sultan
05-07-2004, 03:51 AM
قصص الأنبياء (1): ما ورد في خلق آدم عليه السلام
قصص الأنبياء (1)
أخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلاً لهم: ( إني جاعل في الأرض خليفة) أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضا كما قال: (وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض)، وقال تعالى: (ويجعلكم خلفاء الأرض) فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة لا على وجه الاعتراض والتنقيص لبنى آدم والحسد لهم ، كما قد يتوهمه بعض جهلة المفسرين ، قال : (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء).
قيل : علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن . وقال عبد الله بن عمر: كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء ، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور. وعن ابن عباس نحوه. وعن الحسن : ألهموا ذلك.
وقيل: لما اطلعوا عليه من اللوح المحفوظ ، فقيل : أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له السجل ، رواه ابن أبى حاتم عن أبي جعفر الباقر. وقيل: لأنهم علموا أن الأرض لا يخلق منها إلا من يكون بهذه المثابة غالبا...
ثم بين لهم شرف آدم عليهم في العلم فقال: (وعلم آدم الأسماء كلها) قال ابن عباس: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. وقال مجاهد: علمه اسم الصحفة، والقدر، حتى الفسوة والفسية. وقال مجاهد: علمه اسم كل دابة، وكل طير وكل شيء. وقال الربيع : علمه أسماء الملائكة. وقال عبد الرحمن بن زيد: علمه أسماء ذريته. والصحيح: أنه علمه أسماء الذوات وأفعالها مكبرها ومصغرها، كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما.
( ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) قال الحسن البصرى: لما أراد الله خلق آدم، قالت الملائكة : لا يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه. فابتلوا بهذا، وذلك قوله : (إن كنتم صادقين). وقيل غير ذلك.
(قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون). أي أعلم السر كما أعلم العلانية. وقيل: إن المراد بقوله: (أعلم ما تبدون) ما قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها) ، وبقوله : (وما كنتم تكتمون) المراد بهذا الكلام إبليس حين أسر الكبر والنفاسة على آدم عليه السلام ، قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسدي والضحاك والثوري واختاره ابن جرير. وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة : (وما كنتم تكتمون) قولهم : لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه.
وقوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر) هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، فهذه أربع تشريفات : خلقه بيده الكريمة ، ونفخه من روحه ، وأمر الملائكة بالسجود له ، وتعليمه أسماء الأشياء. ولهذا قال له موسى الكليم حين اجتمع هو وإياه في الملأ الأعلى وتناظرا: (أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك كل شيء). وهكذا يقول له أهل المحشر يوم القيامة.
وقال في الآية الأخرى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين ، قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين). قال الحسن البصري : قاس إبليس ، وهو أول من قاس. وقال محمد بن سيرين : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس ،رواهما ابن جرير.
ومعنى هذا أنه نظر بطريق المقايسة بينه وبين آدم، فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود. والقياس إذا كان مقابلا بالنص كان فاسد الاعتبار. ثم فاسد في نفسه، فإن الطين أنفع وخير من النار، لأن الطين في الرزانة والحلم والأناة والنمو، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق.
ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له، كما قال: ( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس أبي أن يكون مع الساجدين ، قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين ، قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون ، قال فاخرج منها فإنك رجيم ، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين). واستحق هذا من الله تعالى لأنه سيلزم تنقصه لآدم وازدراءه وترفعه مخالفة الأمر الإلهي، ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين.
وشرع في الاعتذار بما لا يجدي عنه شيئاً، وكان اعتذاره أشد من ذنبه كما قال تعالى في سورة سبحان: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناً ، قال أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً ) ، خرج عن طاعة الله عمداً وعناداً واستكباراً عن امتثال أمره ، وما ذاك إلا لأنه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليها ، فإنه مخلوق من نار كما قال ، وكما جاء في صحيح مسلم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم).
وقال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط. وقال شهر بن حوشب: كان من الجن، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله إليهم جنداً من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم إلى جزائر البحار، وكان إبليس ممن أسر فأخذوه معهم إلى السماء فكان هناك، فلما أمرت الملائكة بالسجود امتنع إبليس منه.
وقال ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة وسعيد بن المسيب وآخرون: كان إبليس رئيس الملائكة بالسماء الدنيا: قال ابن عباس: وكان اسمه عزازيل، وفي رواية عنه: الحارث. قال النقاش: وكنيته أبو كردوس ، قال ابن عباس : وكان من حي من الملائكة يقال لهم الجن ، وكانوا خزان الجنان ، وكان من أشرفهم ومن أكثرهم علما وعبادة ، وكان من أولي الأجنحة الأربعة فمسخه الله شيطاناً رجيماً.
وقال في سورة ص (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين... قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين، قال فالحق والحق أول، لأملان جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين). وقال في سورة الأعراف: ( قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين). أي بسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم كل مرصد، ولآتينهم من كل جهة منهم، فالسعيد من خالفه والشقي من اتبعه.
المرجع : قصص الأنبياء ، لابن كثير .
من هم الملائكة الذين أمروا بالسجود ؟ وخلق حواء
وقد اختلف المفسرون في الملائكة كما دل عليهم المأمورين بالسجود لآدم : أهم جميع الملائكة ، كما دل عليهم عموم الآيات ؟ وهو قول الجمهور ، أو المراد بهم ملائكة الأرض ، كما رواه ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس ؟ وفيه انقطاع وفي السياق نكارة، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه. لكن الأظهر من السياقات الأولى، ويدل عليه الحديث: (وأسجد له ملائكته) وهذا عموم أيضاًُ … والله أعلم.
وقوله تعالى لإبليس: (اهبط منها) و (اخرج منها) دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها، والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه، فأهبط إلى الأرض مذموماً مدحوراً.
وأمر الله آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة، وسياق الآيات الواردة في هذا الأمر يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم إلى الجنة لقوله: ( ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) وهذا قد صرح به إسحاق بن يسار.
ولكن حكى السدي عن ابن عباس و عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا: أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحشياً ليس فيها زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه. فسألها: ما أنت ؟ قالت: امرأة. قال: لم خلقت ؟ قالت: لتسكن إلي، فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما اسمها يا آدم ؟ قال: حواء، قالوا: ولم كانت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي. وذكر محمد بن إسحاق عن ابن عباس: أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر وهو نائم ولأم مكانه لحماً.
وفي الصحيحين من حديث زائدة، عن ميسرة الأشجعي ،عن أبي حازم عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (استوصوا بالنساء خيراً ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيراً). هذا لفظ البخاري.
ما الشجرة التي منع آدم أن يأكل منها ؟ أين الجنة التي أهبط منها آدم ؟
وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة) فقيل: هي الكرم، وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبي وجعدة بن هبيرة، ومحمد بن قيس والسدي في رواية عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة: قال: وتزعم يهود أنها الحنطة، وهذا مروي بن ابن عباس والحسن البصري ووهب بن منبه وعطية العوفي، وأبي مالك ومحارب بن دثار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وقال وهب: والحبة منه ألين من الزبد وأحلى من العسل. وقال الثوري عن أبي حصين، عن أبي مالك: (ولا تقربا هذه الشجرة): هي النخلة. وقال أبو العالية: كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي في الجنة حدث.
وهذا الخلاف قريب، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن.
وإنما الخلاق الذي ذكروه في أن هذه الجنة التي أدخلها آدم: هل هي في السماء أو الأرض، هو الخلاف الذي ينبغي فصله والخروج منه.
والجمهور على أنها هي التي في السماء ، وهي جنة المأوى ، لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى : (وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة) والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي ، وإنما تعود على معهود ذهني وهو المستقر شرعاً من جنة المأوى.
وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة. فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا … استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم) ؟ وذكر الحديث بطوله. وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة الخلد، لأنه كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة، ولأنه نام فيها وأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها، وهذا مما ينافي في أن تكون جنة المأوى.
وهذا القول محكي عن أبي كعب، وعبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وسفيان بن عيينة، واختاره ابن قتيبة في (المعارف) والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره وأفرد له مصنفاً على حدة. وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم الله. ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي بن خطيب الري في تفسيره عن أبي القاسم البلخي وأبي مسلم الأصبهاني ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية.
وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ، وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في (الملل والنحل) ، وأبو محمد بن عطية في تفسيره ، وأبو عيسى الرماني في تفسيره ، وحكى عن الجمهور الأول ، وأبو القاسم الراغب والقاضي الماوردي في تفسيره فقال : واختلف في الجنة التي أسكناها – يعنى آدم وحواء - على قولين : أحدهما : أنها جنة الخلد. الثاني: أنها جنة أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء.
ومن قال بهذا اختلفوا على قولين: أحدهما أنها في السماء لأنه أهبطهما منها، وهذا قول الحسن، والثاني أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار. وهذا قول ابن يحي. وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم، والله أعلم بالصواب من ذلك.
هذا كلامه. فقد تضمن كلامه حكاية أقوال ثلاثة، وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة. ولهذا حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسألة بأنها في السماء وليست جنة المأوى.
