أفاق : الاداره
05-09-2004, 06:23 PM
النبي صالح
اندثرت عاد بالريح الصرصر العاتية، ولم ينج منهم إلاّ من أنجاه الله تعالى. وأورث سبحانه الأرض قوم ثمود أخي جديس بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح(ع)، وهم من العرب العاربة، كانوا يسكنون في وادي القرى بين الحجاز وتبوك، قريباً من شواطئ البحر الأحمر، شمالي مكة المكرمة.
وثمود هؤلاء هم أبناء عم عاد، وكانوا ذوي شأن وتأثير في الحياة داخل الجزيرة العربية، ولاتزال آثارهم أو بعضها إلى اليوم في مايعرف بديار ثمود، أو مدائن صالح، غربي المدينة المنوّرة وجنوبيها حيث توجد البئر المعروفة ببئر الناقة.
عبدت ثمود الأصنام كعادٍ، وكان لهم مايقارب الأربعين صنماً، جعلوا لها بيوتاً يدفعون الناس إليها، ليقدّموا لها القرابين التي كانت تؤمِّن لهم زيادة أموالهم وتنمية ثرواتهم، وكان أكبر تلك الأصنام هو الصنم "ود"، يليه "هبل" و"اللات".
وعمرت ثمود وادي القرى تماماً كما فعلت عاد قبلهم، وقد هبهم الله بسطة في الأجسام وطول الأعمار، ولكنهم كانوا شرسي الطباع، قساة القلوب، خصوصاً بعدما كثرت أموالهم واتسع سلطانهم. إذ أصابهم البطر والغرور، كما أصاب قبلهم قوم عاد، فأفسدوا في الأرض، وبطشوا بالناس، وجحدوا نعم الله التي أنعم بها عليهم.
وكان لثمود ملك ظالم اسمه جندع بن عمرو، سيِّئ الطباع، قاسي القلب مثلهم جباراً، فجاء إليه جماعة ممن أنجاهم الله من بقايا عاد، وراحوا يعظونه، ويذكرون له ماحلَّ بقومهم إثر كفرهم وطغيانهم، وتجبرهم، وراحوا يصفون له غضب الله الذي حلَّ عليهم، بعد دعوة نبيهم هود(ع) لأنهم رفضوا عبادة الله، كل ذلك وهم يظنون أن جندع سيتعظ بمن سبقه، ويرعوي، ويرتدع عن غيِّه وبطشه، ولكن جندع قال لهم بصلف وغرور أكبر: إنما هلك قوم عاد لإنَّهم لم يكونوا يحسنون بناء البيوت، كما نفعل نحن، فقد كانوا يجعلونها على الرمال، ونحن نبني بيوتنا في الجبال وننحتها في الصخور، وكانوا لايحسنون عبادة أصنامهم والاهتمام بها، وها نحن نعبد أصنامنا كما يجب ونبني لها البيوت ونعيّن لها الخدم، كما أننا نحن أشدّ من عادٍ قوة، ولذلك لايمكن أن تُهلكنا الريح مهما كانت صرصراً عاتية.
رسول الله صالح(ع)
واستخف الملك جندع بن عمرو وقومه ثمود فتابعوه في غيِّه وغروره، ولم يتعظوا بما حلّ بأبناء عمومتهم من عاد، وأصروا على فسادهم وكفرهم، فبعث الله فيهم نبياً منهم هو صالح(ع): {وإلى ثمود أخاهم صالحاً}، فراح(ع) ينهاهم ويعظهم ويجادلهم، ويعدهم ويتوعدهم للرجوع عن ضلالتهم ويدعوهم إلى عبادة الله الخالق المنعم {قال: يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}.
