المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات مع الامتحانات


أفاق : الاداره
06-08-2004, 01:42 AM
وقفات مع الامتحانات

د.ناصر بن يحيى الحنيني
16/4/1424
16/06/2003

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
أيها المؤمنون: يمر أبناؤنا الطلاب بموسم متكرر ، موسم الحصاد، وجني الثمار ، حصاد وجني ما قدموه من جهد في تحصيل العلم النافع ، الذي يعود عليهم أثره في الدنيا والآخرة بإذن الله إن خلصت فيه النيات، وحتى لا يتشعب الحديث نختصر الكلام في بعض الوقفات التي أسأل الله أن ينفع بها قائلها وقارئها ، وهي على سبيل الإجمال ما يلي :
الوقفة الأولى : أوصيك أيها الطالب الموفق ، وأنت أيها الأب المبارك ، والمعلم المسدد ، بل هي وصية الله للأولين والآخرين التي أوصانا الله بها في كتابه حيث قال : (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ) والتقوى إخواني هي سبب الفلاح والنجاح في كل أمورنا، وقد أوصانا بها نبينا الكريم r في كل أحوالنا؛ فقال r : "اتق الله حيثما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"، ومعنى التقوى : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية؛ باتباع أوامره واجتناب نواهيه، فهذا هو السر الحقيقي للتفوق والنجاح إذا ضممت إليه الأخذ بالأسباب ، فالله عزوجل وجل قد تكفل لمن اتقى أن ييسر أمره ويفرج همه، فقال سبحانه : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) ، وقال سبحانه : (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً).
الوقفة الثانية :في مثل هذه المواسم يتغير برنامج حياة البيت المسلم ،فينقلب البيت بعد الهزل واللعب إلى الجد والحزم ، وبعد العبث واللهو إلى الحرص والعمل ، وهذا أمر يفرح القلوب؛ لأنه مظهر إيجابي ، ونحن نطالب كل أب غيور صادق أن يجعل جزءًا من هذا البرنامج مستمراً بعد الامتحانات ، لماذا بعد الامتحانات؟ لأنه لا يصبح للوقت قيمة في بيوتنا، ولا للبرامج الجادة مكاناً في حياتنا، فعلينا بمراجعة أنفسنا، فنحن محاسبون أمام الله في وقت الامتحانات وقبلها وبعدها حتى نلقى الله ، فنسأل الله التسديد والتوفيق لكل خير.
الوقفة الثالثة: إن من المظاهر الجيدة والمواقف المسددة والمباركة ما يصنعه كثير من الآباء من قطع كل وسائل اللهو والعبث المحرم عن أبنائه وبناته أثناء فترة الامتحانات ، فالدش يغلق والغناء يسكت ، وكل ما يلهي ويغضب الله لا طريق له في بيوتنا؛ رغبةً في التوفيق وعدم الخذلان من رب العالمين ، وهنا تستيقظ الفطرة في قلوب كثير من الآباء والأمهات -وهو حق وخير، يجب أن نتواصى به في كل وقت- يستيقظ الإيمان في قلوبنا، ويصبح في قلوبنا يقين بأن الذي يوفق ويسدد ابناءنا هو الله، فينبغي عدم التعرض لما يغضبه، فيقوم الآباء والأمهات بتطهير البيوت من كل ما يغضب الله رغبة في ما عند الله، وحرصاً على عدم إنشغال أبنائهم فيما لا يرضي ، فيا أيها الأب المبارك والأم الحنون : اعلما بارك الله فيكما أن الله مطلع ويعلم ما تكن صدورنا وما توسوس به أنفسنا فالله الله أن يكون همنا شيئاً من أمور الدنيا، وننسى التوفيق والنجاح في الآخرة ، الحياة الباقية التي لا تقارن بنجاح الدنيا (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) ، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، وإن من الأمور السلبية التي يتعود عليها الأبناء أن يعلقوا مرضاتهم لربهم بالطمع بما في الدنيا. لنعودهم التقوى، والبعد عن الموبقات في كل حياتهم، في الامتحانات وغيرها حتى تصلح حياتهم، وتستقيم نفوسهم علي الخير وفقنا الله إياكم لما يحبه ويرضاه .
الوقفة الرابعة :إن مما يفرح قلب كل مؤمن إقبال الشباب على الصلاة والعبادة والمحافظة على صلاة الجماعة وخاصة صلاة الفجر في مثل هذه الأيام ، وهذا أمر يدل على وقور الإيمان في قلوبهم ونسأل الله لهم الثبات، ولكن لا يليق بك أخي أن تتنكر لربك وتترك عبادته بعد أن يمن عليك وينعم عليك ويسددك ويوفقك، و احذر من أن ينطبق عليك قول الله عزوجل : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ، فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) .
