أفاق : الاداره
05-11-2004, 08:28 AM
هل يستهدف الإسلام الغرب فهمي هويدي
9/3/1425
28/04/2004
حين ألقيَّ عليَّ هذا السؤال، لم أجد له إجابة حاضرة في ذهني، وبالتالي فلم استطع أن أؤيد استهداف الغرب للإسلام كدين وعقيدة، ولم أستطع أن أنفي عنه ذلك. ووجدت أن عرض المشكلة والتفكير فيها بصوت عال قد يفيدني في التوصل إلى إجابة واضحة لها، على الأقل من حيث إنه قد يبين لماذا يتعذر اعتبار الغرب مستهدفاً للإسلام كعقيدة، ولماذا لا نستطيع أن ننفي عنه هذه التهمة، لكنني أحسب أنه من المهم قبل هذا وذاك أن نتفق على مجموعة من المسائل، الذي يتصل بعضها بتحرير الغرب الذي نعنيه، ويتصل البعض الآخر بجملة من المسلمات التي يتعين استحضارها في هذا المقام.
فنحن ينبغي أن نتنبه إلى حقيقة أن الغرب ليس شيئاً واحداً، لا على المستوى الأفقي ولا على المستوى الرأسي. ذلك أن الولايات المتحدة غير أوروبا، والأمزجة متفاوتة في أوروبا ذاتها؛ فإنجلترا غير فرنسا، والبلدان مختلفان عن ألمانيا وإيطاليا.. وهكذا وإذا لاحظنا أن مشكلة الحجاب مثلاً مثارة في ألمانيا وفرنسا، في حين أن إنجلترا سمحت للمتحجبات بالانخراط في سلك الشرطة، وصممت لهن غطاء رأس خاصاً؛ فإن ذلك يعكس تفاوت الرؤى والمواقف التي نشير إليها.
وفي داخل كل بلد هناك نخبة سياسية وهناك مؤسسات علمية وبحثية ودينية، وهناك جماهير ورأي يعبئه الإعلام في هذا الاتجاه أو ذاك، في هذا الخضم الواسع؛ فإن الغرب الذي نعنيه هو النخبة القابضة على السلطة، في الولايات المتحدة بوجه أخص باعتبارها صاحبة اليد الطولى الآن فيما أسمته بالحرب ضد الإرهاب، وبالسياسة التي تتبعها والضغوط التي تمارسها على أوروبا، فإنها تعد بمثابة القاطرة التي تجر وراءها بقية الدول الأوروبية، أو أغلبها إن شئت الدقة.
لقد مللنا من كثرة التأكيد في كل مناسبة – وأحياناً بغير مناسبة- على أننا لا نتحدث عن الغرب ككل، وإنما نتحدث عن أهل القرار السياسي، فيه عموماً وفي الولايات المتحدة خصوصاً لهذا فإني سأكتفي بتلك الإشارة في هذه الجزئية، وأنتقل إلى نقطة أخرى.
مسلَّمات خلفية الثقافة الغربية
لنتفق أيضاً على أن صورة الإسلام والمسلمين في الوجدان الغربي سلبية بوجه عام منذ الحروب الصليبية، التي بلغت جهود التنفير من الإسلام ذروتها، وكان ذلك التنفير جزءاً من حملة التعبئة المضادة التي استهدفت استنفار شعوب أوروبا وتحريضها للانضمام إلى الجيوش التي اتجهت نحو القدس لتخليص مهد المسيح من أيدي المسلمين"البرابرة" و"الأشرار".
هذه الخلفية تركت بصماتها على ثقافة المواطن الغربي، وانعكست على مناهج التعليم ومختلف المراجع الثقافية وساعدت على تشكيل إدراك غربي لا يكنّ وداً للإسلام والمسلمين، عند الحد الأدنى. ومن ثم كان ذلك الإدراك مستعداً لاستقبال البث الإعلامي الذي كان أغلبه معادياً للاثنين، سواء بسبب التأثير الصهيوني أو بتأثير من بعض العناصر المتعصبة التي تعاملت باستعلاء وازدراء مع العرب والمسلمين.