وصالح(ع) هو ابن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح(ع) نشأ وترعرع بينهم في بيت شريف من بيوتات ثمود، وكان أبوه خادماً للصنم "ود" كبير أصنام القبيلة، وتعلَّم(ع) حتى وصل إلى درجة عالية فنمت شخصيته ووهبه الله تعالى من الذكاء والفطنة والحكمة والشجاعة، ماجعله محترماً بينهم مسموع الكلمة سديد الرأي، وهيَّأه ليكون مرجعاً لثمود في الملمات يستشيرونه ويطيعونه فيما يشير به عليهم في معظم أمورهم.
رأى صالح(ع) ماكانت عليه ثمود من الضلال والكفر والطغيان، وفساد التصرف وسوء الأخلاق والمعاملة، والإنحراف في العبادة، فراح يفكر في طريقة لتخليصهم مما هم فيه، فهداه الله سبحانه وأوحى إليه وبعثه رسولاً إليهم: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} وراح يذكِّرهم بنعم الله عليهم إبتداءً من نعمة الخالق حتى ماهم فيه من النعيم: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوَّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون فاذكروا آلاء الله ولاتعثوا في الأرض مفسدين}.
بعد هذه الدعوة التذكيرية، آمن جماعة من قوم ثمود برسالة صالح(ع) لأنهم عرفوا أنه إنما كان رسولاً نبياً يتمتع بكل صفات النبوة، فهم يعرفون أنه لايكذب، وقد خبروه وهو يعيش بين ظهرانيهم، وهو الحكيم العالم الحصيف، صاحب الرأي السديد الرشيد، الذي كانوا يرجعون إليه في الملمات، ولكن جماعة منهم وهم الكثرة الغالبة، لم يؤمنوا بل غيّروا رأيهم في صالح (ع) ومقتوه بعد أن كانوا يحبونه، واحتقروه وكذبوه بعدما كانوا يصدقونه ويحترمونه، وقالوا: {ياصالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا} أي قبل أن تأمرنا بعبادة الله، وترك عبادة الأصنام، وقبل أن تنهانا عمّا نحن فيه من الإفساد في الأرض والتجبر أما وقد أمرتنا اليوم بترك عبادة الأصنام، ودعوتنا إلى عبادة إلهٍ واحد فإننا أصبحنا نشك في مكانتك التي كانت لك عندنا: {أتنهانا أن نعبد مايعبد آباؤنا وإننا لفي شكٍ مما تدعونا إليه مريب}.
وأخذ صالح (ع) يسرد لهم الأدلة والبراهين على وحدانية الله الخالق ويسوق الحجج على أنه نبي مرسل إليهم من ربهم وأنه لايطلب منهم أجراً على مايقوم به من التعليم وتبليغ الرسالة لهم: {إذ قال أخوهم صالح ألا تتقون. إني لكم رسول أمين. فاتقوا الله وأطيعون. وماأسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}.
ورغم ماكانوا يعرفونه من أن صالحاً صادق في دعوته وأنه كان ذا مكانة مرموقة فيهم نظراً لاستقامته، قبل أن يصبح رسولاً إليهم ورغم إصرار صالح(ع) وجهده في تبليغهم رسالة ربه، رغم كل ذلك، فإن ثمود استكبروا واتهموه بالكذب، ورفضوا اتّباعه وتصديقه: {فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعر. أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر}.
ولم يكتفِ المفسدون المستكبرون من ثمود بذلك، بل تمادوا في طغيانهم وغرورهم، وكما اتّهمت عاد نبيها هوداً(ع) بأنه كاذب وساحر، كذلك اتّهم الثموديون نبيهم صالحاً(ع) بأنه كاذب وساحر: {قالوا إنما أنت من المسحَّرين. ما أنت إلاّ بشر مثلنا} فلماذا تكون نبياً ويختارك الله ليبعثك رسولاً إلينا، هذا محض افتراء وكذب.
أما الطيبون العاقلون من ثمود فقد عرفوا صدق صالح(ع) ونبوته، فآمنوا به ودعوا الآخرين إلى الإيمان برسالته. وهكذا انقسم الثموديين فريقين فريق يدعو إلى اتباع صالح(ع) وعبادة الله الخالق، وفريق دعا إلى محاربته وقتله، وأخذ يدبِّر له المكائد، ويحاول تعجيزه وتهزيئه وتعزيره هو ومن آمن معه ويقولون: {اطّيّرنا بك وبمن معك... وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولايصلحون. قالوا تقاسموا بالله لنبيّتنّه وأهله ثم لنقولنّ لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون}.
وألهم الله نبيّه صالحاً الجواب المنطقي المقنع لو كانوا يعقلون: {قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون}، وتابع المفسدون المستكبرون من ثمود محاولاتهم لصدّ الناس عن الإيمان بدعوة صالح(ع)، فحاولوا تطويقه إعلامياً ومحاصرته إجتماعياً، فلجأوا إلى الإستهزاء به وبمن آمن برسالته وقد استضعفوهم وقالوا لهم: {أتعلمون أن صالحاً مرسلٌ من ربه!؟ قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون. قال الذين استكبروا إنّا بالذي آمنتم به كافرون}.
وباءت هذه المحاولات كلها بالفشل الذريع، إذ أنجاه الله وحفظه من كيد المفسدين {ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لايشعرون}، فتابعوا مكرهم وكيدهم، والله سبحانه يهيئ لهم العذاب، حتى إذا حق عليهم نزل بهم وهم عنه لاهون.
الناقة المعجزة
لم يكترث نبي الله صالح(ع) بأساليب المستكبرين ولم تؤثر فيه أساليبهم الخبيثة الملتوية، وراح يتهددهم ويتوعدهم بعذاب الله الأليم، إن هم أصروا على استكبارهم وكفرهم، وأن الله لن يتركهم هكذا وإن طال بهم الزمن، ومدَّ لهم في الوقت، فإن الله يمهل ولايهمل، وراح ينصح الجماعة إن هم أطاعوا المفسدين منهم اتقاءً لعذاب الله، مذكِّراً إياهم بأنّهم لن يتركوا ليفسدوا في الأرض وهم مطمئنون مرتاحون: {أتتركون في ماها هنا آمنين. في جنّات وعيون. وزروعٍ ونخلٍ طلعها هضيم. وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين. فاتّقوا الله وأطيعون. ولاتطيعوا أمر المسرفين. الذين يفسدون في الأرض ولايصلحون}.
وأبى قسمٌ كبير من ثمود طاعة نبي الله صالح(ع)، وأصروا على فسادهم وعبادتهم للأصنام، ولم يقفوا عند هذا الحد بل وصلت بهم الوقاحة إلى أن دعوا صالحاً(ع) إلى ترك عبادة الله الخالق، ليعبد الأصنام مثلهم فينزل على رأي الجماعة، ورفض(ع)، دعوتهم قائلاً لهم: {ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير}.
ولما رأى المفسدون المستكبرون إصرار صالح(ع)، وعناده في دعوته الحق، راحوا يسألونه المعجزات قائلين: {ما أنت إلاّ بشر مثلنا فأتِ بآية إن كنت من الصادقين}. فقال لهم(ع): وماذا تطلبون حتى تؤمنوا وتعودوا إلى رشدكم؟...
واجتمع الثموديون في ناديهم وصالح بينهم ثم إنهم أشاروا إلى صخرة قريبة وقالوا: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء حمراء وبراء، لاتشبه النوق، ولها ضرع أكبر من القلال يشخب منه اللبن غزيراً صافياً، ويخرج منها إبن لها مثلها ويصوت أمامنا كما تصوت، إن أنت أتيت بتلك الناقة صدقناك وآمنا بأنك رسول الله.
وراحوا يحدّدون ويدققون في الوصف ظناً منهم أن صالحاً(ع) سيعجز عن الإتيان بهذه الناقة التي يصفون، وبذلك يظهرونه بأنه كاذب فيتفرّق الناس عنه، وتبطل رسالته.
اندثرت عاد بالريح الصرصر العاتية، ولم ينج منهم إلاّ من أنجاه الله تعالى. وأورث سبحانه الأرض قوم ثمود أخي جديس بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح(ع)، وهم من العرب العاربة، كانوا يسكنون في وادي القرى بين الحجاز وتبوك، قريباً من شواطئ البحر الأحمر، شمالي مكة المكرمة.
وثمود هؤلاء هم أبناء عم عاد، وكانوا ذوي شأن وتأثير في الحياة داخل الجزيرة العربية، ولاتزال آثارهم أو بعضها إلى اليوم في مايعرف بديار ثمود، أو مدائن صالح، غربي المدينة المنوّرة وجنوبيها حيث توجد البئر المعروفة ببئر الناقة.
عبدت ثمود الأصنام كعادٍ، وكان لهم مايقارب الأربعين صنماً، جعلوا لها بيوتاً يدفعون الناس إليها، ليقدّموا لها القرابين التي كانت تؤمِّن لهم زيادة أموالهم وتنمية ثرواتهم، وكان أكبر تلك الأصنام هو الصنم "ود"، يليه "هبل" و"اللات".
وعمرت ثمود وادي القرى تماماً كما فعلت عاد قبلهم، وقد هبهم الله بسطة في الأجسام وطول الأعمار، ولكنهم كانوا شرسي الطباع، قساة القلوب، خصوصاً بعدما كثرت أموالهم واتسع سلطانهم. إذ أصابهم البطر والغرور، كما أصاب قبلهم قوم عاد، فأفسدوا في الأرض، وبطشوا بالناس، وجحدوا نعم الله التي أنعم بها عليهم.
وكان لثمود ملك ظالم اسمه جندع بن عمرو، سيِّئ الطباع، قاسي القلب مثلهم جباراً، فجاء إليه جماعة ممن أنجاهم الله من بقايا عاد، وراحوا يعظونه، ويذكرون له ماحلَّ بقومهم إثر كفرهم وطغيانهم، وتجبرهم، وراحوا يصفون له غضب الله الذي حلَّ عليهم، بعد دعوة نبيهم هود(ع) لأنهم رفضوا عبادة الله، كل ذلك وهم يظنون أن جندع سيتعظ بمن سبقه، ويرعوي، ويرتدع عن غيِّه وبطشه، ولكن جندع قال لهم بصلف وغرور أكبر: إنما هلك قوم عاد لإنَّهم لم يكونوا يحسنون بناء البيوت، كما نفعل نحن، فقد كانوا يجعلونها على الرمال، ونحن نبني بيوتنا في الجبال وننحتها في الصخور، وكانوا لايحسنون عبادة أصنامهم والاهتمام بها، وها نحن نعبد أصنامنا كما يجب ونبني لها البيوت ونعيّن لها الخدم، كما أننا نحن أشدّ من عادٍ قوة، ولذلك لايمكن أن تُهلكنا الريح مهما كانت صرصراً عاتية.
رسول الله صالح(ع)
واستخف الملك جندع بن عمرو وقومه ثمود فتابعوه في غيِّه وغروره، ولم يتعظوا بما حلّ بأبناء عمومتهم من عاد، وأصروا على فسادهم وكفرهم، فبعث الله فيهم نبياً منهم هو صالح(ع): {وإلى ثمود أخاهم صالحاً}، فراح(ع) ينهاهم ويعظهم ويجادلهم، ويعدهم ويتوعدهم للرجوع عن ضلالتهم ويدعوهم إلى عبادة الله الخالق المنعم {قال: يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}.