الوقفة الخامسة :لاتنس أخي الطالب وأنت أيها الأب المبارك اللجوء والتضرع إلى الله؛ فإن الله يحب من عبده كثرة الدعاء والإلحاح فيه، وهو من أعظم ما تتقرب به إلى مولاك ، وقد وعدك ربك بالإجابة إن أقبلت إليه بصدق (وقال ربكم ادعوني استجب لكم ).
الوقفة السادسة :تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، أيها الطالب الموفق والأب المسدد ، لاشك أننا جميعا نحرص على التوفيق لنا ولأبنائنا، ولكن من الأسباب المهمة التي طالما نغفلها أن صلتنا بالله قد يشوبها شيء من الضعف في غالب أيام السنة، وقد تقدم شيء من ذكر بعض المظاهر؛ كالتقصير في تقوى الله ومراقبته، والبعد عما يسخطه، فحري بنا أن نعلم أن الله حكم عدل، ومن كانت صلته بالله قوية في كل حال فحري بأن يوفق ويسدد.
الوقفة السابعة:أيها الآباء...، أيها المربون والمعلمون ، هناك أمر نمارسه مع أبنائنا والدافع هو الحرص عليهم، ولكنه يعود في الغالب بالضرر عليهم، وهو تهويل وتضخيم أمر الامتحانات بشكل غير معقول، بحيث تصبح الامتحانات عند كثير من الطلاب والطالبات شبحاً وكابوساً، يراد له أن ينتهي بأية صورة، ولا أدل على ذلك ما نراه من النفسية المتردية لدي كثير من الطلاب -والطالبات على وجه الخصوص- من ظهور القلق والارتباك وعدم التركيز وقلة النوم ، بل الاضطراب، وبعضهم يدخل المستشفى من شدة ما يجد، بل إن حالات الإغماء في قاعات الامتحانات في مدارس البنات أصبحت أمراً مألوفاً، وهذا أمر لابد أن نعالجه بالأمور التالية:
أولاً: لنرسخ في أبنائنا أن الامتحانات أمرها هين، وأنها مرحلة عادية كغيرها من المراحل، وذلك بالتوجيه والحوار المستمر مع أبنائنا سواء من قبل الأب أو المدرس ، وأذكر إخواني المعلمين بأنه قبل توزيع الأسئلة، بل حتى قبل دخول الامتحانات أن يخاطبوا الطلاب بلهجة تبعث في نفوسهم التفاؤل والأمل، والبعد عن العبارات التي تبعث على التشاؤم والإحباط، كالتهديد المستمر لهم بالرسوب والعقاب ، أو بالتوبيخ لهم دائماً بأنهم لا يفهمون؛ فإن هذا مخالف لهدي نبيكم أولاً ، ومخالف لأسس التربية الحديثة ثانياً.
ثانياً : لنرسخ في قلوب أبنائنا أن هذه الامتحانات ليست المحطة النهائية ولا الرئيسية في حياة المسلم، وأن الخسارة الحقيقية في ترك مرضاة الله والتعرض لسخطه وخسران الآخرة والجنة، كما قال سبحانه: (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ).
ثالثاً :ليكن لك أيها الوالد المبارك جولات متفرقة تمر بها على ابنك وابنتك فتشد من أزرهما بالكلمات الحانية، وبالتلطف معهما والبشاشة تعلو محياك مع خلطها بشيء من المزاح والضحك الذي يبعث في قلوبهم الأمن، ويخفف عنهم الوطأة، ولا تنس عبارات الثناء والتشجيع والتأكيد بأن النجاح حليفهم بإذن الله .
الوقفة الثامنة والأخيرة :
أيها الطالب الموفق: سوف أهدي لك بعض النصائح وبعض التحذيرات على وجه الاختصار، فأرجو أن تنال حيزاً في قلبك وعقلك، وأسأل الله أن ينفعنا ويوفقنا وإياك للعلم النافع والعمل الصالح .
1ـ احرص على بر والديك، وطلب الدعاء منهم قبل الامتحانات، وأثناء الذهاب للامتحان، وبعد الامتحان .
2ـ احرص على النوم مبكراً، وأعط لنفسك قسطاً من الراحة، ولو لم تنته من مراجعة المنهج؛ لأن الاستيعاب واستحضار المعلومات متوقف على راحة الدماغ والجسد عموماً.
ثالثاً : إياك والقلق وعدم الثقة بنفسك، ولا تجعل لوساوس الشيطان عليك سبيلاً ، أو الخواطر السيئة على قلبك؛ مثل: التفكير المستمر بالفشل، وعدم النجاح، ونحو ذلك، وليكن التفاؤل حاديك في كل أعمالك.
رابعاً :احذر مصاحبة الكسالى وأهل الباطل، واربأ بنفسك عن مجالستهم، وخاصة أهل المعاصي والموبقات، وأعلم أن من أقل أضرار المعصية عدم التوفيق في أمورك كلها.