لنتفق كذلك على أن العقل الغربي بعد الذي بلغه من شأو وعلو، ثم وهو يرى تخلف المسلمين وتدهور أوضاعهم، اكتسب ثقة في النفس مبالغاً فيها، أقنعت المواطن الغربي بأنه الأرقى والأرفع والأكمل، وأن حضارته هي "نهاية التاريخ" ولا تقبل منافسة من أي أحد بسبب من ذلك فإن العقل الغربي وهو في مكانته العملية تلك أصبح رافضاً لفكرة الندية مع الحضارات الأخرى، ثم إنه لم يعد قادراً على استساغة فكرة أن مجتمعاً آخر –متخلفاً مثلنا – يمكن أن يكون عصياً على الاحتواء أو رافضاً للنموذج الغربي، وهذه مشكلة لم يستطع كثيرون من الغربيين استيعابها حتى الآن. وقد فاقمها أن المجتمعات الإسلامية بطبيعة تكوينها يتعذر قولبتها في النموذج الغربي، ببساطة لأن لها منظومة قيم مغايرة، وبنيان فكري وفلسفي ونظر إلى الكون والحياة مختلف عنه تماماً في الغرب، وهي مشكلة تتبدى بتلك في بعض الدول الغربية التي ما زالت تصر على "اندماج" المسلمين المقيمين فيها مع المجتمع الفرنسي أو الألماني مثلاً، حيث لا يكتفون بتفاعل المسلمين مع المجتمع واحترامهم لقيمه وتعاليمه وقوانينه، ولكنهم يصرون على أن يصير المسلمون مثلهم تماماً واستنساخاً لهم. وهو ما ثبت تعذره من الناحية العملية.
هذا الاستعصاء على الاحتواء لا يزال يثير حفيظة كثير من الغربيين، الذين عجزوا أو رفضوا أن يتهموا خصوصية القيم الإسلامية، التي تقبل التفاعل وترفض الذوبان والانسحاق.
لنتفق بعد ذلك على ثلاثة أمور: الأول أن العالم الغربي بعد انهيار سور برلين وسقوط الشيوعية راح يبحث عن "عدو" وتضافرت ظروف متعددة رشحت الإسلام كي يشغل ذلك الموقع بديلاً عن الشيوعية ويبدو أن هذه الفكرة راقت لأغلبية النخبة في الولايات المتحدة.
الأمر الثاني: أنه بعد غياب الاتحاد السوفيتي وتفرد الولايات المتحدة بصدارة "العالم الأول" فإن دعاة تمدد الإمبراطورية الأمريكية في فضاء الساحة التي خلت انتعشوا، الأمر الذي دعاهم إلى بلورة مشروعهم في كتابات عدة بينها المذكرة الشهيرة التي قدمت إلى الرئيس السابق بيل كلينتون في عام 1997م حول القرن الأمريكي الجديد.
وكان موقعو المذكرة خليطاً من الأصوليين الإنجيليين المتعصبين المخالفين مع غلاة الصهاينة في الولايات المتحدة وإسرائيل.
الأمر الثالث: أن أحداث 11 سبتمبر وفرت لفريق الأصوليين المتعصبين والمتصهينين في الإدارة الأمريكية حجة قوية لاعتبار العالم الإسلامي عدواً يجب قهره وتطويعه، حتى لا يظل مصدراً يهدد الأمن القومي الأمريكي، ولأن هذا العالم يكره الأمريكيين – كما ادّعوا- فقد يخرج من بين أبنائه يوماً ما في المستقبل من يكرر ما جرى في 11 سبتمبر.
لسنا هنا بصدد تقييم هذه الرؤية، التي صممت بحيث تخدم في النهاية هدف قهر المسلمين وتطويعهم باسم مكافحة الإرهاب، بعدما قامت بتبسيط وتسطيح مسألة كراهية المسلمين للولايات المتحدة مع التجاهل التام لدور السياسة الأمريكية في زرع بذور الكراهية والسخط، ولكننا أشرنا إلى تلك النقطة باعتبار أنها شكلت خلفية للسياسات الأمريكية التي اتبعت في المنطقة واستخدمت السلاح في بعض الحالات (إسقاط نظامي طالبان في أفغانستان، والبعث العراقي، وقصف مصنع الشفاء في السودان) ثم لجأت إلى ما سمي بحرب "الأفكار" في بقية الدول العربية والإسلامية.