وصالح(ع) هو ابن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح(ع) نشأ وترعرع بينهم في بيت شريف من بيوتات ثمود، وكان أبوه خادماً للصنم "ود" كبير أصنام القبيلة، وتعلَّم(ع) حتى وصل إلى درجة عالية فنمت شخصيته ووهبه الله تعالى من الذكاء والفطنة والحكمة والشجاعة، ماجعله محترماً بينهم مسموع الكلمة سديد الرأي، وهيَّأه ليكون مرجعاً لثمود في الملمات يستشيرونه ويطيعونه فيما يشير به عليهم في معظم أمورهم.
رأى صالح(ع) ماكانت عليه ثمود من الضلال والكفر والطغيان، وفساد التصرف وسوء الأخلاق والمعاملة، والإنحراف في العبادة، فراح يفكر في طريقة لتخليصهم مما هم فيه، فهداه الله سبحانه وأوحى إليه وبعثه رسولاً إليهم: {وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} وراح يذكِّرهم بنعم الله عليهم إبتداءً من نعمة الخالق حتى ماهم فيه من النعيم: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوَّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون فاذكروا آلاء الله ولاتعثوا في الأرض مفسدين}.
بعد هذه الدعوة التذكيرية، آمن جماعة من قوم ثمود برسالة صالح(ع) لأنهم عرفوا أنه إنما كان رسولاً نبياً يتمتع بكل صفات النبوة، فهم يعرفون أنه لايكذب، وقد خبروه وهو يعيش بين ظهرانيهم، وهو الحكيم العالم الحصيف، صاحب الرأي السديد الرشيد، الذي كانوا يرجعون إليه في الملمات، ولكن جماعة منهم وهم الكثرة الغالبة، لم يؤمنوا بل غيّروا رأيهم في صالح (ع) ومقتوه بعد أن كانوا يحبونه، واحتقروه وكذبوه بعدما كانوا يصدقونه ويحترمونه، وقالوا: {ياصالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا} أي قبل أن تأمرنا بعبادة الله، وترك عبادة الأصنام، وقبل أن تنهانا عمّا نحن فيه من الإفساد في الأرض والتجبر أما وقد أمرتنا اليوم بترك عبادة الأصنام، ودعوتنا إلى عبادة إلهٍ واحد فإننا أصبحنا نشك في مكانتك التي كانت لك عندنا: {أتنهانا أن نعبد مايعبد آباؤنا وإننا لفي شكٍ مما تدعونا إليه مريب}.
وأخذ صالح (ع) يسرد لهم الأدلة والبراهين على وحدانية الله الخالق ويسوق الحجج على أنه نبي مرسل إليهم من ربهم وأنه لايطلب منهم أجراً على مايقوم به من التعليم وتبليغ الرسالة لهم: {إذ قال أخوهم صالح ألا تتقون. إني لكم رسول أمين. فاتقوا الله وأطيعون. وماأسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}.
ورغم ماكانوا يعرفونه من أن صالحاً صادق في دعوته وأنه كان ذا مكانة مرموقة فيهم نظراً لاستقامته، قبل أن يصبح رسولاً إليهم ورغم إصرار صالح(ع) وجهده في تبليغهم رسالة ربه، رغم كل ذلك، فإن ثمود استكبروا واتهموه بالكذب، ورفضوا اتّباعه وتصديقه: {فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذاً لفي ضلال وسعر. أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر}.
ولم يكتفِ المفسدون المستكبرون من ثمود بذلك، بل تمادوا في طغيانهم وغرورهم، وكما اتّهمت عاد نبيها هوداً(ع) بأنه كاذب وساحر، كذلك اتّهم الثموديون نبيهم صالحاً(ع) بأنه كاذب وساحر: {قالوا إنما أنت من المسحَّرين. ما أنت إلاّ بشر مثلنا} فلماذا تكون نبياً ويختارك الله ليبعثك رسولاً إلينا، هذا محض افتراء وكذب.