قد رشحوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

خامساً :احذر من الغش، واعلم أنها حيلة العاجزين وطريق الفاشلين وصفة قبيحة لا تليق بالمؤمنين، كيف لا؟ والنبي r يقول "من غشنا فليس منا" كيف ترجو السداد والنجاح ونبيك يتبرأ منك؟ - نسأل الله السلامة والعافية-، وإنني أخاطب الطلاب والمدرسين على حد سواء، بل حتى الآباء فإن التقصير في مسؤولياتنا تجاه أبنائنا هو نوع من الغش ، وأنت أيها المدرس: صن الأمانة التي ألقاها الله على عاتقك بحفظ سر الأسئلة فإياك أن تفرط في هذه الأمانة، وتذكر قول ربك: (يا أيها الذين آمنو لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) .
وأرجو أن تكون من قبيل الإشاعات ما نسمعه من تسريب الأسئلة، خاصة عند من يدرسون الدروس الخصوصية في البيوت مقابل دراهم معدودة، ويكون المقابل هو ضياع الأمانة!.
سادساً :إذا دخلت صالة الامتحان فأكثر من ذكر الله وتبرأ من حولك وقوتك، ولا تغتر بحافظتك أو جهدك، وتوكل على ربك، واقرأ الأسئلة بهدوء ودون عجلة، ولا تفكر فقط بأن تنهي الأسئلة؛ بل عليك بالتأني والهدوء والمراجعة، فإنها من أهم أسباب الإجابة الصحية.
سابعاً : كلمة أهمس في بها في أذنيك، أخي الطالب، سمعت -وأرجو ألا يكون ما سمعته صحيحاً- أنك تمارس بعض ما لا يليق بعد خروجك من الامتحان أهكذا يكون شكر النعمة ، أهكذا يتصرف العقلاء ، أخي الطالب إربا بنفسك عن مثل هذه الأعمال
ـ العبث بالسيارة و"التفحيط" والتهور والسرعة القاتلة، وغالباً ما تكثر المصائب، نسأل الله أن يحفظ أبناءنا وبناتنا بعد الامتحان.
ـ التسكع عند مدارس البنات ومضايقتهن أثناء خروجهن، وإنني أهيب بالطلاب أن يتقوا الله، ويتذكروا بأن الله مطلع عليهم، وليعلموا أن لهم أخوات وأعرض، والجزاء من جنس العمل .
أوجه نصيحة للآباء والأمهات والمدرسين ومدراء المدارس والمعلمات بأن يتقوا الله، وأن يلاحظوا الطلاب والطالبات وقت خروجهم، ويوجهوهم، وأن يتعاونوا مع رجال الهيئة ورجال الأمن في إرشادهم، وأن يتواصلوا مع أولياء الأمور في ذلك، والله الحافظ والمعين والموفق والمسدد.
أيها المؤمنون لنتذكر دائماً قول الله عزوجل ( وما بكم من نعمة فمن الله) فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .