المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات مع تربية الأبناء....الشيخ سعد البريك


fateemah
07-28-2008, 04:34 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


وقفات مع تربية الأبناء....الشيخ سعد البريك


مشاهدات[23] اضيف بتاريخ[2008-07-22]


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :


الأسلوب الأمثل والأقوم في تربية الأبناء قد يجهله كثير من الآباء والأمهات لعدم معرفتهم أصول التربية السليمة.
فالابن مرآة تعكس معاملة الوالدين له ، فإن أشعره والداه أنه شخص مؤمن ، طيب ، متعاون...ألخ من الصفات الجيدة ، فإنه سيقتنع في قرارة نفسه بهذه الصفات وسيحاول أن يعيشها حقيقة واقعيةً ويجعلها برنامجاً عملياً في حياته ، أما إذا غرسا في ذهنه عكس ذلك فإنه سينشأ عليه ، بعد أن يكوِّن فكرة سلبية عن نفسه ، وينتهي بهالأمر إما إلى الكآبة والإحباط ، أو إلى التمرد والانحراف .
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه : "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ". ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}.
إن حسن تربية الأبناء واجب شرعي سيسأل عنه الوالدان يوم القيامة، قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} .
فأي تقصير في ذلك يعرض الوالدين للمساءلة والعقوبة لقوله صلى الله عليه وسلم :" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ". وروى الترمذي و أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِى يَدِ ابْنَتِهَامَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا "‏ أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا ؟" ،‏ قَالَتْ لاَ .‏ قَالَ :" أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَايَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ "، قَالَ فَخَلَعَتْهُمَافَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِعَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ .
والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رتب العقوبة على الأم دون البنت مع أنها لم تلبس المسكتين في يدها ، لكنها تسببت بذلك أو أقرته .
يقول ابن القيم رحمه الله: ( وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال تعالى{ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق....الآية}فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا أباءهم كباراً كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال : يا أبت إنك عققتني صغيرا ًفعققتك كبيراً وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً ) .
وبلغ من عنايته صلى الله عليه وسلم بتعليم الأطفال أنه كان يدعو لبعضهم. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍرضي الله عنهما قال : إَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِى -‏أَوْ عَلَى مَنْكِبِى شَكَّ سَعِيد ، وهو أحد رواة الحديث -‏ ثُمَّ قَالَ:"‏ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِيالدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ ". رواه أحمد والحاكم بإسناد صححه و وافقه الذهبي.
والتربية الفاعلة هي التي تكون في الصغر ، فإن الطفل ينشأ على ما يعوّده عليه والداه في صغره .
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوّدهأبوه
وقديماً قيل : العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، و العلم في الكبر كالغرزبالإبر .
وقبل أن نخوض في بيان أصول التربية السليمة ، فإنه يجب على الوالدين والمربين أن يعلموا أن سلوك الأبناء هو انعكاس لسلوكهم ، فالطفل الذي يرى والده يضرب أمه فإنه سيظن أن هذا هو أسلوب التعامل الجيد ، والابن الذي يرى أباه يحتقر أمه فإنه يعتبر ذلك الاحتقار هو الأسلوب الأمثل ، والبنت التي ترى أمها تحتقر أباهاأو تسيء معاملته ، استقر في ذهنها أن الأسلوب الأنجع في التعامل مع الرجل هو احتقاره والإساءةإليه .
إن مراعاة الأصول الشرعية والتربوية في تنشئة الأولاد مما يسهم بإذن الله في تربية جيل سوي بناء معافى من الآفات النفسية الخطيرة التي تنجم عن سوء التربية .
1 ـــ فأول هذه الأصول : غرس التوحيد في النفس ، ولذا كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الأذان هو أول ما يطرق سمع الطفل عند ولادته كما في الحديث الذي رواه البيهقي وحسنه الألباني.
والتوحيد هو الأساس في تربية الرسل والأنبياء أبناءهم قال تعالى{ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن لله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} وقال لقمان موصياً ابنه {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أوفي السموات أوفي الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير } .
وكان من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بتربية الأطفال على التوحيد أنه كان يدعوهم إليه ولو كان أحدهم هم في لحظات الحياة الأخيرة . عن أنس رضي الله عنه قال كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار ". رواه البخاري .
قال الإمام ابن القيم عن تربية الأبناء على التوحيد : ( فإذا كان أول نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده وأنه سبحانه فوقهم ينظر إليهم ويسمع كلامهم وهو معهم أين ما كانوا ولهذا كان أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا دعي الطفل عقل على أنه عبد الله وأن الله سيده ومولاه ) .
وقال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: "يا غلام إني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشي لن ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشي لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ". وفي رواية : "احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى ربك في الرخاء يعرفك في الشدة ، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا".
إن حفظ الطفل لهذا الحديث وفهمه سيكون له أثر كبير في حياته كلها.
وقال سهل بن عبد الله التستري : كنت وأنا ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما : ألا تذكر الله الذي خلقك ؟. فقلت : كيف أذكره ؟ فقال : بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك : الله معي الله ناضري الله شاهدي ،فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته ، فقال : قل كل ليلة سبع مرات ، فقلت ثم أعلمته ، فقال : قل كل ليلة إحدى عشر مرة فقلته فوقع حلاوته في قلبي ، فلما كان بعد سنة قال لي خالي : احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك . ثم قال لي خالي يوماً يا سهيل : من كان الله معه وناظراً إليه وشاهده أيعصيه؟إياك والمعصية.فكنت أخلو بنفسي فبعثوا بي إلى المدينة فمضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين وكنت أصوم الدهر وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة.
2 ـــ ومن أصول التربية الهامة : حث الطفل على تعلم العلم . روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيالله عنهما قَالَ : كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ ،‏ فَقَالَبَعْضُهُمْ – قيل إنّه عبد الرحمن بن عوف - : لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا،‏ وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ .‏ قَالَفَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ ،‏ وَدَعَانِى مَعَهُمْ قَالَ وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِىيَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّى فَقَالَ مَا تَقُولُونَ (‏ إِذَا جَاءَنَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ )‏ حَتَّى خَتَمَالسُّورَةَ ،‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَوَنَسْتَغْفِرَهُ ،‏ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا .‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَنَدْرِى .‏ وْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئاً .‏ فَقَالَ لِي يَا ابْنَ عَبَّاسٍأَكَذَاكَ تَقُولُ قُلْتُ لاَ .‏ قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِاللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ (‏ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِوَالْفَتْحُ )‏ فَتْحُ مَكَّةَ ،‏ فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ (‏ فَسَبِّحْبِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً )‏ قَال عُمَرُ مَاأَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ .
وروى مسلمفي صحيحه أن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قال : لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُلاَماً فَكُنْتُ أَحْفَظُ عَنْهُ فَمَايَمْنَعُنِي مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ أَنَّ هَا هُنَا رِجَالاً هُمْ أَسَنُّ مِنِّى .
3 ــــ ومن الأصول التربوية الهامة : التربية على العبادة ، فينشأ الطفل عليها ، لتسهل عليه إذا كبر . قال صلى الله عليه وسلم : "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ". رواه أبو داود والترمذي.
وكانت نساء الصحابة يصطحبن أولادهن إلى المسجد . عنْ أَبِى قَتَادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ :" إِنِّي لأَقُومُ في الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا ،‏ فَأَسْمَعُبُكَاءَ الصَّبِيِ ،‏ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَىأُمِّهِ "‏ .‏ رواه البخاري .
لكن يحسن قبل اصطحاب الطفل إلى المسجد أن يعمله وليه ويؤدبه بآداب دخولالمسجد . سئل مالك عن الرجل يأتي بالصبي إلى المسجد أيستحب ذلك ؟ فقال : إن كانقد بلغ مبلغ الأدب وعرف ذلك ، و لا يعبث فلا أرى بأساً ، و إن كان صغيراً لا يقَرفيه ، و يعبث فلا أحبّ ذلك .
وليس الأمر مقتصراً على تعويد الأبناء على الصلاة فقط ، بل يشمل غيرها من العبادات كالصيام . فقد روى الشيخان عَنِ الرُّبَيِّعِبِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ أَرْسَلَ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَعَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ :ط‏ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِراً فَلْيُتِمَّبَقِيَّةَ يَوْمِهِ ،‏ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِماً فَلْيَصُمْ "‏ .‏ قَالَتْ فَكُنَّانَصُومُهُ بَعْدُ ،‏ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا ،‏ وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَمِنَ الْعِهْنِ ،‏ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ،‏ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن حجر : ( في الحديث حجة علىمشروعيّة تمرين الصبيان على الصيام ) .
وكذلك الحج : روى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيالله عنهما أن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لَقِي رَكْباً بِالرَّوْحَاءِفَقَالَ :"‏ مَنِ الْقَوْمُ "؟ ‏ .‏ قَالُوا : الْمُسْلِمُونَ .‏ فَقَالُوا : مَنْأَنْتَ قَالَ : "‏ رَسُولُ اللَّهِ "‏ .‏ فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّافَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ :"‏ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ " .‏
أما تعليم القرآن فهو أصل راسخ من أصول التربية . قال الحافظ السيوطي :تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام فينشئون على الفطرة ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل أن تتمن الأهواء منها وقبل سوادها بفعل المعصية والضلال.
وقال ابن خلدون:تعليم القرآن الولدان شعار من شعائر الملة أخذ به أهالي الملة ودرجوا عليه في جميع عصورهم لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده بسبب آيات القرآن ومتون الأحاديث وصار القرآن أصل التعليم.
قال الشافعي حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر.
وحفظ سهل بن عبد الله القرآن وهو ابن ست سنين وغيرهما كثير.
4 ـــ ومن معالم التربية الهامة : التربية على تعظيم أمر الله وطاعته والتأدب بسنة النبي صلى الله عليه وسلم . عن أبي الحوراء قال قلت للحسن ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فجعلتها في فيَ فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابه فجعلها في التمر فقيل له : يا رسول الله ما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي قال: "إنَا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ".
وقال عليه الصلاة والسلام لعمرو بن أبي سلمة وكان يأكل معه: يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك.
ومن حرص السلف كانوا يرسلون أولادهم إلى حيث ينهلون الأدب ولذا كان يقال للمعلم: المؤدب (ولا خير في علم بلا أدب).
ورد أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده وكان يلزمه الصلوات فأبطأ يوما عن الصلاة فقال له : ما حبسك قال : كانت مرجلتي تسكن شعري فقال : بلغ من تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة وكتب بذلك إلى والده فبعث عبد العزيز بن مروان رسولا إليه فما كلمه حتى حلق شعره .
يقولابن قيم رحمه الله مبيناً جملة من الآداب التي يجب أن يتربى عليها الطفل : ( يجبأن يجنَّب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل ، والغناء ، وسماع الفحش ، والبدع ،ومنطق السوء؛ فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر ، وعزّ على وليهاستنقاذه منه ، فتغيير العوائد من أصعب الأمور !! يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعةثانية ، والخروج عن حكم الطبيعة عسر جداً . وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب؛ فإنه متى اعتاد الأخذ صار لهطبيعة ، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي ، ويعوده البذل والإعطاء ، وإذا أراد الولي أنيعطي شيئاً أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء .
ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السمّ الناقع !! فإنه متىسَهَّل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة ، وحرمه كل خير .
ويجنبه الكسل والبطالة ، والدَّعَة والراحة ، بل يأخذه بأضدادها ، ولا يريحه إلابما يجمّ نفسه وبدنه للشغل ، فإن للكسل والبطالة عواقب سوء ، ومغبة ندم ، وللجدوالتعب عواقب حميدة : إما في الدنيا ، وإما في العقبى ، وإما فيهما ، فأروح الناسأتعب الناس ، وأتعب الناس أروح الناس ، فالسيادة في الدنيا ، والسعادة في العقبى لايوصل إليها إلا على جسر من التعب ، قال يحيى بن أبي كثير : لا يُنال العلم براحةالجسم .
ويعوده الانتباه آخر الليل؛ فإنه وقت قسم الغنائم ، وتفريق الجوائز ، فمستقلومستكثر ومحروم .. فمتى اعتاد ذلك صغيراً سهل عليه كبيراً .
ويجنبه فضول الطعام ، والكلام ، والمنام ، ومخالطة الأنام؛ فإن الخسارة في هذهالفضلات ، وهي تفوّت على العبد خير دنياه وآخرته.
ويجنبه مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب؛ فإن تمكينه من أسبابهاوالفسح له فيها يفسده فساداً يعزُّ عليه بعده صلاحه ، وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبدهفي الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه ، وإعانته له على شهواته ، ويزعم أنه يكرمهوقدا أهانه ، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه !! ففاته انتفاعه بولده ، وفوّت عليه حظهفي الدنيا والآخرة !! وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء .
والحذر كل الحذر من تمكينه من تناول ما يزيل عقله من مسكر وغيره، أو عشرة من يخشىفساده ، أو كلامه له ، أو الأخذ في يده ، فإن ذلك الهلاك كله ، ومتى سهل عليه ذلكفقد استسهل الديّاثة ، ( ولا يدخل الجنة ديّوث ) رواه أحمد ، فما أفسد الأبناء مثلتغفل الآباء وإهمالهم ، واستسهالهم شرر النار بين الثياب !! فأكثر الآباء يعتمدونمع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون ، فكم منوالد حرم ولده خير الدنيا والآخرة ، وعرّضه لهلاك الدنيا والآخرة ، وكل هذا عواقبتفريط الآباء في حقوق الله ، وإضاعتهم لها ، وإعراضهم عمّا أوجب الله عليه من العلمالنافع ، والعمل الصالح .. حرمهم الانتفاع بأولادهم ، وحرم الأولاد خيرهم ونفعهملهم هو من عقوبة الآباء .
ويجنبه لبس الحرير؛ فإنه مفسد له ، ومخنث لطبيعته ، كما يخنثه اللواط ، وشرب الخمر، والسرقة ، والكذب . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحرم الحرير والذهب علىذكور أمتي ، وأحل لإناثهم ) رواه الترمذي ، والصبي وإن لم يكن مكلفاً؛ فوليه مكلفلا يحل له تمكينه من المحرم ، فإنه يعتاده ، ويعسر فطامه عنه .
5 ـــ ومن أصول التربية الطفل ، تهيئته للدور الذي يحسن القيام به وإفساح المجال أمامه لتنمية قدراته ، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنه وهو ابن سبعة عشر ربيعاً على الجيش الذي يغزو الروم في بلاد الشام ، وكان في الجيش كبارالصحابة .
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه أميراً على اليمن و هو في التاسعة عشرة من العمر .
وعن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أنه قال : َلَمَّا كَانَتْوَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ ،‏ وَبَدَرَ أَبِىقَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ ،‏ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْعِنْدِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَقًّا فَقَالَ :ط‏ صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِيحِينِ كَذَا ،‏ وَصَلُّوا كَذَا فِي حِينِ كَذَا ،‏ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ،‏فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ ،‏ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآناً "‏ .‏فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآناً مِنِّى ،‏ لِمَا كُنْتُأَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ ،‏ فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ،‏ وَأَنَاابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَىَّ بُرْدَةٌ ،‏ كُنْتُ إِذَاسَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّى ،‏ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِ أَلاَ تُغَطُّواعَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ .‏ فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصاً ،‏ فَمَافَرِحْتُ بِشَيءٍ فَرَحِى بِذَلِكَ الْقَمِيصِ.‏رواه البخاري .
وكان لبعض المشايخ تلاميذ فكان يخص أحدهم بإقباله عليه دون غيره فقالوا له في ذلك فقال أبين لكم فدفع إلى كل واحد من تلامذته طائرا وقال له اذبحه حيث لا يراك أحد ودفع إلى هذا أيضا فمضوا ثم رجع كل منهم وقد ذبح طائره وجاء هذا بالطائر حيا فقال هلا ذبحته فقال أمرتني أن أذبحه حيث لا يراني أحد فلم أجد موضعا لا يراني فيه أحد فقال الشيخ لهذا أخصه بإقبالي .
يقول ابن القيم رحمه الله : ( ومماينبغي أن يعتمد : حال الصبي ، وما هو مستعد له من الأعمال ومهيّأ له ، فإذا رآه حسنالفهم ، صحيح الإدراك ، جيد الحفظ ، واعياً .. فهذه من علامات قبوله وتهيئته للعلم ،لينقشه في لوح قلبه ما دام خالياً ، فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه ، وإن رآهبخلاف ذلك من كل وجه وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي، واللعب بالرمح، وأنه لا نفاذ له في العلم، ولم يُخلق له؛ مكَّنه من أسباب الفروسية والتمرّنعليها ، فإنه أنفع له وللمسلمين ، وإن رآه بخلاف ذلك ، وأنه لم يُخلق لذلك ، ورأىعينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع ، مستعداً لها ، قابلاً لها ، وهي صناعة مباحةنافعة للناس؛ فليمكَّنه منها، هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه ، فإنذلك ميسر على كل أحد لتقوم حجة الله على العبد ، فإن له – سبحانه وتعالى – علىعباده الحجة البالغة ، كما له عليهم النعمة السابغة ) .
أما التسلط على الطفل وقهر شخصيته ، ومنعه من تحقيق رغباته حتى ولو كانت مشروعة ، كأن تفرض الأم على الطفل ارتداء ملابس معينة أو طعام معين أو أصدقاء معينين ، فإن نتيجة هذا الأسلوب أن ينشأ الطفل ولديه ميل شديد للخضوع والخنوع ، ويفقد القدرة على الإبداع والإنجاز، أو إبداء الرأي والمناقشة ، ويجعل شخصيته قلقة خائفة تتسم بالخجل والحساسية الزائدة ، وتفقده الثقة بالنفس وعدم القدرة على اتخاذ القرارات وشعور دائم بالتقصير وعدم الانجاز .
فبعض الآباء يتعامل مع أطفاله وكأنهم ممتلكات خاصة لا كيان لهم!!، وآخرونيكلفون أبناءهم فوق طاقتهم ، ويحملونهم من المسؤوليات ما لا يطيقون . في كل هذهالحالات مغالاة ، وبعد عن الأسلوب السليم في التربية .
ولذا ، فإن الواجب هو ترك شيء من الحرية للطفل ، مع إقناعه بأن هذه الحرية ستسلب منه إذا أساء استعمالها .
6 ــــ ومن الأصول الهامة في تربية الأطفال : التربية بالمداعبة والحب ، وهذا من الوسائل التربوية النافعة ، وقد اتجهت بعض المدارس التربوية الغربية إلى اعتماد هذا الأسلوب لما فيه من تشويق نفس الطفل وتهيئتها لتقبل المعاني التربوية .
لا يمكن للعملية التربوية أن تتكامل دون حب . فالأطفال الذين يجدون منمربيهم عاطفة واهتماماً ينجذبون نحوه ، ويصغون إليه بسمعهم وقلبهم .
كان صلى الله عليه وسلم يتحبب للأطفال ويهش لهم وإذا علا الطفل ظهره الشريف وهو في الصلاة لم يعجل حتى ينزل الطفل ، وكان يقبَل الأطفال ويغمرهم بالعطف والحب.
قال أَنَس رضي الله عنه : قَالَ كَانَالنَّبِيُ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً ،‏ وَكَانَ لِي أَخٌيُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ -‏ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ -‏ وَكَانَ إِذَا جَاءَقَالَ «‏ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ »‏ .‏ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُبِهِ ،‏ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا ،‏ فَيَأْمُرُبِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ،‏ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُخَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا .‏ رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّلالحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس ، فقال الأقرع : إن لي عشرة منوالولد ما قبلت منهم أحداً . فنظر الرسول الكريم إليه ثم قال : " من لا يَرحم لايُرحم " . متفق عليه
وكان صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال فيمسح رؤوسهم .عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال : مسح رسول اللهصلى الله عليه وسلم بيده على رأسي وقال : اللهم اخلف جعفراً في ولده " رواه الحاكم .
وكان يمسح خد الطفل كما في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : صليت مع رسول الله عليه الصلاة والسام ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبلهولدان – أي صبيان – فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً.
قال أسامة بن زيد رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن ويقول: "اللهم إني أحِبُهما فأحِبَهما" .
وعن عدي بن ثابت رضي الله عنه عن البراء قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن رضي الله عنه : "اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه".
وكان معاوية رضي الله عنه يقول : " من كان له صبي فليتصابله".
7 ـــ أما العنف والقسوة في التربية ، فآثاره السلبية تعكس على سلوك وشخصية الطفل في المستقبل .
ومن الملاحظ أن العنف في التربية ، والخشونة في التقويم ، باتا من الأمور الاجتماعية الخطيرة التي يجب أن تضافر الجهود لمعالجتهما واحتوائهما فهما من أكثر المظاهر خطورة على الفرد والأسرة والمجتمع ، لأنهما غالباً ما يحدثا خللاً في منظومة القيم ، واهتزازاً في نمط الشخصية ، خصوصاً عند الأطفال ، مما يؤدي إلى نشوء أساليب خاطئة وخطيرة في العلاقات والسلوك ، وبروز أنماط من الشخصيات غير المستقرة من الناحية النفسية والسلوكية . وهذا في حد ذاته كفيل بإعادة إنتاج العنف سواء داخل الأسرة أو خارجها في المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية المنتشرة في المجتمع، حيث تشير بعضالدراسات إلى أن الذين يقعون ضحية للعنف في صغرهم، يُمارسون العنفعلى أفراد أسرهم في المستقبل .
وكشفت الدراسة التي أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية في كتاب "العنف الأسري دراسة ميدانية على مستوى المملكة " وأعدها فريق علمي متخصص ، أن العنف غالباً ما يقع في الأسر المفككة بسبب الطلاق أو وفاة احد الوالدين. كما بينت النتائج التحليلية أن الإهمال هو أكثر أنواع الإيذاء التي تعامل معها الأخصائيون الاجتماعيون والنفسيون في دور التوجيه والملاحظة. ( جريدة عكاظ الأربعاء 02/06/1427هـ الموافق 28/ يونيو/2006 العدد : 1837 )
وأكدت دراسة سعودية حديثة لوزارة الشئون الاجتماعية أن هناك زيادة في حالات العنف ضد أربع فئات هم : الأطفال وكبار السن والنساء والخادمات .
فمعظم ضحايا هذا النوع من العنف هم من الأطفال الذين يرتَكِبُ الكبار سواء كانوا آباء أو أمهات أو زوجات آباء أو أخوة أو أخوات في حقهم جرائم شنيعة وحوادث مؤلمة دون مراعاة لحرمة الإنسان ودون اعتبار لرقة الطفولة وبراءتها ، ولأسباب تافهة بسيطة يمكن التغاضي عنها أو علاجها بالكلمة أو بالزجر والتأنيب .
يقول الغزالي رحمه الله في بيان سبل علاج الأخطاء التي قد تقع من الأطفال : (وإن خالف ذلك في بعض الأحوال ـــ أي الخطأ ـــ مرة واحدة. فينبغي أن يتغافل عنه، ولا يهتك ستره، ولا يكاشفه، ولا يظهر له أن يتصور أن يتجاسر على مثله، ولاسيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه، فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيد جسارة حتى لا يبالي بالمكافئة . فإن عاد ثانياً، فينبغي أن يعاتب سراً، ويعظم الأمر فيه، ويقال له: إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا، وأن يطلع عليك في مثل هذا فتفضح بين الناس، ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين، فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام من قلبه.وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه، فلا يوبخه إلا أحياناً، والأم تخوفه بالأب، وتزجره عن القبائح. وينبغي أن يأتي العقاب فور حدوث الذنب، وأن لا يكون من الشدة بحيث يشعر الطفل بالظلم، وأن لا يجرح كبرياءه ) .
ولقد لفت ابن خلدون في مقدمة النظر إلى مساوئ استعمال الشدة في التربية فقال: ( من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به إلى القهر، وضيق على النفس في انبساطها، ونهب بنشاطها، ودعاها إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقاً، وفسدت معاني الإنسانية ) .
ومن العلاج النبوي لكي يحقق المربي الهيبة دون اللجوء إلى العنف أو القسوة ، قوله صلى الله عليه وسلم : "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب". فرؤية السوط تكفي وتغني عن استعماله.
وكثير من المربين يغفل عن أثر التوبيخ بلهجة قاسية ، الذي يحدث في الطفل أثراً يفوق الأثر الذي يحدثه العقاب الجسمي الشديد للطفل، وكلما ازداد العقاب قل تأثيره على الطفل، بل ربما يزيد من تمرد الطفل وعصيانه للأوامر في المستقبل.
كما ينبغي أن يتناسب العقاب مع العمر، فليس من العدل معاقبة الطفل في السنتين الأوليين من العمر؛ بل إن تقطيب الوجه يكفي في مثل هذا السن، لأن الطفل ربما لا يدرك معنى العقاب بعد.
وقد يعاقب طفل السنة الثالثة بأخذ بعض ألعابه إذا ما أتى بعمل شاذ.
ولا يجوز أبدا ضرب الوجه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه".
كما لا يجوز التعيير: "يا كذاب.. يا لص.."
وينبغي أن يكون العقاب خفيفاً إذا حدث بعد التنبيه والتحذير ، وإذا أوقع أحد الأبوين العقوبة ، فإنه ينبغي على الآخر أن يوافقه، وإلا فلا فائدة من العقاب لأن الطفل يشعر أنه مظلوم ، وأن فعله صحيح .
كما يجب إشعار الطفل أن العقاب ليس للتشفي ولا بقصد العقاب، وإنما لمصلحته.
وبدلاً من تعنيف الطفل أو ضربه ، يجب على الوالدين أولاً أن يخبراه أين الخطأ ، وأن الخطأ ليس فيه كإنسان بل في سلوكه. كأن يقولا له: (لقد فعلت شيئا غير حسن ) ، بدلا من قول ( إنك ولد غير حسن).
ويمكن اتباع أسلوب الحوار الهادئ في عملية التربية وذلك لاجتناب العقوبة ، ويكون هذا بطرح بعض الأسئلة عليه وملاحظة أجوبته لتعليمه ما قد يخطئ فيه كأن يُسأل مثلاً ( ماذا تقول لمن لا يغسل يديه بعد الطعام).
كما أنه يحسن اتباع أسلوب " الأوامر الحازمة بحكمة " بحيث يعطي الوالد أو الوالدة الأمر بحزم مع استعداده للمساعدة ، فإذا أردنا منه أن يرتب كتبه قلنا : ( هيا نرتب الكتب سوياً ) ، وسنلاحظ هنا أن الطفل سيستجيب بصورة أسرع من استجابته لو كلفناه بأن يرتبها لوحده .
ويتبع هذا وجوب التقليل من التوبيخ كقول (لماذا تضحك هكذا) (لماذا تمشي هكذا)ألخ ، لأن هذا قد ينعكس سلباً على نفسية الطفل فيولد لديه حالة من عدم الاطمئنان.
وبدلاً من اتباع أسلوب التوبيخ ، يجب انتهاج سبيل العتاب ، والعتاب دليل على الحب ، فالله تعالى عاتب نبيه بقوله { عبس وتولى أن جاءه الأعمى }
والعتاب وسيلة تربوية فعالة ، إلا أن كثرته قد تأتي بنتيجة عكسية ، وكما قيل : "كثرة العتاب تفرق الأحباب "، كما أنه يفقد معناه إذا كان سببه تافهاً ليس ذا قيمة، فعلى كل من أراد أن يعاتب أحداً أن يسأل نفسه أولاً: هل فعله يستحق العتاب؟.
وأولى الأمور التي تستحق العتاب هي المخالفات الشرعية . ذكر البخاري رحمه الله أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه التفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب، فقال: ألم يأن لهذا الخاتم أن ُيلقى؟ قال: أما إنك لن تراه عليّ بعد اليوم، فألقاه".
لا عتاب إذا بذل الطفل طاقته ووسعه في الفعل ن ولا إذا أخطأ دون قصد ، فإنه لا يستحق العتاب لأنه لم يكن يعرف أنه أخطأ، وهنا يجب تعريفه بالخطأ .
ولا عتاب أيضاً إذا ارتكب خطأ ما نتيجة نسيانه أو لظروف خارجة عن إرادته. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" رواه ابن ماجة .
قال بعض العلماء: ينبغي أن يعد هذا الحديث نصف الإسلام، لأن الفعل نوعان: الأول: عن قصد واختيار، والثاني: ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه، فهذا القسم معفو عنه باتفاق".
ولكي يؤتي العتاب ثمرته ، يجب على المربي أن يدرك أن الهدف من العتاب هو تصحيح الخطأ ، وليس التعنيف والتوبيخ .
ويجب أن يكون بحب وشفقة وإخلاص في إرادة النصح والتقويم ، مع التأكيد على المحبة والاحترام للشخص الذي نعاتبه .
كما يجب أن يكون العتاب محددا مركزاً على الخطأ بعيداً التجريح الشخصي أو الإيذاء النفسي مع عدم الإلحاح في العتاب لأنه قد يتحول إلى هجوم ، وما زاد عن حده انقلب إلى ضده .
والأفضل استعمال أسلوب التعريض على طريقة " ما بال أقوام " فلا تضع الطفل موضع المتهم الجاني وتوجه إليه الكلام مباشرة ، لأنك تجعله يدافع عن فعله الخاطئ .
روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد، فتغيظ على أهل المسجد وقال: " إن الله قِبَل أحدكم، فإذا كان في صلاته فلا يبزقن"، وفى رواية: فتناول حصاة فحكها . قال ابن حجر رحمه الله : تغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل المسجد وعاتبهم كلهم، ولم يختص الفاعل باللوم والتأنيب والعتاب، وفي ذلك دليل على جواز معاتبة المجموع على الخطأ الذي ارتكبه واحد منهم، وذلك لأجل التحذير من معاودة ارتكاب هذا الخطأ.
8 ـــ ومن أصول التربية الناجحة : التربية بالمكافأة ، قال تعالى{ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } ففي هذا ترغيب بالعمل الصالح ، بل إن الشريعة تجاوزت مسألة المكافأة على العمل الصالح إلى المكافأة على النية الصالحة . عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة. وإن هم بها، فعملها، كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. وإن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة. وإن هم بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة".
وكان السلف يعطون مكافآت للأطفال على حفظ الأحاديث النبوية، و المكافآت حقيقة أمر تربوي في التشجيع على التعليم.
قال إبراهيم بن أدهم: قال لي أبي: يا بني اطلب الحديث كلما سمعت حديثا و حفظته فلك درهم فطلبت الحديث على هذا.
فالنتائج والمكافآت التي ينالها الطفل عند إنجازه أمراً ما تحفزه على عمل أشياء أخرى إيجابية ، لأن فمه أكثر يقظة من عقله ، وصندوق الحلوى أحب إليه من الكتابالجديد ، والثوب المزخرف أحب إليه من القول المنمق . وأن الأب الذكي هو الذييدخل البيت وفي يده هدية أو تحفة أو طرفة .
لكن ينبغي مراعاة جانب التوازن في المكافأة بحيث تكون على قدر العمل ، فلا إفراط ولا تفريط .
وهنا ملاحظة مهمة : فعند مكافئة الطفل على عمل ما ، فإنه يجب أن نقرن ذلك بتربيته على الاعتقاد في أن ما عند الله خير وأبقى ، لأن الربط المستمر بين المكافأة وبين الترغيب فيما عند الله من المثوبة من أقوى البواعث على العمل الصالح .
ويجب ملاحظة أن لا يعطى الطفل مكافأة على كل عمل ينجزه لئلا يصبح عمله من أجل الحصول على المكافأة فقط ؛ بل يجب تربيته على إخلاص العمل لله وحده .
وهنا ينبغي توسيع وتصحيح مفهوم العبودية لدى الأطفال فليست العبودية محصورة فقط في الصلاة أو الصيام، بل كل عمل يعمله فإنه ينقلب إلى عبادة يثاب عليها إذا أصلح نيته ، كتوقير الكبير وإكرام حملة كتاب الله والتبسم في وجه المسلمين والمصافحة ... ألخ .
9 ـــ ومن أصول التربية : الثناء والإطراء لكن باعتدال : فالطفل بحاجة لإظهار الشكر والمديح على إنجازاته وسلوكياته الجيدة.
لكن يجب الحذر من مجاوزة الحد في الثناء ، فعندما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يبالغ في ثناء رجل آخر فقال :"ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك" مراراً. ثم قال: "من كان منكم مادحا أخاه لا محالة، فليقل : أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه" .
10 ـــ ومن الأصول التربوية السليمة : تمكين الطفل من القيام بأعماله بنفسه ، فبعض الوالدين يقوم بنوع من "الحماية الزائدة " للطفل ، فيؤدي العمل نيابة عنه خوفاً عليه أو حرصاً على راحته ، وهذا يسلب الطفل فرصة اتخاذ القرار بنفسه ويحرمه من الحرية في التصرف في كثير من أموره ، مما يؤثر سلباً على نفسية الطفل وشخصيته فينمو بشخصية ضعيفة غير مستقلة ، ويعتمد على الغير في أداء واجباته ، مع عدم القدرة على تحمل المسؤولية ورفضها إضافة إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس مع نسبة مرتفعة في الحساسية اتجاه النقد .
ومقابل هذا الأسلوب هناك خاطئ آخر من أساليب التربية وهو "التدليل الزائد" ، كأن يلبي المربي معظم رغبات الطفل كما يريد ، مع عدم توجيهه أو ردعه عن ممارسة بعض السلوكيات الغير مقبولة.
ولاشك في أن لهذا الأسلوب آثاره السلبية على سلوك الطفل ، حيث ينشأ على أن يأخذ دون أن يعطي ، ولا يتحمل مسؤولية أفعاله ويتصرف بتهور دون إدراك عواقب ما يقوم به .
11 ـــ ومن أصول التربية السليمة : العدل في التعامل مع الأولاد . والعدل مطلوب في الأمور كلها قال تعالى { وإذا قلتم فاعدلوا }، فلا يجوز التفريق بين الأخ وأخيه أو تفضيل الصبي على البنت ، أو تفضيل ابن من الأبناء على باقي إخوته بحجة انه متفوق في دراسته أو ما شابه من الأسباب .
وهذا بلا شك يؤثر على نفسيات الأبناء الآخرين وعلى شخصياتهم لأنه قد يدفعهم إلى الحسد أو الحقد على الابن المفضّل أو الانتقام منه والكيد به
عن النعمان بن بشير قال : طلبت عمرة بنت رواحة إلى بشير بن سعد أن ينحلني نحلاً من ماله وإنه أبى عليها ثم بدا له بعد حول أو حولين أن ينحلنيه فقال لها الذي سألت لابني كنت منعتك وقد بدا لي أن أنحله إياه قالت لا والله لا أرضى حتى تأخذ بيده فتنطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهده قال فأخذ بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص عليه القصة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" هل لك معه ولد غيره "؟، قال نعم قال :" فهل آتيت كل واحد منهم مثل الذي آتيت هذا "؟، قال لا قال :" فإني لا أشهد على هذا ، هذا جور أشهد على هذا غيري اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف ". رواه ابن حبان والبيهقي .
12ـــ ومن الأصول المهمة في التربية ، قيام الوالد والوالدة بمسؤوليتهما التربوية بشكل كامل : فإذا كان الوالد في النهار في عمله ، وفي الليل مع الشلة في الاستراحة ، وإذا كانت الوالدة في عملها أو مشغولة بأقاربها وزياراتها الخاصة ، وقع الأبناء فريسة التربية السيئة للخادمات.
وقد أفرزت هذه الحالة مشاكل اجتماعية خطيرة أبرزها :
تدهور الانتماء لدىالطفل الذي يتربى على أيدي مربيات لا تربطهن أي صلة بمجتمعه وبيئته أو لغته وبالتالي يشبالطفل متعلقا بأم ليست أمه الحقيقية ويتشرب أخلاقها وأسلوبها .
يتفق معظم التربويين وعلماء النفس على أن مرحلة الطفولة المبكرة من عمر الإنسانهي المرحلة الأساسية في بناء الشخصية ومرحلة الطفولة المبكرة تعني السنوات الستالأولى من حياة الفرد ففي هذه المرحلة يتم تشكيل شخصية الإنسان من خلال العمليةالتربوية التي يتعرض لها داخل الأسرة أو خارجها، وهنا تأتي خطورة دور المربية الأجنبيةعلى سلوك الأطفال . فالخادمة لاتستطيع توفير الحنان والحب والدفء الوجداني للطفل كما أنها عاجزة عن التعامل معالطفل بلغة مفهومة صحيحة كونها لا تفهم اللغة العربية ، كما أن معظم الخادمات لا يمتلكن أيخلفية عن طرائق التربية الصحيحة.
يقول احد المختصين التربويين : "ن هنا يبدأ الأثر السلبي لسلوك الطفل البريء والذي ترافقهالخادمة في طفولته المبكرة وتزرع فيه مبادئها وقيمها ومفاهيمها بشكل مباشر أو غيرمباشر. والطفل في هذا العمر يقلد الآخرين تقليداً أعمى فهي التي تنظفه وتقدم لهطعامه وشرابه وترافقه في البيت والحديقة وتستقبله عند عودته من الروضة أو المدرسةوتهيئ له ملابسه وغرفته وتلبي معظم متطلباته اليومية. وهذا يؤدي إلى تعزيز ارتباطالطفل بخادمته نفسيا وستصبح هناك فجوة بينه وبين أمه البيولوجية، وقد تتسع هذهالفجوة النفسية وتتحول إلى إهمال عفوي أو مقصود لأمه وقد يتطور هذا الشعور إلىازدراء الأم والنظر إليها نظرة دونية في المراحل العمرية اللاحقة. وربما يعمم الطفلهذه النظرة إلى المرأة بشكل عام".
تشتكي أم من تخلى زوجها عن مشاركتها المسئولية التربوية لأبنائهما فهو إذا ما أنجز مهام عمله باكراً عاد إلى غرفة نومه يختلس بعض ساعات الراحة في نوم عميق وما إن يفيق حتى يطلب طعام الغذاء الذي ما استطاع بعد يوم عمل طويل تناوله مع أطفاله الذين ينتظرونه منذ عودتهم من المدرسة باكراً، وبعدها يبدأ بإعداد نفسه للخروج في نزهة برية مع أصدقائه الذين تخلو تماماً عن مسئولياتهم التربوية لأبنائهم واكتفوا فقط بتوفير سبل العيش الكريم والراحة لهم وقليل من اللمسات الوجدانية .
وتضيف :" ليس الراحة المادية كل شيء ، فتربية الأبناء داخل الأسرة تحتاج من الأبوين كليهما التلاحم والتوافق مع احتياجات أبنائهما جميعها . فالطفل كما يحتاج إلى المال ليدخل المدرسة ويشترى احتياجاته من المأكل والملبس ، فإنه يحتاج إلى القدوة والمثل الأعلى الذي يبني شخصيته ويعلمه القيم والمبادئ القويمة ويدعوه للتمسك بها.
لا بد من تكامل المسؤوليات بين الزوجين للقيام بعملية التربية على الوجه الأفضل . فمن يعجز عن تنفيذ واجبه التربوي يعينه عليه الطرف الآخر ، بعد أن يتم توزيع المهام على الطرفين كل حسب قدرته واستعداده الجسدي والنفسي .
تقول إحدى الأمهات :"علاقتنا الأسرية قائمة على توزيع المهام والمشاركة والمؤازرة ، أوقات الراحة لدينا واحدة نمرح فيها ونلهو نخرج في نزهة ونقضي وقتاً جميلاً سوياً، زوجي يراعي حقوق الله فيَّ وأبنائه فما إن ينتهي من مهامه الوظيفية حتى يغدو إلى بيته يحتضن أطفاله يشاركهم واجباتهم المدرسية وبعد الفراغ منها يتحولون إلى غرف نومهم يأخذون قسطاً يسيراً من الراحة وما إن تفيقوا حتى يبدأ الحديث إليهم عما يعترضهم من مشكلات يوجه سلوكهم ويقوِّم آراءهم. وفي المقابل لا يهمل واجباته الأخرى ، فللأصدقاء نصيب من وقته ، ولله النصيب الأكبر في الصلاة والعبادة والدعاء"،وتتابع:" علاقته مع أبنائه لا تقتصر على توفير الاحتياجات المادية بل يعمق ارتباطه بهم وجدانياً وإنسانياً بمراقبتهم عن كثب والاطلاع على مختلف جوانب حياتهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم آمالهم وطموحاتهم وحتى أحلامهم البريئة البسيطة "، وتؤكد أنها تعيش في جو أسري يفتقده الكثيرين ممن تحول آباؤهم عن مهامهم التربوية والإنسانية تجاه أبنائهم وأسرهم واقتصر دورهم على توفير الاحتياجات المادية لهم.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد على آله وصحبه


http://www.saadalbreik.com/saad/index.php?t=o0o0o0o0oo0o0o0o0oo0o0o0o0oo0o0o0o0oo0 o0o0o0oo0o0o0o0oo0o0o0o0o&tid=4&cid=1213


http://www.saadalbreik.com/saad/index.php