.
قصص الأنبياء (1)
أخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلاً لهم: ( إني جاعل في الأرض خليفة) أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضا كما قال: (وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض)، وقال تعالى: (ويجعلكم خلفاء الأرض) فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة لا على وجه الاعتراض والتنقيص لبنى آدم والحسد لهم ، كما قد يتوهمه بعض جهلة المفسرين ، قال : (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء).
قيل : علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن . وقال عبد الله بن عمر: كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء ، فبعث الله إليهم جنداً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحور. وعن ابن عباس نحوه. وعن الحسن : ألهموا ذلك.
وقيل: لما اطلعوا عليه من اللوح المحفوظ ، فقيل : أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له السجل ، رواه ابن أبى حاتم عن أبي جعفر الباقر. وقيل: لأنهم علموا أن الأرض لا يخلق منها إلا من يكون بهذه المثابة غالبا...
ثم بين لهم شرف آدم عليهم في العلم فقال: (وعلم آدم الأسماء كلها) قال ابن عباس: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. وقال مجاهد: علمه اسم الصحفة، والقدر، حتى الفسوة والفسية. وقال مجاهد: علمه اسم كل دابة، وكل طير وكل شيء. وقال الربيع : علمه أسماء الملائكة. وقال عبد الرحمن بن زيد: علمه أسماء ذريته. والصحيح: أنه علمه أسماء الذوات وأفعالها مكبرها ومصغرها، كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما.
( ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) قال الحسن البصرى: لما أراد الله خلق آدم، قالت الملائكة : لا يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه. فابتلوا بهذا، وذلك قوله : (إن كنتم صادقين). وقيل غير ذلك.
(قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون). أي أعلم السر كما أعلم العلانية. وقيل: إن المراد بقوله: (أعلم ما تبدون) ما قالوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها) ، وبقوله : (وما كنتم تكتمون) المراد بهذا الكلام إبليس حين أسر الكبر والنفاسة على آدم عليه السلام ، قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسدي والضحاك والثوري واختاره ابن جرير. وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة : (وما كنتم تكتمون) قولهم : لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه.
وقوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر) هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، فهذه أربع تشريفات : خلقه بيده الكريمة ، ونفخه من روحه ، وأمر الملائكة بالسجود له ، وتعليمه أسماء الأشياء. ولهذا قال له موسى الكليم حين اجتمع هو وإياه في الملأ الأعلى وتناظرا: (أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك كل شيء). وهكذا يقول له أهل المحشر يوم القيامة.
وقال في الآية الأخرى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين ، قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين). قال الحسن البصري : قاس إبليس ، وهو أول من قاس. وقال محمد بن سيرين : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس ،رواهما ابن جرير.
ومعنى هذا أنه نظر بطريق المقايسة بينه وبين آدم، فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود. والقياس إذا كان مقابلا بالنص كان فاسد الاعتبار. ثم فاسد في نفسه، فإن الطين أنفع وخير من النار، لأن الطين في الرزانة والحلم والأناة والنمو، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق.
ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له، كما قال: ( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس أبي أن يكون مع الساجدين ، قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين ، قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون ، قال فاخرج منها فإنك رجيم ، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين). واستحق هذا من الله تعالى لأنه سيلزم تنقصه لآدم وازدراءه وترفعه مخالفة الأمر الإلهي، ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين.
وشرع في الاعتذار بما لا يجدي عنه شيئاً، وكان اعتذاره أشد من ذنبه كما قال تعالى في سورة سبحان: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناً ، قال أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً ) ، خرج عن طاعة الله عمداً وعناداً واستكباراً عن امتثال أمره ، وما ذاك إلا لأنه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليها ، فإنه مخلوق من نار كما قال ، وكما جاء في صحيح مسلم عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم).
وقال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط. وقال شهر بن حوشب: كان من الجن، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله إليهم جنداً من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم إلى جزائر البحار، وكان إبليس ممن أسر فأخذوه معهم إلى السماء فكان هناك، فلما أمرت الملائكة بالسجود امتنع إبليس منه.
وقال ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة وسعيد بن المسيب وآخرون: كان إبليس رئيس الملائكة بالسماء الدنيا: قال ابن عباس: وكان اسمه عزازيل، وفي رواية عنه: الحارث. قال النقاش: وكنيته أبو كردوس ، قال ابن عباس : وكان من حي من الملائكة يقال لهم الجن ، وكانوا خزان الجنان ، وكان من أشرفهم ومن أكثرهم علما وعبادة ، وكان من أولي الأجنحة الأربعة فمسخه الله شيطاناً رجيماً.
وقال في سورة ص (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين... قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين، قال فالحق والحق أول، لأملان جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين). وقال في سورة الأعراف: ( قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين). أي بسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم كل مرصد، ولآتينهم من كل جهة منهم، فالسعيد من خالفه والشقي من اتبعه.
المرجع : قصص الأنبياء ، لابن كثير .
من هم الملائكة الذين أمروا بالسجود ؟ وخلق حواء
وقد اختلف المفسرون في الملائكة كما دل عليهم المأمورين بالسجود لآدم : أهم جميع الملائكة ، كما دل عليهم عموم الآيات ؟ وهو قول الجمهور ، أو المراد بهم ملائكة الأرض ، كما رواه ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس ؟ وفيه انقطاع وفي السياق نكارة، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه. لكن الأظهر من السياقات الأولى، ويدل عليه الحديث: (وأسجد له ملائكته) وهذا عموم أيضاًُ … والله أعلم.
وقوله تعالى لإبليس: (اهبط منها) و (اخرج منها) دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها، والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه، فأهبط إلى الأرض مذموماً مدحوراً.
وأمر الله آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة، وسياق الآيات الواردة في هذا الأمر يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم إلى الجنة لقوله: ( ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) وهذا قد صرح به إسحاق بن يسار.
ولكن حكى السدي عن ابن عباس و عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا: أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحشياً ليس فيها زوج يسكن إليها، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه. فسألها: ما أنت ؟ قالت: امرأة. قال: لم خلقت ؟ قالت: لتسكن إلي، فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما اسمها يا آدم ؟ قال: حواء، قالوا: ولم كانت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي. وذكر محمد بن إسحاق عن ابن عباس: أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر وهو نائم ولأم مكانه لحماً.
وفي الصحيحين من حديث زائدة، عن ميسرة الأشجعي ،عن أبي حازم عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (استوصوا بالنساء خيراً ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيراً). هذا لفظ البخاري.
ما الشجرة التي منع آدم أن يأكل منها ؟ أين الجنة التي أهبط منها آدم ؟
وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: (ولا تقربا هذه الشجرة) فقيل: هي الكرم، وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبي وجعدة بن هبيرة، ومحمد بن قيس والسدي في رواية عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة: قال: وتزعم يهود أنها الحنطة، وهذا مروي بن ابن عباس والحسن البصري ووهب بن منبه وعطية العوفي، وأبي مالك ومحارب بن دثار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وقال وهب: والحبة منه ألين من الزبد وأحلى من العسل. وقال الثوري عن أبي حصين، عن أبي مالك: (ولا تقربا هذه الشجرة): هي النخلة. وقال أبو العالية: كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي في الجنة حدث.
وهذا الخلاف قريب، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن.
وإنما الخلاق الذي ذكروه في أن هذه الجنة التي أدخلها آدم: هل هي في السماء أو الأرض، هو الخلاف الذي ينبغي فصله والخروج منه.
والجمهور على أنها هي التي في السماء ، وهي جنة المأوى ، لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى : (وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة) والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي ، وإنما تعود على معهود ذهني وهو المستقر شرعاً من جنة المأوى.
وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة. فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا … استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم) ؟ وذكر الحديث بطوله. وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة الخلد، لأنه كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة، ولأنه نام فيها وأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها، وهذا مما ينافي في أن تكون جنة المأوى.
وهذا القول محكي عن أبي كعب، وعبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وسفيان بن عيينة، واختاره ابن قتيبة في (المعارف) والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره وأفرد له مصنفاً على حدة. وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم الله. ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي بن خطيب الري في تفسيره عن أبي القاسم البلخي وأبي مسلم الأصبهاني ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية.
وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ، وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في (الملل والنحل) ، وأبو محمد بن عطية في تفسيره ، وأبو عيسى الرماني في تفسيره ، وحكى عن الجمهور الأول ، وأبو القاسم الراغب والقاضي الماوردي في تفسيره فقال : واختلف في الجنة التي أسكناها – يعنى آدم وحواء - على قولين : أحدهما : أنها جنة الخلد. الثاني: أنها جنة أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء.
ومن قال بهذا اختلفوا على قولين: أحدهما أنها في السماء لأنه أهبطهما منها، وهذا قول الحسن، والثاني أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار. وهذا قول ابن يحي. وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم، والله أعلم بالصواب من ذلك.
هذا كلامه. فقد تضمن كلامه حكاية أقوال ثلاثة، وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة. ولهذا حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسألة بأنها في السماء وليست جنة المأوى.
.