المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ محمد بن راشد ظاهرة إنسانية استثنائية ...د. عارف الشيخ


أفاق الفكر
11-27-2007, 12:50 AM
الشيخ محمد بن راشد ظاهرة إنسانية استثنائية ...د. عارف الشيخ


يفاجئك كل يوم بمبادراته التي لا يقدر على تنفيذها إلا سموه، ويجعلك تتفاعل مع المستحيلات وكأنها تحققت، لثقة سموه بنفسه وبما يتخذه من قرارات، والجميل فيه أن ما يقوله إما حققه فعلاً أو أنه متيقن الوقوع والحدوث.

أسلوب سموه يقترن بالصدق والواقعية واليقين، لأنه يستمد قوته من الله عز وجل، والله يحب الصادق من عباده، أليس هو القائل: كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (الآية 3 من سورة الصف).

ويوم 28-10-2007 وأنا أتابع مبادراته الجديدة في مؤتمر المعرفة، تذكرت وقوف سموه في الأردن قبل أشهر عندما أعلن عن إنشاء مؤسسة محمد بن راشد التي ستتبنى دعم أكبر تظاهرة معرفية في العالم العربي والإسلامي.

وإذا عدنا إلى كتاب “رؤيتي” الذي لخص فلسفة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وجدنا أن سموه صاحب رؤية عالمية إنسانية منذ نعومة أظفاره، فالكتاب ليس نتيجة فكر عشوائي استغرق بضعة أسابيع أو بضعة أشهر، بل حصيلة تراكمات فكرية تأملية في تراث الماضي المشرق، وإعادة نظر في واقع الحاضر المحزن.

إن الشيخ محمد بن راشد الذي أعجب بابن خلدون في طريقة تفكيره، وطريقة فهمه لحال العرب والمسلمين، ومن ثم تنبئه بالمستقبل، أعجب بذلك الفكر النير وتفاءل به حتى اتخذه قدوة في الماضي وقدوة في الحاضر والمستقبل، والذي جعله يحبه ويعجب به أكثر، هو أنه وجه عالمي ينظر للبعيد وكأنه حاضر قريب فيستعد له، وهكذا محمد بن راشد ينظر لكل الناس بأنهم سواعده، فيجب أن يستعين بمن هم في مقدمة المتنبئين وليس بمن هم في المؤخرة.

نعم تفاءل سموه بابن خلدون وبمقدمته، لكنه لم يتفاءل بمن أتى بعده كثيراً، لأن القوم منذ ذلك اليوم وهم في إخفاق مستمر، يعجبهم الادعاء أكثر من الابتكار، والإبداع والتطوير والتجديد، لذلك فإن سموه رأى أن يجدد طريقة التفكير، ويقدم اليوم للعرب والمسلمين بديلا يواكب العصر والمعاصرين، فكان أن قدم كتاب “رؤيتي” الذي كتبه بأسلوب يسهل على أبناء اليوم أن يفهموه، وطبعه في مجلد واحد رغم أنه أشبه بالقرص المدمج الذي لو أفردت محتوياته لاحتاجت إلى مجلدات.

إنه أراد بهذا الكتاب أن يفتح أمام غير المتعصبين في منطقتنا باب التفكير والتأليف والترجمة، وإمكانية الاستعانة بغيرهم في بلاد الله الواسعة إذا وجدوا العقول في منطقة العروبة والاسلام متحجرة أو منغلقة على نفسها، فالمهم أن يكون العمل بناء.

وعند قراءتي لبعض الأوراق المقدمة في مؤتمر المعرفة الأول الذي انعقد في دبي في الفترة من 28-29/10/ ،2007 وجدت جملة بليغة الاعتبار والعظة للدكتور مخلص الحريري الذي قال في مداخلته وهو يتناول الفضاء الحضاري للبحث العلمي: “إن أغلب العلماء في عصور ازدهار العلم العربي لم يكونوا عربا كعمر الخيام وابن سينا والخوارزمي، لكنهم استخدموا العربية، لأنها كانت لغة العلم”.

ويريد الحريري بهذا القول أن يؤكد أن الحضارة الإسلامية تطورت نتيجة تماسها مع الحضارات الأخرى والتسامحية التي امتازت بها، ثم لفت الدكتور الحريري النظر إلى أن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم الجديدة سوف تعطي فرصة جديدة لانطلاقة معرفية جديدة.

أقول وإنني أؤكد هذا الفهم لهذه المؤسسة، فالعرب والمسلمون اليوم في حاجة إلى قائد جريء ينتشلهم من محنة التأزم والتقوقع داخل النفس المتشائمة، ولن ننتظر الأكثر جرأة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الأسد الشاعر والمحنك الفارس والرياضي الحكيم.

