عربية عريقة، لكن المفارقة أنه تنكب مسؤولية تطلبت منه أن يُجسِّر ما بين حقبتين نقيضتين بحيث استطاع الانتقال بمشيخته من قرية ساحلية مغمورة ومفلسة تعيش على صيد اللؤلؤ والسمك في ثلاثينات القرن الماضي، إلى الحداثة والعصرنة التي خاضتها تلك الإمارة الصغيرة وبلغت فيها شأناً كبيراً منذ ثمانينات القرن الماضي.


كان الشيخ راشد قائداً محنكاً وذكياً وقد أدرك أن المهمات التي عليه مواجهتها ينوء تحت أعبائها أي رجل بمفرده مهما كان قادراً، ومن هنا جمع من حوله أهل النخبة من مجتمع دبي وكانوا في مجلسه متساوين كأسنان المشط.


كان لا بد للإمارة أن توفّر لمواطنيها المستشفى والمدرسة ومياه الشرب النقية والكهرباء والعمل والسكن، لذا خاض الشيخ راشد كفاحه ساعياً إلى القضاء على آفة الفقر التي كانت تلف شعبه ومواطنيه بالبؤس. هذه المشاريع كانت جزءاً لا يتجزأ من الميراث الذي تركه لدبي وعليها بنت دبي حاضرها ومستقبلها.


كما العديد من مدن الخليج العربي، أنشت دبي على موقع قريب من الخور، وتركز التجمع السكني لدبي في الأصل، على ما يرجح، في ديرة والشندغة، وهما كناية عن امتداد رملي عند مدخل الخور. ما من إجماع حول المصدر الأصلي لاسم دُبَيّ أما النظرية الأكثر قبولا تقول إن الاسم ينحدر من كلمة عربية تعني «الأرض التي أيبسها الجراد».


في أواخر ديسمبر 1938 أعلن أن ولي عهد دبي الشيخ راشد سيتزوج الشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان التي عاشت في دبي، وكان موقع الشيخ راشد كفيلاً بتدفق كبار شخصيات الساحل لحضور الحفل، وقد احتشد مئات الرجال المسلحين من القبائل الموالية لدبي في شوارعها مطلقين النار في الهواء احتفالاً. أما المواطنون فملأوا الشوارع وشاركوا آل مكتوم فرحهم وموائدهم الاحتفالية العامرة.


وضعت أحداث العام 1939 نهاية لفترة عمها انعدام الاستقرار الذي خلفه موت صناعة اللؤلؤ واستمرت قرابة السنوات العشر، لكن القصة لم تنته هنا، فالمراقبون بمعظمهم رأوا أن العملية فتحت الأنظار على سمعة متعاظمة لولي العهد الذي أنهى بحنكة ودراية محنة أصابت المجتمع التجاري بالشلل. كان المعروف عن الشيخ راشد أنه يقدم لوالده الشيخ سعيد الرأي السديد، وحين يقرر الاثنان ضرورة التحرك يأخذ الشيخ راشد المبادرة.


ثلاثينات القرن الماضي لم تكن سنوات مريحة في دبي، وحين عاد الاستقرار وجد حاكم دبي راحة وسعادة في ترك المقعد الأمامي لوريثه، ومع أن الشيخ راشد لم يكن ليتولى الحكم قبل قرابة العقدين، كان واضحاً منذ بداية الأربعينات أن مركز القرار يعود إليه. ربيع العام 1949 شهد بداية التقاعد التدريجي للشيخ سعيد الذي انسحب من واجهة الحكم وكان «سعيداً» بتمضية الكثير من وقته خارج دبي يمارس «القنص» هواية مفضلة.


بحلول العام 1945 بات من النادر جداً أن يعقد الشيخ سعيد مجلساً، وهذا يشير إلى أن قيادة دبي الفعلية كانت قد انتقلت إلى الشيخ راشد منذ ذلك الوقت. تزامن هذا التقاعد التدريجي مع نشوب الحرب العالمية الثانية التي كانت ساحتها من البعد من المشيخات الخليجية الفقيرة، بحيث يحسب المرء أنها لم تحمل للمنطقة وشعوبها أي متاعب. لكن واقع الأمر كان مختلفاً.


في تلك الحقبة كان على الشيخ راشد أن يتغلب على نقص مالي في منتهى الحدة كان يحول دون البدء بحملة التحديث وتنفيذ المشاريع الجديدة. أحد المستشارين آنذاك قال لصحيفة محلية: كان العمل لا يتوقف، وكان الشيخ راشد مقابل كل خمسين ألف روبية من عائدات الجمارك ينطلق بمشروع يكلف ستة ملايين.


لكن أهم مشاريع الشيخ راشد في تلك الحقبة ربما كان تطوير خور دبي في العام 1950. ويحكي الكتاب الذي استغرق الإعداد له عدة سنوات: ضربت أزمة قناة السويس الشرق الأوسط في العام 1956 بحرب شاركت فيها فرنسا وبريطانيا إلى جانب إسرائيل في عدوان على مصر.


ومن بين الذين نأوا بأنفسهم عن أيّ تورط في أزمة السويس في حزب المحافظين كان عضو مجلس العموم الذي صار رئيسا لمجلس الوزراء البريطاني إدوارد هيث الذي اهتم بالمنطقة منذ ذلك الوقت ويقول هيث:


«الإمارات المتصالحة كانت مثيرةَ للاهتمام بنسبة كبيرة جداً، ولا أزال أذكر عثوري في مكتبة مجلس العموم على تقرير موجز ورد فيه ذكر مدينة ساحلية تدعى دبي وولي عهدها الذي كان رجلاً غير تقليدي». إدوارد هيث الذي كان لا يزال في بداية مسيرته السياسية، لم يكن يتخيل أنه في مرحلة آتية سيلتقي ولي العهد هذا وأن لقاءهما سيتكرر أكثر من عشر مرات.


منذ سنوات الصبا كان البرنامج اليومي للشيخ راشد برنامجاً مزدحماً، قابله ذات مرة حارس سيريلانكي لم يكن يعرفه ووبخه لأنه تواجد مبكرا في موقع غير مصرح لشخص بالتواجد فيه وكان هو يقهقه ضاحكاً قبل أن يتعرف عليه. بعد العام 1940 كان الشيخ سعيد، حاكم دبي، سعيداً بالانكفاء عن مهمات الحكم وترك شؤونه لابنه الشيخ راشد الذي تولّى منذئذٍ سلطة الحكم الفعلية.


وقال تقرير اقتصادي صدر في ذلك الوقت أن المجتمع التجاري في الإمارات المتصالحة بات يتركز الآن ـ بكامله تقريباً ـ في دبي. وأدرك الشيخ راشد أن نظاماً مصرفياً حديثاً من شأنه تقوية المجتمع التجاري في المدينة ومن هنا سعى إلى الاتيان بمؤسسة موثوقة لإيداع الأموال مع أن هذه المساعي استغرقت قرابة عشر سنوات لتحقق نتائجه وذلك من خلال اتفاق مع البنك الإمبراطوري الإيراني.


في العام 1958 حدثت وفاة الشيخ سعيد ووقعت في مفصل زمني كان وريثه يعد العدة فيه لطرح مجموعة من المشاريع لتطوير دبي وتنميتها، وكذلك البدء في إنشاء شركة المياه وإرساء بدايات نهضة زراعية. وعندما بدأت جهود إنشاء مطار دبي وطلب مساعدة بريطانيا كان الجواب لا يثير الاطمئنان وقال الشيخ راشد، بعد سماعه مجموعة الأسباب التي منعت بريطانيا من تقديم المساعدة: ولن أكون أقل صراحة معكم. إن دبي سوف تبني مطارها الخاص،وفي الثلاثين من سبتمبر 1960 دشن الشيخ راشد مطار دبي الدولي كاملاً مع محطة ركاب صغيرة وبرج للمراقبة.


بين أواسط خمسينات القرن العشرين وستيناته، بدأ الشيخ راشد يظهر قائداً دينامياً، وكانت إصلاحاته ومشاريعه العملاقة قد بدأت تترك أثرها العميق في تطور دبي. أما الشيخ محمد فيذكر أنه كان اجتماعياً يحب الاختلاط بالآخرين وكان محبوباً، لكن اللافت فيه كانت واقعيته. وفي العام 1963، قرر الشيخ راشد أن الوقت حان لزيارة أميركا، وبعد رحلة بحرية وصل الشيخ راشد برفقة نجليه الشيخ حمدان والشيخ محمد إلى الأرض الأمريكية وزار الأمم المتحدة وقالت التقارير نقلاً عنه أن الزيارة كانت ممتعة ومفيدة.


