المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معلقة لبيد: لبيد بن ربيعة العامري


OM_SULTAN
03-21-2009, 04:03 PM
معلقة لبيد: لبيد بن ربيعة العامري



لم يبق من تلك الواحة الخضراء والجداول الرقراقة التي كانت تنساب في بلاد الشاعر الغناء إلا أودية ارتحلت نضرتها وذبلت أشجارها وتراكمت حجارها، ولم يبق إلا أثر الجداول على الصخور الملساء حتى السحابة التي كانت تمر كل صباح وتذرف الطل غيرت طريقها وقطعت حبال وصلها وأصبحت بلاده نائية إلا من الغربان.
فتعالوا نشاهد الطبيعة بكل جمالها ودلالها، بكل رومانسياتها في هذه المعلقة الرائعة التي تكتنز بالإيحاءات والدلالات والتي يصف الشاعر علاقته مع نوار ويربطها بالأمكنة والطقوس، فكأنما نوار غيمة حبلى بالربيع أينما حلت كان الخصب وأينما ارتحلت تركت ما دل على وجودها.
ثم ينتقل لبيد إلى الدفاع عن أمجاد قبيلته ووصف خصالهم الحميدة وتخليد مآثرهم المجيدة منهم العشيرة العظيمة الكريمة، وهم موطن الأمانة والشرف والشجاعة، وهم الذين يكرمون الضيف ويجودون بكل ما يملكون في سبيل راحته والحفاظ على سمعتهم عطرة تتناقلها الهبوب.
أما شاعر هذه المعلقة هو لبيد بن ربيعة بن مالك قدم على الرسول في وفد بني كلاب فأسلم ثم رجع إلى بلاده، ثم سكن الكوفة ومات بها عام 41هـ وقد ذكره ابن سلام في الطبقة الثالثة من شعراء الجاهلية وكان شريفاً في الجاهلية والإسلام.
وعاش حوالي مائة وأربعين سنة.

ومعلقته هذه من البحر الكامل.

عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها
بِمِنىً تَأَيَّدَ غَوْلُها فَرِجامُها

فَمَدافِعُ الرَّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُها
خَلَقاً كَما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها

دَمِنٌ تَجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنيسِها
حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلالُها وحَرامُها

رُزِقَتْ مَرابيعَ النُّجومِ وصابَها
وَدْقُ الرَّواعِدِ جَودُها ورِهامُها

مِن كلِّ سارِيَةٍ وغادٍ مُدْجِنٍ
و عَشِيَّةٍ مُتَجاوِبٍ إِرْزامُها

فَعَلا فروعُ الأيْهُقانِ وأَطْفَلَتْ
بالجَلْهَتَيْنِ ظِباؤها ونَعامُها

والوَحْشُ ساكِنَةٌ على أطْلائها
عوذاً تَأَجَّلُ بالفَضاءِ بِهامُها

وجَلا السُّيولُ عَنِ الطُّلولِ كأنّها
زُبُرٌ تُجِدُّ مُتونَها أَقْلامُها

أو رَجْعُ واشِمَةٍ أُسِفَّ نَؤُورُها
كِفَفاً تَعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ وِشامُها

فَوَقَفْتُ أسْأَلُها وكَيْفَ سُؤالُنا
صُمّاً خَوالِدَ ما يُبينُ كَلامُها

عَرِيَتْ وكانَ بها الجَميعُ فَأَبْكَروا
مِنها وغودِرَ نُؤْيُها وثُمامُها

شاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيِّ حينَ تَحَمَّلوا
فَتَكَنَّسوا قُطُناً تَصِرُّ خِيامُها

مِن كُلِّ مَحْفوفٍ يُظِّلُّ عِصِيَّهُ
زَوْجٌ عليه كِلّةٌ وقِرامُها

زُجَلاً كَأنَّ نِعاجَ تُوضِحَ فَوْقَها
وظِباءَ وَجْرَةَ عُطَّفاً أَرْآمُها

حُفِزَتْ وزاَيَلَها السَّرابُ كأنّها
أجْزاعُ بيشَةَ أَثْلُها ورِضامُها

بَلْ ما تَذَكّرُ مِن نَوارَ وقَدْ نَأَتْ
وتَقَطَّعَتْ أَسْبابُها ورِمامُها

مُرِّيَّةٌ حَلَّتْ بِفَيْدَ وجاوَزَتْ
أهلَ الحِجازِ فأيْنَ مِنْكَ مَرامُها

بمَشارِقِ الجَبَلَيْنِ أو بمُحَجَّرٍ
فتَضَمَّنَتْها فَرْدَةٌ فَرُخامُها

فَصَوائِقٌ إنْ أَيْمَنَتْ فَمَظِنَّةٌ
منها وِحافُ القَهْرِ أو طِلْخامُها

فاقْطَعْ لُبانَةَ مَن تَعَرَّضَ وَصْلُهُ
ولَشَرُّ واصِلِ خُلَّةٍ صَرَّامُها

واحْبُ المَحامِلَ بالجَزيلِ وصُرْمُهُ
باقٍ إذا ضَلَعَتْ وزاغَ قِوامُها

بِطَليحِ أسْفارٍ تَرَكْنَ بَقيَّةً
منها فأَحْنَقَ صُلْبُها وسَنامُها

فإذا تَغالى لَحْمُها فَتَحَسَّرَتْ
وتَقَطَّعَتْ بَعدَ الكَلالِ خِدامُها

فَلَها هِبابٌ في الزِّمامِ كأنَّها
صَهْباءُ راحَ معَ الجَنوبِ جَهامُها

أو مُلْمِعٌ وسَقَتْ لأحْقَبَ لاحَهُ
طَرْدُ الفُحولِ وضَرْبُها وكِدامُها

يَعْلو بها حَدَبَ الإكامِ مُسَحَّجاً
قد رابَهُ عِصْيانُها ووِحامُها

بأحِزَّةِ الثَّلْبوتِ يَرْبَأُ فَوقَها
قَفْرَ المَراقِبِ خَوفُها آرامُها

حتى إذا سَلَخا جُمادى كُلّها
جَزْءاً فَطَالَ صِيامُهُ وصِيامُها

رَجَعا بأَمْرِهِما إلى ذي مِرَّةٍ
حَصِدٍ و نُجْحُ صَريمَةٍ إيرامُها

ورَمَتْ دَوَابِرَها السَّفا وتَهَيَّجَتْ
ريحُ المَصاريفِ سَوْمُها وسَهامُها

فَتَنازَعا سَبِطاً يَطيرُ، ظِلالُهُ
كدُخانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرامُها

مَشْمولَةٍ غُلِثَتْ بِنابِتِ عَرْفَجٍ
كدُخانِ نارٍ ساطِعٍ أسْنامُها

فمَضى وقَدَّمَها وكانت عادَةً
منهُ، إذا هي عَرَّدَتْ، إقْدامُها

فَتَوَسَّطا عُرْضَ السَّرِيِّ وصَدَّعا
مَسْجورَةً مُتَجاوِراً قُلاّمُها

مَحْفوفَةً وَسْطَ اليَراعِ يُظِلُّها
منهُ مُصَرَّعُ غابَةٍ وقِيامُها

أَفَتِلْكَ أَمْ وَحْشِيَّةٌ مَسْبوعَةٌ
خَذَلَتْ وهادِيَةُ الصُّوار قِوامُها

خَنْساءُ ضَيَّعَتِ الفَريرَ فلمْ يَرِمْ
عُرْضَ الشَقائِقِ طَوْفُها وبُغامُها

لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنازَعَ شِلْوَهُ
غَبْسٌ كَواسِبُ لا يُمَنُّ طَعامُها