أما الطيبون العاقلون من ثمود فقد عرفوا صدق صالح(ع) ونبوته، فآمنوا به ودعوا الآخرين إلى الإيمان برسالته. وهكذا انقسم الثموديين فريقين فريق يدعو إلى اتباع صالح(ع) وعبادة الله الخالق، وفريق دعا إلى محاربته وقتله، وأخذ يدبِّر له المكائد، ويحاول تعجيزه وتهزيئه وتعزيره هو ومن آمن معه ويقولون: {اطّيّرنا بك وبمن معك... وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولايصلحون. قالوا تقاسموا بالله لنبيّتنّه وأهله ثم لنقولنّ لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون}.
وألهم الله نبيّه صالحاً الجواب المنطقي المقنع لو كانوا يعقلون: {قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون}، وتابع المفسدون المستكبرون من ثمود محاولاتهم لصدّ الناس عن الإيمان بدعوة صالح(ع)، فحاولوا تطويقه إعلامياً ومحاصرته إجتماعياً، فلجأوا إلى الإستهزاء به وبمن آمن برسالته وقد استضعفوهم وقالوا لهم: {أتعلمون أن صالحاً مرسلٌ من ربه!؟ قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون. قال الذين استكبروا إنّا بالذي آمنتم به كافرون}.
وباءت هذه المحاولات كلها بالفشل الذريع، إذ أنجاه الله وحفظه من كيد المفسدين {ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لايشعرون}، فتابعوا مكرهم وكيدهم، والله سبحانه يهيئ لهم العذاب، حتى إذا حق عليهم نزل بهم وهم عنه لاهون.
الناقة المعجزة
لم يكترث نبي الله صالح(ع) بأساليب المستكبرين ولم تؤثر فيه أساليبهم الخبيثة الملتوية، وراح يتهددهم ويتوعدهم بعذاب الله الأليم، إن هم أصروا على استكبارهم وكفرهم، وأن الله لن يتركهم هكذا وإن طال بهم الزمن، ومدَّ لهم في الوقت، فإن الله يمهل ولايهمل، وراح ينصح الجماعة إن هم أطاعوا المفسدين منهم اتقاءً لعذاب الله، مذكِّراً إياهم بأنّهم لن يتركوا ليفسدوا في الأرض وهم مطمئنون مرتاحون: {أتتركون في ماها هنا آمنين. في جنّات وعيون. وزروعٍ ونخلٍ طلعها هضيم. وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين. فاتّقوا الله وأطيعون. ولاتطيعوا أمر المسرفين. الذين يفسدون في الأرض ولايصلحون}.
وأبى قسمٌ كبير من ثمود طاعة نبي الله صالح(ع)، وأصروا على فسادهم وعبادتهم للأصنام، ولم يقفوا عند هذا الحد بل وصلت بهم الوقاحة إلى أن دعوا صالحاً(ع) إلى ترك عبادة الله الخالق، ليعبد الأصنام مثلهم فينزل على رأي الجماعة، ورفض(ع)، دعوتهم قائلاً لهم: {ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير}.
ولما رأى المفسدون المستكبرون إصرار صالح(ع)، وعناده في دعوته الحق، راحوا يسألونه المعجزات قائلين: {ما أنت إلاّ بشر مثلنا فأتِ بآية إن كنت من الصادقين}. فقال لهم(ع): وماذا تطلبون حتى تؤمنوا وتعودوا إلى رشدكم؟...
واجتمع الثموديون في ناديهم وصالح بينهم ثم إنهم أشاروا إلى صخرة قريبة وقالوا: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء حمراء وبراء، لاتشبه النوق، ولها ضرع أكبر من القلال يشخب منه اللبن غزيراً صافياً، ويخرج منها إبن لها مثلها ويصوت أمامنا كما تصوت، إن أنت أتيت بتلك الناقة صدقناك وآمنا بأنك رسول الله.
وراحوا يحدّدون ويدققون في الوصف ظناً منهم أن صالحاً(ع) سيعجز عن الإتيان بهذه الناقة التي يصفون، وبذلك يظهرونه بأنه كاذب فيتفرّق الناس عنه، وتبطل رسالته.