مفهوم المواجهة
كانت فكرة "صراع الحضارات" التي أطلقها المستشرق اليهودي الأمريكي برنارد لويس، وقام بتأصيلها والترويج لها عالم السياسة الأمريكي صمويل هنتجتون ابتداء من عام 1993م، جاهزة لتسويغ وتبرير المواجهة بين الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وبين العالم الإسلامي، ذلك أن هنتجتون بعد أن ميز بين سبع حضارات في العالم: (الغربية، الأمريكية اللاتينية، الأرثوذوكسية، الإسلامية، الكونفوشيوسية، الهندوسية، اليابانية، ورشح الأفريقية كحضارة ثامنة محتملة)؛ فإنه دعا إلى الاحتشاد في مواجهة الحضارة الإسلامية بوجه أخص، في الأغلب بسبب أنها أكثر استعصاء على الاحتواء من أي حضارة أخرى على وجه الأرض، من ثم فإن رسالته التي تعبر عن رأي مدرسة كاملة للنخبة الأمريكية ذات الانتماء اليميني هي التأكيد على أن الصراع ليس محله المصالح فحسب ولكنه أصبح بعد انتهاء الحرب الباردة صراع ثقافات وأديان.
على الصعيد النظري تلاحقت الأدبيات التي وسعت من مفهوم المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي، وكان كتاب "البرابرة والحضارة في العلاقات الدولية"، لمؤلفه مارك سالز حلقة في هذا الاتجاه، إذ قسم العالم إلى متحضرين يمثلون النموذج واجب الاحتذاء، وهؤلاء هم الغربيون أساساً، وبرابرة متخلفين يقفون على الشاطئ الآخر المواجه لهم، وهم مصدر العنف والفوضى في العالم.
هذه الأفكار تشبع بها تيار اليمين الديني المحافظ في الولايات المتحدة وشاءت المقادير أن يكون أبرز عناصر الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بوش الابن من المنتمين إلى ذلك التيار، الأمر الذي هيأ فرصة مواتية مكنت هؤلاء من إسقاط أفكارهم ورؤاهم على مجال التطبيق العملي، خصوصاً في مجال العلاقات الدولية.
منذ تسلمت الإدارة الأمريكية الحالية مسؤولياتها في بداية عام 2001م تكدس التحالف بين اليمين الديني السياسي وكانت أهم نقاط الالتقاء بينهما في مجال السياسة الخارجية هي: بسط الهيمنة الأمريكية على العالم والدفاع عن المصالح الإسرائيلية وحين وقعت أحداث 11 سبتمبر احتلت فكرة تطريح العالم الإسلامي عنواناً رئيساً في مشروع الهيمنة.
لقد استدعت أحداث 11 سبتمبر مجموعة من الأفكار ذات الجذور الدينية التي أصبحت حاكمة للأداء السياسي الأمريكي حتى الآن وهو ما عبرت عنه حزمة من المصطلحات والمعاني من قبيل أن الولايات المتحدة واجهت "الشر" وينبغي أن ترد هجومه وتتخلص منه وأن ذلك قدر الولايات المتحدة ومسؤوليتها أمام التاريخ، وهي حرب صليبية سوف تستغرق وقتاً لأن صانعي الشر يكرهون قيمنا، وقد دقت أجراس صراع الحضارات الذي لابد أن ينتصر فيه الغرب.
ومما كانت له دلالته في هذا السياق أن القس الذي قام بالصلاة على أرواح ضحايا الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي هو بيلي جراهامك، الذي يعد أهم وأعظم رجل دين في الولايات المتحدة وهو في الوقت ذاته أحد قيادات الرابطة الوطنية للإنجيليين وله مواقفه المشهودة في إشهار العداء للإسلام وفي التأييد المفرط لإسرائيل.