صادَفْنَ مِنه غِرَّةً فأَصَبْنَهُ
إنّ المَنايا لا تَطيشُ سِهامُها

باتَتْ وأَسْبَلَ وَاكِفٌ مِن ديمَةٍ
يُرْوي الخَمائلَ دائماً تَسْجامُها

تَجْتافُ أصْلاً قالِصاً مُتَنَبِّذاً
بعُجوبِ أنْقاءٍ يَميلُ هِيامُها في لَيْلَةٍ

يَعْلو طَريقَةَ مَتْنِها مُتَواتِرٌ
في ليلةٍ كَفَرَ النُّجومَ غَمامُها

وتُضيءُ في وَجْهِ الظّلامِ مُنيرَةً
كَجُمانَةِ البَحْرِيِّ سُلَّ نِظامُها

حتى إذا حَسَرَ الظَّلامُ وأَسْفَرَتْ
بَكَرَتْ تَزِلُّ عنِ الثَّرى أَزْلامُها

عَلِهَتْ تَرَدَّدُ في نِهاءِ صُعائدٍ
سَبْعاً تُؤاماً كامِلاً أيَّامُها

حتى إذا يَئِسَتْ وأسْحَقَ حالِقٌ
لم يُبْلِهِ إرْضاعُها وفِطامُها

وتَسَمَّعَتْ رِزَّ الأَنيسِ فَراعَها
عن ظَهْرِ غَيبٍ والأنيسُ سَقامُها

فَغَدَتْ كِلا الفَرْجَينِ تَحْسِبُ أنّهُ
مَولى المَخافَةِ خَلْفُها وأَمامُها

حتى إذا يَئِس الرُّماةُ وأَرْسَلوا
غُضْفاً دَواجِنَ قافِلاً أَعْصامُها

فَلَحِقْنَ واعْتَكَرَتْ لها مَدْرِّيَةٌ
كالسَّمْهَرِيَّةِ حَدُّها وتَمامُها

لِتَذودَهُنَّ وأيْقَنَتْ إنْ لم تَذُدْ
أنْ قد أَحَمَّ معَ الحُتوفِ حِمامُها

فَتَقَصَّدَتْ منها كَسابِ فَضُرّجَتْ
بِدَمٍ وغودِرَ في المَكَرِّ سُحامُها

فَبِتِلْكَ إذْ رَقَصَ اللّوامِعُ بالضُّحى
واجْتابَ أَرْدِيَةَ السَّرابِ إكامُها

أقْضِي اللُّبانَةَ لا أُفَرِّطُ ريبَةً
أوْ أَنْ تَلومَ بِحاجَةٍ لُوَّامُها

أوَلم تَكُنْ تَدْري نَوَارُ بأنّني
وصّالُ عَقْدِ حَبائلٍ جَذّامُها

تَرّاكُ أمْكِنَةٍ إذا لم أَرْضَها
أو يَعْتَلِقْ بعضَ النّفوسِ حِمامُها

بل أنتِ لا تَدرينَ كم من ليلةٍ
طَلْقٍ لَذيذٍ لَهْوُها ونِدامُها

قد بِتُّ سامِرُها وغايَةَ تاجِرٍ
وافَيْتُ إذ رُفِعَتْ وعَزَّ مُدامُها

أغْلى السِّباءِ بكلِّ أَدْكَنَ عاتِقٍ
أو جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتامُها

باكَرْتُ حاجَتَها الدَّجاجَ بسُحْرَةٍ
لأعِلَّ منها حينَ هَبَّ نِيامُها

وغَداةِ ريحٍ قد كَشَفْتُ وقِرَّةٍ
إذ أصْبَحَتْ بيَدِ الشَّمالِ زِمامُها

بِصَبوحِ صافِيَةٍ وجَذْبِ كرينَةٍ
بِموتَّرٍ تأْتالُهُ إبْهامُها

ولَقَدْ حَمَيْتُ الحَيَّ تَحْمِلُ شِكَّتي
فُرُطٌ، وشاحي إذ غَدَوْتُ لِجامُها

فَعَلَوْتُ مُرْتَقِباً على ذي هَبْوَةٍ
حَرِجٍ إلى أَعْلامِهِنَّ قَتامُها

حتى إذا أَلْقَتْ يَداً في كافِرٍ
وأَجَنَّ عَوْراتِ الثُّغورِ ظَلامُها

أَسْهَلْتُ وانْتَصَبَتْ كَجِذْعِ مُنيفَةٍ
جَرْداءَ يَحْصَرُ دونها جُرَّامُها

رَفَّعْتُها طَرَدَ النَّعامِ وفَوْقَهُ
حتى إذا سَخُنَتْ وخَفَّ عِظامُها

قَلِقَتْ رِحالَتُها وأسْبَلَ نَحْرُها
وابْتَلَّ مِن زَبَدِ الحَميمِ حِزامُها

تَرْقى وتَطْعَنُ في العِنانِ وتَنْتَحي
وِرْدَ الحَمامَةِ إذْ أَجَدَّ حِمامُها

وكَثيرَةٍ غُرَباؤها مَجْهولَةٍ
تُرْجى نَوافِلُها ويُخْشى ذامُها

غُلْبٌ تَشَذَّرُ بالذُّحولِ كأنّها
جِنُّ البَدِيِّ رَواسِياً أقْدامُها

أَنْكَرْتُ باطِلَها وبُؤْتُ بِحَقِّها
يوماً ولم يَفْخَرْ عليَّ كِرامُها

وجَزُورِ أيْسارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِها
بِمَغالِقٍ مُتَشابِهٍ أَعْلامُها

أَدْعو بِهِنَّ لِعاقِرٍ أو مُطْفِلٍ
بُذِلَتْ لِجيرانِ الجَميعِ لِحامُها

فالضَّيفُ والجارُ الغريبُ كأنّما
هَبَطا تَبالَةَ مُخْصِباً أهْضامُها

تأْوي إلى الأَطْنابِ كُلُّ رَذِيَّةٍ
مِثْلِ البَليَّةِ قالِصٍ أهْدامُها

ويُكَلِّلونَ إذا الرِّياحُ تَناوَحَتْ
خُلُجاً تُمَدُّ شَوارِعاً أيْتامُها

إنّا إذا الْتَقَتِ المَجامِعُ لم يَزَلْ
مِنَّا لِزازُ عَظيمَةٍ جَشَّامُها

ومُقَسِّمٌ يُعْطي العَشيرَةَ حَقَّها
ومُغَذُمِرٌ لِحُقوقِها هَضَّامُها

فَضْلاً وذو كَرَمٍ يُعينُ على النَّدى
سَمْحٌ كَسوبُ رَغائبٍ غَنَّامُها

مِن مَعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آباؤهُمْ
ولِكُلِّ قومٍ سُنَّةٌ وإمامُها

لا يَطْبَعونَ ولا يَبورُ فِعالُهُمْ
إذْ لا تَميلُ معَ الهَوى أَحْلامُها

فَبَنى لنا بَيْتاً رَفيعاً سَمْكُهُ
فَسَما إلَيْهِ كَهْلُها وغُلامُها

فاقْنَعْ بما قَسَمَ المَليكُ فإنَّما
قَسَمَ الخَلائِقَ بَيْننا عَلّامُها

وإذا الأمانَةُ قُسِّمَتْ في مَعْشَر
أوْفى بأعْظَمِ حَقِّنا قَسَّامُها

وهُمُ السّعاةُ إذا العَشيرَةُ أُفْظِِعَتْ
وهُمُ فَوارِسُها وهُمْ حُكّامُها

وهُمُ رَبيعٌ للمُجاوِرِ فيهُمُ
والمُرْمِلاتِ إذا تَطاوَلَ عامُها

وهُمُ العَشيرَةُ إنْ يُبَطِّئُ حاسِدٌ
أو أنْ يَلومَ مع العَدُوِّ لِيامُها