المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أفراح بدو موريتانيا في قرية التراث


أفاق : الاداره
01-31-2004, 05:55 AM
أفراح بدو موريتانيا في قرية التراث


عروس الخير يا الله.. إلا هيه ان شاء الله
أفراح بدو موريتانيا .. أهازيج الصحراء وعذوبة الطبيعة البكر


وسط اجواء من البساطة والكرم وعلى ايقاعات الموسيقى والشعر ارتسمت الفرحة على وجوه زوار قرية التراث مساء امس الاول، خاصة اولئك الذين تابعوا عرس بادية اهل موريتانيا.. ذلك البلد العاشق للصحراء التي اكتسب منها اهله صفات وسمات وسجايا، كانت الالفة عنوانها والحب بريقها والخلق طباعها والكرم والنخوة شعارها.

لقد ارتحلت الينا تلك الصفات العظيمة متمثلة في وفد بادية موريتانيا الذين جاءوا للمشاركة في حياة البادية العربية لتقديم صورة حية عن تلك الحياة المليئة بالاسرار التي تجذب اليها اهل الحضر بشدة من اجل التعرف عليهم وعلى عاداتهم وتقاليدهم التي تجسد خير الطبيعة.

لقد أتوا الينا من قلب تلك الصحاري الشاسعة التي ترصعها الواحات الخضراء ذات الظلال الوارفة، من بين المراعي المنتشرة في اماكن نزول الغيث وقطعان المواشي جاءوا ليعزفوا لزوار الشندغة مقطوعة موسيقية على ايقاعات الناي مصحوبة بالاهازيج والاشعار التي تغنى معها الزوار لتعكس بساطة لاتدانيها بساطة وعذوبة مثل عذوبة الطبيعة البكر التي قدموا الينا منها، فبساطتهم تتجسد لتلك الحياة البدوية الخالية من تعقيدات المدينة المعاصرة.


وتقول ميم بنت ذهبي رئيسة الوفد الموريتاني ان البادية في موريتانيا مازالت منتشرة ومتأصلة في بعض المواقع التي يشد اليها اهل المدينة رحالهم عندما يريدون الاستمتاع بأجواء من الهدوء والتلذذ بصفاء الطبيعة، فالبادية هي ملجأهم من ضجيج وصخب المدينة يحنون اليها في العطلات والاعياد.

وتضيف ان الشعر عند اهل موريتانيا وليس البدو فقط يحتل المرتبة الاولى عند الموريتانيين، فهو هدية تولد مع الانسان، ولا يخلو بيت إلا وبه شاعر أو شاعرة لهذا عرفت موريتانيا ببلد المليون شاعر، وتكثر في الليل «مداور» الشعر وهي جمع كلمة «مدورة» اي حلقة ويتم خلالها السمر على كؤوس الشاي.

وخلال طقوس العرس البدوي الموريتاني تجلت اسس هذه المظاهر المكسوة بطابع البداوة الاصيلة التي لا تخلو من الرموز والدلائل مثل عادات، الترواح والعادة والقيلوع والتمراق والواجب والتقداح التي تشكل في مجموعها حلقة واسعة المعاني محدودة الاطار.

والعرس عند اهل بدو موريتانيا لا يختلف كثيراً في طقوسه عن البوادي العربية الاخرى حيث يبدأ بالتعارف بين العروسين وهو اما ان يكون عن طريق الترشيح والعلم من احد الاصدقاء والاقارب ان احدى العائلات لديها فتاة يمكن خطبتها فيتم ارسال الاهل في وفد من الاقارب للتباحث حول الخطبة فإن تم الوفاق يحدد موعد للعقد والزفة، وهذه المرحلة الثانية كما تقول بنت ذهبي.

وفي مرحلة العقد يجتمع اهل العروسة ووكيلها الذي يسألها عن رأيها في العرس وموافقتها على العقد وكذلك الوضع بالنسبة للعريس.

ولا تختلف صيغة العقد كثيراً حيث تبدأ بقراءة الفاتحة والدعاء وتسمية المهر الذي لا يقل عن ربع دينار ويمكن ان يتجاوز ذلك بكثير وذلك نظراً لامكانات العريس والتفاخر بين العشيرة، وقد يشتمل المهر على ملابس وذهب وابل وماشية الى غير ذلك من الحيوانات.

وبعد العقد تبدأ صديقات العروس في تزيينها بالحناء وتجميلها بالاحجار الكريمة على رأسها واعداد ملابسها وزيها التقليدي الذي يتكون من الفستان الاسود أو ملحفة سوداء وعليها شال ابيض على الوجه دليلاً على بكريتها، بينما يرتدي العريس ثوباً ابيض وعليه شال اسود من نفس ثوب العروس.

ويتم تزيين العروس وتخضيبها بالحناء في بيت خالتها او عمتها او احدى صديقاتها، المهم ان يتم ذلك خارج بيتها.

بعد ذلك تبدأ مراسم زفة العروس الى عريسها فيما يعرف بالترواح وقبل ان يصطحب العريس عروسه الى الترواح يقوم بدفع ما يسمى بالعادة وهي اعطاء بعض النقود للواتي قمن بتزيين العروس، ثم يبدأ الترواح وتقام خلاله الولائم وكئوس الشاي والغناء والرقص.

وعند وصول العروس مباشرة تأتي امرأة ربما تكون احدى صديقات العروس أو احدى الفنانات لتأخذ شيئاً من العروس وعادة ما يكون خاتماً فيما يسمى بـ 3 الحوصة ليأتي العريس مرة اخرى ليدفع لها نقوداً كي يستردها لعروسه في اشارة الى مدى مكانة العروس لديه.

ثم يبدأ مشهد آخر تتجاذب فيه الصديقات العروس في محاولة لمنعها من الذهاب الى بيت العريس في الليلة الاولى وذلك يسمى بالقيلوع ليحاول كذلك اصدقاء العريس انتزاع العروس من بين صديقاتها وجلبها للعريس دلالة على مدى رغبة العريس في مواجهة كافة الصحاب من اجل الحصول على عروسه لتذهب معه مصحوبة بالاهازيج والاغاني والاشعار.

وسط الذبائح والاكل والعزائم فيما يعرف بـ «التقداح»:

عروس الخير يا الله

إلا هيه ان شاء الله

لا تجونا ماجبتوها

ساريات الناس رقود

عروس الدرج يا الله

إلا هيه ان شاء الله

ويتواصل الغناء والرقص والاشعار على نغمات الثدنيت والاردين ويستمر العرس الى ثلاثة ايام وقد يطول الى سبع ليال عند بعض العشائر.

وبعد العرس بيومين تبدأ محاولات جديدة من قبل بعض النساء لاخفاء العروس من اجل التأكد من قدرها عند العريس ويطلبن بعض الامور التي يجب على العريس تحقيقها اذا اراد ان تعود اليه عروسه والذي بدوره يقوم على الفور بتنفيذ كل ما يطلب منه وعادة ما تكون طلبات هؤلاء النسوة متمثلة في دعوة على الغداء أو ما يعرف عندهم ب«العزومة» أو العادة ـ ثم ترد العروس لاهلها وتسلم اليهم ليأتي العريس من جديد الى بيت اهل العروس ليتسلمها بعد ان يدفع «تمراق» السبوع.

وبعد التمراق يقوم اهل العروسة بارسال العديد من الهدايا لاهل العريس فيما يعرف ب«الواجب».

ومن التقاليد عند اهل بادية موريتانيا ان يقوم اهل العروس بتجهيز ابنتهم من خيمة ومستلزماتها وبعض الحيوانات.

وينتهي العرس وسط اجواء من البساطة التي تتميز بها حياة البادية في موريتانيا هذه الحياة المرحة التي لا مجال فيها للتكليف، عمادها الموارد الطبيعية المتاحة. لقد كانت البداوة هي السمة الغالبة في موريتانيا الامس اذ ظل نمط الحياة البدوي سائداً في هذا المجتمع حتى سبعينيات القرن العشرين، غير ان ذلك لم يمنع المجتمع من امتلاك ثقافة مكتوبة راسخة في الجذور.

ومن مظاهر هذه الثقافة يأتي نظام التعليم الذي لاقى حظاً وافراً من خلال ما يعرف بالمحضرة تلك الجامعة التي تقدم للطالب ليس في موريتانيا فقط بل لزوارها والعابرين لاراضيها معارف موسوعية في مختلف الفنون المعرفية، كما الحديث والعقيدة والفقه والسيرة واللغة والادب والبلاغة.

والمحضرة كما وصفها الكثيرون جامعة شعبية تستقبل كل من يرد عليها من جميع المستويات الثقافية والفئات العمرية والاجتماعية، تستقبل المبتديء كما تستقبل العالم، فتجدد له معارفه وتوسعها وتعمقها، ويرتادها الطفل والشيخ والمرأة والفقير والموسر، تبذل لكل طالب ما يريد من ضروب المعرفة حسب مستواه الثقافي وهوايته وطاقة استيعابه.

وهي لا تسد ابوابها بل تستمر في العطاء على مدار السنين ولعل من ابرز سمات المحضرة أنها جامعة بدوية متنقلة.

متابعة: مصطفى عبدالعظيم