في أواخر الستينات بدأ الشيخ راشد وحدة الدولة مع الشيخ زايد بن سلطان قدما بقدم وجنباً بجنب. بعد أسابيع من المفاوضات الدبلوماسية، وأيام من المباحثات المباشرة، وقع تسعة قادة خليجيين في شهر فبراير من العام 1968 في إمارة دبي اتفاقاً لإنشاء «اتحاد الإمارات العربية المتحدة». وكان الشيخ راشد واحداً من أصلب المؤيدين للاتحاد، فدرالياً كان أو سوى ذلك.


خلال فصل الشتاء من العام 1968، وامتداداً حتى أوائل العام 1969، بذل الشيخ راشد وأبناؤه جهوداً مضنية لبناء توافق وحدوي. كان هو والشيخ زايد حاكم أبوظبي يؤمنان بضرورة وقوف المشيخات التسع جنباً إلى جنب اقتصادياً وأمنياً، لكن أياً منهما لم يكن غافلاً عن حقيقة المشكلات التي تعترض عملية الاتحاد.


وبعد انهيار مشروع اتحاد الإمارات العربية التسع في شهر أكتوبر من العام 1969، استمرت الجهود تبذل، لإقامة صيغة اتحادية، وتم الاتفاق بين الشيخ راشد والشيخ زايد على عدم إسقاط الصيغة التساعية نهائياً وإنما لا بد من تركيز الجهد الآن على مجموعة المشيخات السبع، باعتبارها تجمعاً طبيعياً ويقول الكتاب عن الشيخ محمد بن خليفة آل مكتوم: كان سعيداً جداً بأن يرى دبي مستمرة في مسيرة التقدم بقيادة أبنائه.


لقد رأى الشيخ راشد بأم العين النتيجة الإيجابية لحسن توزيع السلطة بين أبناء العائلة الحاكمة، وحين اضطرته ظروفه الصحية إلى التخلي عن القيادة كان مشروعه الكبير قد اكتمل: تسلَّم أبناؤه زمام السلطة والقيادة كأن شيئاً لم يتغير، وما من موضوع مهم كان يبتّ دون أن يعرف به الجميع، وكانوا يتبادلون المعلومات وتتخذ قراراتهم جماعياً.


هذا الكتاب


هذا الكتاب ليس سوى مُختصرٍ لتاريخ دبي ونهضتها الأسطورية، فمن خلال الإضاءة على السنوات الأولى لوصول آل مكتوم إلى حكم المشيخة منذ ما يربو على مائة وسبعين عاماً يكشف الكتاب عن الجذور الأولى للإمارة منذ بدايات تاريخها الموثَّق مروراً بسلسلة من القادة الكبار من أعضاء العائلة الحاكمة.


من هنا ينطلق الكتاب ليكشف لنا مسار حاكم استثنائي ومسيرته هو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الذي عُرف بالتسمية المحببة لدى مواطنيه: «والد دبي». ترك الشيخ راشد، الذي توفاه الله في العام 1990. إمارة عامرة ومزدهرة تنعم ببنية تحتية متطورة وبقاعدة صناعية واقتصادية قادرة على إلحاق إمارته بركب القرن الواحد والعشرين. يرسم كتاب «راشد الأسطورة» لوحة لعائلة من القادة من ذوي الفرادة كرّسوا جهودهم كلها لخدمة شعبهم وعقدوا العزم على بناء مستقبل متماسك ومستدام.


أورثنا مسارا تراثيا


تصدرت الكتاب كلمة افتتاحية قال فيها سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم وزير المالية نائب حاكم دبي: أطلق والدي الراحل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراه مسارا ملحميا، لقد ورثنا أنا وأخواني دبي القائمة على أسس حديثة لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك أنه أورثنا مسارا تراثيا بل نموذجا في الفرادة وفي جوهر أن يكون المرء قائدا رياديا متنورا، إنه كان رجلا حكيما حاسم القرار.


الصفحات: 257


الكتاب: راشد الأسطورة ـ جذور آل مكتوم وتاريخ دبي


تعريب: شكري رحيم


الناشر: ميديا بريما ـ دبي ـ 2008
منقووووووول..........
المصدر جريدة البيان