أفاق : الاداره
01-31-2004, 03:25 AM
مناسك الحج ... إنجاز وضبط 27/11/1424
فضيلة الشيخ الدكتور ناصر العمر
عجيب أمر هذا الدين، إنه دين عملي واقعي، بعيد عن المثاليات والتنظير، مع العظمة والسمو والكمال، تنـزيل من حكيم حميد.
لقد بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - في أمة كانت تعيش قمة الفوضى والجهالة، وقلة الإنتاج، عالة على غيرها؛ اعتداء، أو استجداء، أو تكسباً، ليس لديها ما تقدمه للآخرين سوى وجود بيت رب العالمين في أرضها، وهذا لا فضل فيه ولا منة، بل هو تقدير واختيار الحكيم العليم. وما هي إلا سنوات معدودة، من بعثة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أولئك القوم يصبحون مضرب المثل في القدوة والجهاد والإحسان للآخرين، وبذلك استحقت أن تكون:"خير أمة أخرجت للناس".
ما سرُّ ذلك؟ وأين تكمن الحقيقة؟ وكيف الوصول إلى هذه القمة الشمّاء؟ إنه بكلمة واحدة: الالتزام العملي بالكتاب والسنة، وتحويل (نصوصهما) إلى واقع حي يمشي على الأرض.
ولننظر إلى هذه الدقة المتناهية في الالتزام بالوقت، وتأثير ذلك على العبادة؛ إما صحة أو كمالاً
دعونا نقرب المسألة أكثر فنقول: لو أن رجلاً ذهب إلى أبرع المهندسين، وأقواهم رؤية وتخطيطاً، ثم صمّم له بيتاً؛ يحسده من نظر إليه؛ لجماله وحسن مرآه، ولكن ذلك الرجل اكتفى بهذا المخطط، ولم يضع منه لَبِنَةً على الأرض، هل يقيه ذلك من الحر أو البرد؟ أو يحميه من العدو وهوام الأرض؟.
وهب أنه نفّذه تنفيذاً قاصراً، بخلاف ما رسمه له مصممه، كيف سيكون شكله؟ وهل سيتحقق الغرض من بنائه؟ بل قد يخرّ عليه السقف من فوقه فيكون فيه هلاكه وذهاب حياته، وسيقول له الناس: على نفسها جنت براقش، ويداك أوكتا وفوك نفخ، وهذه حال كثير من الناس –اليوم-، فمنهم المسلم بالاسم، ويصدق عليهم ما صدق على الأعراب من قبل:" قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا"، وآخرون "خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم"، وفئة اقتفت الأثر، وسارت على الطريق وقليل ما هم، " وقليل من عبادي الشكور".
وبالجملة "فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير". وأمتنا –اليوم- أحوج ما تكون إلى القوة، والانضباط، والاستغناء عن الآخرين، وبالأخص عن أعدائها؛ استعداداً للمعركة الفاصلة، مع هذا العدو الشرس الذي كشّر عن أنيابه، وأعلن عن أهدافه، فلم يعدِ الأمرُ سرّاً، ولا يحتاج إلى فراسة أو تنبّؤ، "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر"، وتكافؤ المعركة يُوجب:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم".
إن هذا الدين سهلٌ ممتنع، يسير وعظيم، إنه مدرسة كبرى تتربى فيها الأجيال، ويعدّ فيها عظماء الرجال، تلك المدرسة التي خرّجت أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، وسعداًَ، وخالداً، والمثنى، وأبا عبيدة، وأفذاذ الرجال من الصحابة والتابعين وخير القرون المفضلة –رضي الله عنهم أجمعين-.
إننا ونحن نعيش هذه الأيام –هذا الموسم العظيم- موسم الحج؛ الذي قال الله فيه:" ليشهدوا منافع لهم" بأمسّ الحاجة لتدارسه، واستخراج ما فيه من كنوز ودرر حتى لا يكون مروره كضيف عابر؛ مرّ مرور الكرام مر في أعوام خلت، وأزمان مضت.
ولأن هذه المساحة لا تتسع لبيان ما فيه من منافع تربو على الحصر، وبخاصة أن غيري قد يتناول منها ما يفتح الطريق، ويدل الناس إلى سواء السبيل.
لذا فسأكتفي بالإشارة -التي تناسب المقام- إلى أمر عظيم من تلك المنافع الكبرى، وهو ما يتعلق بالإنجاز، وضبط المواعيد؛ وذلك لسببين:
الأول: أن الأمة الإسلامية تعيش -منذ سنوات طويلة- في فوضى وبطالة وقلة إنتاج مع ما حباها الله من إمكانات هائلة؛ مادية ومعنوية، دينية ودنيوية، لا توجد عند غيرها من الأمم، ولذلك فهي اليوم عالة على غيرها، وبالأخص على عدوها، في أهم شؤونها، من مأكلها ومشربها وصنائعها وثقافتها، بل وعدّة جهادها، حتى أصبحت تلك الأمم قدوتها، وملاذها ومطلب الحماية منها –إلا من رحم ربي- وبالله عليكم كيف نرجو النجاة:(إن يكن الذئب راعي الغنم)؟؟.
الثاني: بروز هذا الأمر -إنجاز العمل العظيم الكثير، في وقت قصير وظروف صعبة- وضبط المواعيد، وأداء الأعمال في أوقاتها، بدقة متناهية، تصل في بعضها إلى أن الدقائق مؤثرة في صحة العمل وسلامته، أو في فضله وكماله، قال جابر:" فلم يزل واقفاً –أي عند المشعر الحرام- حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس".
فضيلة الشيخ الدكتور ناصر العمر
عجيب أمر هذا الدين، إنه دين عملي واقعي، بعيد عن المثاليات والتنظير، مع العظمة والسمو والكمال، تنـزيل من حكيم حميد.
لقد بعث الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - في أمة كانت تعيش قمة الفوضى والجهالة، وقلة الإنتاج، عالة على غيرها؛ اعتداء، أو استجداء، أو تكسباً، ليس لديها ما تقدمه للآخرين سوى وجود بيت رب العالمين في أرضها، وهذا لا فضل فيه ولا منة، بل هو تقدير واختيار الحكيم العليم. وما هي إلا سنوات معدودة، من بعثة النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أولئك القوم يصبحون مضرب المثل في القدوة والجهاد والإحسان للآخرين، وبذلك استحقت أن تكون:"خير أمة أخرجت للناس".
ما سرُّ ذلك؟ وأين تكمن الحقيقة؟ وكيف الوصول إلى هذه القمة الشمّاء؟ إنه بكلمة واحدة: الالتزام العملي بالكتاب والسنة، وتحويل (نصوصهما) إلى واقع حي يمشي على الأرض.
ولننظر إلى هذه الدقة المتناهية في الالتزام بالوقت، وتأثير ذلك على العبادة؛ إما صحة أو كمالاً
دعونا نقرب المسألة أكثر فنقول: لو أن رجلاً ذهب إلى أبرع المهندسين، وأقواهم رؤية وتخطيطاً، ثم صمّم له بيتاً؛ يحسده من نظر إليه؛ لجماله وحسن مرآه، ولكن ذلك الرجل اكتفى بهذا المخطط، ولم يضع منه لَبِنَةً على الأرض، هل يقيه ذلك من الحر أو البرد؟ أو يحميه من العدو وهوام الأرض؟.
وهب أنه نفّذه تنفيذاً قاصراً، بخلاف ما رسمه له مصممه، كيف سيكون شكله؟ وهل سيتحقق الغرض من بنائه؟ بل قد يخرّ عليه السقف من فوقه فيكون فيه هلاكه وذهاب حياته، وسيقول له الناس: على نفسها جنت براقش، ويداك أوكتا وفوك نفخ، وهذه حال كثير من الناس –اليوم-، فمنهم المسلم بالاسم، ويصدق عليهم ما صدق على الأعراب من قبل:" قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا"، وآخرون "خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم"، وفئة اقتفت الأثر، وسارت على الطريق وقليل ما هم، " وقليل من عبادي الشكور".
وبالجملة "فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير". وأمتنا –اليوم- أحوج ما تكون إلى القوة، والانضباط، والاستغناء عن الآخرين، وبالأخص عن أعدائها؛ استعداداً للمعركة الفاصلة، مع هذا العدو الشرس الذي كشّر عن أنيابه، وأعلن عن أهدافه، فلم يعدِ الأمرُ سرّاً، ولا يحتاج إلى فراسة أو تنبّؤ، "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر"، وتكافؤ المعركة يُوجب:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم".
إن هذا الدين سهلٌ ممتنع، يسير وعظيم، إنه مدرسة كبرى تتربى فيها الأجيال، ويعدّ فيها عظماء الرجال، تلك المدرسة التي خرّجت أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، وسعداًَ، وخالداً، والمثنى، وأبا عبيدة، وأفذاذ الرجال من الصحابة والتابعين وخير القرون المفضلة –رضي الله عنهم أجمعين-.
إننا ونحن نعيش هذه الأيام –هذا الموسم العظيم- موسم الحج؛ الذي قال الله فيه:" ليشهدوا منافع لهم" بأمسّ الحاجة لتدارسه، واستخراج ما فيه من كنوز ودرر حتى لا يكون مروره كضيف عابر؛ مرّ مرور الكرام مر في أعوام خلت، وأزمان مضت.
ولأن هذه المساحة لا تتسع لبيان ما فيه من منافع تربو على الحصر، وبخاصة أن غيري قد يتناول منها ما يفتح الطريق، ويدل الناس إلى سواء السبيل.
لذا فسأكتفي بالإشارة -التي تناسب المقام- إلى أمر عظيم من تلك المنافع الكبرى، وهو ما يتعلق بالإنجاز، وضبط المواعيد؛ وذلك لسببين:
الأول: أن الأمة الإسلامية تعيش -منذ سنوات طويلة- في فوضى وبطالة وقلة إنتاج مع ما حباها الله من إمكانات هائلة؛ مادية ومعنوية، دينية ودنيوية، لا توجد عند غيرها من الأمم، ولذلك فهي اليوم عالة على غيرها، وبالأخص على عدوها، في أهم شؤونها، من مأكلها ومشربها وصنائعها وثقافتها، بل وعدّة جهادها، حتى أصبحت تلك الأمم قدوتها، وملاذها ومطلب الحماية منها –إلا من رحم ربي- وبالله عليكم كيف نرجو النجاة:(إن يكن الذئب راعي الغنم)؟؟.
الثاني: بروز هذا الأمر -إنجاز العمل العظيم الكثير، في وقت قصير وظروف صعبة- وضبط المواعيد، وأداء الأعمال في أوقاتها، بدقة متناهية، تصل في بعضها إلى أن الدقائق مؤثرة في صحة العمل وسلامته، أو في فضله وكماله، قال جابر:" فلم يزل واقفاً –أي عند المشعر الحرام- حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس".