المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقوق المغفلين


د.سكينة بن عامر
09-17-2008, 07:13 PM
تستفزني دائما عبارة (القانون لا يحمي المغفلين) التي تتردد دون انقطاع في معظم مسلسلاتنا وبرامجنا وحكاياتنا ويأخذ بها قانوننا ولا يتنازل عنها، إنها تشعرني دائما بان كل واحد منا مشروع مغفل مستقبلي، وحتى (اشطر واحد في الدنيا) لن يسلم من كونه مغفل في لحظة ما, باعتبار أن كل مغفل تقصده هذه العبارة ما هو إلا إنسان ابيض القلب يتوخى حسن النية في كل ما يعمله، ويفترض دائما بان الآخرين مثله وإنهم يفكرون كما يفكر هو، ويؤمن تماما بان القانون ما وضع إلا لحماية حقوق الإنسان مثلما هو مسئول عن حماية حق كل ما يحيط بنا ابتداء من حق الطريق وانتهاء بحماية حق الأجيال القادمة التي لم تحيا معنا بعد، ألم أقل لكم بأنه إنسان ابيض القلب؟ فكيف لا يحميه القانون من استغلال الآخرين له رغم أن جوهر القانون هو حماية الإنسان وغير الإنسان؟ وكيف لا يدافع القانون عن إنسان صادق وقع بين براثن مخادع مستغل، ويقف عاجزا عن الاقتصاص منه لأنه لا يملك دليلا ماديا عن براءة هذا أو استغلال ذاك؟ كم هو مؤلم أن تحس بأنك علي حق ولكن هذا القانون الموضوع بنصوص قانونية وعبارات مرصوصة لا يجد بين كلماته تلك ما يمنحك البراءة لأنك وبكل بساطة (مغفل مثالي ) ولقمة سائغة لذوى النفوس اللئيمة. ولأنني بحكم كوني مواطنة حسنة النية فانا امثل مشروعا مستقبليا لمغفلة بدرجة علمية رفيعة، لذلك قررت أن أفكر في أن أتسلح منذ الآن بما يحميني من غفلتي المستقبلية المتوقعة، وبما يساعد أمثالي ويحميهم من الاستغفال، طالما أن القانون سوف يتنصل من مسئوليته تجاهنا في اقرب وقت إذا لم نحسن التصرف أو وقعنا بين براثن المستغلين، ولأنني مواطنة عصرية تحيا علي مشارف قرن مدهش ومتفجر ومملوء بتغيرات تقنية ومجتمعية واقتصادية وسياسية وفكرية، فلابد لي من أن أزعم بأنني مؤمنة بأهمية المشاركة المجتمعية، ومتحمسة لتفعيل دور المجتمع المدني، ولابد من أن ارفع شعارات حقوق الإنسان، وأحسن التحدث عن الاخلاق البيئية والاجتماعية، وأتقن استعمالات المحمول والحاسوب، وامهر اسمي (بدوت كوم) وأتسكع في غرف الدردشة وأتسلق مواقع الشبكة العنكبوتية وأتبادل (مسجات) مع الآخرين، وهذه فرصة نادرة كي أتحمس لمشروع تفعيل حقوق المغفلين وحمايتها، واتبني مشروع قومي لتوعية كل المغفلين وأنصاف المغفلين بحقوقهم التي يجهلونها، وأول هذه الحقوق الحق في المعرفة بكل القوانين واللوائح خاصة الإدارية منها، فلماذا لا تدرس في المدارس والجامعات مادة للقانون المدني وتكون ضمن المناهج الدراسية لتوضيح أهم القوانين التي تمس حياة الإنسان اليومية، وبالتالي تحفظ حقوق هذا الإنسان من الاستغفال والاستغلال وتبصره بواجباته الحقيقية التي تترتب عليه، وبذلك لا يصبح مغفلا يتجاهله القانون ويدينه بدلا من أن يدافع عنه، ولتفعيل هذا القانون أكثر فلابد من دعوة كل إدارة أو مصلحة أو مؤسسة لإصدار كتيب صغير به تفسير للاجرات الخاصة بالمعاملات الإدارية و الخطوات والأوراق المطلوبة بحيث يتم ترشيد طاقة ووقت واقتصاد المواطن والإدارة معا، وحتى لا يلف صاحب الطلب في حلقة مفرغة من الإجراءات التي لا تنتهي بسبب عدم فهم آلية تسلسل هذه الإجراءات وتضاربها وتداخلها خاصة إذا ما كان من أصحاب القلوب البيضاء والنفس القصير ممن سيكونون مشاريع لقم سائغة لمستغلي الظروف ممن يتلاعبون بالقوانين لتحقيق مأربهم ومكاسبهم علي حساب هؤلاء المغفلين، كم نحن في حاجة حقيقية لمثل هذا المشروع القومي كي تختفي من ذاكرتنا عبارة (القانون لا يحمي المغفلين) ونستبدلها بعبارة ( اعرف حقوقك كي لا تكون من المغفلين).