9/3/1425
28/04/2004
حين ألقيَّ عليَّ هذا السؤال، لم أجد له إجابة حاضرة في ذهني، وبالتالي فلم استطع أن أؤيد استهداف الغرب للإسلام كدين وعقيدة، ولم أستطع أن أنفي عنه ذلك. ووجدت أن عرض المشكلة والتفكير فيها بصوت عال قد يفيدني في التوصل إلى إجابة واضحة لها، على الأقل من حيث إنه قد يبين لماذا يتعذر اعتبار الغرب مستهدفاً للإسلام كعقيدة، ولماذا لا نستطيع أن ننفي عنه هذه التهمة، لكنني أحسب أنه من المهم قبل هذا وذاك أن نتفق على مجموعة من المسائل، الذي يتصل بعضها بتحرير الغرب الذي نعنيه، ويتصل البعض الآخر بجملة من المسلمات التي يتعين استحضارها في هذا المقام.
فنحن ينبغي أن نتنبه إلى حقيقة أن الغرب ليس شيئاً واحداً، لا على المستوى الأفقي ولا على المستوى الرأسي. ذلك أن الولايات المتحدة غير أوروبا، والأمزجة متفاوتة في أوروبا ذاتها؛ فإنجلترا غير فرنسا، والبلدان مختلفان عن ألمانيا وإيطاليا.. وهكذا وإذا لاحظنا أن مشكلة الحجاب مثلاً مثارة في ألمانيا وفرنسا، في حين أن إنجلترا سمحت للمتحجبات بالانخراط في سلك الشرطة، وصممت لهن غطاء رأس خاصاً؛ فإن ذلك يعكس تفاوت الرؤى والمواقف التي نشير إليها.
وفي داخل كل بلد هناك نخبة سياسية وهناك مؤسسات علمية وبحثية ودينية، وهناك جماهير ورأي يعبئه الإعلام في هذا الاتجاه أو ذاك، في هذا الخضم الواسع؛ فإن الغرب الذي نعنيه هو النخبة القابضة على السلطة، في الولايات المتحدة بوجه أخص باعتبارها صاحبة اليد الطولى الآن فيما أسمته بالحرب ضد الإرهاب، وبالسياسة التي تتبعها والضغوط التي تمارسها على أوروبا، فإنها تعد بمثابة القاطرة التي تجر وراءها بقية الدول الأوروبية، أو أغلبها إن شئت الدقة.
لقد مللنا من كثرة التأكيد في كل مناسبة – وأحياناً بغير مناسبة- على أننا لا نتحدث عن الغرب ككل، وإنما نتحدث عن أهل القرار السياسي، فيه عموماً وفي الولايات المتحدة خصوصاً لهذا فإني سأكتفي بتلك الإشارة في هذه الجزئية، وأنتقل إلى نقطة أخرى.
مسلَّمات خلفية الثقافة الغربية
لنتفق أيضاً على أن صورة الإسلام والمسلمين في الوجدان الغربي سلبية بوجه عام منذ الحروب الصليبية، التي بلغت جهود التنفير من الإسلام ذروتها، وكان ذلك التنفير جزءاً من حملة التعبئة المضادة التي استهدفت استنفار شعوب أوروبا وتحريضها للانضمام إلى الجيوش التي اتجهت نحو القدس لتخليص مهد المسيح من أيدي المسلمين"البرابرة" و"الأشرار".
هذه الخلفية تركت بصماتها على ثقافة المواطن الغربي، وانعكست على مناهج التعليم ومختلف المراجع الثقافية وساعدت على تشكيل إدراك غربي لا يكنّ وداً للإسلام والمسلمين، عند الحد الأدنى. ومن ثم كان ذلك الإدراك مستعداً لاستقبال البث الإعلامي الذي كان أغلبه معادياً للاثنين، سواء بسبب التأثير الصهيوني أو بتأثير من بعض العناصر المتعصبة التي تعاملت باستعلاء وازدراء مع العرب والمسلمين.