جلست أتأمل كثيراً في عنوان المؤتمر الذي يحمل اسم “المعرفة”، إذ إننا تعودنا منذ سنوات أن نسمع عن مؤتمرات بعنوان التربية أو التعليم أو الثقافة، لكن يبدو أن تلك المسميات كانت ورماً وباتت فضفاضة لدرجة اليأس منها إلى أبعد الحدود، لذلك فإن بعض البلاد التي كانت تسمي وزارة التربية والتعليم بوزارة المعارف، ربما كانت على حق، لأن المعرفة أحق بالاحتفاء بها قبل التربية والتعليم والثقافة.

وأتذكر أن مؤسسات التعليم في منطقتنا سابقاً بدأت بمسمى المعارف، كمعارف الكويت مثلاً ومعارف البحرين، ومعارف قطر وهكذا، ما يدل على أن القديم كان أقرب إلى الحقيقة، وكانت الاستفادة أكبر فعلاً، فأصحاب الفعاليات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ما زالوا هم من رواد تلك المرحلة.

ونعود إلى عالمية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي يضع مقدمة ابن خلدون في يد وكتاب “رؤيتي” في يد أخرى، لنجده متفائلاً جداً برؤيته التي فتحت أمامه مستقبل العالم، فرأى أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، لكن سموه سوف يجعل الأرض تنتج ذهباً.

وعندما قال له صديقه الإفريقي: أنت كمن يحرث في البحر، قال له سموه: إن الإنسان إذا أقدم على عمل وفي داخله هاجس بأنه لن ينجزه، فلن يقدر على القيام به فعلاً.

ثم يقول سموه: أقول لصديقي الذي كان متشائماً وشبهني كمن يحرث في البحر عندما أطلقت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم: إن هذه المؤسسة ستنجح كما نجحنا في استخراج اللؤلؤ والمرجان والجزر من البحر.

إذن، فإن الحرث في البحر ممكن، وليس بمستحيل، والنظرية يجب أن تصحح طالما وجدت نظرية جديدة تبدد المستحيل بفعل التفاؤل الذي أمرنا به ديننا، ومثل هذا التفاؤل جدير به سموه، فهو الذي يقول عن نفسه إنه يقرأ بعمق ويفكر بعمق، لذا فإن تطلعات سموه أكبر من أن تحد بحدود، لأنها تعدت حدود العالم العربي إلى العالم الإسلامي، وليس بغريب أن تتعدى إلى العالم أجمع طالما يؤمن سموه بأن الحضارات تأخذ من بعضها، وأتمنى لسموه أن يقود العالم لأن مؤهلاته الإنسانية تؤهله لهذه القيادة.

أما أبعاد المبادرات ال 25 التي أطلقها سموه، فهي مبادرات طموحة والواحدة منها أكبر من الأخرى، وقد شملت كل فئات المنظومة المعرفية، وشملت العالمين العربي والإسلامي، ولعل تحديه العالم العربي بإصدار ألف كتاب سنوياً على يد المؤسسة الوليدة، يثبت يقيناً أن التحدي القادم أكبر، ولا سيما أن الإمكانات المادية التي سخرها سموه لنجاح المؤسسة في أداء رسالتها سخية جداً، وتطلعات سموه ألا تأخذ هذه المبادرات وقتاً طويلاً في ترجمتها إلى واقع ملموس على أيدي مفكرين وكتاب وأدباء وباحثين ومبدعين وموهوبين، الذين يفترض أن يكونوا من الأحرار الذين يعيشون جو المعرفة بكامل حريتهم الفكرية.

نعم، ما زلت أرى الكثيرين من الكُتّاب والمفكرين يعيشون في أروقة الماضي الكئيب لا الماضي المتفائل المشرق، لذلك فإنهم لم يستطيعوا العبور إلى فضاءات المستقبل الواسع، وهؤلاء إذا فكروا بالتفكير السابق نفسه وهم تحت مظلة مؤسسة محمد بن راشد، انطبق عليهم قول أبي فراس الحمداني الذي يقول:


أقول وقد ناحت بقربي حمامة
أيا جارتا. لو تشعرين بحالي

أيا جارتا. ما أنصف الدهر بيننا
تعالي أقاسمك الهموم تعالي

أيضحك مأسور وتبكي طليقة
ويسكت محزون ويندب سالي؟

لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة
ولكن دمعي في الحوادث غالي