المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دبي.. عالم بلا جدران عازلة


أفاق الفكر
02-07-2004, 07:42 AM
6 Feb 2004 20:06:36 GMT
دبي.. عالم بلا جدران عازلة

لم يكن هناك اعتقاد بأن ينحسر ذلك العالم المترامي الاطراف، شاسع المساحات، في فضاء «قرية كونية واحدة» لا يمثل الزمان فيها ولا المكان مانعاً امام تقارب النوع البشري من خلال آلة صغيرة وشبكة عنكبوتية محيرة. لكن المثير حقاً ان العالم الذي يتناهى في الصغر لم يأخذ من مفهوم «القرية الكونية» جوهره، فبينما انصرفت الانظار صوب التقنيات المجردة وما احدثته من ربط مثير لأطراف العالم القاصية والدانية، لم يجر الاكتراث بطبيعة العلاقات القروية الدافئة التي يمليها ذلك التقارب النوعي، والتي يمكن ان تكون بديلاً لهذا العالم عن مشاعر التربص والتمترس خلف القناعات البالية والظنون المتوارثة من عصور الظلام.
نعم.. اتاحت تقنيات التواصل الانساني الباهرة فرصاً عظيمة للقفز على مشاعر الاستعداء المتبادلة، وفتحت الابواب على مصراعيها امام التعاون الايجابي بين شعوب الارض، في الوقت الذي انهمك فيه البعض في التنظير لصدام الحضارات وعراك الامم في الالفية الثالثة.
لكن رغم ذلك الانحسار «المؤتمت» في مساحات الكون ظلت الحدود والحواجز كما هي، بل زادته بوناً واتساعاً.. نعم الشعوب تتلاقى عبر الوسائل التكنولوجية والاتصالات الحديثة.. لكن لم يحدث يوماً انها تقاربت بسببها الى الحد الذي يمكن ان نطلق عليه «العالم الواحد» الذي تنصهر فيه الثقافات وتتلاقح فيه الحضارات وتذوب فيه الصراعات وتندثر فيه الجدران العازلة.
والغريب انه مع الايجابيات العديدة التي حققت تلك التقنيات منذ تدشين عهد النهضة التكنولوجية، إلا ان مسافات التباعد ظلت اخذة في الاتساع بعد ان باتت هذه النهضة ذاتها «ماركة مسجلة» للدول الغنية مما اوجد هوة عميقة جديدة زادت من الفراق وكانت بمثابة جدار آخر عازل بين الشمال والجنوب بل بين الشعوب الغنية والفقيرة.
ومن المفارقات التي تبدو جلية في عصر النهضة تلك انه كلما زاد العالم تقدماً وتقارباً من صنع التكنولوجيا، زاد تباعداً حضارياً وثقافياً، ذلك لان الحدود والفوارق ظلت كما هي ان لم تكن زادت وارتفعت الحوائط والجدران؟ في عالم يقال انه ك«القرية»!
كيف يمكننا ان نطلق على عالم لكل فرد فيه سور يختبيء خلفه وجدار يحتمي به وحدود لا يمكن عبورها تمنعه من الانخراط مع بني جنسه بدواعي الامن والعنصرية، والواقع ان العالم بجدرانه تلك يبعد كثيراً عن هذا المسمى ويتناقض مع مفهوم القرية الذي نعهده جميعاً.
لكن ما بالنا رغم هذه الصورة التي قد تبدو باهتة ان نجد في احدى بقاع هذا الكوكب الذي نعيش عليه تلك القرية التي نبحث عنها ونحلم بها، بمفهومها وجوهرها يحيا الناس على ارضها اجناساً وثقافات شعوب وحضارات في بوتقة واحدة لا تفصلهم جدران ولا تصدهم حدود ولا يمنع تعددهم وتنوعهم من ان يشكلوا لوحة الانسانية.
.. انها موجودة قولاً وفعلاً على أرض دبي، وانها الدنيا ولؤلؤة الخليج التي استوعبت الجميع دون تمييز أو عنصرية.. احتضنت بدفئها وحنينها العالم كله بألوانه وأشكاله وكل شعابه بعد ان ازالت كل الحدود والفواصل بين جنسيات اكثر من 184 دولة ودمرت كل الجدران العازلة التي مازال هناك في هذا العالم من يحارب من اجل تشييدها بدعوى الوقاية، غير مدرك ان الوقاية الحقيقية ان يعيش الناس في سلام وأمان دون عنصرية لزمان أو مكان.
انها دبي.. بل انها العالم الذي ينشده الجميع، بيت العائلة الواحدة المطلة جميع نوافذه على فضاء من الالفة والمحبة بين الشعوب.


مصطفى عبدالعظيم