المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : احتفل واكفل شجرة


د.سكينة بن عامر
09-08-2008, 10:43 AM
(مستعدون لنزرع لك شجرة في احتفالك بيوم ميلادك او ميلاد احد أبنائك، او صديقك او قريبك، مستعدون لنزرع لك شجرة في أي مناسبة تخصك فتكون هدية مميزة لمن تحبهم، وهدية لأرضنا ووطننا وبيئتنا) هذا الفكرة الجميلة هي فكرة رائدة تبنتها واحدة من الجمعيات الأهلية المهتمة بخدمة المجتمع والبيئة في القاهرة، وقد بدأ تطبيقها بالفعل مع بداية عام 2004، حيث تلقى عدد كبير من مواليد الخامس في ذلك العام هدايا مميزة، وأشجار جميلة زرعت باسمهم كهدايا لعيد مولدهم، كما ان هناك عدد كبير من العرسان وثقوا تاريخ زواجهم بزراعة شجرة باسمهم، وكثيرون أهدوا شجرة لأرواح أحبابهم فكانت صدقة جارية وذكرى طيبة، واختير مدخل مدينة القاهرة مكانا للمشروع لزيادة المساحة الخضراء المحيطة بها وحمايتها من زحف الرمال.فكان حزام اخضر من المحبة طوقها وزادها بهاءً ، ولم يكلف المشروع الكثير اذ ان هذه الفكرة الذكية دفعت الناس للمشاركة في تشجير وتجميل مدينتهم باقتناع وبمحبة، وأصبح كل ما عليهم فعله هو الاتصال بهذه الجمعية وإرسال ثمن الشجرة واسم صاحبها، وبلحظة تكون هديته صدقة جارية وشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تمنح الأمل وتحمي من التلوث. هي فكرة جميلة ورقيقة، ولها جانبين مشرقين، الاول يزيد من أواصر المحبة والترابط بين الأحباب والصحاب، فما أجمل ان يهديني شخص ما هدية تحمل اسمي حيا كنت أم في جوار رب كريم، وتبقي تذكرني به كلما رأيتها او ارتحت تحت فيائها. والجانب الثاني ان خير هذه الهدية يمتد الي الآخرين فينتفعون بها، وتنتفع بها بقية الكائنات ، بل وتنتفع بها البيئة ككل. كم هي فكرة جميلة، فلماذا لا نطبقها، او نقترح مشروعا شبيها بها؟ فنحن نمتلك في مدننا أشجار كثيرة تحيط بنا لكن لا احد يهتم به، ماذا لو قام كل واحد منا بكفالة شجرة في الشارع او في حديقة او مكان عام، وحرص علي رعايتها وحمايتها والحفاظ عليها؟ وماذا لو ان كل منا زرع شجرة وأهداها الي عزيز علي قلبه، او أحيا بزراعتها ذكرى أثيرة لديه؟ وماذا لو أننا استبدلنا هدايانا المكررة بشتلة لشجرة نزرعها في الشارع او الحديقة، او أصيص نبات اخضر نزين به شرفات بيوتنا ونوافذها ؟ لو ان كل واحد منا قام بهذا العمل فان أشجار مدننا سوف تنتعش، وسيمسح الجمال بيده الحانية شرفاتنا ومبانينا، وستختفي المناظر المؤذية التي تشوه جمال شوارعنا. دعونا نفكر في هذا المشروع اليوم ولنطلقه كمشروع وطني في كل بلد ضمن الاحتفالات القادمة بالعالم باليوم العالمي للبيئة، وبذلك نغير من النمط التقليدي الذي يركز علي إقامة المهرجانات والاحتفالات، و عقد الندوات والمؤتمرات العلمية التي تناقش أعدادا لا حد لها من القضايا البيئة الملحة، ثم تنتهي بتوصيات يكون مصيرها ادراج النسيان، ليكن احتفالنا العام القادم مختلفا، يمتد طيلة العام ولا يكتفي بالقول او التوصيات، ولنجعله عيدا للتصالح مع البيئة التي ننهب مواردها، ونسرق خيراتها، وندمر توازنها، و نمارس ضدها بسلوكياتنا وأفكارنا السلبية عملية إنهاك وإذلال لها ولمواردها، وهذه حقيقة وتهمة ثابتة ، فنحن نلوث هذه البيئة عندما ننشي مصنعا او نبني مسكنا، ونحن ندمرها حينما نشق طريقا او نبني جسرا او نقيم سدا، بل أننا ندمرها حتي عندما نرفه عن أنفسنا علي شاطئ بحر او ضفاف نهر او تحت ظلال شجر باسق، لكننا نادرا ما نفكر في حمايتها او صيانتها، لأننا نحميها ونحتفل بها يوما واحدا في العام، وندمر خيراتها ونسرقها في بقية أيام العام، أننا ننهب ونسرق روائع هذه البيئة في كل أن، ولكن ممن نسرق؟؟ ومن ننهب؟؟ السنا ننهب أنفسنا، ونسرق من خيرات أبناءنا وأحفادنا وكل من يشاركنا هذا الموروث البيئي الذي وهبه الخالق الكريم لنا؟ ان الكثير من ثروات البيئة الطبيعية بضائع مجانية أطلقها الرزاق الكريم سبحانه وتعالى لكافة الكائنات, لكننا بطمعنا وجبروتنا وتنمردنا حولناها الي بضاعة باهظة التكاليف، حتي أصبحنا نتمنى يوما من الأيام الخوالي ذات البيئة الرائعة عندما لم يكن علي الإنسان ان يشغل باله بالهواء النظيف، ولا ان يدفع ثمنا للماء النقي، تلك الأيام الرائعة التي كانت زراعة شجرة فيها تنجي من النار، وغرس فسيلة واجب ولو كان في لحظة قيام يوم القيامة، ورحمة حيوان تائه تعادل قيمة منزل في الجنة، ورعاية وكفالة شجرة صدقة جارية تقي صاحبها من كل شر، نحن في حاجة الي احتفال مميز بالبيئة، فلنستعد منذ الآن للاحتفال بيوم البيئة في العام القادم وليبدأ كل واحد منا بكفلة شجرة....