لنتفق كذلك على أن العقل الغربي بعد الذي بلغه من شأو وعلو، ثم وهو يرى تخلف المسلمين وتدهور أوضاعهم، اكتسب ثقة في النفس مبالغاً فيها، أقنعت المواطن الغربي بأنه الأرقى والأرفع والأكمل، وأن حضارته هي "نهاية التاريخ" ولا تقبل منافسة من أي أحد بسبب من ذلك فإن العقل الغربي وهو في مكانته العملية تلك أصبح رافضاً لفكرة الندية مع الحضارات الأخرى، ثم إنه لم يعد قادراً على استساغة فكرة أن مجتمعاً آخر –متخلفاً مثلنا – يمكن أن يكون عصياً على الاحتواء أو رافضاً للنموذج الغربي، وهذه مشكلة لم يستطع كثيرون من الغربيين استيعابها حتى الآن. وقد فاقمها أن المجتمعات الإسلامية بطبيعة تكوينها يتعذر قولبتها في النموذج الغربي، ببساطة لأن لها منظومة قيم مغايرة، وبنيان فكري وفلسفي ونظر إلى الكون والحياة مختلف عنه تماماً في الغرب، وهي مشكلة تتبدى بتلك في بعض الدول الغربية التي ما زالت تصر على "اندماج" المسلمين المقيمين فيها مع المجتمع الفرنسي أو الألماني مثلاً، حيث لا يكتفون بتفاعل المسلمين مع المجتمع واحترامهم لقيمه وتعاليمه وقوانينه، ولكنهم يصرون على أن يصير المسلمون مثلهم تماماً واستنساخاً لهم. وهو ما ثبت تعذره من الناحية العملية.
هذا الاستعصاء على الاحتواء لا يزال يثير حفيظة كثير من الغربيين، الذين عجزوا أو رفضوا أن يتهموا خصوصية القيم الإسلامية، التي تقبل التفاعل وترفض الذوبان والانسحاق.
لنتفق بعد ذلك على ثلاثة أمور: الأول أن العالم الغربي بعد انهيار سور برلين وسقوط الشيوعية راح يبحث عن "عدو" وتضافرت ظروف متعددة رشحت الإسلام كي يشغل ذلك الموقع بديلاً عن الشيوعية ويبدو أن هذه الفكرة راقت لأغلبية النخبة في الولايات المتحدة.
الأمر الثاني: أنه بعد غياب الاتحاد السوفيتي وتفرد الولايات المتحدة بصدارة "العالم الأول" فإن دعاة تمدد الإمبراطورية الأمريكية في فضاء الساحة التي خلت انتعشوا، الأمر الذي دعاهم إلى بلورة مشروعهم في كتابات عدة بينها المذكرة الشهيرة التي قدمت إلى الرئيس السابق بيل كلينتون في عام 1997م حول القرن الأمريكي الجديد.
وكان موقعو المذكرة خليطاً من الأصوليين الإنجيليين المتعصبين المخالفين مع غلاة الصهاينة في الولايات المتحدة وإسرائيل.
الأمر الثالث: أن أحداث 11 سبتمبر وفرت لفريق الأصوليين المتعصبين والمتصهينين في الإدارة الأمريكية حجة قوية لاعتبار العالم الإسلامي عدواً يجب قهره وتطويعه، حتى لا يظل مصدراً يهدد الأمن القومي الأمريكي، ولأن هذا العالم يكره الأمريكيين – كما ادّعوا- فقد يخرج من بين أبنائه يوماً ما في المستقبل من يكرر ما جرى في 11 سبتمبر.
لسنا هنا بصدد تقييم هذه الرؤية، التي صممت بحيث تخدم في النهاية هدف قهر المسلمين وتطويعهم باسم مكافحة الإرهاب، بعدما قامت بتبسيط وتسطيح مسألة كراهية المسلمين للولايات المتحدة مع التجاهل التام لدور السياسة الأمريكية في زرع بذور الكراهية والسخط، ولكننا أشرنا إلى تلك النقطة باعتبار أنها شكلت خلفية للسياسات الأمريكية التي اتبعت في المنطقة واستخدمت السلاح في بعض الحالات (إسقاط نظامي طالبان في أفغانستان، والبعث العراقي، وقصف مصنع الشفاء في السودان) ثم لجأت إلى ما سمي بحرب "الأفكار" في بقية الدول العربية والإسلامية.
مفهوم المواجهة
كانت فكرة "صراع الحضارات" التي أطلقها المستشرق اليهودي الأمريكي برنارد لويس، وقام بتأصيلها والترويج لها عالم السياسة الأمريكي صمويل هنتجتون ابتداء من عام 1993م، جاهزة لتسويغ وتبرير المواجهة بين الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وبين العالم الإسلامي، ذلك أن هنتجتون بعد أن ميز بين سبع حضارات في العالم: (الغربية، الأمريكية اللاتينية، الأرثوذوكسية، الإسلامية، الكونفوشيوسية، الهندوسية، اليابانية، ورشح الأفريقية كحضارة ثامنة محتملة)؛ فإنه دعا إلى الاحتشاد في مواجهة الحضارة الإسلامية بوجه أخص، في الأغلب بسبب أنها أكثر استعصاء على الاحتواء من أي حضارة أخرى على وجه الأرض، من ثم فإن رسالته التي تعبر عن رأي مدرسة كاملة للنخبة الأمريكية ذات الانتماء اليميني هي التأكيد على أن الصراع ليس محله المصالح فحسب ولكنه أصبح بعد انتهاء الحرب الباردة صراع ثقافات وأديان.
على الصعيد النظري تلاحقت الأدبيات التي وسعت من مفهوم المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي، وكان كتاب "البرابرة والحضارة في العلاقات الدولية"، لمؤلفه مارك سالز حلقة في هذا الاتجاه، إذ قسم العالم إلى متحضرين يمثلون النموذج واجب الاحتذاء، وهؤلاء هم الغربيون أساساً، وبرابرة متخلفين يقفون على الشاطئ الآخر المواجه لهم، وهم مصدر العنف والفوضى في العالم.
هذه الأفكار تشبع بها تيار اليمين الديني المحافظ في الولايات المتحدة وشاءت المقادير أن يكون أبرز عناصر الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بوش الابن من المنتمين إلى ذلك التيار، الأمر الذي هيأ فرصة مواتية مكنت هؤلاء من إسقاط أفكارهم ورؤاهم على مجال التطبيق العملي، خصوصاً في مجال العلاقات الدولية.
منذ تسلمت الإدارة الأمريكية الحالية مسؤولياتها في بداية عام 2001م تكدس التحالف بين اليمين الديني السياسي وكانت أهم نقاط الالتقاء بينهما في مجال السياسة الخارجية هي: بسط الهيمنة الأمريكية على العالم والدفاع عن المصالح الإسرائيلية وحين وقعت أحداث 11 سبتمبر احتلت فكرة تطريح العالم الإسلامي عنواناً رئيساً في مشروع الهيمنة.
لقد استدعت أحداث 11 سبتمبر مجموعة من الأفكار ذات الجذور الدينية التي أصبحت حاكمة للأداء السياسي الأمريكي حتى الآن وهو ما عبرت عنه حزمة من المصطلحات والمعاني من قبيل أن الولايات المتحدة واجهت "الشر" وينبغي أن ترد هجومه وتتخلص منه وأن ذلك قدر الولايات المتحدة ومسؤوليتها أمام التاريخ، وهي حرب صليبية سوف تستغرق وقتاً لأن صانعي الشر يكرهون قيمنا، وقد دقت أجراس صراع الحضارات الذي لابد أن ينتصر فيه الغرب.
ومما كانت له دلالته في هذا السياق أن القس الذي قام بالصلاة على أرواح ضحايا الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي هو بيلي جراهامك، الذي يعد أهم وأعظم رجل دين في الولايات المتحدة وهو في الوقت ذاته أحد قيادات الرابطة الوطنية للإنجيليين وله مواقفه المشهودة في إشهار العداء للإسلام وفي التأييد المفرط لإسرائيل.